لماذا الإعراض عن  تناول  الترياق؟!

لماذا الإعراض عن  تناول  الترياق؟!

التحرير

  • هل يمكن أن يكون نظام الخلافة سبيل نجاة العالم؟
  • ما الدليل على أن نظام الخلافة هو محور حركة التاريخ؟

________

مما يؤسف له في هذه الآونة أن القوى الكبرى في الأرض أخذ بعضها يموج في بعض، في تكرار لمشهدٍ بغيض، هو الثالث لحرب عالمية، لم يكد العالم يستعيد عافيته بعدُ من آثار سابقتها، أي الحرب العالمية الثانية. فالحاصل الآن أن عالمنا يئن تحت وطأة آلامه وأوجاعه، على الرغم من توفر الدواء، بل ووجود من يلوح به دومًا، ممثلًا في نظام الخلافة المبارك، والذي يقف على المسافة نفسها من كافة الأطراف المتناحرة، ويتجسد هذا النظام المبارك في جماعة صُنعت على عين الله تعالى وتحت خالص رعايته، ويحمل أمانتها خليفة أقامه الله تعالى بحكمته وقدرته. ولكن، يالحسرة مريض دائم الإعراض عن طبيبه المؤاسي ودوائه الشافي بإذن الله تعالى! لقد بيَّن الله تعالى في غير موضع من كتابه الكريم ضرورة الخلافة، وأنها سبيل نجاة العالم كله.

ولكن لماذا يُعرض أكثر أهل الأرض اليوم عن الدخول تحت ظل الخلافة والبقاء فيه؟!

لم يعد هناك شك في أن ساسة العالم وكُبراءه في هذا العصر باتوا يدركون تمام الإدراك أن مصلحة عالمهم إنما تكمن في اتباع السبيل الموصوف في وحي الله تعالى، ولكن مصلحتهم ورغباتهم الشخصية والقومية هي ما يحرمهم من قبول الحق إلى الأبد ويُعرِّضهم للعذاب(1)، يقول تعالى عن موقف أسلاف هؤلاء:

وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ (2)

وها هي بوادر العذاب تلوح في الأفق، ومع هذا لا تزال الفرصة سانحة، ولم يُوصد باب التوبة بعد، ولكن، من يدري إلامَ يظل مفتوحًا؟!

إن تناحر القوى الكبرى سببه ذلك التسابق البغيض على بسط النفوذ السياسي والعسكري على أكبر مساحة من المعمورة، كما لو أنهم يقتسمون الكعكة! وفعلتهم تلك إنما هي جريمة بحق الإنسانية التي يريد خالقها عز وجل لها أن تتحد، وهم يبغون تقسيمها واقتسامها، فبعدا لهؤلاء المقتسمين، الذين جعلوا بني الإنسان عضين!

لقد جاءت الخلافة الراشدة مشروع توحيد وتأليف للقلوب، بحيث لا يُلغي هذا التوحيد حرية الاختيار، بل يؤصِّل لاحترامها، بحيث لن يجد الباحث المتفرس خيرًا من هذا النظام الرباني في احتواء هذه القيمة الإنسانية، أي حرية الاختيار. والعجيب أن آيَ التنزيل الحكيم تعاملت مع موضوع الخلافة ذاك كقضية حياة أو موت، وبوصفه سبيل النجاة الوحيد، ولا نجاة في سلوك أي سبيل سواه، فليت الإنسانية تدرك ألاَّ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ. لقد عانت الأمم الخالية من مثل ما تعاني أمتنا هذه في آخر الزمان، مع الفارق في حجم المعاناة، باعتبار الفارق في حجم واتساع الأمم أيضا، جاء النبيون ليقدموا إلى أقوامهم سبيل الخلاص. لقد ثبت بوضوح ألا جدوى من حمل الدواء والاعتناء به، بل لا بد من تعاطيه، بغية التماثل للشفاء، وبنفس الأسلوب نرى ضرورة التعامل مع الخلافة، فلا يكفي تصفيق الساسة والقادة والبرلمانيين والصحفيين لإرشادات خليفة الوقت وخطاباته، بل ينبغي كذلك السير بمقتضى توجيهه لبلوغ المرام المنشود.

قراء التقوى الأفاضل، تحتفي أسرة “التقوى” معكم هذا الشهر مايو/ آيار من عام 2022 بالذكرى الرابعة عشر بعد المائة لذلك الحدث السعيد، إذ سطعت في مثل هذا الشهر من عام 1908 شمس نهار الخلافة بعد انتقال المسيح الموعود إلى رفيقه الأعلى في 26 مايو/ أيار عام 1908م.

لقد جاءت الخلافة الراشدة مشروع توحيد وتأليف للقلوب، بحيث لا يُلغي هذا التوحيد حرية الاختيار، بل يؤصِّل لاحترامها، بحيث لن يجد الباحث المتفرس خيرًا من هذا النظام الرباني في احتواء هذه القيمة الإنسانية، أي حرية الاختيار. والعجيب أن آيَ التنزيل الحكيم تعاملت مع موضوع الخلافة ذاك كقضية حياة أو موت، وبوصفه سبيل النجاة الوحيد، ولا نجاة في سلوك أي سبيل سواه…

وفي عدد هذا الشهر ننطلق من كلمات خليفة الوقت المباركة، إذ يرينا حضرته (أيده الله تعالى بنصره العزيز) نموذجا تاريخيا يُثبِت سنة الله في جعل الخلافة ذريعة لتوحيد الإنسانية، وهذا النموذج التاريخي تمثل في خِلَافَة أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَالتي كانت تَثْبِيتًا لدِعَامَتَي تَوْحِيدِ اللهِ وَوحْدَةِ الأُمَّةِ، فليتنا ندرك أن الخلافة الراشدة الثانية هي كذلك تثبيت لدِعَامَتَي تَوْحِيدِ اللهِ وَوحْدَةِ العالم. هذا وتدور مواد سائر العدد في فلك الخلافة، حكاية، وشرحا، وتغنِّيًا، والله تعالى من وراء القصد.

الهوامش:

  1. حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد، التفسير الكبير، ج4، ص1-2، الطبعة العربية الأولى، الشركة الإسلامية المحدودة، لندن، 2004.
  2. (النمل: 15)
Share via
تابعونا على الفايس بوك