شريعة الإسلام صيانة للأرواح والأجسام.. "فيه شفاء للناس"

شريعة الإسلام صيانة للأرواح والأجسام.. “فيه شفاء للناس”

نور البراقي

كاتبة
  • ما جوهر الشفاء المذكور في قوله تعالى: ((فيه شفاء للناس))؟

 _______

فوائدُ في ضوء فلسفة تعاليم الإسلام

ما من شيء شرَّع الله تعالى في كتابه أكله أو شربه إلا وهناك منفعة يجتنيها منه آكله أو شاربه، وما من شيء نهانا الله تعالى عنه إلا وفي الكف عنه وقاية من شر محقق. من هذا المنطلق العام ننظر إلى ذلك الشراب مختلف الألوان، والذي جعل الله تعالى فيه شفاءً لنوع الإنسان، إنه العسل، وما أدراك ما العسل! إنه ذلك الشراب ذو المذاق الحلو، حتى ليضرب بحلاوته المثل، فيقال: «أحلى من العسل!»، وهو الشراب شائع الذكر ذائع الصيت فيما بقي من تراث شتى الحضارات الإنسانية التي عمرت هذا الكوكب، وهو الغذاء الذي اتفقت كافة الأطياف والمذاهب والأديان على تحليله (القول بحِلِّه) واستساغته، كما توصلت الأبحاث الحديثة إلى أدلة تثبت عظيم نفعه بعد تحليله (بيان عناصره)، فقد اتفق الناس قاطبة، قدامى ومعاصرون، على لذاذته ونفعه، وكيف لا؟! أليس هذا الشراب العجيب هو ما قال الخلاق العليم بحقه: فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ (1) بلى، إنه كذلك. لا سيما إذا نظرنا إلى هذا الأمر الدقيق بِرُمَته عبر عدسة كتاب فلسفة تعاليم الإسلام، حيث وضح المسيح الموعود سر تحليل وتحريم الأطعمة في شريعة الإسلام، فبنفس الأسلوب يمكن أن نبحث في بعض أسرار العسل ومزاياه.

نموذجَا النحلة والذبابة

جدير بالانتباه في عالم الحشرات نموذج النحلة كملقح طبيعي للنباتات بشتى أنواعها، فيما يسمى بعملية التأبير، والتي يتوقف عليها تكاثر النباتات وإثمارها، وبالتالي توفير الغذاء لطائفة عظيمة من الأحياء التي تقطن اليابسة ضمن النظام البيئي الموحد على هذا الكوكب.

النحلة كملقح طبيعي دون سائر الطيور والحشرات الطائرة الأخرى، تمتاز بخاصية فريدة، إذ إنها تأخذ أقل القليل لتعطي الكثير والكثير، ففي خضم بحثها الدؤوب عن الرحيق شأن كل الطيور الصغيرة والحشرات الطائرة تزودنا بشرابها الثمين الذي نحن بصدد الحديث عنه.. بينما إذا نظرنا إلى نموذج الذبابة مثلا، فسنرى أنها على الرغم من اشتراكها مع النحلة في مهمة التأبير (التلقيح) إلا أن ضررها أكبر من نفعها، ولا تعطي ما تعطيه النحلة من شراب طاهر لذيذ مفيد، فهي تنقل كل ما تقع عليه، وليست كالنحلة التي لا تقع إلا على طيب وبالتالي لا تنقل إلا طيبا، لهذا كانت النحلة صالحة ليُضرب بها المثل للعبد المؤمن.

فالشفاء الوارد في سورة يونس شفاء من مرض روحاني، يمكن أن يكون مرجع ذلك الشفاء التعلق بأهداب الخلافة التي هي مصداق تحقق وعد الله تعالى لجماعة المؤمنين.

ماهية الشفاء

إننا لو تأملنا في موضوع الشفاء سالكين سبيل الوحي، مستقرئين الآيات القرآنية، فإننا نجد إلى جانب قول الله تعالى في سورة النحل:

يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (2)،

نجد كذلك ذكر الشفاء في ثلاثة مواضع أخرى، وهي:

قوله تعالى:

أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ * هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (3)

 وقوله تعالى:

وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (4)

 وقوله تعالى:

وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (5)

 وبمحاولة استخلاص القاسم المشترك بين مفهوم الشفاء في الآيات الثلاث، نلاحظ أن الشفاء المذكور في آيات سور يونس والإسراء وفُصِّلَتْ هو شفاء من داء روحاني عضال، ففي آيتي سورة يونس نلاحظ أن الشفاء مذكور ضمن سياق خاص، سياق يتحدث عن وعد الله تعالى المتحقق لا محالة، والذي يُعلِّمنا القرآن الكريم بنفسه أنه وعد الاستخلاف، يقول تعالى:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ (6)..

فالشفاء الوارد في سورة يونس شفاء من مرض روحاني، يمكن أن يكون مرجع ذلك الشفاء التعلق بأهداب الخلافة التي هي مصداق تحقق وعد الله تعالى لجماعة المؤمنين.

إن قضية وحي الله للنحل واردة في قوله تعالى:

وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (7)

كل هذه الأوامر أفضت إلى نتيجة نهائية واحدة، وهي إخراج شراب مختلف ألوانه من بطونها! ثم جاء  الهدف الأسمى الذي طالما سعى له القرآن الكريم لمصلحة الإنسان وهو .. فيه شفاء للناس ..

إن خلق النحلة ثم سعيها وتحضيرها مادة العسل في بيوتها .. يهدف لشفاء الناس وتغذيتهم، دع عنك المواد الأخرى التي تنتجها كالعكبر وغذاء الملكات وسم النحل والشمع، وكلها تساعد في التغذية والشفاء كما هو معروف، علاوة على ما تؤديه تلك الحشرة النافعة  من خدمة التأبير المجانية سالفة الذكر للحفاظ على أنواع النباتات والتي يُعزى إليها توفير القوت الضروري لحياة قسم عظيم من الأحياء.

لقد كان العسل أحبّ شراب عند الرسول ، فعن عائشة (رضي الله عنها) أنها قالت: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يُحِبُّ الْحَلْوَاءَ وَالْعَسَلَ»(8)

المزيد من أسرار العسل تتكشف تدريجيا من خلال معرفة تركيبه أولاً  وثانياً أثره الطيب في صحة الإنسان.

 

سر التركيبة

يتكوّن عسل النحل الطبيعيّ من مجموعةٍ من المكونات التي تعتمد على طبيعة النبات الذي تحط عليه النحلة، والظّروف الجويّة المحيطة به، ويتكون عسل النحل من: السكريات: ومن أهمّها: «الفركتوز»، و»الجلوكوز»، و»المالتوز»، وغيرها، وتشمل السكريات منه نسبة عالية مما يكسبه ذلك المذاق الحلو. ثم الماء، ويوجدُ بنسبةٍ قليلةٍ في العسل، وذلك من أجل المحافظةِ على تماسكه، ويشكّل الماء ما يُقارب 17% من العسل. ثم الخمائر التي تُساهم في تحلّل السكريات، ومُعظم العناصر الأخرى التي يتكوّن منها العسل الطبيعيّ، ومن أهمّ أنواع الخمائر: «الأميليز»، و»الفوسفاتيز»، و»الإنفرتيز»، وغيرها. ثم تأتي الأحماض الأمينيّة لتُساعد في عملية إذابة وخلط مكونات العسل الطبيعيّ معاً، ومن أنواع هذه الأحماض: «البرولين»، و»التيروزين»، و»الهستدين»، وغيرها. ويأتي دور الفيتامينات، هي المكونات المفيدة الغذائيّة، والدوائية في آن، والموجودة في العسل، ومن أنواعها: سلسلة فيتامينات B (1,2,3,4,5,6,8,9) وفيتامين C. وكذلك المعادن، وهي المكوّنات الغذائيّة التي تدعم الفيتامينات في دورها المفيد في العسل الطبيعيّ، ومن أهمّ أنواعها: الحديد، «البوتاسيوم»، و»الكالسيوم»، و»الصوديوم»، وغيرها. كان هذا السرد السريع لمكونات العسل شيئا من قبيل الإشارة فقط، وإلا فهناك العديد من الصفحات المتخصصة التي ينصح بالرجوع إليها لمزيد من المعلومات بهذا الصدد.

طائفة من فوائد العسل الصحية

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ فَقَالَ: «أَخِي يَشْتَكِي بَطْنَهُ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَى الثَّانِيَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ اسْقِهِ عَسَلًا ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ قَدْ فَعَلْتُ فَقَالَ صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ اسْقِهِ عَسَلًا فَسَقَاهُ فَبَرَأَ»(9)

لقد أصبح تأثير العسل في صحة الإنسان معروفًا بشكل أدق في الآونة الأخيرة بمتابعة نتائج الكثير من التجارب العلمية والشخصية اليومية أيضًا، وما خفي من أسراره كان أعظم ولا يعلمها إلا علّام الغيوب.

ومن بعض ما نعلم من الفوائد الذهبية للعسل نذكر مايلي:

العسل مصدر طبيعي للطاقة، كما أنه مفيد للبشرة والشعر. وهو مضاد للميكروبات ويحافظ على الأسنان لفعاليته في مكافحة البكتريا المسببة للتسوس، كما أن له دورًا فعالًا في حماية اللثة، ومفيد للتخلص من رائحة الفم الكريهة.

وأما عن الفوائد الصحية المثبتة مخبريًا فحدث ولا حرج! منها مثلا أنه معزز فعال لـ»هيموغلوبين» الدم ويعمل على زيادته، كما ثبتت فعالية العسل في الوقاية من السرطانات، لا سيما التي تصيب الجهاز الهضمي. والعسل علاج لبعض أمراض الجهاز التنفسي فهو مثلا مهدئ فعال للسعال. وهو علاج للحروق ومطهر للجروح، وعلاج لأمراض العين والجلد. وهو مكافح ممتاز للالتهابات، كما أنه يعمل على خفض مستويات الدهون المرتفعة في الجسم، فهو مناسب لمن يتبعون نظام حمية غذائية. كما أنه يعزز من كفاءة الجهاز الهضمي وحمايته من الإصابة بالمشاكل الهضمية المختلفة، وهو علاج سريع لحالة الحازوقة، كما أن من فوائده الصحية المجربة التقليل من مشكلة ارتجاع المريء.

وهناك إشارات نبوية عديدة إلى الطبيعة الوقائية الكامنة في العسل، بحيث يقي من أمراض لا حصر لها لم يكن لها وجود في زمن النبوة الأولى، ولكن حضرة خاتم النبيين أشار إلى أن في هذا الغذاء دفع لبلاء عظيم!

فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «مَنْ لَعِقَ الْعَسَلَ ثَلَاثَ غَدَوَاتٍ كُلَّ شَهْرٍ لَمْ يُصِبْهُ عَظِيمٌ مِنْ الْبَلَاءِ»(10)..

نعم .. فدرهم وقاية خير من قنطار علاج!

الهوامش:

  1. (النحل: 70)
  2. (النحل: 70)
  3. (يونس: 56-58)
  4. (الإسراء: 83)
  5. (فصلت: 45)
  6. (فصلت: 45)
  7. (النور: 56)
  8. (النحل: 69-70)
  9. (صحيح البخاري، كتاب الأطعمة)
  10. (صحيح البخاري،كتاب الطب)
Share via
تابعونا على الفايس بوك