سلام من الشرقِ والغرب

سلام من الشرقِ والغرب

التحرير

  • الداء العضال والدواء الفعال.
  • الإنسانية صمام أمان العالم.
  • النموذج الأمثل لاحتواء المهاجرين.

__

تبلورت الأزمة وبدت ملامحها البغيضة أكثر وضوحا للمتبصرين وغاب السلام في الشرق والغرب. ومن منة الله تعالى علينا أن جعل أوجاع الأجساد تنبيها إلى ما يحيق بها من الأدواء. وتكمن خطورة الأمراض الخبيثة في سريانها دون أن ينتبه المرء إليها فيستفحل أثرها حتى يوشك علاجها أن يكون مستحيلا. وعلى هذا المنوال يُقاس سلام العَالَم حيث إنه يتأثر بأدواء قد لا تبدو للعيان، مما قد يعيق عملية استعادته وترسيخه على المدى البعيد، ولكن رحمة الله تعالى ولطفه بعبادة تتداركان الأمر دوما، فيقيم ذلك الحي القيوم (سبحانه وتعالى) من يشخص الداء العضال ثم يصف الدواء الفعال. وعلى مستوى حفظ أمن العالم وأمانه لا تفتأ الخلافة الراشدة الثانية تنبه بشكل منتظم مدروس كافة صناع القرار في العالم إلى خطورة الموقف، فتقدم نماذج لحلول قصيرة الأمد وأخرى على المدى البعيد أيضا لأجل استعادة ذلك السلام المفقود. وفي منتدى السلام الوطني السادس عشر المنعقد برعاية الخلافة الراشدة الثانية في المملكة المتحدة، شخّص خليفة المسيح الموعود المشكلة ولخصها في أمرين، أولهما مشاعر البغض التي يكنها شعب تجاه الآخر، والثاني أزمة الهجرة من بلدان العالم الثالث إلى الغرب، واستياء أهل البلدان الأصليين من الوافدين عليهم ظنا منهم أن الوافدين يقاسمونهم أرزاقهم. وما هاتان الفكرتان إلا نتاج نزغ شيطان العداوة والبغضاء بين الناس الذين نبذوا مِن قبل أمر بارئهم بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. لقد بدا الإنسان بمنطقه المغلوط ذاك أكثر الكائنات تناقضا وإثارة للجدل، فخلافا لكافة الأحياء المعروفة بالصفة الاجتماعية في عالم الحيوان، نجد أن الإنسان وحده يسعى في سبيل الحفاظ على نفسه القضاء على بني جنسه، لهذا فإنه طالما يعدم خُلُق المواساة، فيمسي وحشا بالتدريج. وطالما جاءت الرسالات السماوية من الله تعالى لتقلِّم لذلك الوحش مخالبه، وبالفعل تنجح في ذلك إلى حين، ولكن، ولحكمة يعلمها الله تعالى تنمو مخالب ذلك الوحش من جديد، فيرسل الله تعالى من يقلم تلك المخالب كل مرة، وهكذا دواليك.. وأحزاب اليمين المتطرف في شتى المجتمعات في هذا العصر نموذج صريح لوحش العنصرية والشعوبية القذر ذي المخالب، والذي يظن أنه لن يتيسر له البقاء حيا إلا بافتراس حقوق الآخرين.. ألم يُدرك البشر بعد أن هذا الوحش وليد بيئة شقاء الشعوب وخيبة آمالها في حكوماتها؟! ألم تلتهم النازية نصف أوروبا وتضرم في العالم حربا عالمية بسبب يمينية هتلر المتطرفة، والتي ظن الألمان أنها تعيد إليهم مجدهم الغابر؟!

الآن أصبح مطلبا حيويا إفشاء السلام الحقيقي في عالم بات قاب قوسين أو أدنى من حتفه ونهايته المريعة، وفي خضم ما يعصف بعالم اليوم من كوارث، وعلى الرغم مما يحيق به من نكبات على شتى الصُّعُد، الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، إلا أن بمقدورنا الجزم بأن الإنسانية لم تعدم الخير فيها متمثلا في أناس جعلهم الله تعالى مناط أمن الدنيا وحفظها، فهم كصمام أمانها وطوق نجاتها، وتظل مساعي أولئك الأخيار مصداق نبوءة خير البرية حين قال: «الخيرُ فِيَّ وَفِي أُمَّتِي إِلى يومِ القِيَامةِ».. وعلى اعتبار أن الأمة المحمدية لا تقتصر على مسلمي اليوم البالغين بمذاهبهم المتفرقة نسبة السُّبْع من سكان المعمورة على أقصى تقدير، كذلك فإن حال أكثر مسلمي اليوم يتنافى مع تلك النبوءة الصادقة يقينا، فلا مناص إذًا من الإقرار بأن خير أمة أُخرجت للناس هي تلك الجامعة للإنسانية جمعاء في هذا الزمان على اختلاف الألسن والألوان، بل وحتى الأديان.لقد بات جليا أن قوى الحرب العالمية لا رادع لها عن طيشها المستمر إلا بأن تنكوي بشيء من نار ذلك الطيش، تماما كصبي غِرٍّ لا ينتهي عن العبث بالنار أو الكهرباء ما لم يصبه شيء من أذاهما..

وفي خضم ما يعصف بعالم اليوم من كوارث، وعلى الرغم مما يحيق به من نكبات على شتى الصُّعُد، الاقتصادية والسياسية والعسكرية وغيرها، إلا أن بمقدورنا الجزم بأن الإنسانية لم تعدم الخير فيها متمثلا في أناس جعلهم الله تعالى مناط أمن الدنيا وحفظها…

حقا، إنه لمشهد غير مألوف، أن تشهد تلك البقعة النائية الهادئة في أقصى الجنوب الشرقي من خارطة العالم شيئا مما يعكر صفو هدوئها كحادث إرهابي، كالذي شهدته نيوزيلندا في منتصف مارس/ آذار المنصرم، فلا يكاد تاريخ تلك الجزيرة وما حولها يسجل واقعة إرهابية أو خطاب كراهية كهذا من قبل، على الرغم من احتواء ذلك البلد على مزيج ثقافي تعددي كالذي يوجد في بلدان غربية عصفت بها ريح توجس الخيفة من الآخر المهاجر المختلف، ومن ثم وقفت موقف العداء ضده. على أية حال، لقد تلقى ذلك البلد القاصي الضربة بثبات، فسرعان ما تعافى حتى ليبدو أنه عاد أقوى مما كان عليه من قبل، لا سيما بعد الموقف النبيل الذي اتخذته رئيسة وزرائه «جاسندا أردين»، التي قدمت إلى نظرائها الغربيين النموذج الأمثل في احتواء المهاجرين ومواساتهم ودمجهم، وتحويلهم من مجرد وافدين يُنظر إليهم بعين التوجس والريبة إلى مواطنين صلحاء مصلحين، فهل يا ترى سيستوعب الغرب درس جاسيندا الأخير؟! على أية حال يبدو من المفارقات اللطيفة بشأن موضوع السلام أن هذين الحدثين البارزين، أعني خطاب خليفة المسيح الموعود في منتدى السلام الوطني، وردة فعل جاسيندا المواسية، قد وقعا في شهر واحد، مارس/ آذار المنصرم، وكأنها إشارةٌ وإيذانٌ بربيع سلام مقبل قريبا متوافق مع حلول الربيع المناخي أيضا.

عزيزي قارئ التقوى الكريم، نقدم إليك ضمن صفحات هذا العدد باقة من المواد المفيدة، والتي توخينا عند إعدادها مُواكَبة الحدث العالمي قدر المستطاع، ارتكازا على الكلمات عميقة الأثر لحضرة أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بصره العزيز)، لا سيما فيما يتعلق بالشأن العالمي، كذلك ثمة مقال محوره أحداث نيوزيلندا المذكورة، إضافة إلى باقة متنوعة من المواد النثرية والشعرية والأبواب الثابتة.. ندعو الله تعالى أن يجد فيها كل قارئ زاده الذي يقيم أَوَدَهُ إلى أن يصدر عدد تالٍ في مطلع الشهر القادم بإذن الله تعالى ولي التوفيق.

Share via
تابعونا على الفايس بوك