من تخدعون؟..

من تخدعون؟..

التحرير

عندما يشعر الإنسان أنه محروم من صفة طيبة فإنه عادة يبالغ في التظاهر بأنه متصف بها، فالرجل الأصلع المحب للمظاهر يضع على رأسه شعرا مستعارا كثيفا ناعما كالحرير،والمرأة .. وخصوصا إذا كانت من طائفة الممثلات والراقصات.. إذا فقدت جمالها أو كانت عاطلة منه.. بالغت في التجمل واندفعت في ذلك حتى وإن بدا وجهها أشد قبحا.

وكذلك ترى القوم الذين خمدت فيهم مشاعر الحب الصادق والإخلاص لوطنهم .. يعوضون ذلك بكثرة الأناشيد والأغاني التي تتحدث عن وطنهم وحبهم له وفي كل مناسبة بل وبغير مناسبة يشيدون باسم بلدهم ويتشدقون بأنه أعظم وأجمل بلاد العالم مع أنه بلد مسكين منكوب بهم.

والأمة المغلوبة على أمرها منذ قرون طويلة تكثر من الحديث عن الجهاد والقتل والقتال ولكنها لا تكاد تقوم بشيء أكثر من الكلام والادعاء وتتخذ من الفارس دون كيشوت مثلا أعلى لها، وعندما كان المسلمون مسلمين حقا .. التقوى تملأ قلوبهم وحب الإسلام يشع من أعمالهم وجهادهم كانوا يبنون المساجد البسيطة ولا يهتمون للمظاهر السطحية ولا يبرزونها أما وقد فترت حرارة الإيمان فيهم وأفلت حبل الله من أيديهم وأصبحوا أهل شهوات وأهواء بدأوا يأخذون بالمظاهر ويتمسكون بها .. فمن مهرجانات دينية إلى طباعة مصاحف مذهبة مزخرفة وبنوا المساجد الضخمة ذات المنارات الشاهقة وابتكروا ملابس وعمامات خاصة لمن يحترفون الوظائف الدينية ويقيمون احتفالات غنائية راقصة في المناسبات الروحانية ويكثرون من المسميات والشعارات: فهذا ملهم تقي وذاك مؤمن صالح وآخر خادم للمقدسات وغيره معز المللة وحافظ للسنة ثم آيات الله والمراجع .. وكلها أسماء لم يعرفها المسلمون الصادقون الأولون ومازال أهل العصر يتباهون بأمور لا تسمن ولاتغني من جوع .. بينما الأمة مسكينة تحتسي كؤوس الهوان وتختال في قيود الذلة وتتراجع كل يوم وراء صفوف الأمم العزيزة المحترمة المتقدمة.

لو أن فريق كرة القدم في بلد من هذه البلاد المتخلفة وصل إلى كأس العالم أو حتى فاز به فأي مجد وفخار في هذا حتى تشغلوا الناس والشباب بالبرامج والنشرات؟ هل هذا إنجاز يحررها من قيودها أو يطعم أبناءها أو يشفي أمراضها؟

لو أن فيلما سينمائيا حاز جائزة دولية فما وجه التباهي بذلك فتحتشد الإعلاميات الفاتنات لإبهار الشباب المسكين بلغو القول وسفساف الحديث؟ وأين الخير الحقيقي الذي يعود على عامة الناس وسائر الأمة؟

لو أنهم شيدوا مسجدا على مائة فدان يسع مليون شخص وترتفع منارته إلى السحاب فهل هذا يعلي شأن الإسلام؟ وهل هذا البناء يسبغ قوة ومهابة على المسلمين؟ وعلى ضخامة البنيان تلقي الرعب في قلوب الأعداء وتحمي الأصدقاء؟ العكس هو الصحيح فكلما بالغتم في هذه القشور كلما انكشفت للناس مخازيكم ومثالبكم وتبينت حقيقة ما تحاولون ستره بهذه الأحجار، أيهما أنفع للمسلمين والإسلام: أن تنفق المليارات على تشييد المآذن العالية والأسوار الشاهقة حول مسجد بناه نبيان كريمان ليكون بيتا لله تعالى يعمر بكل خشوع وتواضع أم تنفق على المسلمين الفقراء الذين تعتصرهم المجاعة والجفاف والأمراض؟ أيهما أجدى على أمة المسلمين: أن يبنى مسجد ضخم يتكلف 600 مليون دولار وتتدلى من سقفه الثريات الغالية ويطلق عليه اسم ملك من ملوك الأرض تشبها بملوك الروم وكنائسهم أم تنفق هذه المبالغ الباهظة في محاربة الجهل والفقر والتخلف في هذا البلد عينه أو غيره من بلاد المسلمين؟

من تخدعون؟ هل تخدعون العالم إنهم يعرفون حالكم ويدركون سفاهة تصرفاتكم ويقتّرون عليكم عندما تمدون إليهم يد الاستجداء؟ أم تخدعون قومكم وهم يعانون ما يعانون ويلعنونكم في قلوبهم وإن نافقوكم خوفا وجبنا أو رياء وتصنعا؟ ألا تستحون إذا قارنتم أنفسكم بسادتكم من حكام بلاد الدجال وأنتم أمامهم أصفار؟!

أم تخادعون الله تعالى بأسمائكم وألقابكم وهياكل تشيدونها من دماء الشعوب المسكينة وتدفعون تكاليف بنائها إلى بلاد ثرية غنية كل ذلك التماسا للسمعة وإرضاء للغرور؟

إن الله تعالى لا يخدع بالأسماء والصور لأنه تعالى لا يبالي بها ولا ينظر إليها كما أخبرنا بذلك رسوله الأمين وقال إن الله تعالى ينظر إلى القلوب التي في الصدور والقلب الصادق المؤمن لا يفرط في أموال المسلمين ولا ينفقها فيما لا ينظر الله إليه وفيما لا ينفع المسلمين في كثير أو قليل عندما يدخل الإيمان في قلوبكم وعندما تعودون إلى الإسلام الصحيح لن تكونوا بحاجة إلى هذه المظاهر الكسروية وأين أنتم من كسرى؟ بل ستكون مصالح الإسلام والمسلمين أهم عندكم من كل زخارف ومتع الدنيا.

اللهم نوّر بصيرة المسلمين ليعرفوا دينهم الحق ويغيروا ما بأنفسهم فتغير يا ربنا ما بهم وتصلح حالهم وتولي عليهم من يخشاك ويرحمهم ويتقيك يا ربنا في كل درهم استأمنته عليه من أموال المسلمين الفقراء المستضعفين فإنك يا ربنا على ما تشاء قدير!

(التقوى)

Share via
تابعونا على الفايس بوك