أحمدية أم قاديانية! إسلام أم رِدة..؟

أحمدية أم قاديانية! إسلام أم رِدة..؟

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلَهِ النَّاسِ * مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ * مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (سورة الناس)

لم تزل الجماعة الإسلامية الأحمدية ضحيةً للتعصُّب ضدها والتحامل عليها منذ نشأتها في الهند عام ١٨٨٩م. ومع أنه على وشك أن تبدأ احتفالاتها بعيدها المئوي في العام القادم.. إلا أن مسلسل التعصُّب الأعمى والتحيّز ضدها مستمرٌ بلا هوادة، بل وأشدها مما مضى.

وفي الفترات القريبة أخذت الجماعة الإسلامية الأحمدية تتسع بخطى لم تحدث من قبل، وقد تسبّب تقدُّمها والإقبال المضطرد على الدخول فيها مزيدًا من الارتباك والتهيُّج عند خصومها. وعلى مدى قرنٍ كامل كافح هؤلاء الخصوم وجادلوا من أجل الوقوف ضد أسلوبها الفريد وعرضها للإسلام بطريقةٍ منقطعة النظير؛ فاعترضوا وجادلوا ضد تفسيرها لتعاليم الإسلام؛ وشتموا وسخِروا من المنتسبين إليها؛ ولجأوا في بعض الحالات إلى القوة الغاشمة لإكراه الجماعة إلى النكوص عن عقيدتها والخضوع لهم. وعلى الرغم من كل هذه الجهود.. لم يفلح هؤلاء الأعادي لا في القضاء على مصداقية تعاليم الأحمدية، ولا في إعاقة تقدُّمها أو ضرب عقائدها. وعلى عكس ما احتال الخصوم من أجله.. تجاوب المسلمون الأحمديون مع هذا الاضطهاد والإيذاء فإذا بهم أشد حفاظةً على عقيدتهم وأكثر تفانيًا في العمل من أجل ازدهارها وتقدُّمها.

والواقع أنه لو نُظر إلى الاضطهاد المكثف ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية وخصوصًا في باكستان – لتبيّن أنه كان نعمةً مستترة. فمنذ عام ١٩٨٤ أخذت الجماعة في الانتشار بسرعةٍ أذهلت خصومها وأربكتهم، بل وأدهشت أبناء الجماعة أنفسهم، لقد فاق الدخول فيها حدَّ التصديق، وحققت نجاحات هائلة في أنحاء العالم، ووصلت منشوراتها إلى خُطى لم تُعرف في تاريخها، وأصبح نشاطها في الدعوة إلى الله تعالى موضع حسد العالَم. ومما يبعث اللوعة في نفوس خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية أنهم لم يكن باستطاعتهم وقف تقدُّمها.. على الرغم مما يلقونه من مساعدات واسعة يرصدها لهم أغنى وأقوى بلدان العالم.

وكان فشل الأعادي وما وقع بهم من هزيمة معنوية وماديّة وراء ما أصاب الكهنوت الإسلامي السلفي من قلقٍ متجدّد. فلما عجزوا عن إحراز أي تقدُّم من خلال الوسائل المشروعة.. لم يتورّع مناهضو الجماعة الإسلامية الأحمدية من اتباع أسلوبٍ خسيسٍ بارع، يقوم على اصطناع صخبٍ من التحريف وتشويه السمعة.

ولقد شهد العقدان الماضيان نشر كمٍّ كبيرٍ من المطبوعات المضادّة للأحمدية، يعمد فيها الكُتّاب إلى التوسل بالكذب والبُهتان.. بشكل لا ينبغي أن يصدر حتى من أحطّ المخلوقات. وفي الوقت الذي يتظاهرون فيه بأنهم الأوصياء على الإسلام.. تتجاهل هذه العناصر المعادية الشريرة كل قواعد الشرف والأمانة عندما يعمدون إلى تشويه العقائد والمثُل التي تؤمن بها الجماعة الإسلامية الأحمدية أو عندما يتناولون سلوك قادتها بأسلوب متعمّدٍ خبيث. وهم -حسبهم الله تعالى- يلفّقون وينسبون إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية معتقداتٍ باطلة مزوّرة، ويتلاعبون عند الاقتباس من كتب الأحمدية ليعكسوا منها معانٍ كاذبة، ويخترعون روايات محبوكة يحاولون بها تنفير الجماهير من الجماعة ومؤسِّسها الكريم: سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني. وإمعانًا في جرح مشاعر الأحمديين.. يتهجّمون على قادة الجماعة في دينهم وخُلقهم بفظاظة بالغة وسوقيّة منحطّة.

ونعتزم في الصفحات التالية -إن شاء الله تعالى- أن نوضِّح للقارئ الكريم ونعرض عليه عمق هوّة النفاق والفساد والخيانة التي تردَّى فيها خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية في حملتهم الفاسقة ضد أعظم جماعة إسلامية تقدُّمية.. تمثل في حقيقتها صورة نقيّة سليمة من التحريف لأعز رسالةٍ من الله العلي القدير.. إلى بني البشر جميعًا.

ومما هو جدير بالذكر وبالتأكيد عليه هاهنا أنّ المنشورات المضادّة للأحمدية تحتوي على أكوام هائلة من نفايات المزاعم المزوّرة والباطلة. وترل من الاتهامات والادِّعاءات.. ولذلك لا يمكن تناول كل هذه المختلقات الشيطانية في كتابٍ واحد.. لأنّ الرد عليها يستلزم إعادة كتابة كل منشورات الأعادي. ومع ذلك فإننا للكشف على ارتكاس هؤلاء الكتّاب المعادين اخترنا -دون ترتيب مقصود- عيّنات كثيرة من أراجيفهم وتلفيقاتهم وأباطيلهم، سوف يكون فيها -إن شاء الله تعالى- ما يكفي لتعرية ما تنطوي عليه صدور حُماة الإسلام الكَذَبة هؤلاء من باطلٍ وختل. والله المستعان على ما يصفون.

الفصل الأول

كذبٌ صاخب

كتابٌ خيالي: الكتاب المبين!

يُقال إنّ المعرفة نوعان: إما أن نعرف الموضوع بأنفسنا، أو نعرف أين نجد معلوماتٍ عنه. ومع ذلك فإنّ من تعوزه المعرفة عن الجماعة الإسلامية الأحمدية.. ويحسب أنه سوف يجد شيئا من المعلومات عنها في واحدٍ من المنشورات المعادية للأحمدية، فمثل هذا الشخص تنقصه المعرفة بنوعيها؛ لأن أنسب وصفٍ لهذه المنشورات أنّها: نُتفٍ من كل شيء، ولا شيء من العلم.

وقد يبدو أنّ مثل هذا الادِّعاء تحيُّز من مسلم أحمدي، ولكن كيف يمكن وصف مثل هذه المنشورات إذا كان مؤلفوها أنفسهم يجهلون ما تحتويه مخطوطات الأحمديين المقدّسة؟ فعلى سبيل المثال: يزعمون أن الجماعة الإسلامية الأحمدية لها “كتاب نظامي يعلو على القرآن رتبةً ومكانةً؛ يحتوي على عشرين جزءًا ويسمّى الكتاب المبين. وهو يتكوّن من آيات”(١) وبناءً على هذا الادِّعاء الكاذب يستنتج معظم الكُتَّاب المناهضين للأحمدية أنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية لا يمكن اعتبارها طائفة من الأمة الإسلامية.. لأنّ عقيدتها مختلفة عن عقيدة الإسلام، ولها شريعةٌ نظامية خاصةٌ بها.(٢)

حجِّية القرآن الكريم

والجماعة الإسلامية الأحمدية لا تنكر ولا تعارض في حقيقة أنّ انتساب جماعة إلى الأمة الإسلاميّة لا يمكن أن ينهض على قدميه ما لم تعترف أولاً بحُجِّية القرآن الكريم حجّيةً مطلقة كاملة غير مشروطة. والجماعة التي تعتبر أي كتابٍ آخر يعلو على القرآن الكريم.. يمكن أن تُسمّي نفسها بما تشاء، ولكنها بكل تأكيد لا تستطيع أن تسوّغ ادِّعاءها بالانتساب إلى أمة محمد .. لأنّ الإسلام يعلن أنّ القرآن “أم الكتب جميعا”(٣). وأنّ “كماله ليس له نظير سابق أو لاحق”.(٤)

إنّ الجماعة الإسلامية الأحمدية ما زالت، وستبقى دائما بفضل الله، تحمل للقرآن المجيد أسمى التقدير والاعتبار بوصفه “كلام الله الكامل التام” (٥)، وأي إيماء بتفضيل كتابٍ آخر على القرآن المجيد يبدو بغيضا ومنفرًا لكل مسلم أحمدي.

لقد نظر مؤسِّس الأحمدية – سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني إلى القرآن المجيد نظرة إجلالٍ وتقدير لا يدركها الإنسان العادي. لقد أعلن حضرته أنّ القرآن الكريم كان “معجزةً لم تُسبق ولن تُلحق” (٦) ونظر حضرته إلى القرآن الكريم كدُرَّةٍ يتيمة، وجنةٍ روحانية تجري فيها أنهار الروحانيّة” (٧)  أن تعاليمه القدسيّة الكاملة تغذّي كل غصنٍ في شجرة الإنسانيّة”(٨)

وكان سيدنا مرزا غلام أحمد يؤمن بأنَّ القرآن الكريم “مليءٌ بالحكمة الروحانيّة” وأنَّ “له تأثيراتٍ روحانيّة تُورث العُقبى لمن اتبعها حقاً” (9).. و “ينال القبول الإلهي”. (10)

والقرآن الكريم مفضلٌ عنده على الكتب الأخرى جميعا إذ قال: “إنّ القرآن الكريم يخلق في مُتّبعيه تلك الأنوار والإنعامات الخفيّة”(11)، ويمنحهم من العون ما لا يوجد في الكتب الأخرى” (12) واعتقد حضرته أنَّ “خلاص الإنسان وسعادته الأبديّة لا يمكن أن يجدها بدون القرآن الكريم“(13). وكان حضرته على قناعة عظمى بامتياز وكمال القرآن المجيد.. فأعلن قائلاً: “لو استطاع أحدٌ أن يُظهر في القرآن الكريم نقيصةً واحدة ولو بقدرِ جزءٍ من ألف جزءٍ من ذرة. أو أن يدلّ على فضيلةٍ في كتابه تُعارض تعاليم القرآن الكريم وتتفوَّق عليه.. فإننا على استعدادٍ لنُسلِّم أنفسنا لعقوبة الموتْ”.(14)

اعتراف الخصوم

ولقد تأسَّس على هذا الإعلان من جانب مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية على يقينٍ تام، وبالنظر إلى هذه القناعات أخذ على عاتقه إصدار ما اعترف خصومه بأنّه “عملٌ ضخمٌ يُدلِّل على صدق الإسلام من ناحية، ومن ناحيةٍ أخرى يُبرهن على أنَّ القرآن من منبع إلهي بالحجج العقليّة”.(15)

ولقد لقي كتابه الخالد: براهين أحمدية الحفاوة والتهليل لأنه “برهانٌ على صدق الإسلام والقرآن”.. وما صدر ذلك إلا من أشدِّ معارضيه وخصومه الألدَّاء..(16) الذي اعترف بأنّه “قدَّم مائة حجّة في نُصرة القرآن المجيد”(17) ونتيجةً لهذا الكتاب الفذّ “برزَ كمدافعٍ عن الإسلام”(18) والواقع أنَّ مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية “تحدَّى ممثلي الأديان الأخرى ليُثبتوا صدق ديانتهم فيُقدِّموا عددًا مساويًا أو أقل مما قدَّمه في كتابه الفريد”.. وقد اعترف خصومه بذلك أيضا.(19)

يا تُرى هل توقَّف هؤلاء العائِبون على الجماعة الإسلامية الأحمدية.. والذين اتَّهموا الأحمديين بتفضيل كتابٍ آخر على القرآن المجيد – ليتفكَّروا: لماذا يُجاهد مؤسِّس الجماعة في التدليل على صدق القرآن الكريم.. في حين أنه أزاح القرآن عن مكانته ومنزلته بكتابٍ خفيٍّ آخر.. سمُّوه الكتاب المبين؟

تحدٍّ علني للخصوم

لم يكن للجماعة الإسلامية الأحمدية وليس لها أبداً كتابٌ تُفضّله على القرآن الكريم. ويتأكد هذا الإعلان القاطع ليس فقط باعتراف الخصوم بالخدمات التي أدَّاها مؤسِّس الجماعة الإسلامية الأحمدية للقرآن الكريم.. وإنّما بعجزهم عن أن يعرضوا على الملأ دليلاً إيجابيًا واحدًا على وجود مثل هذا الكتاب الإجرامي.

ويحاول الذين يتَّهمون الجماعة الإسلامية الأحمدية خلق انطباعٍ واضحٍ بأنهم على معرفةٍ وثيقة بوجود هذا الكتاب، بل ويوهمون الناس بأنّهم قد اطَّلعوا عليه لانهم يزعمون بانّه “يتكوَّن من عشرين جزءًا ويحتوي على آيات”.. وذكر الخصوم بعضًا منها في منشوراتهم المضادّة للأحمدية(20) ولا يستطيع المرء أن يفهم -إذا كان هذا الفرض صحيحا- فلماذا لا ينشر هؤلاء الخصوم هذا الكتاب المزعوم.. تدليلاً على صدقهم ويعرضونه على الناس؟ لو أنَّ هذا الكتاب له وجود بالفعل ما تردَّد هؤلاء الخصوم الألدَّاء المعادون، الذين يستغلون التوافه ويُضخِّمونها – ما تردَّدوا ولا تقاعسوا عن نشر هذا الدليل على الجماهير. أليس عجزهم عن تقديم أي دليل يُدين الجماعة دليلاً على أنَّ مثل هذا الكتاب لم يكن له وجودٌ قطّ؟.. وإلا فأيّ سببٍ معقول يمنعهم من عرضه على الناس؟

إنَّ الجماعة الإسلامية الأحمدية تُصدر تحدّيًا علنيًّا لجميع خصومها أن يأتوا بهذا الكتاب.. سواء أَسمُّوه الكتاب المبين أو أي اسم آخر.. الذي يزعم الخصوم أنّ الأحمديين -معاذَ الله- يُفضِّلونه على القرآن الكريم. إنَّ هؤلاء الأعادي مدينون بهذا الواجب لصالح الأمة الإسلاميّة جمعاء. أما إذا فشلوا في تعزيز اتِّهامهم بدليلٍ حقيقي، وتبيَّن حينئذٍ أنَّ ادِّعاءاتهم كاذبة مزوَّرة.. فلعلّه من الأفضل لهم أن يَرْعَوُوا ولا يستثيروا عليهم نقمة الله المنتقم الجبّار بترداد هذه الأراجيف والأكاذيب.. لأنّ الإسلام يضع الكذب بين أشدِّ الخطايا شناعةً وقبحًا، ويأمر القرآن الكريم بالامتناع تماما عن افتراء الكذب وقول الزور. (21)

تشويه النص القرآني

وفضلاً عن اتِّهام الجماعة الإسلامية الأحمدية باتخاذ كتاب آخر وتفضيله على القرآن الكريم.. فإنّ الأعداء يتهمون أيضا مؤسِّس الجماعة -سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني- بأنه ارتكب إثمًا خطيرًا، لأنّه -معاذ الله- حرَّف النص القرآني المقدَّس. ولقد صدر هذا الاتِّهام الكاذب منهم على الرغم من أنَّ حضرته يؤمن إيماناً كاملاً بوعد الله تعالى الضامن بأنَّ كل كلمة من الكتاب الخالد تتمتع بالحفاظة الإلهيّة. (22)

ولقد أعلن مؤسِّس الجماعة أنّ “من لا يعتبر  القرآن الكريم آخر كتاب سماوي. وأن شريعته باقية أبدا. أو من يحاول تبديل أي شيء مما فيه.. لا يمكن أن يكون مؤمنا” (22) واعتقد حضرته أنه لا يمكن أن يضاف إلى نص القرآن المجيد كلمة ولا حركة أو أن يحذف منه، ولا يمكن أن يتبدل حكم من أحكامه.. وأن من لا يستمسك بهذه العقيدة ويرى خلافها ليس مؤمنا بل هو كافر ملحد. (24)

ولقد استمسك سيدنا مرزا غلام أحمد استمساكا متينا بكلمة الله – القرآن الكريم الذي أمر أن يتمسك به (25). واعتقد حضرته بأن من أنقص نقطة من شريعة الإسلام أو زادها ومن سنَّ سنة إهمال فرائضه المقررة فيه أو أبدى تراخيا نحوه.. كان بلا إيمان وتولى نائبا عن ربه. (26)

وبالرغم من تقديره العظيم هذا للقرآن الكريم فإن خصومه كانوا من الجرأة بحيث اتهموه بأنه -والعياذ بالله- كذب على االله تعالى ونسب إلى القرآن ما ليس فيه أبدا. (27)

وقبل المضي في بحث وتحقيق هذه التحريفات المزعومة التي ساقها واستشهد بها خصوم سيدنا مرزا غلام أحمد على سبيل المثال.. أوجه نظر القارئ الكريم إلى أنه من عادة المسلمين المألوفة أنهم يشيرون إلى القرآن المجيد في خطبهم وكتاباتهم إذا أرادوا أن يوصلوا رسالة معينة أو يبينوا مسألة أخلاقية واردة بين دفتيه.. دون أن يقصدوا بذلك اقتباس آية معينة في ترتيبها المصحفي أو يقصدون ذكرها بتمامها. ولم يتوقف المسلمون أبدا عن هذه العادة عبر تاريخهم الطويل.. ما دام الغرض من ذلك لا يتسبب مطلقا في التباس أو تشويش لدى السامع والقارئ.. وإنما مجرد إشارة أو توضيح لوعظ أو مسألة أخلاقية موجودة في آية أو طائفة من آيات القرآن المجيد. وهكذا اتبع سيدنا مرزا غلام أحمد هذه العادة التي طالما اتبعها المسلمون، وأشار في مرات عديدة إلى المضمون القرآني دون اقتباس نص قرآني محدد بتمام كلماته أو ترتيبه في المصحف.. قاصدا بذلك تبليغ رسالة موجودة في القرآن الكريم أو إبراز جانب أخلاقي منشود.

جادلهم بالحكمة والموعظة الحسنة

والأكذوبة الأولى في هذا الباب والتي زعم الخصوم بناء عليها أن حضرته كذب على الله تعالى – تتعلق بالآية الكريمة التي تتضمن حث المسلمين على المجادلة بالحكمة والموعظة الحسنة. (28)

يحتج الخصوم بأن هذه الآية ليست موجودة في القرآن على الإطلاق، وأن سيدنا مرزا غلام أحمد ذكرها مرارا ليحرِّف ويبدِّل في نص القرآن الكريم (29)

والحق أن جرأة هؤلاء الأوصياء الزائفين على للإسلام -إذا ينكرون وجود آية قرآنية بهذا المعنى- لتدهش وتحيِّر كل مسلم مخلص يخشى غضب الله .. لأنه تعالى أوعد بالعقاب الأليم من استرق السمع أي اختلس شيئا سمعه من الوحي الإلهي ثم حرّفه (30)، ولكن يبدو أن أعداء الجماعة الإسلامية الأحمدية هؤلاء لا يبالون ولا يخافون عندما يؤكدون أن مثل هذه الآية لا وجود له في القرآن الكريم (31).. مع أنه في الواقع جزء أصيل من النص القرآني المقدس.. الذي نزل على قلب سيدنا محمد المصطفى . إنها جزء من النص القرآني في كافة طبعات القرآن.. سواء صدرت من دار نشر أحمدية أو أي دار سواها.. بما في ذلك الطبعات التي يصدرها النظام الوهابي في العربية السعودية.

فمثلا في الترجمة الإنجليزية للقرآن لعبد الله يوسف علي جاء النص العربي:

ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (33)

ووجود هذه الآية في منشورات غير الأحمديين لدليل كافٍ على أنها ليست من اختراع مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية، ولكنه آية موجودة في كل مصحف منذ البداية. ومن ثم فإن زعم أعداء سيدنا غلام أحمد بأنه -والعياذ بالله- كذب على الله وشوَّه النص القرآني ونسبه إلى الله تعالى (33) زعم باطل لا أساس له من الصحة؛ وأن الآية موضع الاتهام آية في المصحف الذي يطبعه وينشره أولو الفضل على الناقد وأرباب نعمته.

مفتري الكذب على الله تعالى مآله الدمار

ومن الآيات القرآنية التي يزعمون أن سيدنا مرزا غلام أحمد قد حرَّفها الآية التي تشير إلى وعد الله تعالى بأنه لن يسمح لمن يختلق الكذب على الله بالفلاح، بل سوف يهلكه لا محالة، ولن يستطيع أحد إنقاذه من نقمة الله. (34)

وينكر خصوم سيدنا مرزا غلام أحمد وجود آية مثل هذه في القرآن الكريم، واتهموه بأنه يخلق التباسا وغموضا في عقول الناس لأنه يعرِّض النصَّ القرآني النزاع والجدل (35).. بالرغم من واقع أن هناك آية قرآنية بهذا المعنى، وهي جزء عضوي من النص المقدس.. موجود في منشورات غير الأحمديين.. بما فيها تلك التي تصدرها مؤسسات يدعمها النظام السعودي. ففي الترجمة الإنجليزية التي نشرها المركز الإسلامي التعليمي بجدة نجد هذه الآية الكريمة

وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ * فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (36)

ويكشف وجود هذه الآية في المصحف الشريف الذي تنشره دار سعودية غير أحمدية.. بل يؤكد مدى السوقية والغثاثة في هذا الاتهام الأجوف الذي لا أساس له.. والذي تجنى به الخصوم على سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني. ويكفي أيضا لإثبات حقيقة أن خصوم الجماعة الأحمدية -هؤلاء الذين يتهمون مؤسسها بتحريف نصوص القرآن المجيد- هم أنفسهم الآثمون والضالعون في التلاعب بالنص القرآني.. ذلك لأنهم ينكرون وجود آيات قرآنية. مع أنها جزء أصيل من الكتاب الكريم.

لماذا يُنكر الخصوم وجود هذه الآيات؟

من الواضح أن خصوم الجماعة الإسلامية الأحمدية لا ينكرون وجود هذه الآيات دون مبرر.. ما دامت هذه الآيات تؤيد تفسير الأحمديين للقرآن، وتساند دعوى مرزا غلام أحمد بأنه الإمام المهدي والمسيح الموعود.. الذي أنبأ بمجيئه نبي الإسلام .

لطالما ادعى بعض العلماء الزائفين بمشروعية استخدام القوة في إدخال غير المسلمين في الإسلام وهو مفهوم غير إسلامي أنكره سيدنا مرزا غلام أحمد بناء على تعليم القرآن المجيد لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (28)  ولقد استمسك مؤسس الجماعة الإسلامية بهذه الحكمة في إخلاص تام وشجَّع على نشر رسالة الإسلام بأسلوب الإلتزام الصادق بتعاليم القرآن الكريم. (20)

ولكن هذا الموقف لم يتفق وميول غير إسلامية يتمسك بها محترفي الحرب المسلمين.. الذين يترعرعون في جوّ التوتر.. لأنه يكفل لهم موردا ماليا وفيرا. فليس بعجيب على هؤلاء الصقور أن يصِرُّوا على عدم وجود الآية القرآنية التي تأمر بالدعوة إلى الإسلام والجدال بالحكمة والموعظة الحسنة.. لأن إنكارها يتيح لهم فرصة إثارة الشِّقاق، فتمتلئ خزائنهم بالأموال الدموية.

والآية القرآنية الأخرى التي ينكرها أهل اللجاجة من الملالي تنهض دليلا على صدق سيدنا مرزا غلام أحمد في دعواه كمأمور مفوض من الله تعالى. لقد أعلن حضرته أن وحي الله تعالى أوضح له أنه هو نفسه المسيح الذي وُعد المسلمون بمجيئه منذ البداية، وأنه المهدي الذي قدَّر الله تعالى قدومه وتنبأ عنه النبي الأكرم منذ ثلاثة عشر قرنا خلت.

ولقد كانت هذه الدعوى من جانب سيدنا مرزا غلام أحمد بناء على الوحي الإلهي. ولو لم يكن مأمورا حقا من لدن الله جل وعلا لأحبطه الله وخيَّبه.. لأن آيات سورة الحاقة المذكورة آنفا (45-48). والتي يجادل بصددها هؤلاء الملالي الألداء.. تقرر بوضوح تام أن الله جل شأنه لا يُطيق أن تُنسب إليه أكذوبة ما. وإذ لم يعاقبه الله تعالى، بل جعله ينجح ويفلح في دعواه كنبي مرسل من رب العالمين.. فذلك دليل كاف في ذاته على صدقه في دعواه. ولكن خصومه الذين فشلوا في تكذيب هذه العقيدة ارتدوا إلى هذا الإنكار البغيض أمام هذه الآية القرآنية التي ترسي قواعد صدق دعواه. أحرى بهؤلاء الكذابين الممقوتين الذين يتبجحون وينكرون وجود هذه الآيات من القرآن الكريم. أحرى بهم أن يدركوا أن في إنكارهم لهذه الآيات التي أنزلها الله تعالى على حبيبه المصفى تعريض نفس كتاب الله للتحريف.

ألا فليحذروا.. لأن الله تعالى لا يترفق بمن يحرفون كلامه المقدس، وينذر من يحرف كلامه بنار ملتهبة. (42)

وبناء على الخداع والتضليل الذي يلجأ إليه هؤلاء الخصوم في سبابهم وتهجمهم على الجماعة الإسلامية الأحمدية.. يخرج المرء بانطباع ملموس أن هؤلاء المشائخ المنحرفين لو كانوا يخشون عقاب الله تعالى لكانوا أكثر حذرا وتحريا للحق في منشوراتهم المضادة للأحمدية.

المراجع:

35،33،31،29،27،20،2،1: إحسان إلهي ظهير، القاديانية – دراسة تحليلية.

3- سورة الزخرف : 5

4- سورة الإسراء: 89

5- سورة المائدة: 4

6- ملفوظات ج3 ص57

بقية المنشور على ص25

Share via
تابعونا على الفايس بوك