بـلاء دمـشـق
التاريخ: 2013-09-13

بـلاء دمـشـق

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • سلاح الدعاء لتجنب البلا
  • بلاء دمشق الأول 1925
  • بلاء دمشق في الوقت الراهن
  • أحوال المسلمون ومطامع الغرب
  • حالة مصر بعد 2011
  • مسؤليات الحكام والشعوب (من كلام النبي صلى الله عليه وسلم)
  • الحاجة لتجديد الإسلام باتباع إمام الزمان

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

الظروف العالمية تتحرك إلى الدمار بسرعة هائلة، والظروف السائدة في سورية خاصة، بل في البلاد العربية بوجه عام يمكن أن تؤدي إلى دمار شامل وخطير. ولو تورطت القوى الخارجية في الحرب في سورية فلن يواجه الدمارَ العالـمُ العربي فقط، بل تتضرر به بعض البلاد الآسيوية أيضا ضررا كبيرا. ولكن لا تدرك حكومات البلاد العربية ولا القوى الكبرى الأخرى أن هذه الحرب لن تقتصر على سورية فقط، بل يمكن أن تكون مقدمة الحرب العالمية. فالأحمديون الذين يؤمنون بالمحب الصادق للنبي الذي جاء لإيصال العالم إلى الله تعالى وخلْق الأمن والأخوة متبعًا سيده ومطاعه محمدًا المصطفى عليهم أن يكثروا من الدعاء لإنقاذ العالم من هذا الدمار. ليست عندنا وسيلة سوى الدعاء يمكننا أن ننقذ بها العالم من الدمار. لا يسعنا إلا أن نحذِّر العالم والقوى الكبرى من تلك النتائج الخطيرة، وهذا ما نفعله بين حين وآخر بقدر ما هو في وسعنا. إنني أحذر قدر الإمكان رجال السياسة والحكومات. ولقد شاركتني الجماعة الإسلامية الأحمدية في نشر هذه الرسالة على نطاق واسع في بلاد العالم كله. ويقول هؤلاء الزعماء ورجال السياسة بكل قوة وشدة بأن ما تقوله صحيح تماما ورسالتك هذه جاءت في وقتها تماما ويؤيدون كلامي، ولكن عندما يأتي وقت العمل به تتغير أولويات القوى الكبرى. كما قلت بأننا نفعل ما نستطيع فعله، أما السلاح الحقيقي في يدنا لجذب أفضال الله تعالى فهو الدعاء، لذا يجب على أبناء الجماعة أن يكثروا من الدعاء للبشرية بوجه عام ولإنقاذ الأمة المسلمة من الدمار بوجه خاص.

قبل 88 عاما تقريبا ألقى سيدنا الخليفة الثاني خطبة حول الظروف السائدة في سورية آنذاك وقال بأن تاريخ دمشق موغل في القِدم إذ كانت هذه المدينة مركز الأديان الأخرى قبل الإسلام أيضا وكانت تحتل أهمية كبيرة. وظلّت عاصمة الإسلام أيضا إلى مدة طويلة كما توجد فيها آثار الأديان القديمة الأخرى أيضا. لقد ألقى الخليفة الثاني خطبة عن دمشق في عام 1925م وذكر السبب وراء ذلك، وهو أن الدروز طالبوا بالاستقلال، وشاركهم في ذلك المسلمون أيضا. كانت قبائل الدروز تسكن في الجبال وشاركهم المسلمون القاطنون في المدن حيث كانت فرنسا تحكمها. فقد قال الخليفة الثاني في تحليله للأوضاع السائدة هناك آنذاك أن فرنسا كانت تحكمها من الناحية الإدارية، ولكن المفتين والمشايخ كانوا يحكمونها من حيث أخذ القرارات، أي كانت تحكمها حكومتان أو ثلاثة حكومات، ولكن الحكومة السياسية كانت خاضعة لسيطرة فرنسا على أية حال. وكان المفتون أو المشايخ يحكمونها بمعنى أنه إذا أراد أحد أن ينشر شيئا من الأدبيات أو كتابا دينيا وقرر المفتي فرض حظر عليه فلم يكن الحاكم أيضا قادرا على أن يفعل شيئا تجاه موقفه. وقد ضرب المصلح الموعود مثلا على ذلك قائلا: لقد استأذنت الجماعة الإسلامية الأحمدية من الحاكم لنشر بعض كتبها ونُشرت أيضا ولكن المفتي فرض الحظر عليها بعد طباعتها. وعندما رُفعت الشكوى أمام الحاكم قال: لا أستطيع أن أفعل شيئا وليس لي خيار في الأمر، بل هذا الخيار في يد المفتي.

السلاح الحقيقي في يدنا لجذب أفضال الله تعالى هو الدعاء، لذا يجب على أبناء الجماعة أن يكثروا من الدعاء للبشرية بوجه عام ولإنقاذ الأمة المسلمة من الدمار بوجه خاص.

باختصار، إن فرنسا كانت تحكم البلاد من الناحية الإدارية، وإذا رفع أحد عقيرته ضدها من الناحية السياسية عومِل بقسوة شديدة. وعندما رفع الناس المحليون راية التمرد ضد الحكومة أو بالأحرى لنيل الحرية شنّت فرنسا غارة جوية واسعة النطاق على دمشق ويقال بأنه ظلت القذائف تطلَق عليها إلى 57 أو 58 ساعة متتالية، وهُدمت بنايات تاريخية في المدينة وبذلك مُحي تاريخها كله، وقُتل آلاف الناس. ولكن لماذا هدِّمت المدينة ولماذا قُتل الناس؟ لأنهم طالبوا بالحرية والاستقلال من القوى المستعمرة. لقد تلقّى المسيح الموعود إلهاما نصه: “بلاء دمشق”. فقال المصلح الموعود بأن ما آلت إليه حالة مدينة دمشق نتيجة الغارة الجوية المذكورة كانت توحي بتحقق إلهام المسيح الموعود إذ هُدمت جميع البنايات التاريخية ومُحي تاريخ الأديان كلها، ولم تشهد دمشق بلاء ودمارا أكبر منه قبل ذلك. وقد حلّ هذا البلاء بيد قوة أجنبية آنذاك، أي نتيجة غارة شنّتها فرنسا. من المعلوم أن بعض الإلهامات تتحقق أكثر من مرة، فهذا البلاء الذي حلّ بيد قوة أجنبية ودمّر المدينة بأسرها استمر إلى 57 أو 58 ساعة، ويقول البعض إنه مات في الغارة ألفا شخص، وهناك من يقول بأنه مات فيها عشرون ألف شخص. وتقول التقديرات الدقيقة أن 7 أو 8 آلاف شخص هلك على أية حال. ولكني أقول بكل أسف بأن ذلك البلاء الذي حلّ بيد الأغيار أدّى إلى الخسائر التي ذكرتها، ولكن هناك بلاء آخر حل الآن وقد حل بيد المسلمين أنفسهم ولا تزال دمشق وسورية تُدمَّر من أقصاها إلى أقصاها منذ سنتين ونصف تقريبا، وقد قُتل أكثر من مئة ألف شخص بحسب تقديرات دقيقة، ويقدّر البعض عدد القتلى بأكثر من ذلك بكثير. وقد شُرد ملايين من الناس وتحولت بيوتهم إلى أنقاض وصارت الأسواق خرابا يبابا، وقد أُطلقت القذائف على قصر الرئاسة والمطارات والبنايات المختلفة ولم يعد هناك مكان آمن قط.

جيوش الحكومة تقتل المواطنين والمواطنون يقتلون الموالين للحكومة بمن فيهم رجال الجيش وغيرهم. العلويون يقتلون أهلَ السنة وأهلُ السنة يقتلون العلويين. يدّعون بأنهم يؤمنون بالنبي نفسه، فالجهود التي يبذلها هناك معارضو الحكومة من العامة وهم أهل السنة باسم الحرية قد انضم إليهم الإرهابيون أيضا باسم المساعدة، فالأضرار التي تصيب البلد من هؤلاء الإرهابيين ستتبين لاحقا. باختصار من المؤسف أن هذا البلاء الذي أتى هذه المرة يتخذ سمة خطيرة ويتأزم، وهؤلاء لا يعرفون أنهم نتيجة ممارستهم المظالم ضد بعضهم والتعارك يضعفون -حيث يرتكب المواطنون المظالم باسم الحرية، كما ترتكب الحكومة المظالم باسم إحلال الأمن- حتى تستنزف القوى العظمى الجهودَ لنيل مصالحها بحجة إقامة السلام والقضاء على الظلم. لكنها لا تعرف أن هذه المساعي والجهود قد تؤدي إلى تدمير العالم كله، فبعض الحكومات الكبرى وبعض الحكومات الإقليمية أيضا تؤيد موقف سورية أو تساعدها، وكذلك الحكومات الأخرى تدعم وتساند المعارضة أيضا بل أغلبية الحكومات الكبرى معها. فهذه الأوضاع كما قلت أدَّت إلى خطر كبير، لكن الأسف على المسلمين الذين يدَّعون العمل بالتعليم الذي قال الله بحقه إنه قد بلغ الكمال، كما يدَّعون الانتماء إلى أمة وصفها الله بـ “خير أمة”. لكن أي عمل خيري تقوم به هذه البلاد الإسلامية في العصر الحاضر؟ فلم تبق مواساة ولا هم يعملون بأي جزء من التعليم. وقد تلاشت عندهم الحمية إذ يطلبون المساعدة من الأغيار لقتل إخوتهم المسلمين، لنقرأ ماذا يقول القرآن الكريم في مثل هذا الوضع، أي إذا ظهرت هذه الأوضاع.. أي إذا تخاصمت جماعتان يقول الله :

وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ،

أي أصلحوا بينهم بالإنصاف، وبيَّن معيار الإنصاف أيضا أنه رفيع جدا حيث قال في موضع آخر

: وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ..

فإذا كنتم تريدون حب الله بدلا من الأهواء المادية فمهمة المسلم أن يقيم العدل في المسلمين وغيرهم أيضا، فقال: هو أقرب للتقوى التي أُمر المسلم مرارا وتكرارا أن يتحلى بها.

فالمؤسف أن الرئيس الإسرائيلي قد أشار على القوى الكبرى ما كان يجب أن يشير عليها المسلمون، لكن لو سلمنا أنه لم يخطر ببال المسلمين أي الحكام المسلمين، فكان يجب على جامعة الدول العربية -عندما أشار الرئيس الإسرائيلي بذلك على القوى الغربية- أن تعلن أننا سنتولى إصلاح الفتن الحاصلة في منطقتنا وخاصة في المنطقة التي يقيم فيها أصحاب ديننا. نحن المؤمنون بإله واحد ورسول واحد ونعمل بتعليم كتاب واحد، ونعدّ هذا الكتاب دستورا لنا. فإن كان الخلاف قد نشأ فينا، وإذا كان القتال قد قام بين طائفتين في بلد واحد أو بين الشعب والحكومة لسبب جائز أو غير جائز، فسوف نعثر على حل لهذه المشكلة في التعليم الكامل لكتابنا. فإذا كانت طائفة منا قد بغتْ فللقضاء على هذا البغي إذا احتجنا إلى الغير لمساعدة تقنية أو أسلحة فيمكن أن نتلقاها، إلا أن خطة العمل والأشخاص الذين يُستخدمون للقضاء على هذه الفتنة سيكونون منا. فإذا كان لدى المسلمين هذا التفكير لما تجرأ أي من الآخرين على أن ينظر إلى البلاد الإسلامية بسوء، فأي رغبة يمكن أن تكون عند أحد جالس على بُعد آلاف الأميال في بلد معين؟ إنما هي إما أن يضع يده على ثروة ذلك البلد أو يفرض هيبته على الخصم كقوة عظمى؟ أو يفرض سيطرته على البلاد الصغيرة الفقيرة التي تحدث فيها الفتن، ويثبت أفضليته.

باختصار إن الغير يتجرأ لدرجة قد أعلنت حكومة أحد البلاد أنها ستشن الهجوم على سورية حتى لو لم تسمح الأمم المتحدة لهم بشن الغارة عليها -وسبب ذلك أن البلاد الإسلامية قد ضعفت وأن المسلمين قد نسوا تعليمهم- فهذا من حقنا ويبررون الحق بدليل طفولي أن الأمم المتحدة لا تستطيع أن تفرض السيطرة على سياستنا الخارجية. فما علاقة السياسة الخارجية بهذا؟ فحين يبلغ عداء العدو ذروته ترى بعض المثقفين ظاهريًا أيضا يتكلمون بما ينمّ عن الجهل، نحن ننظر إلى هؤلاء ظنا منا بأنهم عقلاء جدا، لكنهم يتكلمون كلاما جاهليا. فلا علاقة لكم بالقضية جالسين على بُعد آلاف الأميال، وإذا كانت لأي مؤسسة علاقة بها وينبغي أن تكون فهي الأمم المتحدة فقط، لأن هذا البلد عضو فيها. وليس لأي بلد معيَّن علاقة شخصية بالقضية، كما لا يشكِّل البلد الذي فيه المشاكل خطرا مباشرا عليه. فما علاقة السياسة الخارجية بالقضية؟ فأنا -على الأقل- لم أفهم هذا المنطق. وإنما هو عناد وتعنت وسعي مذموم لإثبات السيطرة. فالسلام لا يستتب في العالم بهذا الأسلوب، وإقامة السلام تتطلب أداء مقتضيات العدل والإنصاف. فليس هناك تعليم جميل مثل تعليم الإسلام: لا يمنعنَّكم من العدل عداءُ العدو. فمن هذا المنطلق لفتُّ انتباهَ حكام العالم مرارا أن إقامة السلام لا تتم إلا بتنفيذ هذا التعليم، أي لا تترسخ دعائم السلام إلا بالعمل بتعليم هذه الآية التي تلوتها. فإذا سعتِ الأمم المتحدة لإنشاء السلام بحسب هذا المبدأ فسيستتب السلام، وإذا سعت البلاد كلها متكاتفةً لمكافحة الظلم فإنّ العدل سيسود، ولا يتحقق ذلك إذا كان بعضها يتمتع بحق الفيتو والقوة لتنفيذ رغباته. فالقضية لا تخصّ السياسة الخارجية لأيّ بلد.

وصرحت إحدى الدول قائلة: لن نرسل الجيش إلى أراضي سورية بل نشارك في شن الغارات الجوّية. وهذا يعني أنهم يريدون أن يحوّلوا تلك المدن والبلد خرابًا ودمارًا كما فعلوه أول مرة، وسيقتلون الأبرياء، ويمحقون الأطفال والنساء أيضا كما فعلوه في العراق وليبيا دون أن يحققوا ما كانوا يدّعونه، والنتيجة نفسها ستبرز ههنا أيضا. لقد تحولت المدن هناك إلى الخراب والأنقاض ولا زالت تلك المناطق تفتقر إلى الأمن والسلام.

لقد أقام الله تعالى من بينهم من يواجهونهم. فقد أصدر رئيس الوزراء الروسي بيانا بالأمس بل لعله كتب مقالا قال فيه: إن قراراتكم التي اتخذتموها منفردين لا يمكن أن تكون قائمة على العدل، إذا كنتم تريدون اتخاذ مثل هذه القرارات بهذه الطريقة فلماذا إذًا أنشأتم منظمة الأمم المتحدة؟ إذا استمر الحال على هذا المنوال فإن منظمة الأمم المتحدة أيضا ستلقى مآل منظمة عصبة الأمم، ولقد أرسلنا لكم سابقا أيضا هذه الرسالة مرة بعد أخرى.”

لا شك أن ما قاله صحيح. ثم إنهم أطاحوا بالحكومة في مصر بحجة أنها لا تؤدي حقوق الشعب وتقتل الناس بلا هوادة من أجل إحكام سيطرتها عليهم. كلامهم صحيح حقًّا، إذ كانت الحكومة السابقة تسلك هذا المسلك تمامًا ولكن الحكومة التي أعقبتها كانت للمتشددين والمجانين دينيًا، مما أقضَّ مضاجع هذه القوى الكبرى مرة أخرى، وأخذوا يفكّرون فيما يمكنهم فعله تجاهها. لقد سألني أحد الصحفيين الكبار لجريدة تُنشَرُ على نطاق واسع في أميركا: ما هي إمكانيات إقامة الأمن والسلام في مصر بعد هذا التغيير؟ فقلت له في ذلك الوقت: لقد أطحْتم بتلك الحكومة لفرض سيطرتكم ولكن الذين تولوا الحكم الآن هم الآخرون ليسوا حائزين على رضاكم ولا رضى الشعب، إذ إن معظم الشعب يعارضونهم. فلا زالت الجذوة مشتعلة، وسترون أن الدماء ستُهرق بغزارة بعد بضعة أشهر على الشاكلة التي أهرقت قبلها. لقد تحقق ذلك قبل الوقت الذي كنت أقدره، وأوضاع مصر في الأيام السابقة ماثلة أمامنا.

وهذا يعني أنهم يريدون أن يحوّلوا تلك المدن والبلد خرابًا ودمارًا كما فعلوه أول مرة، وسيقتلون الأبرياء، ويمحقون الأطفال والنساء أيضا كما فعلوه في العراق وليبيا دون أن يعثروا على ما كانوا يدّعونه، والنتيجة نفسها ستبرز ههنا أيضا.

لعل الأسباب التي أدت إلى حدوث الاضطرابات في البلاد الإسلامية لها مبررها عند شعبها ولكن كلما تدخلت القوى الكبرى في شؤون هذه البلاد أدى ذلك إلى إثارة الفتن ونشر الفساد. ولقد ألقيت خطبتين أو ثلاثة حول هذا الموضوع في مطلع عام 2011 وأوضحت فيها أن الخطط الظاهرة والخفية التي ستضعها القوى الكبرى باسم الأمن والسلام نظرًا لأوضاع المسلمين المتدهورة ستضر بالمسلمين في نهاية المطاف، ولن ترضى هذه القوى بحال من الأحوال أن تتضرر مصالحها. فانظروا الآن، أن هذه القوى دعمت الشعب في أعمال القتل والدمار في عهد حسني مبارك فأُقصيَ عن الحكم وأثيرت ضجة كبيرة، ولكن عندما لم تراع الحكومة التالية أيضا مصالح هذه القوى الكبرى تولى الجيش الحكمَ وأريقت الدماء أكثر مما أريقت سابقًا، ومع كل ذلك لم يبدِ أحد مواساة للشعب هذه المرة، ولم يحرك أحد ساكنًا. إنها ازدواجية في المواقف.

باختصار، لقد آن لحكومات البلاد الإسلامية أن تُبدي غيرتها، وعليها أن تنظر إلى مصالح الأمة المسلمة بدلا من مصالح بلادها فقط. ولا يتأتى ذلك إلا إذا تولدت التقوى في قلوب الحكام والشعب وسعوا جاهدين للعمل بالأسوة الحسنة للنبي إلى جانب ادعائهم بحبه، وشعر الحاكم والشعب بآلام النبي وعملوا بتعليمه.

أقدم فيما يلي بعض أقوال النبي التي تنبه الحكّام والشعب إلى مسئولياتهم. وأقدم أولا بعض الأحاديث عن الحكام:

عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيِّ قَالَ سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ الله فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ (أولهم) الْإِمَامُ الْعَادِلُ. (البخاري، كتاب الأذان)

فالعدل يقع على جانب كبير من الأهمية.

وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ عَادِلٌ وَأَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللهِ وَأَبْعَدَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا إِمَامٌ جَائِرٌ. (الترمذي، أبواب الأحكام)

وهناك رواية أخرى

عن رَسُول الله : مَا مِنْ وَالٍ يَلِي رَعِيَّةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَيَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لَهُمْ إِلَّا حَرَّمَ الله عَلَيْهِ الْجَنَّةَ. (البخاري، كتاب الأحكام)

وورد في رواية

أن أحدًا سأل عائشة عَنْ شَيْءٍ فَقَالَتْ أُخْبِرُكَ بِمَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا (وهذا نوع من الدعاء) اللهمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ. (مسند أحمد، باقي مسند الأنصار)

فهذه هي الأمور التي ينبغي على الحكّام أن يفكروا فيها، فإذا كانوا يريدون ظل رحمة الله تعالى فعليهم أن يعدلوا، وإذا كانوا يدّعون الإسلام فلا بد أنهم يرغبون في ظل رحمة الله تعالى، وإذا كانوا يريدون أن يكونوا مرضيين عند الله فلا بد أن يكفوا عن الظلم ويتخذوا قراراتهم مترفعين عن الأغراض والمنافع الشخصية. وإذا كانوا يريدون أن يدخلوا الجنة فلا بد أن ينصحوا لشعبهم على مبدأ المساواة، وإلا فإن الجحيم هي مأواهم على حد قول النبي . وإذا كان أحد مؤمنًا فإن الحديث الأخير يهزّه من داخله وهو الدعاء التالي: اللهم اشقق على الأمير الذي يشق على الناس وارفق بمن يرفق بهم. اللهم وفق حكام المسلمين ليتعقلوا ويفكروا في هذه الأمور ويتدبروها.

فليتدبر السوريون خاصة والمسلمون عموما هذا الإلهامَ الذي تلقَّاه المسيح الموعود “بلاء دمشق” فسيتبين عليهم أن صاحب هذه النبوءة مبعوث من الله، فليسمعوا له وإلا لا أحد يقدر على الإرشاد والتوجيه في هذا الزمن إلا من أرسله الله.

ثم بماذا أمر النبي الشعب، وكيف ينبغي عليهم التعامل مع حكامهم؟ هناك رواية عن زَيْد بْن وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ :

إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللهَ حَقَّكُمْ. (البخاري، كتاب الفتن)

فلا تجوز الإضرابات وأعمال القتل والدمار التي يقوم بها الناس لأخذ حقوقهم، إذا سألتم الله تعالى حقكم فإنه يُظهر أمورًا عجيبة تقصر عنها أنظار العالم كله.ثم هناك رواية أخرى تقول: إن أحد الصحابة سأل النبي :

أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا (هذا السؤال نفسه يسألنيه الأحمديون من العالم العربي) فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ. (مسلم كتاب الإمارة)

وهناك رواية

عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ الله، حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ الله بِهِ سَمِعْتَهُ مِن النَّبِيِّ ، قَالَ: دَعَانَا النَّبِيُّ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لا نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِن اللهِ فِيهِ بُرْهَانٌ. (البخاري، كتاب الفتن)

أي ذلك الكفر الذي تجدون عندكم برهانًا واضحًا عليه، وليس مثل مشايخ اليوم الذين يبررون مواقفهم بإصدار فتاوى التكفير المطلوبة.عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ فِيمَا رَوَى عَن اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا. (مسلم، كتاب البر والصلة).

فإن كنتم تريدون النجاة من أخذ الله تعالى فأدوا واجباتكم وفوّضوا أمر الحكام إلى الله تعالى وركّزوا على الدعوات.

أما كفر الحكام المذكور في الحديث السابق فمعناه مخالفتهم للأحكام الشرعية بشكل واضح جدًّا، وفي هذه الحالة لا تطيعوهم فيها أبدًا. خذوا مثلاً ما يُفعَل بالأحمديين في باكستان حيث يقال لهم: لا تشْهدوا الشهادتين، ولا تصلّوا، ولا تسلّموا على أحد. نقول: بأننا مسلمون، أما منعُهم إيانا من العمل بأحكام الشريعة ودفعنا لمخالفة أحكام القرآن الكريم، فلا طاعة لهم في مثل هذه الأمور، أما قوانين البلد الأخرى فلا بد من التقيّد بها وطاعتهم فيها.فملخص التعليم الكامل قد ورد في هذا الحديث الأخير أي لا تظالموا، فلا يظلمنّ الحكامُ الشعبَ ولا يقومنَّ الشعب لنيل حقوقه بظلم آخر. فمن واجب الحكام والرعية كليهما أن ينظروا هل يعملون بهذا التعليم أم لا، وهل يحرز الحكام أرفع معايير الإنصاف أم لا؟ فهل يعملون بتعليم الله بجعله شاهدا على كل قرار لهم؟ وكذلك فلينظر الشعب أيضا هل ينفذون سائر أحكام الحكام قائلين “سمعنا وأطعنا” إلا التي تنافي أوامر الله بوضوح؟ فهل هم يبكون أمام الله فقط ضد الحكام الجائرين؟ فلا أعتقد أن أحدا يقوم بذلك اليوم إلا الأحمديون، إذن فكأننا سنعود إلى زمن ووضْع كان قد ظهر فيه الفساد في البر والبحر. وكان مقدرا أن يأتي على المسلمين هذا الزمنُ. فمثل هذه الأوضاع كانت مقدرة في زمن الإمام المهدي والمسيح الموعود بحسب نبوءة القرآن الكريم والنبي . فثمة حاجة ماسة إلى أن يبحث المسلمون وحكامُهم أيضا عن المبعوث من الله بحسب الوعد الإلهي لإصلاح هذا الفساد ويمسكوا به. فليتدبر السوريون خاصة والمسلمون عموما هذا الإلهامَ الذي تلقَّاه المسيح الموعود “بلاء دمشق” فسيتبين عليهم أن صاحب هذه النبوءة مبعوث من الله، فليسمعوا له وإلا لا أحد يقدر على الإرشاد والتوجيه في هذا الزمن إلا من أرسله الله. فبسبب هذه التصرفات للبلاد ستستغل الوضع المنظماتُ الدينية المتطرفة أو المنظمات التي تريد إقامة الحكومة باسم الدين. وأما الأعمال التي ستظهر بعد ذلك من القتل وسفك الدماء والتحارب والتقاتل فلا تخطر ببال.

ألهم الله القادةَ المسلمين وشعوبهم الفهم ووفَّقهم لإدراك موضوع

وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ،

ليتقدموا في البر والتقوى، وينشروا الحب ويفتحوا القلوب، فلا تُنال الحكومة إلا بفتح القلوب، وتأدية حقوق الشعب. فكل قائد مسلم بحاجة إلى أن يدرك هذا المغزى، فلينظروا إلى تاريخهم حيث كان المواطنون النصارى في زمن يدْعون نظرا لعدل الحكومة المسلمة وإنصافها أن يخلِّصهم الله من الحكام المسيحيين ليحكمهم المسلمون من جديد. أما اليوم فالمسلم يظلم مسلما آخر، فبدلا من أن يكونوا “رحماء بينهم” يقطعون رقاب بعضهم، والمسلمون يندفعون إلى البلاد المسيحية لنيل اللجوء والعيش الآمن، والحصول على الإنصاف، والعيش بحرية. ليت حكامَ البلاد الإسلامية يدركون واجباتهم. نسأل الله أن تصل إليهم رسالتنا هذه. وكذلك فلْيصلْ كلامي إلى البلاد الغربية والقوى العظمى أيضا -الذي كما قلت قد وصلتْ إليهم هذه الرسالة بوسائل شتى- أنه ليس من المستبعد أن تتوسع العملية ضد سورية وتصيب العالم كله. فمن مقتضى وفاء كل أحمدي مقيم في أي بلد وخاصة الأحمديين المقيمين في الغرب، أن ينبهوا السياسيين من الدمار القادم.

فلينظروا إلى تاريخهم حيث كان المواطنون النصارى في زمن يدْعون نظرا لعدل الحكومة المسلمة وإنصافها أن يخلِّصهم الله من الحكام المسيحيين ليحكمهم المسلمون من جديد…

ندعو الله أن يوفق العالم للإيمان بالمسيح الموعود ويوفق الحكام والشعوب لأداء واجباتهم لينجوا من الدمار بإنهاء الحرب الأهلية، وأن يفتح عيون حكام أوروبا والغرب لكي يعدلوا وينصفوا ويجتنبوا الظلم، وليسعوا لأداء حقوق كل بلد مهما كان صغيرا، وأن لا تكون مساعدتهم لأي بلد نظرا للمصالح الخاصة، بل تكون بناء على تأدية الحق. حمى الله أبناءَ الجماعة من شر هذه الأوضاع وخاصة في سورية حيث يتضرر الكثير من الأحمديين أيضا. كان الله قد أنزل إلهاما إنذاريا بحق سورية كما ورد “بلاء دمشق”، فليحقق الإلهامَ المبشِّر أيضا حيث قال الله “يدعون لك أبدال الشام وعباد الله من العرب” وبذلك يهيِّئ لنا قرة أعين. نسأل الله أن يأتي العرب كلهم تحت لواء المسيح المحمدي لكي يتحول اضطراب العالم العربي الذي سمَّاه العالم بالربيع العربي، إلى الفيض الروحاني ولا يكون ماديا. وليكونوا مصلّين على المسيح الموعود ويكونوا ناشرين للتعليم الحقيقي للإسلام أي تعليم الحب والمودة والأمن في العالم، وينضموا إلى جماعته. وفقنا الله نحن أيضا لإدراك مسئولياتنا وإنجازها، حتى نكون جاذبين لرحمة الله وأن نكون مرشدي العالم دوما إلى الحق، ومقيمين للسلام والعدل وناشري لهذا التعليم، ندعو الله تعالى أن يحمي العالم أيضا من دمار الحرب وفظائعها.

Share via
تابعونا على الفايس بوك