خرِيطة الطرِيقِ إِلى عالم أَفضل في سبِيلِ السلام الحقيقي العالمي الدائم والشامل

خرِيطة الطرِيقِ إِلى عالم أَفضل في سبِيلِ السلام الحقيقي العالمي الدائم والشامل

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الحرب النووية وهلاك البشرية.
  • تصريحات سياسية ترصد سباق التسلح بين الدول.
  • الصراع والصراع المضاد.
  • السبب الأساسي خلف ثوائر الكراهية اتجاه المهاجرين.
  • التعاون الدولي قوة إيجابية من أجل الخير.
  • المنهج الإسلامي في إرساء السلام الدولي.
  • الآثار المدمرة في حالة نشوب حرب نووية.

__

يوميا تزداد التوترات حدة بين الدول ناهيك عن التسابق في التسلح خصوصا بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ومؤخرا كادت تندلع حرب بين الهند وباكستان. هذا إلى جانب الصراعات المتعددة الأطراف في جميع أنحاء العالم.وما كان لجماعة الحكم العدل أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذا الوضع المتأزم، بل أطلت على العالم بمؤتمر للسلام يطمح إلى إطفاء لهيب حرب نووية فتاكة يمكن أن تدمر البشرية جمعاء.

كان ذلك في التاسع من مارس 2019 في مجمع مسجد بيت الفتوح في لندن في منتدى السلام الوطني السادس عشر الذي عقدته الجماعة الإسلامية الأحمدية في المملكة المتحدة.

وإليكم في ما يلي ترجمة الخطاب الرئيس الذي ألقاه إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية العالمية حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله تعالى بنصره العزيز) الخليفة الخامس للإمام المهدي والمسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام)

بسم الله الرحمن الرحيم

الضيوف الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، في كل عام، تعقد الجماعة الإسلامية الأحمدية ندوة السلام هذه، والتي يتم فيها تحليل القضايا الراهنة وحالة العالم العامة. وأسعى في خطابي إلى تقديم إجابات على هذه القضايا المعاصرة في ضوء تعاليم الإسلام.

توصيف الأزمة بأقلام خبراء من هنا وهناك

من حيث تأثير هذا الحدث في العالم، قلت من قبل أنني لا أعرف مداه، ولكن وبغض النظر عن تأثيره، يجب ألا نتخلى عن جهودنا في تعزيز السلام والعدالة، وأنا واثق أنكم جميعًا تشاطروننا الرغبة الشديدة في إقامة سلام حقيقي وطويل الأمد في العالم.

في الواقع، أنا على يقين من أنكم جميعًا تأملون رؤية نهاية العديد من الصراعات الناشبة في العالم مؤخرًا، وأن يظهر عالمٌ مسالمٌ تعيش فيه جميع الشعوب والأمم وجميع الدول في وئام، وتؤدي حقوق بعضها البعض.. ومع ذلك، فإن الحقيقة المأساوية والمدمرة هي أنه في كل عام، بدلاً من تراجع الحرب والصراع فما يجري فهو عكس ذلك؛ حيث تزداد الخصومات حدة، ويتم رسم الخطط لمعركةٍ جديدة، علما أن الأعمال العدائية الحالية لا تظهر سوى القليل من علامات التراجع.

على الرغم من أننا ندرك جميعًا أننا نمر بأوقاتٍ عصيبة، إلا أن معظم الناس لا يدركون مدى تدهور العلاقات بين دول معينة، وكم من الممكن أن تكون العواقب وخيمة! على سبيل المثال، في عمودٍ نُشر مؤخرًا في «بلومبرغ بيزنس ويك» كتب الصحفي بيتر كوي ما يلي:

«من الغرابة بمكان أن الحرب النووية لا تحظى سوى بقليلٍ من الاهتمام إذا أخذنا بالاعتبار وجود أسلحة نووية كافية لإنهاء الحضارة الإنسانية في سويعات! والسبب وراء لفت الانتباه إلى ذلك هو أن الحد من التسلح، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا، قد انهار، ويبدو أن سباق تسلحٍ نوويٍ جديد آخذٌ في الظهور. وفيما يتعلق بما يمكن لأي شخص القيام به، فإن الحد من التسلح إنما يتحرك نحو الأمام استجابةً للضغط العام، وذلك عندما تتحدث البشرية بصوت أعلى من صوت تجار الأسلحة وقادة العالم المولعين بالقتال».

وفي مقاله، اقتبس أيضًا من زميله المخضرم في معهد ميدل بيري للدراسات الدولية، نيكولاي سوكوف الذي حذّر قائلًا:«تدل المؤشرات جميعها على وجود سباق تسلح نووي خطير مشترك في أوروبا».بينما تؤكد بقية المقالة على نقطة مفادها أن سباق تسلحٍ عالمي آخر قد بدأ وأنه ينبغي ألا نُقلل من شأن خطر نشوب حربٍ نووية. في الأيام الأخيرة، شهد العالم تصعيدًا مفاجئًا وتوتُّرًا بين الهند وباكستان، كلا البلدين قوة نووية وقد أقام كلاهما تحالفات مع دول أخرى، سواء كان ذلك علنًا أو في السر، مما يعني أن العواقب المحتملة للحرب ستكون واسعة النطاق وبعيدة المدى.ذكرتُ في العديد من المناسبات رأيي في أن قادة بعض القوى النووية مستعدون لقدح شرارة الحرب، ويبدو أنهم لا يقدّرون العواقب الوخيمة الحقيقية للحرب النووية. ليس لهذه الأسلحة القدرة فقط على إبادة البلدان المستهدفة، بل لديها القدرة أيضًا على تدمير السلام والاستقرار في العالم بأسره. وبالتالي، من الضروري ألا تركز الدول وقادتها على مصالحهم الوطنية الخاصة فحسب، بل عليهم التفكير في ما هو أفضل بالنسبة للعالم بأسره. يُعد الحوار مع الدول والمجتمعات الأخرى أمرًا حيويًّا ويجب على كل الأطراف العمل معًا بروح التسامح وبهدفٍ مشترك يتمثل في إقامة سلام حقيقي ودائم في العالم.

من جهة، تتحالف روسيا وتركيا، بينما تتحالف على الجانب الآخر الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وتزيدان الضغوط على إيران وتسعيان لفرض مزيدٍ من العقوبات عليها. يقول الخبراء السياسيون صراحةً: إن هدف هذه الدول هو السيطرة على الشرق الأوسط.

وتصريحات سياسيين أيضا

في مقابلة أجراها مؤخرًا مع «شبيغل أونلاين»، حذّر وزير خارجية ألمانيا السابق، سيغمار غابرييل، من التقليل من المخاطر التي يمثلها الوضع الجيوسياسي الحالي وقارن الحالة السياسية الحالية بظروف العالم في عامي 1945 و1989. قال وزير الخارجية الألماني السابق:

«العالم يتغير بشكل كبير… لقد تفرّق الغرب القديم… إنه تغير جذري عما كنا عليه قبل سبعين عامًا، عندما كان بإمكاننا الاعتماد على الولايات المتحدة كدولة رائدة. نحن نخوض معركة من أجل السيادة الأوروبية في عالمٍ متغير تمامًا».

وبالمثل، في مقالٍ نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، كتب الرئيس السابق للاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، أنه في أعقاب التعليق الأخير لمعاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى من قِبَل الولايات المتحدة وروسيا، قد بدأ سباق تسلحٍ نووي جديد. كتب السيد غورباتشوف:«تم الإعلان عن سباق تسلح جديد. معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى ليست الضحية الأولى لعسكرة الشؤون العالمية، ففي عام 2002 انسحبت الولايات المتحدة من معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ، وانسحبت هذا العام من الاتفاقية النووية الإيرانية. لقد ارتفعت النفقات العسكرية إلى مستويات فلكية وهي مستمرة في الارتفاع».ومحذرًا من خطر نشوب حربٍ نووية كتب السيد غورباتشوف:

«لن يكون هناك فائز في «حرب الجميع ضد الجميع» خصوصًا إن انتهت بحربٍ نووية، وهذا احتمال لا يمكن استبعاده. إن سباق التسلح المستمر والتوترات الدولية والعداء وعدم الثقة العالمية لن يؤدي إلا إلى تفاقُم الخطر». وبالتالي فالخبراء من المعلقين والسياسيين قد توصلوا إلى استنتاج مفاده أن الحرب النووية لم تعد مستبعدة، وإنما هي تهديدٌ متزايد لم يعد من الممكن تجاهله.

إذا نظرنا إلى عدد قليل من قضايا اليوم الملحة، يتضح أن العالم يسير في اتجاه مشؤوم. وخلال العام الماضي، زعمت الولايات المتحدة، بدرجةٍ من الثقة، أنها كانت على وشك التوصل إلى اتفاق سلام تاريخي مع كوريا الشمالية، ولكن في الأيام الأخيرة، أصبح من الواضح أنه لم يتم تحقيق أي شيء جوهري. كذلك فإن الصراع في الشرق الأوسط مستمرٌ في الهيجان.

الشرق الأوسط وتصدير آثار الصراع إلى أوروبا

على مدى ما يقارب عقدًا من الزمن، دُمّرت سوريا نتيجة سفك الدماء، وتمزقت إربًا. يقال إن الحرب الأهلية تتجه الآن نحو نهايتها، لكن ما الذي حققه العقد الماضي غير موت مئات الآلاف من الأبرياء وتشريد ملايين آخرين؟! لم يظهر أي شيء إيجابي وما يزال المستقبل مُكتَنَفًا بالغموض ومحفوفًا بالمخاطر، حيث تتصاعد التوترات بين الدول التي لها مصالحها الخاصة المرتبطة بمستقبل سوريا.

من جهة، تتحالف روسيا وتركيا، بينما تتحالف على الجانب الآخر الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وتزيدان الضغوط على إيران وتسعيان لفرض مزيدٍ من العقوبات عليها. يقول الخبراء السياسيون صراحةً: إن هدف هذه الدول هو السيطرة على الشرق الأوسط.

وثمة نقطة أخرى تشكّل أحد دواعي الصراع، وهي العلاقات المتأزمة بين تركيا والجماعات الكردية التي تسعى إلى الحكم الذاتي.

وهكذا، فإن العالم عالقٌ في حلقة مفرغة من الصراع والصراع المضاد، حيث تتصاعد حدة الخصومات والكراهية، ولا يعلم أحد إلى أين ستقودنا هذه القضايا في النهاية أو إلى أي مدى ستكون العواقب وخيمة. ما ذكرته هو مجرد غيض من فيض. هناك العديد من القضايا الأخرى المثيرة للقلق التي تهدد السلام والازدهار في العالم.

على سبيل المثال، يقال أن تنظيم داعش الإرهابي على وشك الانهيار وأن خلافته المزعومة قد انتهت. ومع ذلك، يحذر الخبراء أنه على الرغم من أن داعش قد فقدت أراضيها، إلا أن أيديولوجيتها البغيضة مازالت قائمة، ورغم أن من نجا من أعضائها مبعثرون الآن إلا أن بإمكانهم في النهاية إعادة تجميع صفوفهم وتنفيذ هجمات في أوروبا أو أي مكان آخر. علاوة على ذلك، قد رفعت القومية رأسها القبيح مرة أخرى واكتسبت الأحزاب اليمينية المتطرفة شعبيةً في جميع أنحاء العالم الغربي.

ربما لم يحصلوا على أغلبية سياسية كاملة، لكن ما لم تَسُد العدالة جميع مستويات المجتمع فسوف يستمرون في الحصول على مزيد من الدعم. من بين الأسباب الأساسية التي تكمن وراء شعبيتهم الهجرة واسعة النطاق، والتي أثارت موجة من الاستياء والاعتقاد بأن المواطنين الأصليين الحاليين قد غُبِنوا لأجل تمويل ودعم المهاجرين. لقد تحدثت عن هذه المسألة باستفاضة في الماضي، لذا لا أريد تكرار ذلك، يكفي القول إنه إذا تم بذل جهودٍ حقيقية لتحقيق السلام ومساعدة جميع البلدان على تطوير إمكانياتها المحلية، فإن دواعي فرار الناس من ديارهم سوف تتلاشى تلقائيًا.

كل ما يرغب به معظم الناس هو القدرة على إعالة أسرهم، وعندما يتم حرمانهم من هذه الفرص، فإنهم يسعون إلى مغادرة بلدانهم بحثًا عن حياة أفضل. تبعًا لذلك، يجب أن يكون الحل طويل الأجل لأزمة الهجرة هو إرساء السلام في البلدان التي مزقتها الحروب ومساعدة السكان المحليين الذين اضطروا إلى تحمل حياة البؤس والخطر، على العيش بسلام.على المدى القصير، حيث يأتي اللاجئون أو طالبو اللجوء إلى الغرب بسبب الظروف السياسية أو الدينية السائدة في بلدانهم، يجب معاملتهم بكرامة واحترام. وفي الوقت ذاته، فإن أي دعم يتم تقديمه لهم، يجب ألا يكون على حساب المواطنين الأصليين.

ينبغي تشجيع المهاجرين بشدة على الدخول في ميدان العمل في أسرع وقت ممكن، وبدلاً من العيش على المساعدات الحكومية لفترات طويلة، عليهم العمل بجد والسعي للوقوف على أقدامهم والمساهمة بشكل إيجابي في مجتمعهم الجديد. خلاف ذلك، إذا تم تمويلهم باستمرار من أموال دافعي الضرائب، فسيؤدي ذلك حتمًا إلى ارتفاع المظالم.

السبب الأساسي خلف ثوائر الكراهية تجاه المهاجرين

في الواقع، أعتقد أن السبب الأساسي وراء غالبية موجات الاستياء في المجتمع عائدٌ إلى الإحباط الاقتصادي والمالي. وتستفيد مجموعات معينة من هذا القلق من خلال إلقاء اللوم على المهاجرين أو على أتباع دين معين ويقومون بتحريض الآخرين على كراهيتهم.وهكذا، نشأ انطباعٌ في أوروبا بأن الآسيويين والأفارقة ولاسيما المهاجرين المسلمين يشكلون تهديدًا للمجتمع. في الولايات المتحدة، هناك مخاوف مماثلة فيما يتعلق بالمسلمين وبالهسبان أيضًا ممن يسعون لدخول البلاد عبر المكسيك. ومع ذلك، أعتقد اعتقادًا راسخًا أنه إذا وضعت القوى الكبرى جانبا مصالحها الخاصة وناضلت بجدية من أجل تحسين الظروف الاقتصادية للدول الفقيرة وعاملتها بمواساةٍ واحترام، فلن تنشأ مثل هذه المشاكل أبدا.

وحدة أوروبا من وجهة نظر الخلافة الإسلامية الحقيقية

هنا في المملكة المتحدة، هناك حاليًا قدرٌ كبير من القلق بشأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعلاقة المملكة المتحدة المستقبلية به. لقد أوضحتُ وجهة نظري الخاصة بهذا الصدد خلال خطاب ألقيته في البرلمان الأوروبي عام 2012، وقلت أثناء كلمتي:

«يجب أن تُبذل كافة الجهود الممكنة للحفاظ على هذه الوحدة من خلال احترام حقوق بعضنا البعض، كما يجب إزالة مخاوف مواطنيها».

وقلت أيضًا:

«تذكروا أن قوة أوروبا تكمن في بقاء دولها متحدة معًا. هذه الوحدة لن تفيدكم هنا في أوروبا فحسب، بل على المستوى العالمي أيضا، وستكون وسيلة هذه القارة للحفاظ على قوتها وتأثيرها».

ركزت في خطابي قبل سبع سنوات على أهمية إزالة مخاوف الجمهور بشأن الهجرة والتأكيد على فوائد الوحدة. ومع ذلك، لم تتم معالجة مخاوف الناس بشكل كافٍ، وهكذا أصبح الناس في جميع أنحاء أوروبا يشككون بشكل متزايد في فوائد الاتحاد الأوروبي. المثال الأكثر وضوحًا هو بالطبع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن في العديد من الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وإسبانيا وحتى ألمانيا، تكتسب الأحزاب اليمينية المتطرفة أو القومية شعبية وتربح المقاعد على الطاولة السياسية التي تسعى من خلالها إلى إضعاف الاتحاد الأوروبي ومتابعة أجندة مكافحة الهجرة.

ومن هنا، وحيث كنت آمل في المزيد من الوحدة في أوروبا، شهدت السنوات القليلة الماضية زيادة في الانقسام والاضطراب. لماذا برزت هذه الإحباطات؟ إنها نابعة من الصعوبات الاقتصادية وفشل الحكومات في التصرف بنزاهة وحماية حقوق مواطنيها. وتبقى وجهة نظري الخاصة أن التعاون الدولي يمثل قوة إيجابية وموحدة من أجل الخير. وهكذا قلت في البرلمان الأوروبي أيضًا:

«من المنظور الإسلامي، يجب أن نسعى جاهدين من أجل توحيد العالم بأسره. فمن حيث العملة، ينبغي أن يكون العالم موحدًا.. وفيما يتعلق بالأعمال الحرة والتجارة، ينبغي أن يكون العالم موحدًا، ومن حيث حرية التنقل والهجرة، ينبغي وضع سياسات متماسكة وعملية حتى يصبح العالم متحدًا.»

وبالتالي، فإن وجهة النظر الإسلامية هي أنه يمكن تحقيق السلام على أفضل وجه من خلال الوحدة. ومع ذلك، للأسف، بدلاً من التوحد، فإننا نسعى للفصل ونعطي الأولوية لمصالحنا الفردية على المصالح الجماعية للعالم. وأعتقد أن هذه السياسات ستؤدي بالفعل إلى تقويض السلام والأمن في العالم. وفقًا للإسلام، لكي يسود السلام، فإن العدالة بين الأمم شرطٌ أساسي.

وبالتالي، فإن وجهة النظر الإسلامية هي أنه يمكن تحقيق السلام على أفضل وجه من خلال الوحدة. ومع ذلك، للأسف، بدلاً من التوحد، فإننا نسعى للفصل ونعطي الأولوية لمصالحنا الفردية على المصالح الجماعية للعالم. وأعتقد أن هذه السياسات ستؤدي بالفعل إلى تقويض السلام والأمن في العالم.

المنهج الإسلامي في إرساء السلام الدولي

عندما تواجه البلدان صعوبات، يجب على الدول الأخرى أن تسعى إلى مساعدتها بإيثار دون أن تقدم أجنداتها الخاصة. على سبيل المثال، ينص القرآن الكريم على أنه إذا كانت هناك حرب أو نزاع بين طرفين، فيجب على الدول الأخرى التوسط بنزاهة والسعي لإيجاد تسوية سلمية بينهما. ولكن، إذا استمر أحد الطرفين في الظلم ولم يجنح نحو السِّلم، فيجب على الدول الأخرى أن تتحد معًا لوقف المعتدي. بمجرد أن تكف الدول أو الأحزاب المعتدية عن ارتكاب أية مخالفات، فإن الإسلام يأمر بشكلٍ قاطع بأنه لا ينبغي السعي نحو الانتقام من خلال فرض عقوبات ظالمة عليها أو نهب مواردها.ومع ذلك، رأينا مرارا وتكرارا أمثلة لبلدان تدخلت في الدول التي مزقتها الحروب أو قدمت مساعدات للبلدان المحرومة بذريعة إحلال السلام، ولكنها ربطت خيوطا تمكنها من السيطرة على موارد البلد الأضعف. فبدلاً من الاكتفاء بثرواتها، تسعى الدول القوية إلى فرض سيطرتها على الدول الأضعف.

كما قلت، فإن السبب الجذري للإحباط والعداء الناجم عنه، سواء في الشرق أو الغرب، هو الظلم الاقتصادي، فمن الضروري تضافر الجهود لسد الفجوة الاقتصادية بين الشعوب. علاوة على ذلك، يجب أن نوحِّد جهودنا لإنهاء جميع أشكال التطرف والضغائن، سواء كانت دينية أو عنصرية أو من أي نوع آخر.

وحيث إنه من الواضح أن الشعوب تعاني وأن زعماءها لا يحمون حقوقها، فإن تلك المنظمات الدولية التي تأسست من أجل الحفاظ على سلام العالم، لاسيما الأمم المتحدة، يجب أن تمارس ضغوطا قانونية ملائمة من أجل الدفاع عن حقوق المواطنين الملتزمين بالقانون ودفع عجلة العدالة.أما مبدأ إحلال السلام العالمي بين الإسلام الحقيقي ومسلمي اليوم بالنسبة للإسلام، فقد تتساءلون عما يمكن أن يعلِّمنا عن إحلال السلام في العالم، بينما يتمركز عدم الاستقرار والصراعات في السنوات الأخيرة في البلدان الإسلامية؟! إلا أن الحال المؤسفة لتلك الدول مَرجِعها إلى أنها ابتعدت عن التعاليم الحقيقية للإسلام.

للحصول على صورة دقيقة للحكم الإسلامي والقيادة الإسلامية، يجب أن ننظر إلى عصر مؤسس الإسلام، الرسول الأكرم محمد . بعد أن هاجر النبي الكريم إلى المدينة المنورة، عقد معاهدة مع اليهود، كان على المواطنين المسلمين واليهود بموجبها أن يعيشوا معًا بسلام وبروح من المواساة المتبادلة والتسامح والمساواة.

أثبتت هذه المعاهدة أنها ميثاق رائع لحقوق الإنسان والحكم وضمان السلام بين الجماعات المختلفة التي تعيش في المدينة المنورة. وفقًا لشروطها، فإن جميع الناس، بغض النظر عن عقيدتهم أو عرقهم، ملزمون باحترام حقوق بعضهم البعض، وتعد حرية المعتقد وحرية الضمير حجر الزاوية في تلك المعاهدة.

لقد شكلت الوحدة الجزء الأساسي من هذه الاتفاقية، بحيث إذا تم مهاجمة المدينة أو تهديدها، فإن المسلمين واليهود سيجتمعون معًا للدفاع عنها سوية ككيان واحد. علاوة على ذلك، كان لكل جماعة الحق في حل مشاكلها الداخلية وفقًا لمعتقداتها وعاداتها. ويشهد التاريخ على حقيقة أن رسول الإسلام قد دعم كل جانب من جوانب هذا الاتفاق. كمهاجرين، سعى المسلمون لخدمة مجتمعهم الجديد واحترام حقوق جميع مواطني المدينة المنورة، لقد كان هذا مثالاً بارزًا على الاندماج الناجح ومظهرًا لمجتمعٍ مسالم ومتسامح ومتعدد الثقافات. استندت معاهدة المدينة إلى تعاليم القرآن الكريم بصورة مباشرة، على سبيل المثال تقول الآية 91 من سورة النحل من القرآن الكريم:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى

وهكذا، حدد القرآن الكريم ثلاثة مستويات من التعامل مع الآخرين ومع المجتمعات الأخرى. المستوى الأول والأدنى هو العدالة، حيث يدعو القرآن الكريم إلى ضرورة معاملة الجميع بإنصاف وعدالة، وتم تحديد معايير العدالة التي يتطلبها الإسلام في الآية 136 من سورة النساء من القرآن الكريم، والتي تنص على:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا

وبالتالي، فوفقًا للقرآن، تتطلب العدالة من المرء أن يكون مستعدًا للإدلاء بشهادته حتى ضد نفسه وأحبائه من أجل حماية الحقيقة وإظهارها. المستوى الثاني من التعامل الذي يدعو إليه القرآن الكريم هو أن الإنسان لا يجب أن يكون عادلًا فحسب، بل يجب أن يتجاوز ذلك إلى «الإحسان إلى الآخرين» من خلال إظهار الكرم والمغفرة. كما ذكرت سابقًا، يعلمنا القرآن الكريم أنه بمجرد أن تنجح في كفِّ أمة معتدية عن إلحاق المزيد من الضرر، يجب ألا تسعى للانتقام منها أو فرض التضييقات عليها، بل، يجب أن تسعى لمساعدتها على بناء اقتصادها وبنيتها التحتية. وحيث إن ذلك سيساعدها فإنه سيساعدكم أيضًا على المدى الطويل. إذا تم تمكين تلك البلدان، التي كانت مركزًا للحرب أو الانقسام، من الازدهار اقتصاديًا، فستتوقف عن إضمار مشاعر الإحباط أو الكراهية تجاه البلدان الأخرى ولن يضطر شعبها إلى الهجرة.

سواء في الدول الإسلامية أو على المستوى الدولي الأوسع، من الضروري، على أقل تقدير، تلبية متطلبات العدالة من قِبَل الحكومات حتى يتم منح جميع الناس حقوقهم المستحقة، وحتى تفسح المصالح الشخصية الأنانية المجال لما هو عادل وصائب. علاوة على ذلك، يجب على المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، أن تعامل جميع الدول على قدم المساواة، بدلاً من الخضوع لإرادة بعض القوى. هذه هي وسيلة السلام، وهذه هي خريطة الطريق إلى عالم أفضل.

هذه هي الحكمة التي تقوم عليها التعاليم الإسلامية المتمثلة في الذهاب إلى ما هو أبعد من العدالة الأولية وإظهار المواساة والرحمة. فالمستوى الثالث من التعامل في القرآن الكريم إنما هو معاملة الآخرين بالطريقة نفسها التي تعامل بها الأم طفلها، وهو أعلى شكل من أشكال الحب الخالص، حيث يُعطى الحب دون أي توقعاتٍ للجزاء أو المكافأة. ليس من السهل التعامل مع الآخرين بهذه الروح المحسنة، لكن هذا ما ينبغي أن يكون عليه طموحنا الدائم.في نهاية المطاف، لتحقيق السلام، سواء في الدول الإسلامية أو على المستوى الدولي الأوسع، من الضروري، على أقل تقدير، تلبية متطلبات العدالة من قِبَل الحكومات حتى يتم منح جميع الناس حقوقهم المستحقة، وحتى تفسح المصالح الشخصية الأنانية المجال لما هو عادل وصائب. علاوة على ذلك، يجب على المؤسسات الدولية، مثل الأمم المتحدة، أن تعامل جميع الدول على قدم المساواة، بدلاً من الخضوع لإرادة بعض القوى. هذه هي وسيلة السلام، وهذه هي خريطة الطريق إلى عالم أفضل.

هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكننا من خلالها الحيلولة دون انزلاق البشرية نحو الخطر الجسيم.بهذه الكلمات القليلة، أدعو الله عز وجل من أعماق قلبي أن يمكن السلام الحقيقي من الانبثاق، وأن تحلَّ محل ظلال الحرب والصراع الطويلة التي تحوم فوقنا، سماءٌ زرقاء من السلام والازدهار. أدعو الله أن ينتهي الإحباط والحرمان الذي أصاب حياة عددٍ لا يحصى من الناس وأذكى الحروب والمظالم المدمرة في جميع أنحاء العالم.

ثم، بدلاً من السعي للسيطرة على الآخرين ونهب حقوقهم الخاصة، أدعو الله أن ترى الأمم وقادتها فائدة أداء حقوقهم تجاه بعضهم البعض بدلاً من إلقاء اللوم حول مشاكل العالم على أديان معينة أو أشخاص ينتمون إلى عرقيات معينة. أدعو الله أن نُظهر التسامح تجاه معتقدات وعادات بعضنا البعض ونقدّر التنوع داخل مجتمعاتنا.

أدعو الله أن نتكاتف لرؤية الأفضل في الإنسانية وأن نستخدم نقاط قوة ومهارات بعضنا لبناء عالم أفضل لأطفالنا ولتحقيق السلام الدائم في المجتمع. بالتأكيد، البدائل لا تحتمل التفكير. نقلت آنفًا عن العديد من الخبراء الذين حذروا من الحرب النووية وسباق التسلح العالمي المتصاعد. إن هذه المقالات، وغيرها الكثير، تعطي أهمية للاعتقاد بأن العالم يتجه نحو كارثة فادحة، لم يرَ البشر مثلها من قبل، والتي من المحال احتواؤها.

وفقًا لبعض التقديرات، فإن آثار الحرب النووية يمكن أن تصل إلى 90 ٪ من العالم. علاوة على ذلك، إذا كانت هناك حرب نووية، فلن ندمر عالم اليوم فحسب، بل سنترك وراءنا أيضًا دربًا دائمًا من الدمار والبؤس لأجيالنا المقبلة. وبالتالي، يجب أن نتوقف ونتأمل في عواقب أفعالنا.يجب ألا نعتبر أي مشكلة أو نزاع، سواء داخل البلد أو على المستوى الدولي، غير ذي أهمية، سواء كنا نتعامل مع القضايا الاقتصادية، أو الهجرة أو أية أزمة أخرى، يجب أن نظهر التسامح ونسعى لكسر الحواجز التي تفرقنا. يجب أن نستخدم كل طاقاتنا وإمكاناتنا لتحقيق السلام من خلال السعي لإنهاء كافة الصراعات ودِّيًّا، من خلال الحوار والحل الوسط المتبادل والوفاء بحقوق بعضنا البعض.أدعو الله سبحانه وتعالى أن يمكننا من القيام بذلك، آمين. بهذه الكلمات، أود أن أشكر جميع ضيوفنا على الانضمام إلينا هنا هذا المساء. شكرا جزيلا.

Share via
تابعونا على الفايس بوك