النزاعات العالمية
  • الهدفان البارزان من مجيئ المسيح الموعود هما تأدية حقوق الله وحقوق العباد.
  • حفظ الإسلام قدسية الحياة الإنسانية وأذن بالإنخراط في حرب دفاعية فقط حاميًا الأديان الأخرى وجميع الناس.
  • الإرهابيون المسلمون لا يعرفون إلا شيءً قليلًا عن تعاليم الإسلام حتى أن بعضهم يعترفون أنهم لم يقرأوا القرآن طوال حياتهم.
  • توجد أسلحة نووية عند العديد من البلدان وإذا استخدم سلاح واحدٌ فقط سنترك وراءنا جيلًا من الأطفال المعاقين سيولدون بإعاقات.

__

منتدى السلام الوطني الرابع عشر في المملكة المتحدة النزاعات العالمية والحاجة إلى العدالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الضيوف الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
في البدء أشاطر الأحزان جميع المتضررين من الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الأربعاء في وستمنستر، وقلوبنا تلهج بالدعاء لشعب لندن في هذا الوقت العصيب.
ونيابة عن الجماعة الإسلامية الأحمدية، أود أن أؤكد تأكيدا قاطعا أننا نُدين كافة أعمال الإرهاب، ونعرب عن تعاطفنا القلبي مع ضحايا هذه الفظائع الوحشية.
في كافة أنحاء العالم، تسعى الجماعة الإسلامية الأحمدية إلى غرس غراس السلام، ووفقا لتعاليم الإسلام، ترفع صوتها ضد هذه الوحشية. وإن منتدى السلام السنوي هذا ضروري أيضا في هذا المسعى. وأود أن أشكر جميع من لبوا نداءنا من الضيوف الكرام على الانضمام إلينا هنا الليلة.
لقد قال مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية أن الله تعالى قد بعثه في هذا العصر خادمًا لنبي الإسلام محمد ، في سبيل تحقيق الهدفين البارزين للتعاليم الإسلامية، وهما تقريب الإنسانية من الله سبحانه وتعالى، ولفت انتباهها نحو أداء الإنسان حق أخيه. وأعتقد أن هذين الهدفين هما الأساس الوطيد لإقامة السلام الحقيقي والدائم في العالم.
ونحن كمسلمين سعداء، لأن القرآن قد أخبرنا أن الغرض الأساس من خلقنا هو عبادة الله سبحانه وتعالى، ويفضل أن يتم ذلك الهدف بصورة جماعية في المساجد. ومما يؤسف له، وفي انتهاك تام لهذه الأهداف السلمية، أن بعض الأفراد أو الفرق الإسلامية تحيد بمساجدها ومدارسها عن الهدف الأساس الذي أُسست من أجله، بحيث يحولونها إلى بؤر للتطرف والكراهية والتحريض ضد المسلمين من الطوائف الأخرى وغير المسلمين أيضا على حد سواء. فلا غرو أن يُسبب هذا الأمر تخوفا واسع النطاق من المساجد في العالم الغربي، وانطباعا سيئا عنها بأنها مصدرٌ للصراع والفوضى.

أنا أتفق مع الدكتور كارسون في اقتراحه بضرورة أن يخصص الناس الوقت لقراءة الشخصية الحقيقية للنبي ، فإذا درسوا النصوص بحيادية، سيرون بأنفسهم أن النبي لم يشارك أبدا في «مذبحة» لغير المسلمين وأن مثل هذه الادعاءات لَهي إهانة تامة للتاريخ.

هنالك دعوات تحريضية تطلقها بعض الأحزاب والجماعات في الغرب لحظر المساجد أو على الأقل فرض بعض القيود على المسلمين. على سبيل المثال، هناك دعوات لحظر الحجاب أو المآذن والرموز الإسلامية الأخرى. وللأسف! أتاح بعض المسلمين الفرصة للآخرين لكيل الاعتراضات ضد تعاليم الإسلام.
المسلم ليس ملزما بأداء صلواته فقط، بل عليه رعاية الأيتام وإطعام الفقراء أيضا؛ وإلا فصلواتنا محض عبث. وقد ذكر ذلك بشكل قاطع في القرآن الكريم في الآيات 3 و4 و5 من سورة الماعون:

فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ……. .

واستنادًا إلى هذه التعاليم، تقوم الجماعة الإسلامية الأحمدية بفضل الله بتشغيل مختلف المشاريع الإنسانية مواساة للمحرومين، بغض النظر عن عقيدتهم، أو عرقهم أو لونهم. وقد أنشأنا المستشفيات والمدارس والمعاهد التي توفر الرعاية الصحية والتعليم لبعض أكثر المناطق فقرا ونأيًا في العالم. وكل هذا لوجه الله لا نبتغي عليه من الخلق جزاءً ولا شكورا. فهَمّنا الوحيد هو إعانة هؤلاء الناس على الوقوف على أقدامهم حتى يتمكنوا من تحقيق آمالهم وتطلعاتهم ومن ثم العيش بثقة وكرامة وحرية. وبهذه الطريقة، بدلا من أن يصيبهم الإحباط ويصبحوا عرضة للتطرف، سيكبرون ليكونوا مواطنين مسؤولين ومخلصين لدولهم.
ومن خلال تقدمهم الشخصي سيساعدون أيضا دولهم على التقدم ويكونون بدورهم أسوة حسنة للآخرين.
كذلك فإن التعاليم الإسلامية الأساسية هي أن على المسلمين العيش بسلام مع جميع أبناء المجتمع الآخرين وألا يتسببوا لهم في أي حرج. وعلى الرغم من هذا، يُقْرِن الكثيرون الإسلام بالعنف والحرب، رغم أنه لا شيء أبعد عن الحقيقة من هذا. وبغض النظر عما يمكن أن يدّعيه الإرهابيون كذبا وزورا، لا يمكن أبدًا في أي ظرف من الظروف تبرير الهجمات أو عمليات القتل العشوائية.
لقد حفظ الإسلام قدسية الحياة الإنسانية، وذلك بحسب توجيهه تعالى في سورة المائدة:

مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة: 33)،

ياله من بيان واضح وقاطع! وطالما تساءل الناس: لماذا جرت الحروب في بدايات الإسلام؟! وكذلك يتساءلون عن سبب ارتكاب الإرهاب باسم الإسلام. من أجل الإجابة على هذا السؤال، أذكر دائما آيتين من سورة الحج من القرآن الكريم، حيث صدر الإذن بالحرب الدفاعية لأول مرة للمسلمين الأوائل. قال الله تعالى في سورة الحج:

أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (الحج: 40)

وفي الآية اللاحقة، يبين القرآن الأسباب التي من أجلها أُذِنَ للنبي بالانخراط في الحرب الدفاعية. حيث يقول تعالى:

الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (الحج: 41)

ماذا عساها تبين تلك الآيات؟! بالتأكيد، إنها قطعا لا تمنح المسلمين الرخصة بإلحاق الضرر بالآخرين أو السعي لقتلهم. بل إنها تُبرِزُ واجب المسلمين في حماية الأديان الأخرى وضمان حق جميع الناس في الإيمان بما يشاؤون، دون أي إكراه في الدين بأية صورة كانت.
وبالتالي فإن الإسلام هو الدين الذي حفظ إلى الأبد مبادئ الحريات العالمية، من حرية الدين وحرية الضمير وحرية الاعتقاد. لذلك، إذا كان ثمة اليوم ما يسمى بالجماعات أو الطوائف الإسلامية التي تقتل الناس، فلا بد من شجبها وزجرها بأشد العبارات صرامة. إن أعمالهم الهمجية تشكل انتهاكا صارخا لكل تعاليم الإسلام. فليكن واضحا أن هؤلاء الناس لا معرفة لهم بالدين الذي يدّعون اتباعه.
فعلى سبيل المثال، ذكر السيد سيفين ماري، وهو محامٍ لأحد الإرهابيين المشاركين في هجمات بروكسل وباريس الإرهابية، في مقابلة مع صحيفة فرنسية أن موكله ليس لديه أية معرفة حقيقية بالإسلام. وفي الواقع، عندما سُئل موكله عما إذا كان قد قرأ القرآن في حياته، اعترف بسهولة أنه لم يقرأه، وإنما قرأ تفسيره على الإنترنت فقط.
وعلاوة على ذلك، خلصت ورقة بحثية نشرها المعهد الملكي للعلاقات الدولية في آذار/ مارس عام 2016 إلى أن الإرهابيين الذين يعرّفون أنفسهم على أنهم مسلمون لا يعرفون إلا القليل أو لا يعرفون شيئًا مطلقا عن تعاليم الإسلام. وفيما يتعلق بملفات الشباب المسلمين الذين تطرفوا وارتكبوا الهجمات في الغرب، يذكر التقرير:
«إن معرفتهم بالفكر الديني هي بلا شك أكثر ضحالة من سابقيهم، وكذلك معرفتهم بالسياسة الدولية … لقد كان الظلم غالبا نقطة الإنطلاق في رحلة أسلافهم نحو التطرف والإرهاب. وقد طغى على هذا الآن إلى حد كبير الغضب والدوافع الشخصية باعتبارها المحركات الرئيسة لرحلتهم.

وفي حين أن المصلحة الأساسية لكل أمة ينبغي أن تكون رفاه البشرية وتحقيق السلام، فإن الحقيقة المؤسفة هي أن المصالح التجارية والسعي إلى الثروة يحتلان دائما الاهتمام الأول على سلم الأولويات. وحول هذه المصالح الشخصية الضيقة، قال مذيع معروف في السي إن إن مؤخرا أنَّ تقييد تجارة السلاح قد يؤدي الى فقدان الوظائف في شركات الدفاع الأمني الأميركية….

وعلاوة على ذلك، ورد في مقال صحفي في واشنطن بوست قول المسؤول البلجيكي لمكافحة الإرهاب آلان غريغنارد:
«إن ثورتهم على المجتمع تتجلى من خلال الجرائم والجنح الصغيرة. فكثيرون منهم جزء من عصابات الشوارع. إن ما جلبه تنظيم الدولة الإسلامية كان نوعًا جديدا من الإسلام الذي شرع نهجه المتطرف». وهكذا، يقبل الخبراء غير المسلمين أن الإرهابيين قد افتروا «نوعًا جديدًا» من الإسلام لا يمكن وصفه إلا بأنه تشويه مشين للتعاليم الإسلامية.
إن الذين تبنوا هذا الصنف الجديد ويقتلون بلا رحمة ويشوهون ويغتصبون الأبرياء، هم بحسب القرآن الكريم مدانون بقتل الإنسانية جمعاء.
ومن ناحية أخرى، من الواضح أيضا أن من غير المسلمين من يُشعل نيران العداوة والبغضاء، فقد أنفد بعض الأفراد أو المجموعات بعينهم جهودهم في تشويه تعاليم الإسلام والتعريض بسمعته دون وجه حق.
على سبيل المثال، في مقال نُشر الأسبوع الماضي في مجلة فورين بوليسيForeign Policy، كتبت الصحفية بيثاني ألين، عن شبكة متطورة وممولة تمويلا جيدا في الولايات المتحدة، أن هدفها الوحيد هو إشاعة الإسلاموفوبيا ووقف جميع محاولات نشر التعاليم السلمية للإسلام. جاء في المقال الوارد في فورين بوليسي:

«إن شبكة ممولة تمويلا جيدا تحاول تجريد المسلمين الأمريكيين من حقهم في التعبير وتنشر سياسة الخوف… وقد حمل اليمين المتطرف الأمريكي المناهض للمسلمين على عاتقه نشر نفس التفسيرات الملتوية عن الإسلام التي ينشرها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).»

وأردفت الكاتبة أيضا أن المسلمين المسالمين في الولايات المتحدة هم ضحايا تلك السياسة، حيث كتبت:

«… صناعة الإسلاموفوبيا متزايدة القوة بحيث تحد من مساحة الحوار المتوازن والمفتوح، وتُقصي المسلمين الذين يقومون بما في وسعهم لتعزيز التفسيرات السلمية القويمة للإسلام».

كما قد كتبت:

« الولايات المتحدة تتفانى في حماية حرية التعبير والحرية الدينية … ولكن هذه الشبكة تسعى الآن إلى حرمان المسلمين من الحرية، كما تتصرف معتبرة الإسلام أيديولوجية سياسية خطرة لا دينا وإسكات وتشويه سمعة أي مسلم يعارض مخططها.»

وتعطي المقالة مثالًا .. شخصٌ مسالم اعتنق الإسلام في الولايات المتحدة، وبعد أن ألقى محاضرة جامعية تسلط الضوء على تعاليم الإسلام الحقيقية، تشكل ضده تكتل قوي وحاولوا تصويره كمدافع عن القتل والرق والاغتصاب، وتعرضت أسرته للتهديد بالقتل والاغتصاب، وأُغرِقت الجامعة التي كان يعمل فيها بالرسائل الإلكترونية المطالبة بطرده فورا. وهكذا فإن مثل هذه الحالات تثبت أن هناك جهودا متضافرة للتأثير على الرأي العام ضد الإسلام ومنع تعاليمه الحقيقية من الوصول إلى الغالبية العظمى من الناس.
واستنادا إلى أبحاثها، خلصت المؤلفة إلى القول:

«وعلى هذا النهج، هم ينكرون على الإسلام نفس الحقوق الوظيفية التي تتمتع بها المسيحية، ويكممون أفواه أكثر الناس استعدادا للتوفيق بين الإسلام والحياة الأمريكية الحديثة، والتي قد تكون النقطة الأهم»

ومما يؤسف له أننا كثيرا ما نسمع الساسة والقادة يدلون ببياناتٍ تحريضية لا داعي لها ولا تخدم الحقيقة، وإنما تخدم مصالحهم السياسية الخاصة. على سبيل المثال، في كلمة ألقاها أثناء سباقه للرئاسة العام الماضي الدكتور بن كارسون، الذي يشغل حاليا منصب عضو في مجلس الوزراء في الإدارة الأمريكية الجديدة، وصف الإسلام بأنه «نظامٌ للحياة» وليس «دينا»، وعلاوة على ذلك قال الدكتور كارسون متحدثًا عن مؤسس الإسلام :

«ما أود اقتراحه هو أن يخصص الجميع هنا بضع ساعات للقراءة عن الإسلام.. اقرأوا عن محمد… اقرأوا كيف بدأ في مكة واقرأوا كيف لم ينظر إليه الناس في مكة بعين الرضا…. وكيف كان عمه ذا نفوذ وكيف قام بحمايته، وعندما توفي اضطُر محمد إلى الفرار، فذهب شمالا إلى المدينة… حيث حشد جيوشه التي بدأت بذبح أي شخص لا يؤمن بما يؤمنون به».

أنا أتفق مع الدكتور كارسون في اقتراحه بضرورة أن يخصص الناس الوقت لقراءة الشخصية الحقيقية للنبي ، فإذا درسوا النصوص بحيادية، سيرون بأنفسهم أن النبي لم يشارك أبدا في «مذبحة» لغير المسلمين وأن مثل هذه الادعاءات لَهي تشويه متعمد للتاريخ.
بينما الحقيقة هي أنه نتيجة لسنين عديدة من الاضطهاد المتواصل والمرير، اُضْطُرَّ وأتباعه إلى الخروج من مسقط رأسه في مكة مهاجرين إلى المدينة حيث عاشوا بسلام إلى جانب اليهود المحليين والقبائل الأخرى. ومع ذلك، فإن كفار مكة لم يسمحوا للمسلمين بالعيش الهادئ، بل لحقوا بهم على رأس قوة إلى المدينة وشنوا عليهم الحرب سعيا لتدمير الإسلام دفعة واحدة وإلى الأبد.
كان ذلك منعطفًا حاسمًا في تاريخ الإسلام، حيث أذن الله سبحانه وتعالى للمسلمين بخوض حرب دفاعية. وقد صدر هذا الإذن، كما ورد في آيات القرآن المذكورة سابقا، من أجل إرساء المبدأ العالمي لحرية المعتقد. ومن هنا، فإن الادعاء بأن النبي الكريم كان قائدا محاربا أو محرضًا على الحرب لهو ظلمٌ وقسوة عظيمة، وهذه الافتراءات لا يمكن إلا أن تُدمي قلوب الملايين من المسلمين المسالمين في جميع أنحاء العالم. ويشهد التاريخ على حقيقة أن النبي سعى بكل ذرة من كيانه إلى تحقيق السلام والمصالحة.

الحمد لله، ففي مناخ بات العرف فيه أن الإسلام دينٌ للتطرف والعنف، لا يزال هناك بعض الصحفيين غير المسلمين الذين يكتبون بنزاهة وإنصاف. لهذا، أثني عليهم للسباحة ضد تيار الباطل والظلم السائد.

وفي هذا الصدد، لستم مضطرين إلى الأخذ بكلامي؛ لكن استمعوا إلى ما كتبته روث كرانستون، وهي كاتبة بارزة في القرن العشرين، في كتاب ألفته عام 1949 بعنوان «دين العالم»، فمقابل الحروب الدفاعية التي فُرضت على النبي محمد ، ذكرت «كرانستون» الأسلحة النووية التي استخدمتها الولايات المتحدة خلال الحرب العالمية الثانية، فكتبت:

«لم يحرض محمد على القتال وإراقة الدماء قطّ، فكل معركة خاضها كانت دفاعية. لقد قاتل من أجل البقاء على قيد الحياة … وبأسلحة وأسلوب زمنه … بالتأكيد لا يمكن لأمة مسيحية مؤلفة من 140 مليون شخص وتُجْهز اليوم على 120000 مدني عاجز بقنبلة واحدة، أن تنظر بريبة إلى زعيم قتل بأسوأ التقديرات مجرد خمسائة أو ستمائة»

الحمد لله، ففي مناخ بات العرف فيه أن الإسلام دينٌ للتطرف والعنف، لا يزال هناك بعض الصحفيين غير المسلمين الذين يكتبون بنزاهة وإنصاف. لهذا، أثني عليهم للسباحة ضد تيار الباطل والظلم السائد. كما أود أن أثني كثيرًا على السيدة رئيسة الوزراء البريطانية لاقتباسها بعض الآيات من القرآن الكريم في بعض كلماتها وخطبها مُدينةً الاتهامات الموجهة إلى التعاليم الإسلامية.
وهنا أود أن أشيد أيضا بمقالة لجوليا إيوف، التي نشرت في مجلة «فورين بوليسي»، وقد درست فيها تاريخ مختلف الديانات، بما فيها الإسلام. وخلصت فيها إلى القول:

«لا يوجد دين عنيف بطبيعته، ولا يوجد دين سلمي بطبيعته.. الدين – أي دين – عبارة عن مسألة تفسير، وغالبا ما نرى في هذا التفسير إما الجمال أو القبح».

وإنني أقدر هذا الاستنتاج المحايد. وحيث إننا نمر بهذه الأوقات غير المستقرة والمضطربة، فإن لديَّ اعتقادا راسخا بأن انتقاد بعضنا بعضًا لا يخدم أي غرض ولا يمكن إلا أن يؤجج نار العداوة والبغضاء. وبدلا من ذلك، فإن حاجة الوقت تدعونا إلى إزالة حواجز الخوف التي تفرقنا. وبدلا من إقامة الجدران التي تفصلنا عن بعضنا، علينا أن نبني جسورا تقربنا.
ومن المفجع أنه ما من يوم يمر دون أخبار المزيد من الفظائع والهجمات الإرهابية! ومما لا شك فيه أن العالم قد باتت الأخطار تحدق فيه بالمسلمين وغير المسلمين على حد سواء، مما يُحتِّم علينا أن نقف ضد جميع أشكال القمع والكراهية ونستخدم جميع قدراتنا لتعزيز السلام في العالم. وإذا كنا حقا نريد السلام، فيتعين على السياسيين والقادة ووسائل الإعلام والأحزاب في العالم أن يتصرفوا بحكمة واستقامة.
وقد نُشرت العديد من التقارير التي تشير إلى أن عددا كبيرا من الشباب المسلمين قد تطرفوا لأنهم شعروا بالضيم جرَّاءَ تعرُّضِ معتقداتهم للهجوم والسخرية في الدول الغربية. هذا لا يعطيهم بأي شكل من الأشكال أي عذر أو مُسَوِّغ، ويبقيهم مسؤولين عن تصرفاتهم. ومع ذلك، يملي الحس السليم أنه لا ينبغي أن نصب الزيت على النار، بل يجب أن نسعى إلى التفاهم المتبادل واحترام معتقدات الآخرين ومحاولة إيجاد أرضية مشتركة.
في هذا الصدد، قد وضع القرآن الكريم مبدأً يتسم بالحكمة العظيمة حين يقول:

تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ (آل عمران: 65)

وهنا وضع القرآن مبدأً ذهبيا في قضية السلام، يقول أن على الناس أن يركزوا على نقاط الاتفاق والوحدة. وعلى الصعيد الديني، فإن المُوحِّد الأول هو الله سبحانه وتعالى نفسه، ولكن هذا لا يعني أن الشخص المتدين لا يمكن أن يكون له شيء مشترك مع غير المتدينين. وهكذا، علمنا القرآن كيفية بناء مجتمع سلمي ومتعدد الثقافات، يستطيع فيه الناس من جميع الأديان والمعتقدات العيش جنبا إلى جنب، بأواصر الاحترام المتبادل والتسامح. وبناء على ذلك، فإن القرآن الكريم في موضع آخر قد أمر المسلمين أن لا يتكلموا ضد معبودات الآخرين ومقدساتهم، لأنهم بالمقابل سيسبون الله مما سينتج عنه دوران كلا الفريقين في حلقة مفرغة من التظالم الدائم.
وكما تعلمون، فإن موضوع هذه الليلة هو «الصراعات العالمية والحاجة إلى العدالة»، ولقد قلت من سنوات عديدة أن انعدام العدالة قد أصاب كافة شرائح المجتمع وأضرم نار الفوضى. ويلاحَظ أيضا انعدام العدالة في الأمم المتحدة، حتى يشهد أولئك الذين يرتبطون ارتباطا وثيقا بالأمم المتحدة علنًا على أوجه القصور فيها وعدم قيامها بتحقيق هدفها الأساسي المتمثل في صون السلم والأمن الدوليين. على سبيل المثال، في مقال نشرته صحيفة نيويورك تايمز، كتب الأمين العام المساعد السابق للأمم المتحدة، أنتوني بانبوري:

«أحب الأمم المتحدة، ولكنها تفشل على الرغم مما أكنه من حب تجاه الأمم المتحدة، إلا أنني لا يمكنني غض الطرف عن فشلها، هناك الكثير من البيروقراطية والقليل من النتائج. لقد اتُخذت قرارات كثيرة بدوافع سياسية لا بدافع اتباع قيم وأهداف الأمم المتحدة أو الحقائق الواقعية… لكي تستمر الأمم المتحدة وتزدهر، تحتاج إلى إصلاحٍ تام، ولن يتأتى هذا الإصلاح إلا بفريق خارجي يفحص النظام ويوصي بالتغييرات».

وبالمثل، اتخذت حكومات معينة خلال السنوات الأخيرة قرارات سياسية غير عادلة وغير حكيمة كان لها أثر سلبي جدا على السلام والاستقرار في العالم. كما كتب الصحفي الشهير بول كروغمان مؤخرا في صحيفة نيويورك تايمز عن حرب العراق عام 2003:
«إن حرب العراق لم تكن خطأ بريئا، بل هي مشروع تم القيام به على أساس معلومات استخباراتية تبين خطؤها… المبررات العامة للغزو ليست سوى ذرائع بل ذرائع كاذبة.
السبب وراء تقديمي لهذه الأمثلة هو توضيح أنه من الخطأ الادعاء بأن المسلمين هم السبب الوحيد للصراعات المتزايدة التي يشهدها العالم. وفي حين أنه لا يمكن إنكار أن بعض البلدان الإسلامية هي مركز حروب وصراعات اليوم، إلا أنه لا يمكن القول إن بقية العالم متّحد ومصون من الفوضى.
فعلى سبيل المثال، هنالك تقارير وبيانات عديدة تشير إلى تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة والصين، بل وإمكانية نشوب حرب بينهما. وفي الواقع، ذاع مؤخرا على نطاق واسع أن مستشارا مقربًا من الرئيس ترامب قد قال أنْ ليس هناك شك في أن حربا أمريكية صينية ستنشب خلال السنوات الخمس أو العشر القادمة. وبالمثل، نقلت صحيفة «تشاينا مورنينغ بوست» في كانون الثاني/ يناير عن مسؤول عسكري صيني كبير قولا مماثلا مفاده أنَّ الحرب الأمريكية الصينية لم تعد مجرَّد «شعار» فحسب، بل باتت «حقيقة واقعية».
وبالمثل، لا تزال التوترات بين روسيا والغرب آخذة في الازدياد، وتهدد بالتصعيد في أي وقت. ومع استمرار هذه التوترات، أخذ وزير الخارجية الألماني السابق فرانك فالتر شتاينماير على عاتقه التحدث ضد المناورات العسكرية التي شنها حلف الأطلسي (الناتو) بالقرب من الحدود الروسية. فقد قال في يونيو الماضي:
«الشيء الوحيد الذي لا ينبغي أن نفعله هو إشعال الوضع بصوتٍ عالٍ وصاخب وداعٍ للحرب… كل من يفكر في أن موكب الدبابات الرمزي للتحالف على الحدود الشرقية سيجلب الأمن فهو مخطئ. وننصح بشدة بعدم تقديم ذريعة لتجديد مواجهة قديمة».
أنا أتفق مع بيان وزير الخارجية السابق من حيث إنه لا ينبغي للدول أن تستفز بعضها بعضًا أو أن تسعى إلى فرض سيطرتها، بل عليها أن تشارك بدبلوماسية وتحاول حل الخلافات وديا ودون تهديدٍ لا داعي له لبعضها البعض. وللأسف، ومع مرور الوقت، يبدو أننا نفقد قدرتنا على الاستماع والتسامح مع الآراء ووجهات النظر المخالفة. إن فتح قنوات الاتصال وتيسير الحوار أمر ضروري، وإلا فإن القلق العالمي سيزداد.
على أية حال، لقد ذكرتُ تقارير مختلفة تشير إلى أننا نتجه نحو مزيد من الحروب وإراقة الدماء. ونشهد تضاربًا على الصعيدين الدولي والوطني، وتصلبا في المواقف. وبدلا من توجيه أصابع الاتهام وإلقاء اللوم على الطرف الآخر، قد آنَ أوان التماس الحلول. في رأيي هناك حل واحد متاح يمكن أن يكون له أثر فوري في بدء عملية شفاء العالم. وأشير هنا إلى الاتجار الدولي في الأسلحة، والذي أعتقد أنه يجب تقليصه وتقييده.
نحن نعلم جميعا أنه من أجل تغذية اقتصادها، تقوم الدول الغربية ببيع الأسلحة إلى الخارج، بما في ذلك الدول المتورطة في الحروب والصراعات المسلحة. على سبيل المثال، قبل بضعة أسابيع فقط، ذاع على نطاق واسع أن الإدارة الأمريكية الجديدة توقع صفقة أسلحة جديدة لبيع تكنولوجيا صاروخية متطورة ودقيقة التوجيه للمملكة العربية السعودية. وعلاوة على ذلك، تبين من تقرير أصدرته الأمم المتحدة العام الماضي أنه عندما يتعلق الأمر ببيع الأسلحة، لا تُطبق قواعد القانون العادية. وخلصت إلى أن مجموعة من الشركات والأفراد والبلدان كانت منذ زمن طويل تنتهك حظرا دوليا على توريد الأسلحة إلى ليبيا لإمداد مختلف الفصائل المتناحرة هناك.
وبالتالي، عندما تُطبق بعض القواعد المحدودة، لا يجري تنفيذها بشكل صحيح. وفي حين أن المصلحة الأساسية لكل أمة ينبغي أن تكون رفاه البشرية وتحقيق السلام، فإن الحقيقة المؤسفة هي أن المصالح التجارية والسعي إلى الثروة يحتلان دائما الاهتمام الأول على سلم الأولويات. وحول هذه المصالح الشخصية الضيقة، قال مذيع معروف في السي إن إن مؤخرا أنَّ تقييد تجارة السلاح قد يؤدي الى فقدان الوظائف في شركات الدفاع الأمني الأميركية. وخلال مقابلة مباشرة قال:

«هناك الكثير من الوظائف على المحك. ومن المؤكد أنه إذا توقف الكثيرون من مقاولي الدفاع الأمني عن بيع الطائرات الحربية والمعدات الأخرى المتطورة للمملكة العربية السعودية فسنُمنى بخسارة فادحة في فرص العمل والإيرادات هنا في الولايات المتحدة.»

وعلاوة على ذلك، يقال أحيانا أن بيع الأسلحة قد «يشجع» على السلام فعلا، لأن الأسلحة يمكن أن تكون «رادعا». في رأيي هذا القول لا معنى له ولا يشجع إلا على زيادة إنتاج وبيع الأسلحة الخطرة جدًا. في الواقع، إن هذه المبررات هي التي جعلت العالم يتورط في سباق تسلحٍ لا ينتهي. ومن أجل مصلحة البشرية، ينبغي على الحكومات أن تتجاهل المخاوف حول أن اقتصادها سيعاني إذا ما تم تقييد تجارة الأسلحة. وعوضا عن ذلك، ينبغي أن يفكروا في شكل العالم الذي يرغبون في تركه للأجيال اللاحقة.
العديد من الأسلحة المستخدمة في البلدان الإسلامية، وحتى من قبل الجماعات الإرهابية مثل داعش، قد صُنعت في الغرب أو في أوروبا الشرقية، وبالتالي فقد حان الوقت لفرض عقوبات رادعة تنفّذ على نحو فعال. وإذا تم اتخاذ هذه الخطوة، أعتقد يقينًا أنه يمكن أن يكون لها أثر إيجابي جدا في فترة قصيرة من الزمن. وإلا فإن البديل لا يمكن تصوره، ولست بحاجة إلى تفصيله، لأن المقالات التي ذكرتها تتحدث بنفسها وتشير إلى حرب أخرى موشكة وواسعة النطاق. ولا ينبغي لأي بلد أو مجموعة أن تتوهم أنها آمنة، لأنه عندما تبدأ الحروب فهي غالبًا ما تتطور بسرعة وبشكلٍ غير متوقع.
وإذا نظرنا إلى الوراء إلى الحرب العالمية الثانية، نرى انه كانت هنالك دولٌ عازمة على لزوم موقف الحياد، ولكنها جُرّت إلى الحرب في النهاية، وفي حين تستمر التحالفات والتكتلات في التحول والتغير. تمتلك اليوم العديد من البلدان أسلحة نووية، وإذا استخدم سلاح واحد فقط من هذه الأسلحة، فلا يمكن تصور العواقب التي ستدوم لفترة طويلة بعد رحيلنا. وبدلا من أن نترك وراءنا إرثا من الازدهار لأجيالنا القادمة، سنكون مذنبين لأننا خلفنا وراءنا الحزن واليأس.
هديتنا للعالم ستكون جيلًا من الأطفال المعاقين، والمولودين بعيوب وإعاقات عقلية، والذين لا نعلم ما إذا كان آباؤهم سيبقون حتى على قيد الحياة لرعايتهم والاهتمام بهم أم لا.
وبالتالي يجب أن نتذكر دائما أنَّ السعي لتحقيق مصالحنا الخاصة فقط يعني بالضرورة التعدي على حقوق الآخرين، وهذا لا يمكن إلا أن يؤدي إلى الصراع والحروب والبؤس. علينا جميعا أن نفهم وندرك مغبّة الكارثة التي نقف شفى حفرتها. كما علينا أن ندرك الغاية من خلقنا.
وكما قلت في البداية، فإن مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية قد جاء لتوطيد العلاقة بين الإنسان وخالقه وتوحيد نوع الإنسان، ومن أعماق قلبي، أدعو أن يثوب العالم إلى رشده قبل فوات الأوان، ورسالتي إلى العالم هي أن ينظر إلى الغد لا إلى اليوم فقط، دعونا نترك وراءنا إرثا من الأمل والفرصة لأبنائنا بدلا من إحراقهم بعواقب خطايانا المروعة.
وبهذه الكلمات أدعو الله أن يمنح شعوب العالم الرشد بحيث تنقشع الغيوم الكثيفة التي تلبّدُ في الأفق عن مستقبل مشرق ومزدهر.
أدعو الله أن يرحم البشرية، آمين. شكرا لجميع الضيوف، شكرا جزيلا لكم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك