كيف يجني المؤمن بركات الشهر الفضيل؟
التاريخ: 2012-07-27

كيف يجني المؤمن بركات الشهر الفضيل؟

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • العمل الصالح مع الصيام يفتح أبواب الرُقي
  • محسابة النفس تُكسب الحسنات وتمنع السيئات
  • قول الزور يهدم الصيام
  • الترقيات الروحانية أقرب للساعين إليها
  • أمسك لسانك وتواضع
  • الصدق سبيل الوصول

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

نعيش في هذه الأيام بفضل الله تعالى شهرَ رمضان المبارك، والسعداءُ مَن ينتفعون من بركات هذا الشهر الفضيل التي لا تُعطى إلا بعد معرفة حقيقة الصيام ثم السعي للانتفاع بها حق الانتفاع. ليس هناك شكّ في أحقيّة ما قاله النبي في بعض حديثه:

إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ. (البخاري، كتاب الصوم)

ولكن هل تفتح أبواب الجنة للجميع؟ وهل تصفّد شياطينُ الجميع؟ وهل تُغلَق أبواب جهنم للجميع أيضا؟ كلا لا يحدث ذلك للجميع، بل الخطاب هنا للمؤمنين فقط. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يمكن لأحد أن يحرز هذا النجاح بمجرد إيمانه الظاهري ودخوله في الإسلام ثم قيامه بالصوم؟ وهل هذا هو المطلوب فقط؟ إذا كان هذا هو المطلوب فلماذا ينبّه الله تعالى بعد الإيمان إلى العمل الصالح مرة بعد أخرى؟ ولماذا يؤكد على ذلك أيما تأكيد؟ بل وعد الله تعالى بالجزاء الحسن على العمل الصالح أيًّا كان دين صاحبه؛ فإنَّ مجرد صومِ أحدكم في رمضان أو مجرد مروره من هذا الشهر لا يجعله من أصحاب الجنة، بل هناك أمور أخرى أيضا لا بد من العمل بها، كما أن هناك بعض الشروط أيضا التي يجب الالتزام بها، ويُفرض على المؤمن العمل بكل هذه الأمور، وإلا فلا يساوي شيئًا الامتناع عن الأكل بدءًا من الصباح وحتى المساء؛ إذ إن هناك كثيرًا من الناس يكتفون بوجبة صباحية ووجبة مسائية فقط، بل بعض المتصوفة المزعومين يروّضون أنفسهم على تكبد الجوع والفاقة لأيام في بعض الأحيان، ولكنهم لا يتحلون بشيء من العبادة والصلاح، وهناك بعض الناس الذين لا يسعهم أكل الطعام لأسباب دنيوية شتى، وظروف بعضهم لا تسمح لهم بأكل أكثر من رغيف واحد يوميا، إضافة إلى ذلك ينصح الأطباء بعض الناس بالامتناع من أكلات معينة فيقضون نهارهم وكأنهم لا يأكلون شيئا، وبعض الناس ولا سيما النساء لا يأكلون طول اليوم بسبب الحِمْيَة الغذائية؛ فقد التقت بي قبل يومين إحدى الأمهات وقالت بأن فكرة الرشاقة قد ساورت ذهن ابنتها الشابة إلى حد الجنون – وذلك لأن هناك تيارًا سائدًا الآن لتخفيف الوزن وكسب الرشاقة البدنية- حيث تركت الأكل والشرب، وما أقلق الأمّ أكثر هو أن ابنتها لا تأكل في اليوم كله إلا مرة واحدة وبكمية قليلة جدًّا. وخلال شهر أو شهر ونصف قد تمكنت من خسارة قرابة سبعة كيلوغرامات من وزنها. هذا الأمر كان مصدر قلق الأم، ولعل تلك الفتاة تظن الآن بأنها لو صامت بدون أكل السحور فإنها بالإضافة إلى تخفيف الوزن ستكسب حسنةً أيضا، وبما أنه قد صُفِّدت الشياطين لذلك فقد تظن بأنها ستُثاب على فعلها هذا وبالتالي ستضرب عصفورين بحجر واحد! وأعرف بعض الناس الذين يصومون ثم لا يعملون شيئًا طول اليوم بل يظلون نائمين لكي لا يشعروا بالجوع والعطش، ومع ذلك يظنون أنهم نالوا ثوابًا على هذه الحسنة. كلا، بل أمرنا النبي بالصوم ثم قال:

إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتِ الشَّيَاطِينُ،

وإلى جانب كل ذلك أوصانا بالأعمال الصالحة أيضا. لا شك أنكم تتسحّرون وقد أمركم الله تعالى بذلك، ثم تفطرون مساء، ولكن كما أخبرتكم أن بعض الناس يصومون دون التسحُّر إذا اضطروا لذلك، ولكن لا تظنوا أنكم ستنالون ثواب الصوم بهذا، ولا تظنوا أن شيطانكم سيُصَفَّد بهذا العمل، أو تفتح لكم أبواب الجنة بسببه وتحرم عليكم جهنم.

هل تفتح أبواب الجنة للجميع؟ وهل تصفّد شياطينُ الجميع؟ وهل تُغلَق أبواب جهنم للجميع أيضا؟ كلا لا يحدث ذلك للجميع، بل الخطاب هنا للمؤمنين فقط.

إذًا، لا يستفيد ولا يستفيض منه إلا الذي يكسب الأعمال الصالحة ويصوم واضعا تقوى الله وخشيته في الحسبان، وإلى جانب ذلك يحاول أن تكون كل أعماله بحسب رضا الله تعالى. كذلك قال النبي أيضا بأن الذي يصوم محاسبا نفسه سيُقبل منه وتُدنى له الجنة، ويُصفَّد شيطانه.

فمحاسبةُ المؤمنِ نفسَه وصومُه سوف يوجِّهه إلى كسب الحسنات أكثر من ذي قبل، كما سيمنعه من المنكرات ويرشده إلى نبذ السيئات. وبالتالي سوف يجاهد المؤمن لذلك ويسعى جاهدا لرفع مستوى عبادته، ولن يقتصر على أداء العبادة المكتوبة فقط بل سيتوجه إلى النوافل أيضا ويسعى لأداء حقها بالكامل، كذلك يتنبه إلى أداء حقوق العباد وإلى تقديم التضحيات المالية أيضا وإلى أداء حقوق الفقراء جهد المستطيع. عندها فقط يستطيع المرء أن يستفيد من شهر الصيام على وجه الحقيقة. لقد ورد في الروايات عن النبي عن التضحيات المالية أنه كان يُنفق في سبيل الله ويتصدق كثيرا على مدار السنة أي في غير شهر رمضان أيضا وكان يساعد المحتاجين وينفق المال في سبيل الله بسخاء لا حدود له، وما كان لأحد أن يجاريه في ذلك. أما في رمضان فكان رَسُولُ اللهِ َ أَجْوَدَ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ. وكان مستوى عبادته أيضا يتجاوز الحدود وهذا يعني أن عبادة النبي ما كانت تعرف الحدود في الأيام العادية أيضا ودونك شهر رمضان. وقد نبّهنا بألا تظنوا أنه ها قد حلّ شهر رمضان فستنالون كل شيء دون أن تعملوا شيئا بحجة أنّ الصوم وحده يكفي لهذا الغرض! فقد لفت أنظارنا إلى كيف يمكننا الاستفادة الحقيقية من شهر الصيام الفضيل، وهذا ما أريد أن ألفت انتباهكم إليه بوجه خاص، فيقول النبي : مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا- وقد ذكرت هذا الحديث من قبل- وقد ورد في رواية أنه قال: مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَه. أي لا جدوى من الصيام في هذه الحالة. فعلينا ألا نفرح فقط على أن الشيطان صُفِّد بل هناك حاجة ماسة لرفع مستوى الصيام وأداء حقه. لقد نبّه النبي إلى أنّ مَن لم يدع قول الزور والعمل به فلا صوم له أصلا. فبواسطة هذه الكلمات الوجيزة حذّرنا من السيئات جميعا، صغيرة كانت أم كبيرة. لقد نصح النبي شخصا لاجتناب الزور في كل الأحوال وبذلك طهّره من التقصيرات والأخطاء والذنوب كلها. فتوجد أمثال من هذا القبيل أيضا أنه قد زالت جميع تقصيرات الشخص الذي نصحه النبي أن يثبت على الصدق، سواء كانت تقصيراته أخلاقية أو روحانية، فبمجرد تمسكه بالصدق تزول كلها. ثم انظروا أن الله تعالى قد عدّ قول الزور مثل الشرك تماما كما في قوله : فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ . يقول المسيح الموعود في شرح هذه الآية: أي احترزوا نجاسة الأوثان ونجاسة الكذب أيضا، فهذا تفسير سلس لهذه الآية، ثم يقول : اجتنبوا عبادة الأوثان وقولَ الكذب. أي أن الكذب أيضا وثنٌ يترك المعتمِدُ عليه التوكّلَ على الله، فبالكذب يخسر الإنسان اللهَ . فحين ذكر النبي أن مَن لم يدَع قول الزور والعمل به فلم يصُم، فذلك لأن الصائم يدعي بأنه يصوم استجابةً لأمر الله في قوله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ (البقرة: 184)،

ثم يتخذ الكذب إلها مقابل الذي مِن أجله يصوم، فهذه الازدواجية غير ممكنة.

ثم قال رسول الله “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أُجْزى بِهِ” فلا يمكن أن يحرز الإنسان عملا من أجل الله وبأمر منه وجذبا لحبه، ويرجو أن يكون الله هو جزاءَ صومه – ومعلوم أن الله حين يكون هو نفسُه جزاءً فلا تبقى لهذا الجزاء أي حدود- ثم يتسرب الزور في حياته اليومية في قوله وعمله. فالملاحظ أن النبي لم يَنْهَ عن الزور باللسان فقط بل قد أضاف إليه العمل بالزور أيضا، وهو أن يقول الإنسان ما لا يفعل. فيجب أن يرفع الصائم معايير عبادته ونوافلِه. وإذا كان الإنسان لا يسعى لذلك بل يقضي حياته العادية كما كان في الماضي فهذا عمل سيئ. لقد قال النبي وَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ، فبذلك قد أدى حق الصيام، أما إذا ردّ على المقاتل أو الشاتم فهو عمل بالزور، كذلك إذا كان لا يؤدي حقَّ عمله فهو أيضا عمل بالزور. وإذا كان لا يؤدي حقوق الآخرين فهو أيضا يندرج في العمل بالزور، إذا كان الشجار بين الزوج والزوجة مستمرا ولا أحد منهما يُحدث في نفسه التغيير إيمانا أنه ينبغي تحسين العلاقات في هذا الشهر والمحافظة على الحب المتبادل لكي يفوز بحب الله في رمضان، ولكي يكون الله نفسُه جزاءه فمهما كانا يدّعيان باللسان بأنهما صائمان من أجل الله فإنّ عملهما يكذِّب هذا الادعاء.

ثم هناك أمور أخرى تندرج في العمل بالزور، وذروتُها أن يؤثر المرءُ التجارة والمكاسب المادية والمصالح الدنيوية – مع صومه- على العبادة والذكر الإلهي وأداء النوافل وقراءة القرآن الكريم. ثم إنّ بعض الناس يكذبون في معاملاتهم من أجل الحصول على الأرباح والمكاسب المادية، فكأن الأولوية للكذب مقابل الله ، فهذا الكذب في القول والعمل معدود ضمن الشرك، وقال النبي إن مثل هذا الصائم في الحقيقة يتحمّل الجوع عبثا فقط، إذ لا أهمية له قط في نظر الله.

فإن رمضان يؤدي إلى إحداث تغيير جذري في النفوس، فيُصفّد فيه الشيطان وتُقرَّب الجنة، ولكن لأولئك الذين يسعون لإحداث تغيير طيب في حالتهم ويبذلون قصارى جهودهم لإخضاع كل قول وفعل لهم لرضى الله تعالى ويسعون للتقرب إلى الله والخضوع لحكمه حتى ينتفعوا برحمته ومغفرته العميمة التي تزداد في هذه الأيام أضعافًا بالمقارنة مع الأيام العادية، وأن يسحقوا ما جعَلَتْه أنفسهم من آلهة تقف أحيانًا مناوئة لله تعالى بطريقة شعورية أو لاشعورية ويَذْرُوهُ في الهواء. ولو بذل كل واحد سعيه على هذا النحو فلا بد أن يؤدي إلى إحداث تغيير جذري في نفسه. إن الخضوع لحكم الله تعالى يتطلب – إلى جانب الصيام- تحقيق مستويات عليا في العبادة، والإكثار من تلاوة القرآن الكريم والتدبر فيه، كما يتطلب أيضا أن يظهر تأثير هذه العبادات وتأثير تلاوة القرآن الكريم في حالة الإنسان وأخلاقه، وهكذا سيظهر الحق عمليًا.

يقول سيدنا المسيح الموعود : “لا أرى هنا حاجة لأنصحكم بألا تسفكوا دمًا، لأنه ما من أحد يُقدِم على سفك الدم بغير حق إلا من كان شريرا. وإنما أقول: لا تقتلوا الحق بالإصرار على عدم الإنصاف، واقبلوا الحق وإن وجدتموه عند طفل صغير. وإذا وجدتم الحق عند خصمكم فاتركوا منطقكم الجاف فورا. (أي يجب ألا يمنعكم من قبول الحق لأن القائل به معارضكم، بل عند وضوح الحق يجب قبوله دون اللجوء إلى أعذار لإبطاله والخوض في نقاش عبثي) وقوموا على الحق واشهدوا شهادةَ حقٍّ. يقول الله جلّ شأنه:

فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ،

أي اجتنبوا الزور، لأنه ليس أقل من رجس الأوثان. كلّ ما يصرف وجوهكم عن قِبلة الحق فإنه وثنٌ في سبيلكم. فاشهدوا شهادة حقٍّ ولو كانت على أبويكم أو إخوتكم أو أصدقائكم، ولا تمنعنَّكم عداوة عن العدل والإنصاف (أي يجب ألا تؤثر على تمسككم بالحق عداوة أحد أيا كان نوعها).

يقول المسيح الموعود :

“إن زلة اللسان أمر خطير، ولأجل ذلك يحرص التقي على التحكم في لسانه، فلا تخرج من فيه كلمة تخالف التقوى. فيجب أن تحكموا ألسنتكم لا أن تحكُمَكم الألسنُ فتهذون وتهذرون.”

هذه هي التقوى، ولا بد لنا أن نسعى جاهدين للسلوك في دروب التقوى في رمضان لنفوز بقرب الله تعالى، ويسهل لنا الدخول إلى تلك الجنات التي فُتحت أبوابها. والآن لو حاسب كل واحد نفسه فسيشعر تلقائيًا إلى أي مدى يعمل وفق نصائح سيدنا المسيح الموعود هذه ورسالته المليئة بالحرقة واللوعة.

فهذه النصيحة قد وجّهها المسيح الموعود في كتابه “إزالة الأوهام” إلى أفراد جماعته وأتباعه بوجه خاص بأنه لو تمسك كلٌّ منهم بالعدل واجتنب قتل الصدق لحُلَّت نزاعاتنا المنـزلية وكذلك الخصومات التي تنشأ بين الإخوة أحيانا والقضايا التي تصلني بين حين وآخر. أو على الأقل تزول من مجتمعنا الأحمدي المشاكل المالية التي تطل برأسها بين الفينة والفينة. الواقع أن كل هذه المسائل تبرز للعيان بسبب قولِ الزور وجعلِ الناسِ أنانيتَهم فوق كل اعتبار. لذلك قال المسيح الموعود بأنكم لو رفعتم مستوى صدقكم لدرجة إذا سمعتم الحق من طفل صغير فيجب أن تقبلوه، ففي هذه الحالة ستجتنبون سيئات كثيرة، ولن يكون أنف أنانيتكم شامخا لتقولوا كيف ينصحني هذا الطفل الصغير، أو كيف يرشدني إلى الحق هذا الشخص الأدنى مني مرتبة، وكيف ينصحني بقول الصدق هذا الشخص الفقير! إذًا، لا بد من التواضع أيضا في سبيل اختيار الصدق. والمعلوم أن التواضع حسنة يحبها الله تعالى كثيرا. فانظروا كم تنتج من حسنات أخرى من حسنة واحدة ألا وهو قول الصدق. فترون أن حسنة تنجب حسنات أخرى، وهذا ما يجعل الإنسان مستحقا لنيل رضا الله تعالى.

فإن رمضان يؤدي إلى إحداث تغيير جذري في النفوس، فيُصفّد فيه الشيطان وتُقرَّب الجنة، ولكن لأولئك الذين يسعون لإحداث تغيير طيب في حالتهم ويبذلون قصارى جهودهم لإخضاع كل قول وفعل لهم لرضى الله تعالى ويسعون للتقرب إلى الله والخضوع لحكمه حتى ينتفعوا برحمته ومغفرته العميمة …

الأهم ما بيّنه المسيح الموعود في المقتبس المذكور – إلى جانب بعض الجزئيات – هو نصيحته أن ما يحرِفُ وجهكم عن قِبلة الحق إنما هو وثن في طريقكم. فإن كنا نريد أن نستفيد من رمضان استفادة حقيقية ومن تصفيد الشيطان وإغلاق أبواب الجحيم فلا بد من أن نسدد قِبلة أقوالنا إلى جهة صحيحة. فإذا كانت قِبلتنا متجهة إلى الله تعالى وحده لاستطعنا أن نستفيد من إعلانه أنني قد فتحتُ لكم أبواب الجنة ببركة رمضان. اعلموا بأنه لن تُفتح لنا أبواب الجنة إلا إذا انتبهنا جيدا وعملنا بكلام النبي المذكور آنفا حيث قال بأن عليكم أن ترفعوا مستويات صدق قولكم وعملكم، وإن لم تتنبهوا إلى ذلك فَلَيْسَ للهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ تدَعوا طَعَامَكم وَشَرَابكم. فمن رحمة الله ومنته على عباده أنه أخبرهم بطرق مختلفة لكسب الحسنات ثم وعد السالكين عليها بالإنعامات، وفي شهر رمضان جعل الحصول على هذه الإنعامات بلا حدود نتيجة العبادات وكسب الحسنات فيه. وقال: تعالوا إليّ وادخُلوا جنات مرضاتي، ولكن اعلموا جيدا أنه يجب أن تختاروا سبيل الصدق في القول والعمل من أجل الدخول إليها. فلو اتّبعتم هذه القِبلة ستصلون إلى غايتكم المتوخاة مباشرة كما تصلونها بجهاز نظام تحديد الطريق (Navigation System)؛ إذ تكون هذه الآلة مركَّبة في السيارات عادة، وإلا ستتيهون وتتخبطون خبط عشواء في رمضان أيضا. والواقع أن هذا الجهاز الدنيوي يخطئ أيضا أحيانا أو تُدخَل فيه معلومات خاطئة أو تُصنع شوارع جديدة لا يعرفها، وأحيانا يرشد إلى طريق طويل من بين طرق مختلفة ويضطر المرء أن يدور طويلا أو يتيه في أزقة مختلفة بحثا عن الطريق الصحيح أو يواجه ازدحام المرور. أما إذا كان الإنسان متّجها إلى الله تعالى بصورة صحيحة فإنه يصل إلى باب الجنة رأسا. فيجب علينا جميعا في شهر رمضان الجاري أن نسعى جاهدين لتسْديد اتجاهنا ورفع مستوى أقوالنا وأفعالنا وأن نسعى للحصول على جنات مرضاة الله تعالى. ندعو الله تعالى أن يوفقنا لذلك.

Share via
تابعونا على الفايس بوك