الحمد ثناء على الفعل الجميل لمن يستحق الثناء و من أحق بالحمد سوى الله تعالى
التاريخ: 2012-07-20

الحمد ثناء على الفعل الجميل لمن يستحق الثناء و من أحق بالحمد سوى الله تعالى

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • تفسير حضرة المسيح الموعود عليه السلام لكلمة الحمد
  • المستحق الحقيقي للحمد هو الله تعالى.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

عندما نشاهد أفضال الله تعالى وإنعاماته تجري على لسان الأغلبية منا كلمة: “الحمد لله” عفويا عندما نذكر نِعمه سبحانه، سواء أكانوا يدركون المعنى العميق للحمد أم لم يدركوه. ولكن بسبب تلقّي التربية في بيئة معينة يكنّ الجميع شعورا بأنه لا بد من القول “الحمد لله” وإن كان على سبيل التكلف. فكل شخص مهما كان قليل العلم يشعر في قرارة قلبه بضرورة التفوه بهذه الكلمات التي تشير إلى حمد الله والثناء عليه. فباختصار، عندما تنـزل على الأحمدي أفضال الله تعالى ونعمه – سواء  تعلّق ذلك بشخصه أو بالجماعة – تجري على لسانه كلمة “الحمد لله” حتما. والحق أنه يجب أن يتفوه بها كل أحمدي بمثل هذه المناسبات كلها، ولكن إذا قالها المرء مدركا حقيقتها وروحها كانت أكثر بركة له. نحن الأحمديون سعداء جدا من هذه الناحية لأننا آمنا بإمام هذا الزمان والمسيح الموعود والمهدي المعهود. وبسبب هذا الإيمان لا نواجه مشكلة في فهم معاني “الحمد لله” أو معنى أية كلمة أخرى من القرآن الكريم لأن المسيح الموعود قد وضّح لنا تلك الروح بتعليم من الله تعالى، وقد شرح كلمة “الحمد لله” بأساليب مختلفة. والآن سأذكر لكم معنى “الحمد” بإيجاز بكلماته هو، فيقول :

“اعلمْ أن الحمد ثناءٌ على الفعل الجميل لمن يستحق الثناء، ومدحٌ لمنعِمٍ أنعمَ من الإرادة وأحسنَ كيف شاء. ولا يتحقق حقيقةُ الحمد كما هو حقُّها إلا للذي هو مَبْدَأ لجميع الفيوض والأنوار، ومُحسِنٌ على وجه البصيرة، لا مِن غير الشعور ولا من الاضطرار، فلا يوجد هذا المعنى إلا في الله الخبير البصير، وإنه هو المحسن ومِنْه المِننُ كلها في الأول والأخير، وله الحمد في هذه الدار وتلك الدار، وإليه يرجع كلُّ حمد يُنسَب إلى الأغيار.” (إعجاز المسيح)

فهذا هو المعنى الذي تتضمنه كلمة “الحمد”. وإذا قال الإنسان “الحمد لله” واضعا كل هذه الأمور في الاعتبار كان ذلك هو الحمد الحقيقي الذي يجب أن يحمد به اللهَ كلُّ مؤمنٍ.

لقد وردت كلمة “الحمد” في آيات عديدة في القرآن الكريم للفت انتباهنا إلى الإكثار من حمد الله تعالى. ولكنني سأتحدث اليوم من منطلق المقتبس المذكور من كلام المسيح الموعود وسأشرحه قليلا. الأمور الثلاثة التي وجّه المسيح الموعود في هذا المقتبس أنظارنا إليها شارحا “الحمدَ”، هي: “الحمد ثناءٌ على الفعل الجميل لمن يستحق الثناء”. من المعلوم أن الناس أيضا يُحمَدون، ولكنه يقول بأن المستحق الحقيقي للحمد هو الله تعالى ومن أحق بالحمد سوى الله تعالى؟ فأولا يجب أن يكون معلوما أن الحمد كله لله تعالى لأنه هو الأحق به. يقول المسيح الموعود : “ومدحٌ لمنعِمٍ أنعمَ من الإرادة”، فعندما تنـزل نعم الله تعالى فهي تنـزل بمشيئة الله تعالى أكثر منها نتيجة فعل الحائز على تلك النعم.

إن الله أحيانا يتجلى على المرء برحمانيته ويكرمه دون صدور أي عمل منه، أو يكرمه أكثر من العمل بآلاف المرات، أو إذا أنعم على أحد بتجلي الرحيمية فهو أيضا بمشيئته تعالى، فالله تعالى يوفِّق العبد ليقوم بعمل ما أو دعاء، لتظهر له نتائجُ جيدة، فيكرمه الله مرة أخرى.

ثم الأمر الثالث هو “أنعم من الإرادة” أي أحسن بمشيئته، فمَن أكثر مِن الله إحسانا بإرادته أو إحرازا لعمل ما؟ فالله يريد أن يمنّ على عباده، ولذا قد وسَّع رحمته. ثم عندما تتحقق وعودُ الله تعالى بمشيئته فتنـزل نِعمُه وأفضاله ومننه، بحيث لا يحصيها الإنسان. فنحن نلاحظ معاملة الله هذه في العصر الراهن تجاه جماعة سيدنا المسيح الموعود ذلك لأن الله قد وعده وأعلن بحُكْمه أنه ليغلبن.

ثم قال : “ولا يتحقق حقيقة الحمد كما هو حقها إلا للذي هو مبدأ لجميع الفيوض والأنوار”، فحين يقول المرء “الحمد لله” فليقل بالتفكير في أن الله وحده هو من ينال منه الإنسانُ جميعَ الفيوض، فــ الله نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ (النور: 36)، فإذا كان نورا فعلى الإنسان أن يتوب إليه، ويتقدم إليه، وينيب إليه، وبذلك يخرج الإنسان الحامد من الظلمات إلى النور باستمرار. وهنا يبدأ موضوع آخر لمنة الله ، كما يقول :

الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ (البقرة: 258)،

فالإنسان الذي يكون اللهُ وليَّه يتحقق له إدراك جديد لـ “الحمد لله” فتبدأ سلسلة جديدة لمنن الله، فكأن الحامد الحقيقي يرث أفضال الله التي لا تنقطع للأبد، فينـزل عليه فضلٌ تلو آخر على الدوام. ثم قال : “ومحسن على وجه البصيرة لا من غير الشعور ولا من الاضطرار”، فهو يعرف أنه يقوم بهذا الإحسان ولا يريد جزاء على هذا الإحسان، إلا أنه علَّم العبدَ أنه إذا شكر وحمد حمدا حقيقيا وأدى حق العبودية فسوف يزيدنَّه كما قال: لأزيدنكم ، أي ستزداد إنعاماتي ومنني هذه أكثر باستمرار. وهذا الاستمرار في نزول هذه الإنعامات والمنن عليكم ليس مقصورا على هذه الدنيا، بل سوف تتمتعون بها في الآخرة أيضا، وسوف تتناولون ثمارا غير منقطعة للحمد الحقيقي. ثم قال أيضا بأنه لا يغيبن عن البال أن الحمد الذي تقومون به لغير الله أو مخلوقِه في هذا العالم هو الآخر يقود إلى الله وينبغي أن يقودكم إليه. يجب أن يكون عند المؤمن الحقيقي إدراكُ قول الله وفهْمُه أنه هو مرجع كل حمد، لأن الله هو مالك جميع القدرات، وهو خالق الأرض والسماء وكلّ الأشياء والمخلوقات سواءً كانت حيوانات أو جمادات أو نباتات أو الناس، وهو مَن يودع فيها خواصَّ وميزات بحيث يستطيع الإنسان الانتفاع بها. فلا يمكن أن يتحلى أي شيء بميزة فريدة ولا أهمية ذاتية ولا قوة خارقة مفيدة للإنسان ما لم يخلقها الله تعالى فيه. ونرى كثيرا من الأشياء على وجه الأرض لا يقدر الإنسان على الانتفاع بخواصها التي وضعها الله تعالى فيها ما لم يشأ الله تعالى ذلك. فإذا كانت كل ميزة وخاصية لا توهب إلا بمشيئة الله وإرادته فلا بد للإنسان أن يسدي الشكر الحقيقي لله وحده عند استفادته بهذه الأشياء، لأن الله تعالى وحده خلق هذه الأسباب والأشياء التي ينتفع بها عبد الله المؤمن. ولكننا أُمرنا أن نشكر عباد الله أيضا، أي إذا انتفعتم بإنسان فلا بد أن تكونوا شاكرين له. فلو شكرتم الناس بهذه النية لأن الله تعالى أرسلهم لإفادتكم أو جعلهم وسيلة مفيدة لكم فإن ذلك أيضا يتحول إلى شكرٍ لله تعالى. إن الشكر الحقيقي هو لرب العالمين الذي خلقنا وهيأ أسبابًا لربوبيته لنا ولمخلوقات أخرى. فلو فكّر الإنسان على هذا النحو لما جعل عباد الله آلهة له، ولا يظن أنه بسبب فلان قد أُنجِزتْ أعمالُه أو بسببه قد أحرَزَ ما أحرزه، لأن الرب الحقيقي هو رب العالمين. فهذا هو دأب المؤمن أنه عند شكره للعباد إنما يتوخى شكر الله تعالى ويعدّه منبعًا للإحسان والمنن، بل كلما تلقّى معاملة حسنة من أحد فإنه يعدّ الله تعالى سببًا فيها لأنه قد أوقع في قلب شخص آخر ليُسدي إليه معاملة حسنة. فعند انتفاع المؤمن الحقيقي بشيء – من أي طريق كان هذا الانتفاع– يتوجه فكره إلى الله تعالى، وعند ذلك يصدر منه الحمد الحقيقي وهو ما نبّه إليه المسيح الموعود وأوصانا للقيام بمثل هذا الحمد.

يجب أن يتذكر كل أحمدي – مهما كان حائزا على الشهادات ومهما أنشأ من علاقات مع الناس – أن غايتنا المنشودة أن نجعل العالم يعبد إلها واحدا، وأن نجعل لواء النبي يرفرف فوق ألوية جميع المؤسسات.

إن معظم أفراد الجماعة يقومون بأداء شكر الله تعالى بهذا التفكير نفسه وينبغي أن يكون الأمر كذلك لأن الإيمان أيضا يزداد ويترقى بواسطة مثل هذا الحمد الحقيقي. ولكن يجب أن يكون تفكيرنا كجماعة أيضا على هذا النحو بحيث نشكر الله تعالى كلما رأينا الجماعة تزدهر وتتقدم، ويجب أن نعرف الروح الحقيقية لحمد الله تعالى ثم نحمده بحسبها. فلو تمّ حمد الله تعالى في كل مكان على هذا النحو لهطلتْ أمطار أفضال الله تعالى أضعافًا مضاعفة. إن مثل هذا الحمد الحقيقي يُحدث في الإنسان إنقلابًا روحانيًا كما ينقذه من أدق أنواع الشرك أيضا، ويجعله إنسانًا عابدًا حقيقيًا لله تعالى، ويوفقه للعمل بتلك الأحكام التي أمر بها الله تعالى، وينبّهه إلى التحلي بالقيم الإنسانية المثلى والأخلاق السامية، هذا هو الحمد والشكر الذي يجب علينا البحث عن طرق أدائه.

لقد ذكرتُ في خطبة الجمعة الماضية – التي ألقيتها في كندا – أن الله تعالى وفّق الشباب الأحمديين في أميركا وكندا للقيام ببعض أعمال الجماعة بكل نشاط وحيوية، ولا سيما إنشاء العلاقات وتطويرها، إذ أحرزوا فيها قصب السبق على غيرهم، وتظهر نتائج طيبة لعلاقاتهم التي أنشأوها مع الفئة المثقفة من الناس بما فيهم شخصيات بارزة من بلادهم. ثم لما زرتُ بلدهم جاؤوا بهم للقاء بي، وكان معظمهم مِن واضعي الخطط للحكومات والبلاد، وممن يضعون للعالم خططًا ومشاريع. يُظَنّ عن مثل هؤلاء أنهم لا يأتون لمقابلة أحد، غير أنهم قد أتوا في دار الجماعة وقابلوني حيث أتيحتْ لي الفرصة لأسدي لهم النصح وأفهّمهم بعض الأمور وأقول لهم شيئا. كل ذلك قد حصل بسبب هذه العلاقات، وقد لعب شبابنا هناك دورًا كبيرًا في ذلك. وهنا أريد أن أنبّه هؤلاء الشباب – سواء كانوا من أميركا أو كندا أو من أي بلد آخر – ألا يعدّوا أية علاقة دنيوية نجاحًا كبيرًا لهم، بل أعطاكم الله تعالى هذه الفرصة للوصول إلى أهل الدنيا من أجل إيصال التعاليم الحقيقية المبنية على العدل والقسط، أو وفقكم لترتيب اجتماع معهم ولقائي بهم، فوفقني الله تعالى أن أُطلعهم على التعاليم الإسلامية الرائعة وأُخبرَ هؤلاء – الذين يُعَدّون من كبار رجالات البلد والذين يسيطرون في الحقيقة على العالم – كيف يمكنهم إرشاد العالم وتنويره. فأول ما أريد القول لشبابنا في كل مكان، ولا سيما للشباب في أميركا وكندا – لأنني قد رجعت من جولة في هذين البلدين – ألا يحسبوا علاقاتهم ونجاحاتهم هذه نتيجة كفاءات وميزات ذاتية لهم بل يجب أن يعدّوها فضلاً من الله تعالى ويحمدوه عليها إذ هيأ لهم هذه الفرصة لإنشاء مثل هذه العلاقات. لا نتوخى من هذه العلاقات تحقيق أهداف شخصية ولا مكاسب خاصة، وليس هو هدفنا، بل نهدف لإرشاد العالم وإطلاعه على الطرق المؤدية إلى الصراط المستقيم، ثم إذا قبل العالم نصحنا فبها ونِعم، وإلا نكون قد أدينا واجبنا. لابد لنا من إنقاذ العالم من الفساد والدمار لأنه لو استمر سائرًا على نهجه الحالي لواجهَ دمارًا محقّقًا، فلا بد أن نبذل الجهود لتحويل العالم إلى الله تعالى. لو كان أحد يزعم أنه بسبب بعض كفاءاتنا ومؤهلاتنا قد حظينا بتلك العلاقات على المستوى العالي، أو يظن أننا نهدف من خلال هذه العلاقات إلى تحقيق بعض مكاسبنا، أو أن رقي الجماعة يرتبط بهذه العلاقات فهو زعم باطل، بل الحق كما بينت قبل قليل في شرح موضوع الحمد أن هذه مشيئة الله تعالى أنه يهب جماعة المسيح الموعود الرقي والازدهار. فإن جهودنا بهذا الخصوص متواضعة جدًّا، أما النتائج التي تظهر فهي إحسان من الله تعالى. فليست نتائج هذه الجهود راجعة إلى ميزات ومساعي ذاتية بل ترجع إلى فضل الله تعالى في الحقيقة. فلو حافظنا على هذا النوع من التفكير لكثرت هذه الأفضال وازدادت. أما أهل الدنيا هؤلاء فلا نريد منهم شيئًا، وليس هو هدفنا.

لقد نُشرتْ في جريدة الفضل تقارير جولتي في أميركا، ولعل أفراد الجماعة قد قرأوها أيضا. إن المكان الذي يجلس فيه أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ الأميركي ويبتّون فيه في قضايا بلدهم وقضايا بلاد العالم كله، يسمى ذلك المكان “كابيتول هيل” (CAPITOL HILL)، ولقد أقيم في إحدى قاعات ذلك المبنى حفلٌ ألقيت فيه خطابًا مختصرًا. وأراد بعض معارضينا إثارة هذا الموضوع ضد الجماعة الإسلامية ولا سيما في باكستان لكي يؤلبوا الناس ضد الجماعة أكثر، إلا أنهم لم يتلقوا اهتمامًا يُذكر. وكان موقفهم بأنني ذهبت إلى هناك لطلب العون للأحمديين من الحكومة الأميركية أو توجهت إلى هناك لتدبير مكيدة ضد باكستان- والعياذ بالله. ولعلهم يستطيعون أن يكتشفوا حقيقته بأنفسهم بالاستماع إلى ما قلت هناك إذا كانوا يتحلون بعين العدل ولكن مع الأسف لا يتحلون بها، ولكن يستطيع كل عاقل أن يعرف قصدي من الذهاب إلى هناك، وما إذا كنت قد ذهبت إلى هناك من أجل أخذ شيء أم إعطائه لهم وإفادتهم. لا نعتمد إلا على الله تعالى، وإن رقي الجماعة منوط بفضل الله تعالى فحسب وليس بدعم أية حكومة، ولم يخطر ببالنا قط مثل هذا التفكير. أما تدبير مكيدة ضد بلدي، فأقول بأننا أكثر حبًّا لوطننا من هؤلاء الذين ليس لهم أي دور يُذكر في إنشاء دولة باكستان ولا في المحافظة عليها، بل هم الذين ينهبون ثروات البلد بكلتا اليدين ويدفعونه نحو الدمار المحقق.

أما فيما يتعلق بأخذ شيء منهم فأخبركم بأنني لما زرت أميركا في 2008 بمناسبة اليوبيل المئوي للخلافة، أقيم هناك حفل اشترك فيه بعض الناس المحليين، ولم يحضر سوى عضو واحد من مجلس الشيوخ الأميركي الذي جاء لمدة قصيرة، لعله جلس لخمس دقائق ثم ذهب وكان ذلك قبل بدء الحفل، ولم يحضر آنذاك أي عضو آخر من مجلس الشيوخ ولا من الكونغرس. أذكر أنني تحدثت إليه لدقيقتين فحسب، سألني فيهما: ماذا تريد مني؟ شعرت وكأنه يريد القول: ما الذي جاء بك إلى هنا فتستجدي منا؟ فقلت له: لم آت إلى هنا لأخذ شيئا. ولقد أخبرته في ذلك الوقت أيضا بأنني جئت هنا لأدلكم على الطرق والخطط التي لا بد لكم من الالتزام بها إذا كنتم تريدون إحلال السلام في العالم كله.

وكان موقفهم بأنني ذهبت إلى هناك لطلب العون للأحمديين من الحكومة الأميركية أو توجهت إلى هناك لتدبير مكيدة ضد باكستان- والعياذ بالله. ولعلهم يستطيعون أن يكتشفوا حقيقته بأنفسهم بالاستماع إلى ما قلت هناك إذا كانوا يتحلون بعين العدل ولكن مع الأسف لا يتحلون بها، ولكن يستطيع كل عاقل أن يعرف قصدي من الذهاب إلى هناك، وما إذا كنت قد ذهبت إلى هناك من أجل أخذ شيء أم إعطائه لهم وإفادتهم.

على أية حال، هذا هو العضو الوحيد الذي جاء آنذاك من مجلس الشيوخ الأميركي، وتكلم معي بضع دقائق ثم غادر.

أما فيما يتعلق بأهمية خطابي في الحفل الذي انعقد في “الكابيتول هيل” فكنت أتوخى من خلاله إطلاع هؤلاء الرجالات الكبار والمثقفين على بعض جوانب التعاليم الإسلامية لعلهم بالاستماع إليها ينتبهون إلى الخطو في الاتجاه الصحيح لإحلال السلام في العالم.

قبل هذا الحفل بيوم سجل مندوب من شبكة (CNN) مقابلة معي، وبالإضافة إلى أمور أخرى قال لي: ستتهيأ لك الآن مناسبة هامة جدًّا، فما هو شعورك تجاهها؟ وكانت كلماته توحي بأنه كان يتوقع مني أن أشعر بحماس كبير، ولكني قلت له بصورة عفوية: لا أرى أنها مناسبةٌ تحتلّ جانبا كبيرا من الأهمية عندي بحيث أُبدي لها حماسًا كبيرًا، لأن هدفي الأساسي من جولتي في أميركا هو لقاء أفراد جماعتي وتنبيههم إلى تحسين حالتهم الأخلاقية والروحانية. فقال: إن قولك هذا يشكل صدمة للساسة الأميركان إذ لا تعطيهم أهمية. ثم قال لي مبتسمًا: لن أخبر الساسة الأميركان عن قولك هذا.

على أية حال، قد يكون في نظر أهل الدنيا أهمية غير عادية لهذا الأمر ولكن ليست له تلك الأهمية الكبيرة عندنا، وينبغي ألا تكون. ولكن لابد أن نبدي أخلاقًا عُليا ونشكرهم على حسن الاستماع.

كذلك جاء لمقابلتي بعض رجال الدين الخاصين بمختلف الفِرق الدينية في الجيش بسبب علاقات أحد الأحمديين معهم وكانوا أربعة أو خمسة، فقال لي أحدهم أثناء المقابلة واللقاء قبل البرنامج: ستلقي غدا خطابا في أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ فهل تشعر بالاضطراب؟ فقلت له: كلا، فأنا سوف أخبرهم ما قال القرآن الكريم والإسلامُ، فلا داعي لأن يكون هناك أي اضطراب، فالله يوفِّقني لإلقاء المحاضرات في شتى المناسبات بين حين وآخر. عندها قال من عند نفسه: أما نحن فنواجه مشكلة كبيرة في مثل هذه البرامج وأحيانا نضطرب، مع أننا نلقي كثيرا من هذه المحاضرات.

لقد قال ذلك لأن هؤلاء وإن كانوا رجال دين خصوصيين قد تم تعيينهم لأداء الطقوس الدينية، أو يمكن أن تَعُدّوهم قادة دينيين، إلا أن السمة المادية غالبة عليهم، إذ مجرد اسم “كابِيتول هِل” يهيبهم، حتى لو كانوا أميركان. أما المؤمن بإلهٍ واحد فإنما الإله الواحد هو كل شيء بالنسبة له ويجب أن يكون كذلك. إن الذين يعترضون على الجماعة (من المسلمين) هم أيضا يرتعبون من أهل الدنيا، كما يرتعب هؤلاء، فهم أيضا يعقدون المقابلات والاجتماعات هناك لكنهم لم يوفَّقوا قط -بسبب هذا الرعب- أن يبلِّغوهم رسالة الإسلام ورسالة الله ورسالةَ القرآن الكريم.

ولقد سمع أحد الأحمديين أحدَ أعضاء الكونغرس يقول لزميله بعد انتهاء البرنامج “يجب أن يكون القادة المسلمون على هذا النحو حيث يجب أن يتكلموا بجلاء ووضوح ويبينوا الحقيقة بكل قوة.” على كل حال هذا هو انطباعه، فلم يوفِّق الله لذلك أيَّ قائد مسلم أو رؤساءَ البلاد أيضا، لأنهم يميلون إلى الدنيا أكثر من الدين. فينبغي أن ينشئ الشباب العلاقات مع هؤلاء القادة الدنيويين بفكرة أننا لن نكسب منهم شيئا وإنما لكي نعطيهم شيئا. يجب أن تكون لديكم عواطف الشكر لله أكثر من الجميع، ثم انظروا كيف تَكثر أفضالُ الله باستمرار. تذكروا على الدوام أن أفعال الجماعة لا تلائم حبّ الدنيا أبدا، فإذا عدَدتم أهل الدنيا هم كلَّ شيء، فإن الله المنعم قادر على استعادة نعَمه أيضا.

فدعوتُ الله قائلا يا إلهي إنما أنا عبدك الضعيف وإني حامل إلى هناك رسالتك، ممثلا مسيحَك الموعود، فأرجو أن تريني اليوم أنا أيضا مَشاهد تحقُّق الوعْد: “نُصِرتَ بالرعب” الذي قطعتَه مع المسيح الموعود. فاستجاب الله لي ولاحظ ذلك الأحمديون أصحابُ الذوق السليم…مشهد “نُصِرتَ بالرعب”.

باختصار، ينبغي أن يكون هدفُنا حمدَ الله والفوز برضاه دوما كما هو على أرض الواقع. وليس منتهانا إنشاء العلاقات مع أيّ من أهل الدنيا ولم تكن ولن تكون في المستقبل إن شاء الله، كما ليست غايةُ حياتنا الاكتسابَ من أهل الدنيا هؤلاء والنفوذ إليهم، سواء أكانت الكابيتول هيل في أميركا أو كان إيوانا آخر، فلم تكن إقامةُ البرنامج فيه غايتَنا المتوخاة في الحياة لا في الماضي ولن يكون في المستقبل ويجب أن لا يكون، فهي ليست غايتنا. فيجب أن يتذكر كل أحمدي – مهما كان حائزا على الشهادات ومهما أنشأ من علاقات مع الناس – أن غايتنا المنشودة أن نجعل العالم يعبد إلها واحدا، وأن نجعل لواء النبي يرفرف فوق ألوية جميع المؤسسات والبلاد. ولعلكم شاهدتم في MTA وقرأتم في التقرير أيضا أن ما قلت هناك إنما كان في ضوء تعليم القرآن الكريم وحاولتُ أن أُخبرهم عن تعاليم الإسلام عن الحق والصدق، فليست لي أي ميزة في ذلك. وإنما أرى نفسي إنسانا بسيطًا قليلَ العلم، إلا أن المسيح المحمدي الذي ذهبتُ لإلقاء الخطاب ممثلا له، قد وعده الله هو وسيدَه ومطاعَه ومطاعنا جميعا سيدَنا محمدا رسولَ الله بقوله: “نُصِرتَ بالرعب”.. فخطر ببالي أثناء التوجه إلى هناك وأنا في السيارة أن هؤلاء يقولون إن هذا إيوان عظيم وسامٍ جدا، – وقبل ذلك لم تحدث أي مناسبة حتى أفكر في هذا الموضوع – فدعوتُ الله قائلا يا إلهي إنما أنا عبدك الضعيف وإني حامل إلى هناك رسالتك، ممثلا مسيحَك الموعود، فأرجو أن تريني اليوم أنا أيضا مَشاهد تحقُّق الوعْد: “نُصِرتَ بالرعب” الذي قطعتَه مع المسيح الموعود. فاستجاب الله لي ولاحظ ذلك الأحمديون أصحابُ الذوق السليم، وأعربوا عن ذلك، بل قد حدَّث عن ذلك الآخرون أيضا، أنهم رأوا هناك مشهد “نُصِرتَ بالرعب”. فالسيد أنور محمود خانْ ابن المرحوم مولانا عبد المالك خانْ الذي يقيم هناك وهو عضو في الهيئة الإدارية لجماعة أميركا، قد كتب مقالا موجزا عن هذا البرنامج والتعليقات الموجزة لرجال السياسة هناك على ذلك وكيف كانوا يتأثرون، وأرى أنه يجب أن ينشره في الفضل ومجلات الجماعة الأخرى.

لقد حضر البرنامج قرابة 29 عضوا من أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ وصنّاع القرارات ورجال البنتاغون وبعض المسؤولين في المنظمات غير الحكومية والبروفيسورات، والعدد الإجمالي لكل هؤلاء بلغ 110 تقريبا. فالعادة السائدة هناك أن أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ إذا حضروا أي برنامج معا فلا يجلسون طويلا بل ينصرفون بعد بضع دقائق فقط وهذا هو الانطباع السائد عنهم، – فهذا من أخلاقهم وهم أدرى بذلك!- فيعرف عنهم كلُ واحد أنهم لا يجلسون مع بعض، بل ينهضون عاجلا، لكنهم في هذا البرنامج جلسوا طول الوقت إلا اثنين أو ثلاثة منهم كانوا قد أخذوا الإذن سلفا، بل قد قال أحد البيروقراطيين في “كابيتول هيل” منذ زمن بعيد: “إنني هنا منذ خمسة عشر أو عشرين عاما ولم ألاحظ قط حضورا أكثر من عشرة أعضاء من الكونغرس ومجلس الشيوخ معًا في أي برنامج، وثانيا أعرف من خبرتي أن أحدا لا يجلس أكثر من بضع دقائق مهما كان البرنامج مُهمًا. فهم ينصرفون حتى لو كان الضيوف رؤساءَ البلاد بل لا يجلسون في مناسباتنا الخاصة أيضا. ثم قال: وقد حيَّرني كثيرا أن زعماء الأحزاب المختلفة من المعارضة والحكومة كلهم ظلوا جالسين. فعضو مجلس الشيوخ الذي ذكرتُ قبل قليل أنه قابلني في أثناء زيارتي في عام 2008 وكان سلوكه ينم عن تكبر عظيم، هو الآخر لم يحضر البرنامجَ فحسب، بل قد جاء إلى المنصة وألقى كلمته أيضا، وظل جالسا طول الخطاب وانصرف بعد نهاية خطابي. وكان بعض أعضاء الكونغرس ومجلس الشيوخ واقفين أثناء الخطاب لقلة المقاعد مع أن هذه القاعة أكبر القاعات هناك وتسمى “الغرفة الذهبية” وتقام هناك برامج مهمة. ومعلوم أنه لا تكون قاعاتٌ واسعة جدا في مثل هذه المجمعات، فهؤلاء الضيوف مع بعض أبناء الجماعة أيضا ظلوا يستمعون إلى الخطاب واقفين لقلة المقاعد، والجدير بالذكر أنهم ظلوا يستمعون إلى أمور لم تكن تلائم مزاجهم على الأغلب؛ أي أن يتمسكوا بالعدل.

الذي قلت لهم هو أن عليكم أن تعدلوا في كل الأحوال، وإن لم تقيموا العدل فلن تتمكنوا من المحافظة على حكوماتكم أيضا مهما كانت قوية. فعلى الأمم القوية أن تراعي الأمم الضعيفة، وهذا ضروري جدا لإقامة الأمن. فيجب أن تجلس الأمم كلها في مجلس الأمن وهيئة الأمم المتحدة على قدم المساواة. ويجب ألا ينظر بلد إلى ثروة بلد آخر. هذا ملخص ما قلت لهم، وبطبيعة الحال هذه الأمور لا تطابق طبائعهم، وقد قلتُ لهم ذلك في ضوء تعليم القرآن الكريم. بعد خطابي هناك قال لي أول عضو مسلم في الكونغرس وهو أميركي إفريقي الأصل، بأن ما أعجبني كثيرا في خطابك هو أنه يجب ألا تنظروا إلى ثروات أمم أخرى بنظر الطمع والجشع. إن هؤلاء الناس يعرفون على أية خطوط تجري سياستهم وبأية نظرة ينظرون إلى الأمم الأخرى. وقال أيضا: يجب أن يُنشر هذا الخطاب فورا ويوزَّع على أعضاء الكونغرس الآخرين. وقال عضو آخر بأن أميركا بحاجة ماسة إلى هذه الرسالة اليوم.

إذًا، إن فرصة تبليغ تعليم الإسلام الجميل إلى هؤلاء الناس قد أتيحت نتيجة فضل الله تعالى فقط. ولكن هل يتأثرون به أم لا أو هل تأثروا مؤقتا وإلى متى يبقى هذا التأثير ومتى يمكن أن يزول، أو هل يُصغون لهذه الرسالة أم لا؛ فهذا أمر آخر، ولكن تعليم الإسلام الجميل قد اتضح لهم على أية حال. فالحمد كله لله الذي هيأ هذه الأسباب كلها، هذا ما يجب أن يعلمه كل أحمدي. كذلك وجهتُ أنظار رجال السياسة فيهم أيضا في أثناء المقابلات معهم إلى إقامة العدل، فإذا عملوا بذلك فسوف ينجون من الدمار وينجو العالم أيضا، وإلا فسيعمل قدر الله عمله.

وفي كندا أيضا قد أقام سكرتير الأمور الخارجية في الجماعة والفريقُ العامل معه علاقات جديدة مع الناس بالإضافة إلى المحافظة على العلاقات القديمة. فعليهم أيضا أن يشكروا الله تعالى إذ وفّقهم لخدمة الجماعة وليوصلوا الحق والصدق إلى أصحاب العلاقة معهم. لقد حضر كثير من زعماء الأحزاب السياسية ورجال السياسة وقابلوني. لا شك أنه لا بد من تفهيم ساسة البلاد القوية وكذلك الشريحة المثقفة منهم لإقامة الأمن في العالم. ففي أثناء الجولة الحالية عُقد في كندا حفلان، أحدهما كان حفل الاستقبال بمناسبة افتتاح قاعة جديدة باسم “قاعة طاهر” وحضره عدد لا بأس به من الكنديين المحليين، بالإضافة إلى رجال السياسة وغيرهم من المثقفين فأتيحت لي الفرصة لأخاطبهم في ضوء التعليم الإسلامي. وقد وصلتني فيما بعد تعليقاتُ بعض الضيوف وكانت إيجابية جدا. أدعو الله تعالى أن تكون هذه التعليقات الإيجابية مدعاة لإحداث التغير في أذهانهم واستراتيجيتهم.

أود أن أذكر فيما يتعلق بهذه القاعة بأن منظمة حكومية تساعد المنظمات الخيرية والمنظمات غير الحكومية الأخرى قد وعدت بمساعدة قدرها مليونان ونصف مليون دولار كندي لبناء القاعة، وأظهرت رغبتها أن تدفع الجماعة جزءا من نفقات هذا المشروع وستدفع تلك المنظمة جزءا منها. عندما علمتُ بذلك قلت للمسؤولين في الجماعة أن يعيدوا إليها هذا المبلغ شاكرين، وأن تبني الجماعة بنفسها إن كانت قادرة على ذلك. فكان من فضل الله تعالى أنْ وفَّق الجماعة لبنائها ببذل عدة ملايين من الدولارات. وإلى جانب ذلك أنشأت الجماعة بناية جديدة للجامعة الأحمدية (معهد تأهيل الدعاة) مع أن الجماعة في كندا تعمل بفضل الله تعالى على مشاريع ضخمة لبناء المساجد وتقتضي هذه المشاريع عدة ملايين من الدولارات. هذه الجماعة تقدم تضحيات مالية كثيرة بفضل الله تعالى فندعوه أن يبارك في أموالهم ونفوسهم. البناية التي كانت مستخدمة للجامعة إلى الآن كانت قد اشترتها الجماعة من قبل ولكن ضاق بها المكان الآن. وقد شُيِّدت الآن غرف واسعة وجيدة للصفوف وكذلك للمكاتب التابعة للجامعة. هذه البناية تقع في Peace village نفسها حيث الإشراف عليها يكون سهلا نسبيا. سوف تنتقل الجامعة إلى هذه البناية في العام المقبل بإذن الله.

كذلك وجهتُ أنظار رجال السياسة فيهم أيضا في أثناء المقابلات معهم إلى إقامة العدل، فإذا عملوا بذلك فسوف ينجون من الدمار وينجو العالم أيضا، وإلا فسيعمل قدر الله عمله.

لا شك أن القلب يُملأ بحمد الله تعالى نظرا إلى هذه الترقيات، أدعو الله تعالى أن يجعل جميع أفراد الجماعة شاكرين وحامدين لله تعالى على نِعمه. وبسبب علاقات الجماعة أصر الوزير الأول في إقليم “أونتاريو” على عقد مأدبة. إن علاقات الجماعة وطيدة في ذلك الإقليم أيضا على كافة المستويات. فعندما علم الوزير بزيارتي لكندا أصر على عقد المأدبة ولكني اعتذرت عن ذلك نظرا إلى بُعد المسافة ولضيق الوقت لأن الذهاب والإياب إلى حيث يقع مكتبه في المدينة أو دور الضيافة أو حيثما كانت المأدبة ستُعقد كان صعبا وكان من شأنه أن يستغرق وقتا طويلا. فقال الوزير: إذا كان الأمر كذلك فسأقيم مأدبة قرب مقر إقامتكم ولكن أرجو أن تحضروها. وبالتالي لم يبق عندنا مجال للاعتذار. فعقد المأدبة وذكَر الجماعة بكلمات جميلة جدا، وذكر علاقات الجماعة وإنجازاتها. وقد وفِّقتُ في هذه المناسبة أيضا لإبلاغ تعليم الإسلام الجميل لربع ساعة أو ثلثها تقريبا للذين حضروا المأدبة. فباختصار، فيما يتعلق بإنشاء العلاقات فإن بعض المسؤولين في الجماعة في كندا وأفرادها بشكل عام أيضا قد أقاموها على خير ما يرام. كذلك فإنّ العلاقات التي أُنشئت من قبل لا تزال قائمة بل تتقدم وتتوسع أكثر بإذن الله تعالى. ولكن يجب أن تتذكروا دائما، كما قلت من قبل أيضا، أن كل ذلك إنما هو نتيجة فضل الله تعالى وليس ناتجا عن مساعي الشباب أو غيرهم.

إن جماعة كندا متقدمة في الإخلاص والوفاء بفضل الله تعالى. لقد سبق لي أن أشرت في الخطبة السابقة إلى بعض الثغرات في النظام وأظهرت سُخطي قليلا على ذلك. فكلما جاء أفراد الجماعة للقائي بعد ذلك طلبوا العفو باكين وبعضهم بعثوا الرسائل بهذا الخصوص، مع أنني كنت قد أظهرت سخطي الخفيف على بعض الفروع المشرفة على ترتيبات الجلسة والمسؤولين، ولم يكن موجها إلى أفراد الجماعة بوجه عام. لقد قلت نظرا إلى حب أفراد الجماعة وإخلاصهم بأنه لولا مراعاة إخلاصهم لنقلنا جلستهم إلى أميركا. ليست لديّ أدنى شكوى من أفراد الجماعة غير أنه من الطبيعي أن تحدث بعض الأخطاء في ترتيبات الجلسة وقد حدَثَتْ من المشرفين على ترتيباتها ومن بعض الأفراد أيضا، كأن تكون هناك ضجة في خيمة النساء عامة ويقال بأنهن لم يسمعن برامج الجلسة باهتمام. كل هذه الأمور يمكن إصلاحها نتيجة أداء العاملين والعاملات واجباتهم على وجه صحيح. فإذا كانت هناك ضرورة لطلب العفو فكان يجب أن يطلبه المسؤولون وبعض العاملين ولكنهم لم ينتبهوا إلى ذلك، أما عامة أفراد الجماعة فهم الذين أبدوا قلقهم واضطرابهم إلى إظهاري بعض السخط.

وكما قلت يغمر قلبي حمدُ الله عند رؤية إخلاص وولاء الجماعة بكندا بفضل الله تعالى. ما أروعَ هؤلاء الذين وهبهم الله للمسيح الموعود ! ويا لها من جماعة بلغت الذروة في حبها وولائها للخلافة أيضًا. كانت منطقة ” Peace village” (قرية السلام) مفعمة بالحياة والبهجة. مكثتُ هناك أياما قليلة لقرب رمضان، مع رغبتي في المكوث أياما أكثر لما رأيته منهم من إخلاص وولاء.

إنه لمن أفضال الله علينا أن مكان الاجتماع في كندا صار ضيقًا من بعض النواحي، فكانت هناك مشكلة كبيرة لإيقاف السيارات مثلاً، لذا فمن واجب جماعتنا هناك أن يبحثوا عن مكان أوسع للجلسة. عليهم ألا يفكّروا من أين يأتي المال لشراء مكان أوسع. ما دام الله تعالى قد زاد حاجتنا فلا بد أن يوفقنا لإيجاد المكان أيضًا إن شاء الله، شريطة أن نكون عباده الشاكرين والحامدين حقًا.

ما أريد القول لشبابنا في كل مكان، ولا سيما للشباب في أميركا وكندا – لأنني قد رجعت من جولة في هذين البلدين – ألا يحسبوا علاقاتهم ونجاحاتهم هذه نتيجة كفاءات وميزات ذاتية لهم بل يجب أن يعدّوها فضلاً من الله تعالى ويحمدوه عليها إذ هيأ لهم هذه الفرصة لإنشاء مثل هذه العلاقات.

وهناك أمر آخر أود أنْ أنبه إليه أبناءَ الجماعة في كندا بل في أميركا وبريطانيا أيضًا، وهو أن اللاجئين الجدد يأتون من باكستان إلى هنا بكثرة، فعلى هؤلاء الإخوة أن يتذكروا أن الله تعالى قد أنعم عليهم كثيرًا، فلكي يستنزلوا أفضال الله أكثر عليهم أن يتقربوا إلى الله تعالى ويعملوا بأحكامه ويفوزوا برضاه بدلاً من الانغماس في متع الدنيا. وليعلمْ الشباب خاصة أنهم كلما ازدادوا شكرًا وحمدًا لله تعالى نزلت عليهم أفضال الله أكثر. عليهم أن يضعوا في الاعتبار دائمًا المحنَ والشدائد التي مِن أجلها هاجروا من باكستان، فهذا يساعدهم على ذكر الله تعالى دائمًا. على القادمين الجدد، ذكورًا وإناثًا، أن يكونوا شديدي الحرص على التحلّي بالمثل العليا، فهكذا يُورثهم الله أفضال الله أكثر، ويجعلهم أسوة حسنة للأحمدين الآخرين المقيمين هنا سلفًا. عليهم أن يضعوا في الحسبان كل حين أنهم لم يأتوا هنا من أجل الدنيا فقط، وأنه لا بد لهم من الاهتمام بالدين أيضًا.

فيبدأ رمضان هنا بعد يومين إن شاء الله تعالى، وسيبدأ في أميركا وكندا غدًا على الأغلب، فليَسْعَ كلُّ أحمدي أن ينتفع من هذا الشهر الفضـيل إلى أقصى حد. ابلُغوا الذروة في أدعيتكم وعباداتكـم. هذه أيـامُ استنـزال أفضال الله تعالى، فعـلى كل مسـلم أحمدي اغتـنامها جيدًا. وفَّقنا الله جميعًا لـذلك حتى نـرى أفـضال الله تعالى تنزل عليـنا أكثر من ذي قبـل. اللهم آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك