ترسيخ دعائم نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم
التاريخ: 20160429

ترسيخ دعائم نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • اتهام باطل ناتج عن فهم خاطئ.
  • ما المقصود بختم النبوة؟
  • تتكاتف جميع السُبل من أجل التعريف بجماعة الله.
  • نصائح المسيح الموعود عليه السلام لجماعته.
  • الحاجة إلى مبعوث السماء.
  • هل عيسى عليه السلام حي في السماء؟
  • نور الله لا يمكن إطفاؤه.
  • أخلاق المسيح الموعود عليه السلام.
  • الدعاء وشروط إجابته.
  • عبادة الله حبًا له، لا خوفًا ولا طمعًا.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

منذ أن أعلن المسيح الموعود دعواه وأسس جماعته، يتهمه وجماعته المسلمون الآخرون بأنه يسمّي نفسه نبيًّا وبأننا نرفض ختم النبوة بإيماننا بالمسيح الموعود، لكننا نعرف جيدا أنها تهمة باطلة تُلصق بنا بغير حق، لأننا نعتقد بحسب تعليم المسيح الموعود بختم نبوة النبي أكثر من غيرنا، ونُظهر اعتقادنا هذا عمليا أيضا وقلوبنا زاخرة بحب النبي وننشر في العالم الدين الذي جاء به النبي مثلما يُظهره ويعتنقه المسلمون الآخرون، بل الحق أن المسلمين الآخرين لم يدركوا مكانة النبي بقدر جزء من مئة ألف جزء مما يدركه الأحمديون بفضل الله تعالى نتيجة تعليم المسيح الموعود .
على أية حال، لقد ظل المسلمون الآخرون يعادون الأحمديين باستمرار على أساس اعتقاد ختم النبوة. وتثور عداوتهم هذه كثيرا بين حين وآخر لسبب من الأسباب، ويحاول المشايخ المزعومون أو بعض المنظمات إثارة عامة المسلمين حول هذا الموضوع. وبناء على ذلك استُشهد أحد أفراد جماعتنا في مدينة غلاسكو قبل بضعة أيام، وقد حاول معارضونا أن يجعلوا هذه القضية مرتبطة بالعواطف الدينية، وهكذا أرادوا أن يخلِّصوا أنفسهم من البطش. ولكن بسبب ردة الفعل الإيجابية من قِبل الحكومة واهتمام وسائل الإعلام غير العادي بهذه القضية قدّمت عديد من المنظمات اعتذارا بما فيها أكبر مؤسسة إسلامية هنا في بريطانيا. ولكن إلى جانب ذلك أظهروا تعنّتهم المعهود أيضا وقالوا بأن الأحمديين ليسوا مسلمين على أية حال، ويقولون مثل هذا الكلام في مساجدهم بكثرة ويرسخون في قلوب عامة المسلمين لدرجة أن أولادهم الصغار الذين قد لا يحفظون حتى الشهادتين بصورة سليمة ولا يدرون ما هو ختم النبوة يقولون للأطفال الأحمديين في مدارسهم بأنكم لستم مسلمين. لقد كتبَ إلي بعض الأولاد والبنات أنهم يتلقون هذه المعاملة من زملائهم في المدارس. فأقول لهم دائما بأن عليكم أن تتعلّموا تعليم الإسلام أكثر من ذي قبل وتخبروا زملاءكم بأننا مسلمون ونعمل بتعليم الإسلام ونؤمن بالنبي خاتم النبيين ونؤمن بالمسيح الموعود نبيا تابعا وخادما له بحسب نبوءته صلى الله عليه وسلم.

عندما تزداد العداوة ضد الجماعة تفيدها دائما كما يفيد السمادُ المزارعَ. لذا لم نقلق بسبب المعارضة قط ولن نقلق أبدا. بل كانت موجة المعارضة الحالية مدعاة للتعريف بالجماعة على نطاق واسع بواسطة وسائل الإعلام لدرجة فاقت قدرتنا على ذلك في هذا الوقت الوجيز…

باختصار، تثور عداوتهم ضد الأحمديين بين فينة وفينة في بلاد مختلفة. ولأن الاتصالات والمواصلات قد تطورت في هذا الزمن كثيرا وصارت سريعة بحيث إنّ معارضينا يوصِلون عداوتهم إلى كل مكان؛ فلم يعُد بلد من بلاد العالم في مأمن من هؤلاء المسلمين المزعومين والمفسدين، فيصلون إلى بعض البلاد الإفريقية أيضا. والمناطق التي لم يصلها هؤلاء المسلمون المزعومون كان أهلها ملحدين أو مسيحيين أو مسلمين بالاسم فقط وصلها الأحمديون وشيّدوا هنالك مساجدهم ثم وصلها معارضونا بعد ذلك ليقولوا للناس بأن الأحمديين ليسوا مسلمين. على أية حال، هذه هي مكايدهم وهجماتهم التي يستخدمونها ضد الجماعة وسيظلون يستخدمونها، إذ يصلون إلى بلاد أوروبية أيضا ويعلّمون هذا التعليم في المساجد وفي البيوت أو في المدارس، وبالنتيجة تصبح أذهان أولادهم مسمومة. ولكن حيثما يصل هؤلاء يجب على أولادنا وشبابنا الأحمديين أيضا أن يطّلعوا اطلاعا شاملا على تعليم الإسلام الحقيقي الذي وضّحه المسيح الموعود في هذا العصر والذي تؤمن به الجماعة، وهو أن نبينا الأكرم هو النبي المشرع الأخير المبعوث من الله تعالى وقد انتهت عليه النبوة من حيث الشريعة فلا يمكن أن تأتي شريعة جديدة، وكذلك إن القرآن الكريم هو كتاب الشريعة الأخير، وأن المسيح الموعود نبي جاء خادما ومطيعا للنبي ، لينشر شريعته فقط. لقد رأينا معاملة الله مع الجماعة دائما أنه عندما تزداد العداوة ضد الجماعة تفيدها دائما كما يفيد السمادُ المزارعَ. لذا لم نقلق بسبب المعارضة قط ولن نقلق أبدا. بل كانت موجة المعارضة الحالية مدعاة لتعريف الجماعة على نطاق واسع بواسطة وسائل الإعلام لدرجة فاقت قدرتنا على ذلك في هذا الوقت الوجيز، ولقد توجه الناس في هذا البلد أيضا إلى موضوع الجماعة. وإضافة إلى ذلك إن بعض الشباب الأحمديين الذين ما كانوا يهتمون بالدين كثيرا وما كانت علاقة بعضهم بالجماعة قوية بل كانوا يحضرون بمناسبة العيد مثلا وكانوا بعيدين قليلا من قبل فقد علموا بواسطة وسائل الإعلام بأننا نؤمن بالمسيح الموعود نبيا خادما وتابعا للنبي ، وعلموا أيضا كيف أدى المسيح الموعود حق خدمة النبي وكيف أقام مرتبة كونه خاتم النبيين وكيف أرشدنا في هذا الموضوع.
والآن أقدم حول هذا الموضوع بعضا من مقتبسات المسيح الموعود فيقول:
اعلموا جيدا أنه لا يصبح أحد مسلما صادقا ومتّبعا للنبي ما لم يؤمن بأن خاتمَ النبيين. وما لم يبتعد عن هذه المحدَثات (أي ما لم يتخل المرء عن البدعات والأذكار المختلفة التي أدخلها هؤلاء الناس في الدين. لم يُدخلها المسيح الموعود بل أدخلها المشايخ وأصحاب الزوايا المختلفون) فيقول : ما لم يتخل عنها المرء، وما لم يؤمن بأنه خاتم النبيين قولا وفعلا فلا معنى لإيمانه. (يجب ألا يقتصر الأمر على الكلام فقط بل هناك ضرورة للإيمان به عمليا أيضا أنه خاتم النبيين، فيقول إن لم يكن هذا الإيمان موجودا فلا معنى للإيمان أصلا). فيقول: نِعم ما قال السعدي ما تعريبه: اسعَوا جاهدين للتحلي بالزهد والتقوى والصدق والصفاء ولكن لا تتجاوزوا ما بيّنه محمد المصطفى .
يتابع المسيح الموعود ويقول: إن هدفي الذي خلق الله في قلبي حماسا له هو ترسيخ دعائم نبوة رسول الله وحده التي أقامها الله تعالى إلى أبد الآبدين، وتمزيق النبوات الكاذبة كلها إربا التي أقامها هؤلاء القوم نتيجة بدعاتهم. (أي قد ابتعدوا عن تعليم النبي بإحداث البدعات المختلفة، وهم الذين ينقضون ختم النبوة). يقول : انظروا إلى أصحاب الزوايا كلهم وافحصوا أعمالهم لتروا هل هم من يؤمنون بالنبي خاتمَ النبيين أم نحن الذين نؤمن به؟
من الظلم والخبث الزعمُ أن الله تعالى لم يرد من ختم النبوة إلا أن تؤمنوا به خاتم النبيين باللسان فقط ثم افعلوا ما يحلو لكم، واقترحوا شريعة جديدة من عند أنفسكم. لقد اخترعوا أساليب مختلفة للصلاة مثل الصلاة البغدادية (هذا ما فعلته بعض الفِرق والفئات من المسلمين) لا يُعلم لها أثر في القرآن الكريم وأسوة النبي . كذلك هل يثبت من القرآن القولُ: “يا شيخ عبد القادر الجيلاني شيئا لله”؟ لم يكن للشيخ عبد القادر الجيلاني أيّ وجود في زمن النبي فمن أخبركم بمثل هذه الأقوال؟ اخجلوا قليلا، هل هذا هو المراد من الالتزام بشريعة الإسلام؟ احكموا الآن بأنفسكم، هل تستحقون- وأنتم تقومون بمثل هذه الأعمال- أن تتهموني أني نقضت ختم خاتم النبيين؟ الحق أنه لو لم تُقحموا البدعات في مساجدكم وآمنتم بنبوة خاتم النبيين الصادقة وتأسيتم بأسوته وجعلتم عمله أسوة لكم لما كانت هناك حاجة لمجيئي أصلا. إن بدعاتكم هذه ونبوات اخترعتموها هي التي هيّجت غيرة الله ليبعث شخصا لابسا رداء رسول الله ليمزق وثن النبوات الكاذبة كلها. فقد أرسلني الله تعالى مكلَّفا بهذه المهمة… السجود لأصحاب الزوايا أو الطواف ببيوتهم أمور عادية جدا.

“ليتأمل سليمو الفطرة في لطف المسيح الموعود ومواساته ويقدّروا حماسا كان يكنُّه لإنقاذ كل روحٍ. ألم يكن تشييعه إلى ثلاثة أميال نابعا عن المواساة فقط وإلا ماذا كان يتوقعه من ميان سراج الدين؟ إذا كانت فطرة المرء سليمة يمكنه أن يجد الحق من حماسه للمواساة وحده. سلام عليك يا من تكنّ هذا الحماس من أجلنا. سلام عليك يا بطل السلام.”

لقد أسس الله تعالى هذه الجماعة لتقيم نبوة النبي وشرفه مرة أخرى. إذا كان أحد يعشق شخصا وكان هناك آلاف آخرون عاشقين مثله فما هي الخصوصية في عشقه وحبه؟ (أي إذا كان أحد يحب شخصا ثم وُجد آلاف من محبيه مثله فما خصوصية هذا المحب) إذا كانوا فانين في حب رسول الله وعشقه كما يدّعون فلماذا يعبدون آلاف القبور والزوايا؟ لا يسافرون إلى المدينة الطيبة، بينما يسافرون إلى زاوية في مدينة “أجمير” وغيرها حاسري الرءوس وحفاة الأقدام، ويزعمون أن في المرور من نافذة (في زاوية أحد أصحاب الزوايا) في مدينة “باكبتن” كفاية للنجاة. (هاتان مدينتان في باكستان والهند وُلد فيها بعض الصلحاء فيذهب الناس إلى مزاراتهم ليعبدوها ويرون أن المرور من نافذة في زاوية المرشد يكفي للنجاة ولا حاجة للأعمال).. وهناك من يرفع راية هذا وآخر يرفع راية ذاك، وقد اتخذ أحدهم صورة كذا واتخذ غيره صورة أخرى. إن قلب المسلم الصادق ليرتعب حقا بالنظر إلى اجتماعاتهم ومهرجاناتهم التي اخترعوها. لولا غيرة الله على الإسلام ولولا:

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ الله الْإِسْلَامُ

كلام الله ولو لم يكن الله قد قال:

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ

لأوشك الإسلام على الانقراض دون أدنى شك نتيجة ما آلت إليه حالته. ولكن هاجت غيرة الله واقتضت رحمته ووعدُه لحماية الإسلام أن ينزل بروز رسول الله مرة أخرى ويحيي نبوته في هذا الزمن مجددا. فقد أسس هذه الجماعة وأرسلني مأمورا ومهديا. ثم يقول مبيّنا الهدف الحقيقي والغاية المتوخاة من بعثته:

“إن هدفي وغايتي الحقيقية هي إظهار جلال الله تعالى، وترسيخ دعائم عظمته، إن ذكري يأتي ضمنيا فقط، لأن النبي يملك قوة الجذب والإفاضة، وفي هذه الإفاضة يأتي ذكري”.

أي أن النبي قادر على الإفاضة والإفادة، وتحت هذه الإفاضة والفائدة ذُكر المسيح الموعود ، بمعنى أنها بركة النبي التي بسببها نال المسيح الموعود هذه المرتبة. إذًا، فقد أحاطت دائرة فيض النبي المسيحَ الموعودَ وقد شمل ذكرُ النبي ذكرَ محبه الصادق أيضا.
ثم يقول وهو يُبين أن الهدف من بعثته هو إصلاح البدعات والمحدثات التي تطرقت إلى المسلمين بسبب الظلام الممتد إلى ألف سنة. فيقول:

“أكرر وأقول بأن الذين يأتون من الله لا يقولون كلمة سيئة قط، بل يقولون أن اعبدوا الله وأحسنوا إلى الخلق وصلّوا الصلوات، ويزيلون الأخطاء التي تطرقت إلى الدين. فقد جئتُ في هذه الأيام وكلِّفتُ بإصلاح الأخطاء التي نشأت في زمن فيج أعوج (وهو زمن الظلام الذي ساد المسلمين)، وإن أكبر خطأ هو أنه قد هُتكتْ عظمة الله وجلاله، وجُعل توحيد رسول الله الصادق والأهم والأعلى مشكوكا فيه، وجُعل تعليم رسول الله الصادق والأهم والأعلى المبني على التوحيد مشكوكا فيه. فمن ناحية يقول المسيحيون بأن يسوع حيّ ونبيكم ليس حيا، ويتخذون المسيح إلها وابن إله لأنه لا يزال حيا منذ آلاف السنين، لم يؤثر فيه الدهر. ومن ناحية ثانية قبِل المسلمون أن المسيح صعد إلى السماء دون شك ولا يزال موجودا هناك منذ ألفَي عام ولا يحدث أيّ تغيّر أو تبدّل في حالته وصورته، أما رسول الله فقد مات. أقول صدقا وحقا أن قلبي ينفطر حين أسمع من لسان شيخ مسلم أن رسول الله مات. لقد عُدّ نبي حيٌّ رسولا ميتا! أيّة إهانة أكبر منها للإسلام؟ ولكنه خطأ المسلمين أنفسهم إذ أحدثوا ما ينافي القرآن الكريم. لقد ذُكر موت المسيح في القرآن الكريم بكل وضوح ولكن كان مقدرا لي أن أزيل أنا هذا الخطأ لأن الله تعالى سماني “حَكَما”. إذًا، لن يزيل هذا الخطأ إلا من جاء حَكَما في هذا النـزاع. لم تقبله الدنيا ولكن الله يقبله ويُظهر صدقه بصول قوي صول بعد صول. إن مثل هذه الأمور قد ألحقت بالعالم ضررا فادحا”.

يقول : لقد حان الأوان أن يظهر هذا الكذب كله للعيان، ولا يمكن أن تخفى هذه الأمور على من أرسله الله حَكَما. يُقال في المثل الشعبي في القارة الهندية: “هل يمكن أن يخفى الحمل على القابلة؟” لقد حكم القرآن الكريم بكل وضوح أن الخليفة الأخير هو المسيح الموعود، وها قد جاء. وإذا تمسّك أحد الآن أيضا بالخطأ الذي يعود تاريخه إلى زمن فيج أعوج فلن يتضرر بنفسه بل يُعَدّ مضِرّا بالإسلام أيضا. والحق أن هذا الاعتقاد الخاطئ والنجس أدى إلى ارتداد مئات آلاف الناس. ولقد أساء هذا المبدأ إلى الإسلام كثيرا وأهان رسول الله . لما قبلوا أن محيي الأموات والصاعد إلى السماء والحَكَم الأخير هو يسوع المسيح وحده فهذا يعني أن نبينا الأكرم ليس شيئا والعياذ بالله، مع أنه هو الذي سمِّي رحمة للعالمين وجاء رسولا إلى الناس كافة وكان خاتم النبيين. إن هؤلاء الذين يعتنقون مثل هذه المعتقدات السخيفة مع كونهم مسلمين يعتقدون أيضا أن من الطيور الموجودة حاليا ما خلقه المسيح، والعياذ بالله من ذلك، ومنها ما خلقه الله. لقد سألتُ ذات مرة أحد السلفيين: ماذا لو عُرض الآن طائران وسُئل أيهما خلقه الله وأيهما خلقه المسيح؟ قال: لقد اختلطت الطيور الآن فيما بينها. (الحكم، مجلد6، رقم 21، صفحة: 8، عدد10/6/1902م.)

والآن أبين بعض المقتبسات والواقعات الأخرى للمسيح الموعود التي تُجلِّي بعض الزوايا من سيرته ، ويتبيّن منها أنه لم يُثبت مقام حبيبه ومطاعه محمد علميا وعقليا فقط، بل أثبتَ أن تعليم الإسلام يتجلّى عمليا في حياة النبي .
كان هناك شابٌّ يُدعى عبد الحق يدرس في الكلية وكان مسلما ثم تنصر- كما كتب المسيح الموعود أن كثيرا من الناس تركوا الإسلام وتنصّروا – كان هذا الشاب أيضا من هؤلاء الناس، فذات مرة جاء إلى قاديان في البحث عن الحق أو للتحقيق العلمي، وأقام عند المسيح الموعود فترة قصيرة، وكان المسيح الموعود يُبيّن له بعض المسائل في لقاءات مختلفة، فمرة قال ذلك الشاب للمسيح الموعود بأنني ذكرتُ اسمك أمام مسيحي فشتمك. وشقّ عليَّ ذلك. فردَّ المسيح الموعود على قوله: إنه يُظهر أخلاقك العظيمة. قال: كيف؟ قال : “إنني لا أبالي بشتائمهم! تأتيني رسائل كثيرة مليئة بالشتائم وأضطر لدفع رسومها أيضا وعندما أفتحها أجد فيها الشتائم. كذلك يشتمونني في الإعلانات المنشورة، (وهذا هو الحال في هذه الأيام في باكستان حيث ينشرون إعلانات كبيرة ضدنا) أما الآن فيكتبون الشتائم على بطاقات مفتوحة أيضا ويرسلون بها إليَّ. فهذه الأشياء لا تغيّر شيئا، إن نور الله لا يمكن إطفاؤه. هذا ما عامل به ناكرو الجميل أنبياء الله والصالحين دائما. كيف عُومل المسيح الناصري الذي جئتُ مثيلا له؟ (لأن هذا الشاب كان قد تنصّر فضرب مَثَل المسيح أن الناس عاملوه بالأسلوب نفسه إذ سبّوه وظلموه وعلّقوه على الصليب) ثم قال : وكيف عُومل نبينا الأكرم ؟ إن خبيثي الطبع لا يزالون يشتمون. أنا ناصح أمين لبني البشر، والذي يحسبني عدوا له يعادي نفسه”.
كما قلتُ أن هذا المدعو عبد الحق مكث هنالك عدة أيام، واستمر خلالها الحديثُ معه وظل يردّ على أسئلته، فقال له المسيح الموعود في أحد الأيام: “أقول لك مرة بعد أخرى أن تسأل مرارا إن لم تفهم. وإلا ليس صحيحا ألا تفهم أمرا ثم تقول بأنك فهمته، هذا لا يُسفر عن نتيجة حسنة.”

هذه كانت سعة صدر المسيح الموعود إذ كان يقول له مرارا بأن يسأل مرة بعد أخرى، لأنه كانت لديه لوعة بأن ينكشف الحق على الناس ويقبلوه. وهذا الشابّ كان يعرف أيضا سراجَ الدين المسيحي الذي سأل المسيحَ الموعودَ بعض الأسئلة وردَّ عليها ، ونُشرت هذه الردود ولكنه لم يستفد منها شيئا، أي ظل يسأل ويصمت ولم يستفد بمجيئه إلى قاديان أيضا. وظل يردّد قول “نعم” على كل شيء، ولم يحاول بحسن النية أن يزيل شبهاته الكامنة في قلبه، ولم يسأل كل الأسئلة التي جاء بها مكتوبة، وظل يسأل فقط عما يتحدث عنه المسيح الموعود كما بقي يردّد القول: نعم نعم. فسأل المسيح الموعود هذا الشابَّ: هل قال لك سراج الدين شيئا؟ فقال الشاب المدعو عبد الحق:

“نعم منعني من المجيء إلى هنا وقال: لا حاجة للذهاب، فما دمنا قد وجدنا الحق (أي المسيحية) فما الفائدة من مزيد من البحث؟ (سراج الدين هذا كان قد انتقل من الإسلام إلى المسيحية) وقال أيضا أنه عندما جاء هو إلى هنا شيّعتَه إلى ثلاثة أميال وكنتَ تتعرق أيضا.”

كان المسيح الموعود مشى مع هذا المسيحي إلى ثلاثة أميال لتوديعه عند عودته، وهذا أيضا نموذج عظيم أظهره حضرته في إكرام الضيف، والتعليق الذي كتبه رئيس تحرير جريدة “البدر” على ذلك هو:

“ليتأمل سليمو الفطرة في لطف المسيح الموعود ومواساته ويقدّروا حماسا كان يكنُّه لإنقاذ كل روحٍ. ألم يكن تشييعه إلى ثلاثة أميال نابعا عن المواساة فقط وإلا ماذا كان يتوقعه من ميان سراج الدين؟ إذا كانت فطرة المرء سليمة يمكنه أن يجد الحق من حماسه للمواساة وحده. سلام عليك يا من تكنّ هذا الحماس من أجلنا. سلام عليك يا بطل السلام”.

قال المسيح الموعود:

“لقد استنبط من العرق أنني لم أُطق جوابا. يا للأسف. كان عليك أن تسأله على الأقل لماذا كان يصلي أثناء وجوده هنا؟ (عندما كان أتى إلى المسيح الموعود كان يصلي أيضا) يقول : ألم يقل بأنه مقتنع؟ إذا كان أمامي لاستحلفتُه؛ إذ يشعر المرء بشيء من الحياء عند المقابلة وجهًا لوجه.
على كل قال عبد الحق: لقد سألتُه عن الصلوات، فقال: نعم كنتُ أصلي، ولكن قلتُ في نهاية المطاف بأني سأقرر قرارا نهائيا بعد وصولي إلى منطقة باردة. (هذا قول سراج الدين) وقال سراج الدين أيضا بأن مرزا المحترم يحب الشهرة إذ قد طرحتُ عليه أربعة أسئلة فنشرها.
قال المسيح الموعود : هذا ليس حب الشهرة، لماذا أخفي الحق؟ لو أخفيتُه لكنت مذنبا ولكانت تلك معصية. فلما أرسلني الله تعالى مأمورا فلا بد أن أظهر الحق، فسأبلّغ الخلقَ ما كلِّفتُ به ولا أبالي في هذا السبيل سواء أحسِبَ أحد ذلك حب شهرة أم غيره. اكتُب إليه أن يأتي هنا ويمكث بضعة أيام أخرى. (لم يجعل المسيح الموعود الأمر الذي بعثه به الله تعالى مقتصرا على شخص بل نشره للآخرين أيضا معتبرا إياه نافعا لهم ومُظهرا حقيقة الإسلام، فلم يكتب هذه الردود لكسب شهرة، بل جل أعماله كانت تهدف إلى إقامة عظمة الإسلام والنبي وسمو شأنهما. باختصار، كان حضرته يتحدث معه في أمور كثيرة أثناء تنزّهه. وفي أحد الأيام في أثناء هذا الحديث وصل حضرته قرب بيته وقال مخاطبا عبد الحق: أنت ضيفنا، والضيف لا يجد الراحة إلا إذا كان بعيدًا عن التكلف والشكليات، فكلما احتجتَ إلى شيء فأَخْبِرْني دون أدنى تكلف. ثم قال مخاطبا الآخرين: اعلموا أنه ضيفنا، وعليكم جميعا أن تعاملوه بحسن الخلق، وتسعوا لكيلا يتعرض لأية معاناة، ثم دخل حضرته بيته. (الحكم، مجلد6، رقم 4، صفحة 3-4، عدد: 31/1/1902م)
فكان حضرته يهتم بضيافة كل ضيف على المستوى الفردي أيضا، وكان يبذل قصارى جهده في أن يبلغ الدعوة على وجه صحيح إذا جاءه أي شخص باحث عن الحق، وأن يلقى (هذا الباحث) راحة تامة أيضا.
الآن أسرد لكم قصة عيادته لمريض، ونلاحظ فيه أيضا أن المسيح الموعود في ذكر الدعاء لم يتكلم عن عظمته على شاكلة المشايخ والزهاد في العصر الراهن أنني سأدعو وأن أدعيتي مجابة، وإنما تكلم عن وحدانية الله وفلسفة إجابة الدعاء، وعن جعل النفوس تابعة لمرضاة الله، والحادث كالتالي: يقول الكاتب كان شخص قرشي جاء إلى قاديان منذ عدة أيام للعلاج على يد حكيم الأمة (مولانا نور الدين ) فطلب الدعاء من سيدنا حجة الله (المسيح الموعود ) مرارا فقال : “سأدعو لك”.

وإننا نعتقد بحسب تعليم المسيح الموعود بختم نبوة النبي أكثر من غيرنا، ونُظهر اعتقادنا هذا عمليا أيضا وقلوبنا زاخرة بحب النبي وننشر في العالم الدين الذي جاء به النبي مثلما يُظهره ويعتنقه المسلمون الآخرون،

ذات مساء التمس هذا الشخص بواسطة حكيم الأمة بأنه يريد أن يأتي لزيارة المسيح الموعود ولكنه لا يستطيع أن يأتي بسبب تورم قدمَيه. فوعد أن يزوره في 11 أغسطس في مسكنه. فخرج حضرته للتنـزه في رفقة الخدام ووصل فورا إلى مسكن الشخص المذكور وسأله عن مرضه قليلا ثم قال على سبيل التبليغ: (لم يكن حضرته يفوِّت أي فرصة للدعوة) وكان يريد أن يشرح التعليم الحقيقي للإسلام أيضا، فقال له) لقد دعوت لك، (أي تلقيت رسائلك فدعوت لك) ولكن الحق أن الدعاء وحده لا ينفع ما لم يحالفه رضا الله وأمرُه. انظروا كم يعاني أهل الحاجة من المشاكل ولكنها تزول بأدنى أمر أو التفات من الحاكم. (أي أن ذوي الحاجة يتوجهون لحل مشاكلهم إلى الحاكم ويطرحونها عليه فتزول بأدنى التفات منه ومساعدته)، كذلك يتم كل شيء بأمر من الله تعالى. حين يكون الأمر والإذن من الله تعالى أشعر بإجابة الدعاء لأنه حين قال: اُدعوني قال إلى جانب ذلك: أستجب لكم أيضًا. (فحين يقول الله ذلك فإن هذه الاستجابة مشروطة، بأن يستجيب المرء لأوامره أيضا، ويعبده.) فقال حضرته: من الضروري أن يخلق العبد تغيُّرا في حالته ويتصالح مع الله باطنيا، ويعلم لأيّ غرض جاء إلى الدنيا، وإلى أيّ مدى حاول أن يحقق هذا الغرض. لا يواجه الإنسان المصائب إلا إذا أسخط ربَّه كثيرًا. ولكن إذا أحدث تغيُّرا في حالته فإن الله يتوب عليه، عندها يمكِّن الطبيبَ أيضا من تشخيص المرض بوجه صحيح. لا يصعب على الله شيء ولا يعجزه إنجازُ أي عمل لأن شأنه:

إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (يس: 83)

ذات مرة قرأت في جريدة أن موظفا كان يزيل الأوساخ من ظفره بقلم الرصاص فتورمت يده حتى أشار عليه الطبيب ببترها ولكنه حسب الأمر بسيطا فكانت النتيجة هلاكه. كذلك أصلحتُ أنا ذات مرة قلم الرصاص بالظفر، وعندما ذهبت للنـزهة في اليوم التالي ذهب وهلي إلى الموظف المذكور وتورمت يدي أيضا. فدعوت الله تعالى في الحال وتلقيت إلهاما، ثم رأيت أن اليد شفيتْ تماما ولم يبق ورم ولا أدنى ألم.
باختصار، الحقُّ أن الله حين ينـزل فضله فلا يبقى أي ألم، لكن الشرط الأساسي لذلك أن يُحدث الإنسان تغيرا في نفسه، فالذي يجده اللهُ نافعا للناس يطيل عمره (أي الذي يراه الله نافعا للناس ومفيدا لهم يطيل عمره، وصحيح أن هناك استثناءات أيضا إلا أن سنة الله عموما هي هكذا). لقد نوقش هذا الأمر في كتابنا بصراحة تامة. يقول الله تعالى:

وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ،

كذلك ذُكر في الكتب السابقة أيضا مثل سِفر النبي حزقيال. لقد خُلق الإنسان لهدف عظيم جدا ولكن حين لا يحقق ذلك الهدف في الموعد فإن الله يقضي عليه. خذوا الخادم مثلا، حين لا ينجز عمله على خير ما يرام يعزله سيده. فأنّى لله تعالى أن يُحافظ على من لا يؤدي واجبه؟
لقد مارس مرزانا المحترم الطب (أي والد حضرته رحمه الله وغفر له) إلى خمسين عاما وكان يقول بأنه لم يجد وصفة حتمية. الحق أن كل ذرة تدخل جسم الإنسان لا يمكن أن تكون مفيدة بدون إذن الله. على الإنسان أن يكثر من التوبة والاستغفار ليرحمه الله. عندما ينـزل فضل الله تجاب الأدعية أيضا. هذا ما قال الله تعالى بأنه يجيب الدعوات ولكنه أحيانا قال يجب أن تقبلوا قضاءه وقدره أيضا، لذا فإني لا أتوقع إجابة الدعاء كثيرا ما لم يؤذَن لي. الإنسان ضعيف وعاجز جدا لذا عليه أن يسأل الله فضله.
ثم وجه حضرته انتباهنا إلى تأدية حقوق الله وحقوق العباد أيضا بحسب التعليم الحقيقي للإسلام وقدم أسوته كما كان قد تعلَّم من سيده ومطاعه محمد رسول الله ، يقول :
إن أعظم حق من حقوق الله عز وجل حصرا أن يُعبَد، وألا تكون العبادة بناء على هدف شخصي، بل يجب أن يعبد المرءُ ربَّه حتى لو لم تكن هناك جنة أو جهنم. وألا يفتر الحب الذاتي الذي يجب أن يكنَّه المخلوق للخالق. (هذا الاعتراض يثيره كبار الناس عادة في العصر الراهن أي معارضو الإسلام أنكم تعبدون الله طمعا، فقال يجب أن تعبدوا الله حبا له) ويجب أن تؤدَّى هذه الحقوقُ بغضِّ النظر عن الفوز بالجنة أو اتقاء النار. (علينا أن نؤدي حقوق الله بوصفها حقا واجبا علينا غير طامعين في الجنة أو خائفين النارَ واضعين في الحسبان أن حب الله وفضله علينا يقتضي أن نعبده).
فيما يخص مواساة بني البشر فإن مذهبي هو أنّ صَدْر الإنسان لا يكون نقيا على وجه الكمال ما لم يدعُ للعدو، لم يشترط الله في قوله:

ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ

أنه إذا دعوتم للعدو فلن أستجيب. بل مذهبي هو أن الدعاء للعدو من سنة النبي . لقد أسلم عمر نتيجة الدعاء فحسب، إذ كان النبي يدعو له كثيرا. لذا يجب ألا يعادي المرء أحدا عداوة شخصية عنادا، ويجب ألا يكون مؤذيا في الحقيقة. أشكر الله تعالى على أنني لا أرى عدوًا لم أدعُ له مرتين أو ثلاثة. فليس هناك أي عدو لي لم أدع له، وهذا ما أقوله لكم وأعلّمكم. إن الله بريء ممن يؤذي أحدًا إيذاء حقيقيا أو يعاديه عنادا منه كبراءته من أن يُشرَك به أحدٌ. (أي أن الله يكره أشد كراهية أن يعادي المرء ويؤذي غيره بغير حق) فهو لا يريد فصلا في مقام ولا يريد وصلا في مقام آخر، (أي في مقام لا يريد الفراق وفي آخر لا يريد إشراكا) أي لا يريد الفصل بين بني البشر ولا يريد أن يوصَل (أي يُشرَك) به أحدٌ. (أي لا يحب الله أن يتنازع الناس فيما بينهم ويتخاصموا فيفترقون ويفسدون وفي الوقت نفسه لا يحب أن يُشرَك به غيرُه فهو يريد أن يعيش الناس بوئام وحب فيما بينهم ويتحابوا ويحسبوا أنهم سواسية، أما نفسُه فيحب أن يوحَّد ولا يشرَك به أحد) والسبيل الوحيد لذلك هو أن ندعو للمنكرين أيضا، فهذا يؤدي إلى صفاء القلب وانشراحه وبه تعلو الهمة. لذا ما لم تنصبغ جماعتنا بهذه الصبغة لن يحدث ما يميّز بينها وبين غيرها. أرى من الضروري أنه إذا كان أحد يصادق شخصا صداقة دينية وكان بين أقاربه مَن هو في الدرجة الدنيا فعليه أن يعامله أيضا بمنتهى الرفق واللطف ويحبه، لأن من صفات الله كما يقول المثل الفارسي أن ذلك الكريم يغفر للطالحين أيضا مع الصالحين.
فأنتم الذين تتعلقون بي عليكم أن تكونوا قوما جاء في حقهم: “إنهم قوم لا يشقى جليسهم”. هذا ملخّص التعليم الذي قُدِّم في: “تخلَّقوا بأخلاق الله”.
فهذه بعض النصائح التي تناولتُها من الذخيرة العظيمة التي قدمها لنا حضرته مستمدًّا من التعليم الصحيح للإسلام وأسوةِ النبي . ويتبين منه أنه وحده أدَّى حق تطبيق تعليم النبي والقرآنِ الكريم على نفسه. لم يكتف برفع هتافات ختم النبوة، بل كان كل قول وفعل له يصدر اتباعا لسيده ومطاعه وكانت حرقته ورغبته العارمة أن ينشر تعليمه ويقيم شريعته، لكي يطلع العالم على أن التعليم الجميل الذي نزل على النبي هو وحده يتضمن النجاة الحقيقية وقد نصح أتباعه أيضا بالعمل به.
نسأل الله أن يوفقنا لتأدية حق الانضمام إلى جماعة المسيح الموعود وتقديم النماذج العملية بحسب القرآن الكريم والسنة، وأن يهب لنا الإدراكَ الصـحيح لمقام النبي ومرتبته حتى نتمكن من إظـهار الصورة الحقيقـية للإسلام للـعالم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك