هل فضل المسيح الموعود عليه السلام نفسه على سيده وسيدنا خاتم النبيين عليه السلام؟

هل فضل المسيح الموعود عليه السلام نفسه على سيده وسيدنا خاتم النبيين عليه السلام؟

هاني طاهر

  • لقد بين سيدنا المسيح الموعود عليه السلام في أقوال عديدة تفانيه في خدمة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم.
  • دلائل صدق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وحدنا كافية للدلالة على صدق آلاف الأنبياء.
  • الخسوف والكسوف آية لصدق المسيح الموعود عليه السلام وليس دلالة على أنه أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم.
  • إن روحانية الرسول صلى الله عليه وسلم تتجلى في زمن المسيح الموعود عليه السلام.
  • يتضح من أقوال المسيح الموعود عليه السلام بأنه ليس إلا تلميذ للرسول صلى الله عليه وسلم.
  • لقد عانى المسيح الموعود عليه السلام كما عانى المسيح ابن مريم في قومه.
  • لقد أثبت المسيح الموعود عليه السلام بأنه لو كان له مثقال الجبال  عملا ولم يكن يتبع سيدنا محمد لما نال شرف المخاطبة الإلهية لأن النبوة بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم  انقطعت.

__

مع وفرة النصوص التي بيّن فيها المسيح الموعود كمال الرسول  بما لم يُسبق فيه قط، ومع وفرة النصوص التي بيّن فيها حضرته أنه خادم للرسول ، إلا أن هذا كله لم يؤثر في قلوب البعض؛ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (البقرة 75).. وقد بذلوا جهدا كبيرا لنـزع بعض عـبارات المسيح الموعـود من سياقـها أو ليّ عنقها لتقـول ما يـريدون جـبرا، وفيـما يلـي هذه العبـارات وتوضيحها:

أولا: قول المسيح الموعود : “إن الله أنزل لإثبات رسالتي آيات لو وزعت على ألف نبي لثبتت بها رسالتهم” (عين المعرفة ص 317)

الردّ: هذه العبارة تشير إلى قسوة قلوب غير المؤمنين، ذلك أن دليلا واحدا على صدق النبي يكفي للإيمان، فكيف إن كانت آلاف الأدلة، فهذه ليست كافية للتدليل على صدق نبي واحد، بل تكفي للتدليل على صدق ألف نبيّ لو وزّعت عليهم. فهذا القول لا علاقة له بأفضلية نبي على آخر. ولا شك أن أدلة صدق سيدنا محمد تكفي للتدليل على صدق آلاف الأنبياء؛ وعموما فإن أدلة صدق كل نبي تكفي للتدليل على أعداد كبيرة من الأنبيـاء.

هل فضَّل المسيح الموعود نفسه على سيده وسيدنا خاتم النبيين ؟

ثانيا: قول المسيح الموعود : “وآتاني ما لم يؤتَ أحد من العالمين” (الاستفتاء)

الردّ: يقول المسيح الموعود : “ومن آلائه أنه وهب لي حُبَّ وجهه حُبًّا جَمًّا، وصدقًا أكمل وأتمَّ، وسألته أن يهب لي حُبًّا لا يزيد عليه أحدٌ من بعدي، فأعلمُ منه أنه استجاب دعوتي، وأعطاني مُنيتي، وأحاطني فضلا ورُحمًا، فالحمد لله أحسن المحسنين. الحمد لله الذي أذهب عني الحزن وأعطاني ما لم يُعطَ أحدٌ من العالمين. وما قلتُ هذا من عند نفسي بل قلتُ ما قال على السماوات ربي، وما كان لي أن أتكبّر وأرفع نفسي، إن الله لا يُحب المستكبرين، بل هذا إلهام من حضرة العزّة، وأراد من “العالمين” ما هو في زماننا من الكائنات الموجودة في الأرضين”. (مكتوب أحمد، ص 3).. فما دام المسيح الموعود نفسه قد وضّح المقصود بالعالمين فقد قضي الأمر.

كما أن حضرته قد استخدم هذا التعبير بحق الصحابة، فقال عنهم: “وقد ظهرت أنوار صدقهم وآثار طهارتهم كأجلى الضياء، وتبين أنهم كانوا من الصادقين. ورضي الله عنهم ورضوا عنه، وأعطاهم ما لم يُعطَ أحد من العالمين”. (سر الخلافة)..

وهذا الأسلوب من إرادة التخصيص بذكر العام لم يأتِ به المسيح الموعود ، بل إن حضرته يتبع القرآن الكريم في ذلك، فقد قال الله تعالى عن النعم التي أنعمها على بني إسرائيل: يَا بَني إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (البقرة: 123).. وقال عن مريم: وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَـرْيَمُ إِنَّ الله اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَـاكِ عَلَى نِسَآءِ الْعَالَمـِينَ (آل عمران: 43).. ولا خلاف في أن أفضـلية بني إسـرائيل ليست مطـلقة، بل بالنسبة للعـالمين في عصـرهم. وكـذلك اصـطفاء السيـدة مـريم وتفضيلها كـان على نساء العالميـن في عصرها.

ثالثا: قول المسيح الموعود في القصيدة الإعجازية:

له خُسِف القمرُ المنير وإنّ لي

غسا القمران المشرقان أَتُنْكِرُ

وكان كلامٌ معجزٌ آيةً له

كذلك لي قولي على الكلِّ يَبْهَرُ

الردّ: الكل هنا لا تشمل القرآن الكريم. بل يتحدث حضرته عن المعاصرين. وسياق القصيدة يوضح ذلك، وفيما يلي بعض أبيات هذه القصيدة الإعجازيةـ علما أنها 533 بيتا..

وإني ورثتُ المالَ مالَ محمد

فما أنا إلا آلُهُ المتَخَيَّرُ

وكيف ورثتُ ولستُ مِن أبنائه

فَفَكِّر وهل في حزبكم مُتَفَكِّرُ

أتزعمُ أنّ رسولنا سيِّد الورى

على زعمِ شانِئه توفِّيَ أبْتَرُ

فلا والذي خلق السماء لأجله

له مثلُنا وُلْدٌ إلى يوم يُحْشَرُ

وإنا ورثْنا مثلَ وُلْدٍ متاعه

فأيُّ ثبوت بعد ذلك يُحْضَرُ

له خُسِف القمرُ المنير وإنّ لي

غسا القمران المشرقان أَتُنْكِرُ

وكان كلامٌ معجزٌ آيةً له

كذلك لي قولي على الكلِّ يَبْهَرُ

إذا القوم قالوا يَدَّعي الوحيَ عامدا

عجبْتُ فإني ظِلُّ بدْرٍ يُنَوِّرُ

وأَنَّى لِظِلٍّ أنْ يخالف أصلَهُ

فما فيهِ في وجهي يلوحُ ويزْهرُ

وإنّي لذو نسب كأصلٍ أطيعه

ومن طِينِه المعصوم طيني مُعَطَّرُ

كفى العبد تقوى القلب عند حَسِيبنا وليس لِنَسْبٍ ذو صلاح مُعَيِّر

ولكن قضى رب السما لأئِمَّةٍ

لهُم نَسَبٌ كيْلا يَهِيج التَّنَفُّرُ

ومن كان ذا نسب كريم ولم يكن

له حَسَبٌ فَهْوَ الدني المحَقَّرُ

ولله حمْدٌ ثم حمْدٌ فإننا

جمعْناهما حقًّا فللهِ نشْكُرُ

وأما خسوف الشمـس والقـمر للمسيح الموعود فلا يتضمن ذلك أنه أفضل من الرسول الذي خُسف له القمر فقط.. فهذان أمران منفصلان ولا تلازم بينهما. وإلا فهل نقول إن موسى أعلى درجة من الرسول لأن البحر قد انفلق له ولم ينفلق للرسول ؟ فالقصد هنا حثّ على الإيمان بالمسيح الموعود .

فهذا القول لا علاقة له بأفضلية نبي على آخر. ولا شك أن أدلة صدق سيدنا محمد تكفي للتدليل على صدق آلاف الأنبياء؛ وعموما فإن أدلة صدق كل نبي تكفي للتدليل على أعداد كبيرة من الأنبياء.

رابعا: قول المسيح الموعود : “ثم أراد الله أن يرى هذه الخفايا على وجه الكمال في شخص واحد هو مظهر جميع هذه الخصال فتجلت روحانية آدم بالتجلي الجامع الكامل في الساعة الآخرة من الجمعة أعني اليوم الذي هو السادس من الستة، فكذلك طلعَتْ روحانيةُ نبيّنا في الألف الخامس بإجمال صفاتها، وما كان ذلك الزمان منتهى ترقّياتها، بل كانت قدمًا أُولى لمعارج كمالاتها، ثم كمُلتْ وتجلّت تلك الروحانية في آخر الألف السادس، أعني في هذا الحين كما خُلق آدم في آخر اليوم السادس بإذن الله أحسن الخالقين. واتخذتْ روحانيةُ نبيّنا خير الرسل مَظهرًا مِن أُمّته لتبلغ كمالَ ظهورها وغلبةَ نورها كما كان وعد الله في الكتاب المبين. فأنا ذلك المظهر الموعود والنور المعهود، فآمِنْ ولا تكنْ من الكافرين”. (الخطبة الإلهامية)

الردّ: لنقرأ هذا النص في سياقه من الخطبة الإلهامية، حيث يتحدث المسيح الموعود في الباب الخامس عن أن زماننا هذا هو آخر الزمان الذي جُمعتْ فيه كل ما تحتاج إليه نفوس الناس من سعادة الدنيا والدين، ومن أنواع العلوم والمعارف وأسرار الشرع المتين، وزُوّجت النفوس.

ثم يبين حضرته أن الإسلام لم ينتشر في زمانه الأول، بل كان ذلك الزمن زمن التأسيس، لكن الله تعالى هيّأ الظروف في الزمن الأخير لنشر الدين وإظهاره على الدين كله.. فهذا هو المقصود؛ فالمسيح الموعود

يتحدث عن زمان روحانية نبيّنا ، والذي لا خلاف في أنها في الزمن الأخير أعظم منها في الزمن الأول.. والمعنى أن تفوّق الإسلام وانتشاره في هذا الزمن أعظم مما كان في الزمن الأول، فمثلا: لم تكن أوروبا تعرف شيئا عن الإسلام قبل مائة عام، ولكن الإسلام اليوم صار هو الدين الثاني فيها. كما لم يكونوا يعرفون عن الإسلام سوى الشبهات، ولكن اليوم هناك أكثر من قناة لجماعتنا وحدها، كما أنّ غيرنا من المسلمين قد تطوّر عندهم الفكر متأثرين بالفكر الإسلامي الأحمدي، وهذا كله يساهم في النهضة بروحانية نبينا .. أي بانتصار الإسلام وانتشاره ورفعته. وعلى نسق هذه العبارة يمكننا القول الآن: إن روحانية الرسول تتجلّى في هذه الأيام أعظم من تجليها في أيام المسيح الموعود ، فجماعتنا لها الآن عدد من الفضائيات والمواقع وانتشارها في العالم أضعاف ما كان عليه في زمن المسيح الموعود .

فالخلاصة أن المسيح الموعود لا يتحدث عن مقام سيدنا محمد ، بل عن زمان روحانيته.. أي عن زمان انتشار دينه في الأرض.

لذلك فإن حضرته يتابع مباشرةً بعد الفقرة المعترَض عليها فيقول: “وإن شئتَ فاقرأ قوله تعالى هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ، وفَكِّرْ كالمهتدين. فهذا وقت الإظهار، ووقتُ كمال ظهور الروحانية من الجبّار، يا معشر المسلمين، ولأجل ذلك جاء في الآثار أنه بُعث في الألف السادس، مع أنّ بعثه كان في الألف الخامس بالقطع واليقين، فلا شك أن هذه إشارة إلى وقت التجلّي التامِّ واستيفاءِ المرام وكمالِ ظهور الروحانية وأيامِ تموُّجِ الفيوض المحمّدية في العالمين، وهو آخر الألف السادس الذي هو الزمان المعهود لنـزول المسيح الموعود كما يُفهَم من كتب النبيّين. وإن هذا الزمان هو موطئ قدمه من الحضرة الأحدية، كما يُفهَم من آية وَآخَرِينَ مِنْهُمْ وآيات أخرى من الصحف المطهّرة، ففكّرْ إن كنت من العاقلين”.

والقراءة في الفقرات اللاحقة تبيّن هذا المعنى بمزيد من التوضيح الشمولي. وقد سبقها قوله :”وإنّ آدمَ آخرِ الزمانِ حقيقةً هو نبيّنا ، والنسبةُ بيني وبينه كنسبة مَن علّم وتعلَّمَ، وإليه أشار سبحانه في قوله وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ ، ففَكِّرْ في قوله آخَرِينَ “.

وواضح من هذا النصّ أنه يؤكد أنه تلميذ عند سيدنا محمد ، وما كان للتمليذ أن يتفـوق على مقـام أستاذه، بل كل ما يحقـقه التلميذ يصبّ في مقام أستـاذه.

خامسا: أن المسيح الموعود جمع في نفسه كل الأنبياء، فيقول: “أنا آدم، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا إسحاق، أنا يعقوب، أنا إسماعيل، أنا موسى، أنا داود، أنا عيسى بن مريم، وأنا محمد رسول الله” (حقيقة الوحي)

الردّ: هذا هو سياق هذه العبارة كاملةً:

يقول المسيح الموعود : “فيا أيها الأحبة، لقد تحمّلتُ الإيذاء مثل المسيح ابن مريم، وفعل القوم بي ما شاءوا. أما الآن فقد سماني الله موسى، ويُفهم من ذلك أنه اعتبر خصومي فرعون. ولم يُطلق هذا الاسم اليوم بل مضى عليه 26 عاما حين سماني الله تعالى موسى في البراهين الأحمدية وقال ما نصه: “أنت مني بمنزلة موسى”. كذلك سماني موسى في الكتاب نفسه وقال أيضا ما نصه: “لما تجلى ربه للجبل جعله دكًّا وخرّ موسى صعقا”. وبما أن الله تعالى قد أبدى ليونة بادئ ذي بدء، وأظهر حِلمه الكامل لذا سمِّيتُ ابن مريم لأن ابن مريم ظلَّ يعاني على يد قومه وأُوذي وجُرَّ إلى المحاكم وسُمِّي كافرا ومكّارا وملعونا ودجالا، ولم يكتفوا بذلك بل أرادوا قتله. ولكن لما كان عبدُ الله المختارُ ومن الذين يكون الله معهم فلم يستطع هؤلاء القوم الخبيثون أن يطفئوا نوره. فالله الذي يستخدم الحِلم والرِفق في كل شيء سماني أولا عيسى بن مريم لهذا العصر؛ إذ كان ضروريا أن أتأذّى في بداية عهدي على يد قومي مثل ابن مريم وأُسمَّى كافرا ومعلونا ودجالا، وأُجَرَّ إلى المحاكم. لذا فإن كوني ابن مريم هو المرحلة الأولى. ولكني ما سمِّيتُ عند الله باسم ابن مريم فحسب، بل إن لي أسماء أخرى أيضا جعلني الله أكتبها بيدي في البراهين الأحمدية قبل 26 عاما. ما خلا في الدنيا نبي إلا وقد أُعطيتُ اسمه. فكما قال الله عز وجل في الإلهامات المدونة في “البراهين الأحمدية”: أنا آدم، أنا نوح، أنا إبراهيم، أنا إسحاق، أنا يعقوب، أنا إسماعيل، أنا موسى، أنا داود، أنا عيسى بن مريم، وأنا محمد رسول الله، أعني بصورة ظلية. فكما أن الله تعالى سماني في هذا الكتاب بالأسماء المذكورة كلها وقال عني ما نصه: “جري الله في حلل الأنبياء”، فلا بد أن يوجد في نفسي شأن كل نبي، وأن تظهر بواسطتي صفة من صفات كل نبي. ولكن الله تعالى أراد أن يُظهر فيَّ صفات ابن مريم أولا؛ فعانيتُ على يد قومي من كل ما عانى منه ابن مريم على يد اليهود بل على يد الأقوام كلها. وقد وقع لي كل ذلك، ثم سماني اللهُ تعالى المسيحَ نظرا إلى كسر الصليب لكي يكسر المسيحُ في المرحلة الثانية ذلك الصليبَ الذي كسر المسيحَ وجرّحه من قبل، ولكن بواسطة الآيات السماوية وليس بأيدي الإنسان لأن أنبياء الله لا يُغلَبون. فأراد الله تعالى مرة أخرى في القرن العشرين الميلادي أن يجعل الصليب مغلوبا على يد المسيح. (حقيقة الوحي)

فالقضية ليست مفاضلة، بل لا بد أن يوجد في حضرته شأن كل نبي، وأن تظهر بواسطته صفة من صفات كل نبي.

سادسا:  قول المسيح الموعود في شعر بالأردية:

“الحق أنني أتمشى في كربلاء في كل حين، وفي صدري مئة حسين

أنا آدم، وأنا أحمد المختار أيضا، وعلى جسدي خلعة الأبرار جميعا

إن الأعمال التي أنجزها الله تعالى هي من الكثرة بحيث لا تعدّ ولا تحُصى

الكأس التي سـقاها الله تعالى كل نبي قد سقانيـها ممتـلئة” (نزول المسيح)

وواضح من هذا النصّ أنه يؤكد أنه تلميذ عند سيدنا محمد ، وما كان للتمليذ أن يتفوق على مقام أستاذه، بل كل ما يحققه التلميذ يصبّ في مقام أستاذه.

الردّ: أما البيت الأول هنا فهو يشير إلى أنه اضطُهد أكثر من الحسين بمئات المرات، كما يحمل معنى أنه يحبّ الحسين أكثر مائة مرة مما يحبّه المتغنّون به.

والبيت الثاني يشير إلى ما قلناه سابقا، من أنه لا بد أن يوجد في حضرته شأن كل نبي، وأن تظهر بواسطته صفة من صفات كل نبي.

والبيت الثالث يشير إلى أن ظروف الزمن الأخير ووسائله التي هيأت لحضرته أن ينجز إنجازات عظيمة في وقت قصير، وإلا فالأنبياء السابقون لم يسمع بهم إلا من حولهم، أما في عصر حضرته فقد انتشرت المطابع وووسائل الاتصالات والمواصلات.

وأما البيت الرابع فهو تأكيد على يقينية الوحي الذي تلقّاه حضرته ، فهو مثل يقين الأنبياء السابقين بلا فرق، وهذا هو الموضوع الذي سبق هذه القصيدة، ولكن يمكن أن يُفهم عموما أيضا، وهو أنّ الله تعالى أعطاه ما أعطى الأنبـياء السـابقين، من وحي يقيني ونصر وسـكينة وصحابة يحبهم ويحبونه وغير ذلك.

وفيما يلي السياق الذي سبق هذه القصيدة في كتاب نزول المسيح، حيث يقول المسيح الموعود : “إن وسوسة بِير مهر علي القائلة: لماذا لا يُعتبَر وحيُك من قبيل أضغاث أحلام أو حديث النفس؟ فجوابها: كما أن وحي الأنبياء عليهم السلام بدءًا من آدم إلى النبي ليس أضغاث أحلام أو حديث نفسٍ كذلك فإن وحيي أيضا منـزَّه وبريء من هذا النوع من الشبهات. وإذا قلتَ إن وحي الأنبياء السابقين كان مصحوبا بالنبوءات والمعجزات، فالجواب هو أن النبوءات والمعجزات فيما أتلقى من وحي أكثر بكثير من وحي معظم الأنبياء السابقين، بل الحق أنه لا مجال للمقارنة بين نبوءاتي ومعجزاتي وبين تلك المعجزات والنبوءات. وبالإضافة إلى ذلك إن نبوءاتهم ومعجزاتهم أصبحت الآن قصصا وحكايات، أما معجزاتي ونبوءاتي فهي أحداث واقعة يشهدها ألوف الناس بأم أعينهم، وتحتل درجة أسمى منها بما لا يُتصوَّر، إذ يشهد عليها ألوف من الناس في الدنيا. أما الأنبياء السابقون فلا يمكن العثور على أي شاهد حيٍّ على أنبائهم ومعجزاتهم، ويُستثنى من ذلك نبينا الأكرم إذ أنا بنفسي شاهد حي على معجزاته ونبوءاته، والقرآن الكريم شاهد حي عليها كذلك. وأنا الذي يشهد على بعض معجزاته ونبوءاته الملايين والملايين من الناس”. (نزول المسيح)

ثم يقول حضرته:

“فما دامت نبوءاتي ومعجزاتي قد فاقت مئات الأنبياء السابقين، فإن اعتبار هذا الوحي الإلهي أضغاث أحلام أو حديث نفس إنما هو إنكار نبوة جميع الأنبياء في الحقيقة. وإن ارتبتم في الأمر فاعقدوا جلسة خاشين الله واسمعوا عن معجزاتي ونبوءاتي وسجِّلوا من شهودنا شهادة عيان مقرونة باليمين ثم قارِنوا  إن أمكن  معجزات أي نبي أو وليٍّ في العالم كله بمعجزاتي إلا نبينا ، وقدِّموا عليها شهود عيان ولا تقدموا القصص والحكايات فقط، لأنه فيما يتعـلق بالقصص فإنها ليسـت بقليلـة حتى عند الهندوس”

ثم يلحّ حضرته في التأكيد على صدق الوحي الذي يتلقاه فيضيف:

“ثم إذا لم يكن وحيي  الذي ظهرت في تأييده هذه الآياتُ كلامَ الله، فحريٌّ بكم أن تصيروا ملحدين وتنكروا أنبياء الله جميعا، لأن الله تعالى يرمِّم بواسطة هذه المعجزات والنبوءات الجديدة كلَّ ما خرب وبَلِيَ من بناء النبوة. فالآن يُري قصصا قديمة في حُلى الأحداث الواقعة، ويُلبس المنقولات لباس المشهودات لكي يخلع من جديد، على الذين وقعوا في هوة الشكوك والريبة، خلعة اليقين. فالذي يؤمن بي فإنه يؤمن بجميع الأنبياء ومعجزاتهم مجددا. والذي لا يؤمن بي لن يسلم إيمانه السابق أيضا إذ لا يملك إلا قصصا دون المشاهدات. إني أنا المرآة التي تُري وجه الله تعالى، فالذي يأتيني ويؤمن بي سيرى من جديد ذلك الإله الذي ليس عنه في أيدي الآخرين إلا القصص والحكايات”.

ثم يتحدث حضرته عن اليقين وآثاره في السلوك، ثم يقول:

“فيا أيها الباحثون عن الطهارة، إذا أردتم أن تمشوا على الأرض طاهري القلوب وتصافحكم الملائكة فابحثوا عن سبل اليقين. وإذا كنتم لا تستطيعون الوصول إلى تلك الغاية، فامسكوا بذيل الذي رأى إلـهه تعالى بعين اليقين”.

ثم يتساءل حضرته عن  كيفية رؤية الله بعين اليقين، ويجيب قائلا: “إن وسيلتها الوحيدة هي كلامُ الله الحيُّ الذي توجد فيه ومعه الآيات الحية، وحين ينـزل من السماء يبعث الأموات من القبور”.

ثم في هذا السياق جاءت القصيدة الفارسية التي تطول إلى مئات الأبيات.

سابعا: يقول المسيح الموعود : “لقد حَيِي كل نبي بمقدمي وكل رسول مكنون في جُبَّتي”. (نزول المسيح)

الردّ: هذا البيت جاء في القصيدة السابقة نفسها، وقد وضّح المسيح الموعود الأمر حين قال: “ثم إذا لم يكن وحيي  الذي ظهرت في تأييده هذه الآياتُ  كلامَ الله، فحريٌّ بكم أن تصيروا ملحدين وتنكروا أنبياء الله جميعا، لأن الله تعالى يرمِّم بواسطة هذه المعجزات والنبوءات الجديدة كلَّ ما خرب وبَلِيَ من بناء النبوة…. فالذي يؤمن بي فإنه يؤمن بجميع الأنبياء ومعجزاتهم مجددا”. (نزول المسيح)

أما عبارة “كل رسول مكنون في جُبَّتي”، فتعني أنه يوجد في حضرته شأن كل نبي، وتظهر بواسطته صفة من صفات كل نبي، أو أنّ حالاته هي هي حالات أي نبيّ.

وفيما يلي سرد لبعض أقوال المسيح الموعود تنقض هذه الشبهة من جذورها. فقد ذكر المسيح الموعود مرارا وتكرارا أنه خادم أمين لسيده وسيد الخلق أجمعين؛ محمد المصطفى . حيث قال في شعر له:

لاَ شَكَّ أَنَّ مُحَمَّدًا خَيْرُ الْوَرَى

رَيْقُ الْكِرَامِ وَنُخْبَةُ الأَعْيَانِ

يَا سَيِّدِي قَدْ جِئْتُ بَابَكَ لاَهِفًا

وَالْقـَوْمُ بِالإِكْفَارِ قَدْ آذَانِي

انْظُرْ إِلـيَّ بِرَحْمَـةٍ وَتَـحَنُّنٍ

يَا سَيِّدِي أَنا أَحْقَرُ الْغِلْمَانِ

وقال:

وَاللهِ إِنِّي قَدْ تَبِعْـتُ مُحَمَّدًا

وَفي كُلِّ آنٍ مِنْ سَنَاهُ أُنَوَّرُ

وقال كذلك في مؤلفاته:

إن كل ذرّة من وجودي فِدَى سبيله، إذ أنني قد شاهدت أخفى محاسن محمد .

 فلا بد أن يوجد في نفسي شأن كل نبي، وأن تظهر بواسطتي صفة من صفات كل نبي. ولكن الله تعالى أراد أن يُظهر فيَّ صفات ابن مريم أولا؛ فعانيتُ على يد قومي من كل ما عانى منه ابن مريم على يد اليهود بل على يد الأقوام كلها.»  (المسيح الموعود )

إنني لا أعرف أحدًا من الأساتذة، إذ أنني تعلمت في مدرسة محمد .

لقد أَعطيتُ الناس نبع المعارف الجاري، وليس هذا إلاّ قطرة من بحر محمد .

إن الله شرّفني بمكالمته ومخاطبته، وحصل لي هذا الشرف باتّباع النبي وحده، ولو لم أكن من أمته ولم أتّبعه، وكانت لي من الأعمال ما يُقابل جبال الأرض، لما كان من الممكن لي قط أن أتشرّف بالمكالمة والمخاطبة الإلهية، لأن النبوّات كلها قد انقطعت إلاّ النبوة المحمدية. فلا يمكن أن يأتي نبي مُشرّع، أمّا بعث نبي بغير شريعة فمن الممكن بشرط أن يكون ذلك أولا من أمة محمد . (تجليات إلهية، ص28)

Share via
تابعونا على الفايس بوك