عز لا تمحقه الليالي والأيام ولا تهمسه الدهور والأعوام

عز لا تمحقه الليالي والأيام ولا تهمسه الدهور والأعوام

التحرير

  • العلم نوعان العلم الديني والدينوي  ولا بد لنا من تعلم العلوم الدنيوية لأن لها منافع عظيمة.
  • تأثر بعض المسلمين بسمّ الجهل والأوهام التي دُسّت في العلم.
  • يحرّم بعض المسلمين الصورة وقد تناسوا  أن  الصورة أداة ضرورية في عصرنا الحالي للعلم والتعلم.
  • تزامن النهضة العلمية مع قدوم المهدي عليه السلام وأهمية طلب العلم في هذا الزمان.

__

لقد حثّ ديننا الحنيف على اكتساب العلم والمعرفة وشجع معتنقيه على بلوغ هذا الهدف النبيل واعدا من يسعى إلى ذلك بالدرجات العلى. وفي نفس الوقت حث المؤمنين على الرقي والتقدم في عالم الروحانية. وفي الحقيقة إن هذه الموازنة هي التي تقود إلى ترسيخ وتعميق الإيمان وذلك لقوله تعالى:

يَرْفَعِ الله الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ .

فالعلم علمان علم الأديان وعلم الأبدان. فمن خلال علم الأبدان  يتسنى لنا فهم كنه المخلوقات وإيجاد الأدوية للأسقام والأوبئة إلى جانب تحسين مستوى الحياة. كما يقود التفكر والتمعن في هذا المجال إلى تقوية مستوى إيمان الفرد وتوثيق صلته بالله .

لا شك أن جميع المعارف ضرورية باعتبارها وازعًا مشتركًا تتقاسمه البشرية على حد سواء، حيث يعود نفعها على الجميع بالرقي والسعادة بغض النظر عن الدين أو اللون أو الانتماء العرقي.. وإنَّ ما قام به المفكرون المسلمون الأوائل من دراسة معارف عصرهم والتحقق منها ثم ترجمتها للغة الضاد لهو إنجاز عظيم. ولم يتوقفوا عند هذا الحد بل أضافوا إلى هذه المادة العلمية ما توصلوا إليه من بحوث علمية منقطعة النظير. فصار عملهم الإبداعي هذا مادة نافعة لبني نوع الإنسان نظر إليه المنصفون من أعلام الغرب والشرق بإعجاب واستحسان. وهكذا أضحت النظرة التقليدية الشائعة التي تحصر العلم في العلوم الدينية فقط نظرة قاصرة لا تراعي الإسلام حق رعايته. ولعل هذه النـزعة كانت وليدة تأثير كتابات العصور الوسطى. حيث لم تكن أفكارها عن الكون مبنية على فهم دقيق للقرآن الكريم، وأنَّى لهم ذلك آنذاك أن يبلغوا  كنه العديد من الحقائق العلمية، حيث إن معارف عصرهم كانت بدائية يغلب عليها التفسير الخرافي… ولكن الغريب في الأمر هو أن يتمسك بهذه الآراء والتحليلات بعض أبناء عصرنا بالرغم من كل ما توصل إليه العلم الحديث وكشفه من حقائق علمية!!

إن مثل هذه العقليات في زماننا لا يُرجى منها نفع للإسلام والبشرية. ويتحسر المرء على وجود بعض المسلمين اليوم من يعانون من هذا التعارض الوهمي في كثير من المسائل. فعلى سبيل المثال لا الحصر هناك من يعتقد أن الصورة محرمة ويشدد ويعمم هذا الأمر.

ولا شك أن الأدوات والوسائل التي نستعملها يوميا لها جانبها الإيجابي والسلبي ولا تخرج الصورة عن هذا المقياس. وإننا نؤكد أننا نستنكر استعمالها في الفحشاء والمنكر خصوصا عبر الوسائل الحديثة، ولكن في نفس الوقت لا ننكر أهميتها في مجال الطب والفلك والميادين العلمية الأخرى. فأضحت الصورة أداة يستحيل الاستغناء عنها، حيث أصبحت أداة التربية والتعليم والإبداع والتواصل العلمي والإعلامي.

وربما غاب عن أذهان هؤلاء أن الصورة في عصرنا لم يعد لها ذلك الشكل البدائي المرتبط باعتقادات وتصورات الماضي. وفي هذا مثال صارخ لفهم خاطئ للدين الحنيف يبرز تعارضا بين الدين والعلم ويحرم الأجيال من الجوانب الإيجابية ويعزله عن التفاعل الإنساني والحضاري الإيجابي.

هلا شمرنا عن سواعد الجد وهجرنا السِنَة والرقاد وجفونا غرف الدردشة والتسكع في الشوارع والأسواق والخوض مع الخائضين في سبيل تحصيل العلم الذي به ستتقدمون. فالعلم عزٌّ لا تمحقه الليالي والأيام ولا تهمشه الدهور والأعوام.

إن الإيمان والعلم من أهم ركائز بناء الأمة بشكل متكامل يلبي حاجياتها الروحية والمادية، وبالتالي وجب علينا ترسيخ مبدأ المعرفة واكتسابها والحث عليها وهذا من صميم الإسلام الذي حض على العِلم ودفع المؤمنين إلى الترقي في مجالاته. وهذا ما تؤكده الآية القرآنية القائلـة:

إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ

فالاكتشافات والاختراعات العلمية لم تظهر عبر تاريخ الإنسانية صدفة بل كانت تلي ظهور مبعوث سماوي. وهكذا تزامنت مع البعثة السماوية كي تتكامل أفضال الله على الإنسانية.. أفضال روحانية وأفضال علمية.  ولا يخرج عن هذه القاعدة التقدم العلمي المنقطع النظير خلال القرن المنصرم. بل إذا تأمل المرء بكل أمانة ومصداقية أنه لقرون طويلة كانت الإنسانية في حال سُبات علمي وها هي تقفز قفزة عملاقة. ولقد تزامن كل هذا التقدم مع البعثة الثانية للمصطفى في شخص حضرة المسيح الموعود الذي علمنا الدعاء الذى علمه الله في الوحي “ربِّ كل شيء خادمك، ربِّ فاحفظني وانصرني وارحمني”.. أي كل اختراع أو اكتشاف وكل ما هو موجود على البسيطة الهدف الأساسي منه هو خدمة ونشر دعوة الحق. وأكد حضرته على هذا الأمر قائلا:

“هناك حاجة ماسة اليوم أن تتعلّموا العلوم الجديدة لخدمة الدين وإعلاء كلمة الإسلام، وأن تتعلموها بالجهد واسعوا فيها.”

عزيزي القارئ تجد داخل هذا العدد دراسة مستفيضة حول هذا الموضوع من خلال خطبة الجمعة لحضرة أمير المؤمنين أيده الله. ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نُذكِّر أبناء الأمة:

هلا شمرنا عن سواعد الجد وهجرنا السِنَة والرقاد وجفونا غرف الدردشة والتسكع في الشوارع والأسواق والخوض مع الخائضين في سبيل تحصيل العلم الذي به ستتقدمون. فالعلم عزٌّ لا تمحقه الليالي والأيام ولا تهمشه الدهور والأعوام.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك