أهل القرآن وأهل الحديث ونحن

أهل القرآن وأهل الحديث ونحن

هاني طاهر

  • إن أهل القرآن لايتبعون القرآن ولا الحديث.
  • إن أهل الحديث لايتبعون الحديث ولا القرآن.
  • الاحمديون يتبعون القرآن والحديث.

__

نحن أتباع المسيح المحمـدي – أهل القرآن وأهلُ الحديث، لأننا مَن يقدرها حقّ قدرهما، ومع ذلك لا مشاحة في الاصطلاح ولا بأس أن نسمي الناس حسب ما يرغبون.

فأهل القرآن عُرفًا هم الذين ينكرون السنة كليا، ويرَون أن القرآن هو منهجهم الوحيد، وأن الرسول لم يقل شيئا غير القرآن، ولم يأمر بأمر إلا ما جاء في القرآن. وإن كانوا يختلفون في التفاصيل.. حتى أن منهم مَن لا يصلي الصلوات الخمس.

وأهل الحديث عُرفًا هم مَن يقدِّم الحديث على القرآن عمليًّا، وإن أنكروا ذلك نظريًّا بإعلانهم المساواة بينهما. ويختلفون في التفاصيل أيضا، فالمتطرفون منهم يرون أن الحديث ينسخ القرآن أحيانا، والمعتدلون منهم يرفضون نسخ الحديث للقرآن، ولكنهم يوافقون على كل شيء بعده، مثل أن الحديث يخصص القرآن ويأتي بأمور لا أصل لها في القرآن قط.

فأهل القرآن يرفضون عمليا القرآن، لأنهم يرفضون أوامر قرآنية، مثل قوله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (النساء 60).. وإلا فكيف نطيع الرسول ولا نأبه بأعماله وأقواله؟

فأهل القرآن يرفضون عمليا القرآن، لأنهم يرفضون أوامر قرآنية، مثل قوله تعالى

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (النساء 60)..

 وإلا فكيف نطيع الرسول ولا نأبه بأعماله وأقواله؟

وأهل الحديث لا يأبهون بقوله تعالى:

  اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الأَنعام 107)..

وإلا ما خطر ببالهم أن يأتي الحديث بما لا أصل له في القرآن الذي يأمر الرسولَ أن يتّبع ما يوحى إليه لا أن ينسخ أو يخصِّص أو يضيف. كما أنهم يتّفقون عمليا على رفض معنى حديث: “أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ لَيْسَ بِي تَحْرِيمُ مَا أَحَلَّ الله” (صحيح مسلم)، ويرون أنه يحلِّل ويحرم ويأتي بأحكام لا أصل لها في القرآن الكريم قط.

فالخلاصة أن أهل القرآن لا يتبعون القرآن ولا الحديث، وأهل الحديث لا يتبعون الحديث ولا القرآن.

أما نحن فشعارنا قوله تعالى

  فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ الله وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ (الجاثية 7)..

أي أن أي حديث يخالف كلام الله القرآن فلا نقيم له وزنا، ونجزم أن الرسول لم يقُلْه، مهما قال الناس في صحته. ولكننا في الوقت نفسه نقدّر السنة والحديث ونعضّ عليهما بالنواجذ. كيف لا، والله تعالى يأمر بطاعة الرسول ؟ وكيف لا، والله تعالى وصفه بأنه ما ينطق عن الهوى؟ ثم وصَلَنا بالتواتر أنه   صلّى وحجّ كما نصلي اليوم وكما نحجّ بتفصيل لا نجده في القرآن، بل نجد فيه أوامر إجمالية تحتاج تفصيلا، فهل يخطر ببال مسلم أن يقول إن الرسول قد افترى صلاة من عنده مخالفًا أمر الله؟

وأهل الحديث لا يأبهون بقوله تعالى: اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (الأَنعام 107).. وإلا ما خطر ببالهم أن يأتي الحديث بما لا أصل له في القرآن الذي يأمر الرسولَ أن يتّبع ما يوحى إليه لا أن ينسخ أو يخصِّص أو يضيف.

إننا نرى أن النسبة الكبرى من الأحاديث صحيحة، وليس كما يرى أهل القرآن الذين يشطبونها كلها، ولا كما يرى أهل الحديث الذين يشطبون الحديث بمجرد أنه قيل عن راوٍ أنه ينسى أو يخلط أو أن فلانا ضعّفه، بل إننا نرى صحة أي حديث يتفق مع القرآن مهما قيل في سنده، لأنه يُستبعد أن ينسب كاذبٌ الخيرَ إلى النبي، كما أن الناسي لا ينسى دوما، والذي يخلط لا يخلط دوما. ثم لو أخطأنا في هذا فلا ضير، ما دام الأصل في القرآن، وما دام الحديث متفقًا معه.

وكذلك إذا نُسبت نبوءة إلى النبي ثم تحققت فإننا نجزم بأنها حديث له ، مهما قال عنه الآخرون مِن تضعيف. فمدرسة السند ليست دقيقة. ونرى أن أهل الحديث الأوائل سعوا لجمع الأحاديث التي ظنوا أنها صحيحة، وقد وضعوا شروطا متفاوتة فيما بينهم للحكم على الحديث بالصحة من الضعف، وكلها اجتهادية ظنية.

مع إيماننا أن الحديث في جلّه ظنّي الثبوت، لكننا نؤمن أن السنة، والتي هي أفعاله ،  قد نُقلت بالتواتر العملي.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن أهل الحديث يسيئون إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة حين يصفونه بالجاهل بالحديث، ويقول بعضهم إنه لم يكن يعرف إلا سبعة عشر حديثا، وهذا يتضمن أن ولدا في الصف الثاني أكثر منه علما!! وهذا تزوير وجهل، فأبو حنيفة كما وصفه المسيح الموعود “أفضل وأعلى من الأئمة الثلاث الآخرين من حيث قوة اجتهاده وعلمه ودرايته وفهمه وفراسته. وإن القوة التي وهبها الله تعالى له للوصول إلى القرار الصائب كانت متقدمة بحيث إنه كان يستطيع أن يفرّق بين الثبوت وعدمه بكل سهولة. كانت قوته المدركة موهوبة بوجه خاص في فهم القرآن الكريم. وكان لطبعه انسجام خاص مع كلام الله تعالى، وكان قد بلغ من المعرفة مبلغا أعلى. لذلك اعتُرِفَ بمرتبته العليا في الاجتهاد والاستنباط التي تقاصر عنها الآخرون” (إزالة أوهام).. فالقضية ليست جهلا بالحديث، بل علم ودراية وفقه وفراسة.

وفي الأخير أضرب أمثلة على تعامل الفرق الثلاث المذكورة مع الأحاديث،

المثال الأول: الحديث

 “أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ الله وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الْإِسْلَامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله”. (البخاري)

قال أهل القرآن: هذا عدوان محض، والحديث باطل.

ومع أنهم سعوا لتنـزيه نبينا عن العدوان، لكنهم نسبوا إلى رواة الحديث جميعا من أول السند إلى منتهاه وإلى البخاري ومسلم وغيرهما ممن أخرجه أنهم يؤمنون بالعدوان ويرفضون القرآن. وهذه إساءة ظنّ بتلك الأجيال العظيمة؛ وإساءةُ الظن تقسّي القلب، خصوصا إن تعلّقت بالصالحين.

وقال أهل الحديث: الحديث صحيح.. ويعني أنّ علينا أن نقاتل الناس جميعا معتدين وغير معتدين. وأن كل آية قرآنية تنادي بالسِّلم أو بتحريم قتال المسالمين فهي منسوخة.. أي أن حكمها ملغًى.

أما نحن فقلنا: هذا الحديث عظيم، وينسجم تماما مع القرآن، فهو يحرم العدوان على المعتدين إذا أسلموا، ويمنع من الانتقام منهم بسبب عدوانهم، بل يسامحهم بمجرد إعلانهـم الإسـلام، وكأنهـم لم يعـتدوا ولم يقتـلوا ولم يدمـروا.

المثال الثاني: الحديث

 “مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا وَالشَّيْطَانُ يَمَسُّهُ حِينَ يُولَدُ فَيَسْتَهِلُّ صَارِخًا مِنْ مَسِّ الشَّيْطَانِ إِيَّاهُ إِلَّا مَرْيَمَ وَابْنَهَا”. (البخاري)

قال أهل القرآن: هذا حديث باطل بداهةً، لأنه يميّز المسيح وأمه عن بقية الأنبياء.

وقال أهل الحديث: هذا حق مبين، وهو على ظاهره، وأنه كلما وُلد مولود صرخ نتيجة مسّه الشيطان، أما المسيح وأمه فحين وُلدا لم يبكيا، ولعلهما كانا يضحكان!

أما نحن فنرى أن تفسير أهل الحديث يسيء إلى أنبياء الله جميعا، وأنه لا منطق فيه البتة، ونرى في تفسير أهل القرآن اتهامًا للبخاري بأنه يجهل قوله تعالى

  إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ،

 وبقوله تعالى عن يحيى

وسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ ،

مع أن البخاري معروف بفقهه الواسع، بل هو اتهام لكل رواة الحديث بجهل هذه الآيات الواضحة؛ فالآية الأولى تؤكد أنه لا سلطان للشيطان على عباد الله المخلَصين، والأنبياء منهم بلا شك، والآية الثانية تؤكد أن يحيى وُلد وسلامٌ عليه لا مَسًّا.

أما نحن فنرى أن تفسير أهل الحديث يسيء إلى أنبياء الله جميعا، وأنه لا منطق فيه البتة، ونرى في تفسير أهل القرآن اتهامًا للبخاري بأنه يجهل قوله تعالى إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ

من هنا فإننا نرى الحديث صحيحا، ونرى أنه لا يقصر الحماية من مسِّ الشيطان على ابن مريم، “لأن التمعّن في الموضوع يبيّن أن الإمام البخاري قد أشار بنفسه أن المراد من ابن مريم وأمه هو كل مَن يجمع في نفسه صفاتهما” (إزالة أوهام). وبهذا نستدلّ من خلال هذا الحديث أنه يمكن أن يُطلق اسم شخص على شخص آخر يشبهه في صفاته وظروفه، كَأَنْ نسمي الكريمَ حاتم الطائي، ونسمي المحترف في كرة القدم زيدان، ونسمي المبعوث في الزمن الأخير مسيحا؛ فبهذا نزّهنا نبينا عن مناقضة القرآن، ونزّهنا فقهاءنا السابقين عن مناقضة الآيات القرآنية التي لا يجهلها الأطفال وخرجنا بمعنى هام.

 المثال الثالث: حديث

“لا يَنْبَغِي لِعَبْدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى”. (البخاري)

لا يهمّ كثيرًا هنا أن نعرف موقف أهل القرآن وأهل الحديث أما موقفنا فهو قبول الحديث مع إيماننا بأن نبينا خاتم النبيين.. أي أكملهم وأعظمهم.  ولكن “النبي لم يقل في حديثه هذا بتفضيل يونس عليه، ولا بتفضيل نفسه على يونس، بل قال: لا تعلنوا أفضليتي على يونس بما يجرح مشاعر الآخرين. والمفهوم الوحيد الذي يمكن استخلاصه من هذا الحديث هو أن النبي كان يعلِّم المسلمين درسا في اللباقة والتهذيب” (الإسلام والتحديات المعاصرة). ومثله حديث: “لا تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى”. (البخاري)

Share via
تابعونا على الفايس بوك