الإسلام منارة السلام
  • بشكل عام لبعض البلدان الاوربية تحفظات كبيرة حول تعاليم الاسلام ولكن في المملكة المتحدة الامر مختلف
  • فهي لاتتدخل في الحرية الدينية،
  • وبذلك منح كل مواطن حقوقا” متساوية في ظلها ومن خلال هذه النزاهة فقط يمكن إحلال السلام في المجتمع .
  • سيدرك العالم أن الاسلام نفسه هو منارة للسلام وأن التعاليم الاسلامية تأمرنا بمساعدة الظالم والمظلوم يمكن مساعدة الظالم بكف يده عن المظلوم.
  • إن الامم المتحدة فشلت في أداء دورها في إحلال السلام لأنها لم تظهر الحياد الحقيقي والتعامل العادل.
  • ماهو الحل للوضع الراهن في العالم بعد الغياب الكامل للعدالة والصدق والامانة ،يجب بذل الجهود العملية لتأسيس السلام والتسامح والصبر وبهذا نتبع تعاليم الإسلام بشكل صحيح وبلوغ مرضاة الله يشكل الاولوية لنا نحن الاحمديون

__

لا سلام بدون عدالة. و لا عدالة بدون إنشاء علاقة مع الله تعالى.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم.

بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم* الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين ، آمين.

“الضيوف الكرام،

السلام عليكم ورحمة الله،

نجتمع اليوم هنا مرة أخرى بعد مضي عام طبقًا لتقليدنا المتَّبع بوجه عام، وقد أصبح هذا الاجتماع الآن علامة أساسية دائمة في تقويم الجماعة الإسلامية الأحمدية، وغالبية الحاضرين هم أصدقاء أعزاء من خارج الجماعة.

وهذا الحدث يهدف لغرض واحد فقط، وهو الحضور والجلوس معًا في جلسة ودية، والحديث عن الغاية الواحدة وعن الهدف المشترك الذي يجمعنا والذي هو تعزيز المحبة والمودة والأخوة والسلام.

وعلى الرغم من أننا نحن المسلمين الأحمديين من ينظم مؤتمر السلام هذا، وعلى الرغم من أننا غير محبوبين من قبل بعض الجماعات الإسلامية أو بعض الطوائف الإسلامية الأخرى، إلا أن لدينا بين الحاضرين عددًا كبيرًا من الأصدقاء المسلمين الذين يحضرون هذا المؤتمر بسرور.

وبالمثل يحضر أصدقاؤنا المسيحيون واليهود والأصدقاء الهندوس والسيخ، ومن بين الحضور يوجد حتى بعض الملحدين.

وبالإضافة إلى ذلك فالناس من مختلف البلدان والأمم يحضرون هذه المناسبة، فقد أُخبرتُ أنه حضر اليوم ممثلون من عشر دول تقريبًا.

وهكذا فإن هذا المؤتمر هو إظهار لتجمع الناس ذوي الطبائع الجيدة معًا من أجل دعم القيم الإنسانية وتنميتها، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والثقافية والسياسية والوطنية ووجهات النظر، فيثبتون بذلك إنسانيتهم.

يأتي الناس إلى هنا في محاولة لإرساء هذه القيمة المشتركة التي يمكن من خلالها إحلال السلام والوئام في العالم، وبعبارة أخرى، هذا مثال صغير من لقاء الثقافات والجنسيات المتعددة من أجل القضية نفسها.

وعلى الرغم من أن هذا الاجتماع لن يطوِّر السلام في العالم فورًا، إلا أنه يمكننا من خلال اجتماع بعضنا ببعض أن نعزّز القيم الإنسانية المودَعة فينا.

تحتوي العديد من بلدان العالم في هذه الأيام على مجتمعات متعددة الثقافات وتُعَدّ موطنًا لمختلف الأديان. ومن خلال الاستماع إلى آراء ووجهات نظر بعضهم البعض، ومن خلال اجتماعهم بانتظام، يتمّ التخلص من الشكوك والشبهات، الأمر الذي يزيد في التسامح.

وهكذا فإن هذا المؤتمر هو إظهار لتجمع الناس ذوي الطبائع الجيدة معًا من أجل دعم القيم الإنسانية وتنميتها، بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية والثقـافـية والسـياسـية والوطنية ووجهات النظر، فيثبتون بذلك إنسانيتهم.

فعندما تتعرف على الآخرين ولو لدرجة محدودة، لن تثار المسائل البسيطة، بل يتم تجاهلها في الواقع.

بالإضافة إلى ذلك، عندما نتفاعل مع بعضنا البعض فهذا يقودنا بشكلٍ طبيعي إلى أن نكون أكثر انفتاحًا وعطاءً.

المملكة المتحدة هي إحدى تلك البلدان التي أصبحت موطنًا لكثير من الناس من مختلف الثقافات والأمم والأديان في العالم، ومع أن المملكة المتحدة صغيرة الحجم نسبيًا مقارنة مع الدول الكبرى، إلا أن سعة أفق تفكير شعبها جعلت منها عالَمًا في حد ذاته.

وبشكلٍ عام، فإن لبعض البلدان الأوروبية تحفظات كبيرة حول تعاليم الإسلام وتقاليده، وفي الواقع فإن بعض البلدان قد وضعت قيودًا على هذه التعاليم والتقاليد، وبعضها الآخر ينظر في إمكانية القيام بذلك، ومع ذلك فإن الأمر في المملكة المتحدة ليس هكذا.

فبسبب الطبيعة المنفتحة والمتقدمة لأهل المملكة المتحدة، يسود هذا البلدَ تأثير إيجابي، مما يعني أن أيّ حزب سياسي يأتي إلى السلطة لا يعبث بمشاعر أتباع الديانات عند مناقشة القضايا الدينية.

وإني أدعو الله أن تبقى هذه الرغبة في تحقيق العدالة مبدأهم الذي يسترشدون به.

في الوقت الذي حكم فيه البريطانيون الهند، قدّر مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية رغبة الدولة البريطانية في نشر العدالة وأشاد بها مرارًا. ولقد أثنى على وجه الخصوص على الحكومة لعدم تدخُّلها في الحرية الدينية. فإذا كان للمبشرين المسيحيين الحرية الكاملة للتبشير بدينهم، كانت للمسلمين أيضا الحرية الكاملة مثلهم في ممارسة شعائر دينهم ونشره.

خلال تلك الفترة رُفعت عدة دعاوى قضائية ضد مؤسس الجماعة الأحمدية ،  وكان السبب الرئيس وراء هذه الادعاءات هو النشاط الديني المعارض للطوائف المسلمة الأخرى والمسيحيين والهندوس ضد مؤسس جماعتنا . وقد ترأس هذه المحاكم قضاة مسيحيون بريطانيون، وقد رفعت بعض هذه القضايا من قبل المسيحيين أنفسهم، ولكن القضاء البريطاني كان عادلاً فأصدر أحكامًا ضد هؤلاء الناس الذين كانوا ينتمون إلى دينهم، وهكذا مُنحَ كل مواطن، في ظل الحكومة البريطانية، حقوقًا متساوية. ومن خلال هذه النـزاهة فقط يمكن إحلال السلام في المجتمع. آمل أن تواصل الأمة البريطانية التمسك بهذه الصفة الكريمة، وأتوقع أنها ستلعب دورها على المنوال نفسه في الوضع العالمي الراهن.

ذكرت آنفًا أن هذا الاجتماع هو لقاء شخصيات من دول مختلفة، والغرض منه هو السعي لإحلال السلام، وتعزيز المحبة والإخاء، ولكن ليس بوسعنا أن نسعى لذلك إلا في مجتمعاتنا ومحيطنا فقط.

الضيوف هنا الليلة من مختلف شرائح المجتمع، فهناك بعض السياسين، وبعض رجال الحكومة، وأتى البعض الآخر من السلك الدبلوماسي، وبعضهم الآخر من المنظمات والجماعات التي تحاول تحقيق السلام في العالم، مثل صديقنا المحترم، اللورد إيرك إيفبري، الذي هو في الطليعة دائمًا للحفاظ على حقوق الإنسان. وكذلك معنا سيبوهين ماكدونا عضوة البرلمان عن هذه المنطقة، الذي يؤدي حق الصداقة والعدالة على حدٍ سواء. وأود أن أذكر أيضًا عضوَي البرلمان البريطاني دونيك جريف، وَ إِد ديفي، وكلّهم يساعدوننا في تعزيز السلام قدر ما نستطيع. في بعض الأحيان، يصبح من الصعب جدًا الوفاء بحقوق الصداقة والعدالة معًا، ولذا فإني أقدر كل الأصدقاء والقادة السياسيين الذين أدوا هذه الواجبات على حد سواء.

وبشكلٍ عام، فإن لبعض البلدان الأوروبية تحفظات كبيرة حول تعاليم الإسلام وتقاليده، وفي الواقع فإن بعض البلدان قد وضعت قيودًا على هذه التعاليم والتقاليد، وبعضها الآخر ينظر في إمكانية القيام بذلك، ومع ذلك فإن الأمر في المملكة المتحدة ليس هكذا.

أعتقد بحق أنه إذا سعى جميع الضيوف الكرام جاهدين في مجالاتهم الخاصة لهذا الهدف المشترك المتمثل في السلام، فيمكنهم -مع مرور الوقت- التوسع والانتقال بالفعل للعب دور في إرساء السلام في العالم بأسره.

من ناحية دور جماعتنا الجماعة الإسلامية الأحمدية، فلدينا رغبة شديدة جدًا في إحلال السلام في ضوء التعاليم الإسلامية الحقيقية ووضع حد للقسوة. ولكن للأسف، من الناحية العملية لا نستطيع تحقيق ذلك لأننا لا نملك أي قوة دنيوية.

نحن جماعة دينية صغيرة نسبيًا، لا تُعتبر في الوقت الحاضر ذات أهمية في العالم، ومع ذلك، فإن أهدافنا السامية ستؤدي في نهاية المطاف إلى أن نلعب دورًا حقيقيًا لإرساء السـلام الذي يقوم أسـاسًا على التعـاليم الإسلاميـة الحقيقيـة.

سيدرك العالم أن “الإسلام” نفسه هو منارة للسلام، وأن التعاليم الإسلامية تأمرنا بمساعدة كلٍ من الظالم والمظلوم؛ وعندما علم صحابة النبي محمد هذا قالوا له: وكيف ننصر الظالم المعتدي؟ أجاب ببساطة تنصرونه بكفّ يده عن الظلم.

يعتقد الظالم أنه يستطيع بقوته إخضاع خصمه، ولكن أصحاب الميول الدينية يؤمنون بأن الله سبحانه وتعالى هو المالك لجميع القوى وسيعاقب الظالم بالتأكيد.

وهكذا، فإن الطريقة لمساعدة الظالم هي كفه عن قسوته، وبالتالي إنقاذه من غضب الله.

سيدرك العالم أن «الإسلام» نفسه هو منارة للسلام، وأن التعاليم الإسلامية تأمرنا بمساعدة كلٍ من الظالم والمظلوم؛ وعندما علم صحابة النبي محمد هذا قالوا له: وكيف ننصر الظالم المعتدي؟ أجاب ببساطة تنصرونه بكفّ يده عن الظلم.

على الرغم من أنه ليس لدى جماعتنا حاليًا الوسائل الكافية لمنع الظالمين عن ظلمهم، والتي تجعل الظالم والمظلوم يعمل على أداء الحقوق الواجبة عليهم، ولكننا نبذل جهدنا لوقف جميع أشكال الظلم بالدعاء ومن خلال توجيه النصح إلى أصحاب السلطة والنفوذ.

إذا لم تقم الحكومات والمنظمات السياسية، وبالأحرى المنظمات الدولية، التي تملك زمام القوة بدورها في إحلال السلام في العالم، فستكون تلك القوى كلها عديمة الجدوى نهائيا.

وإذا قيَّمنا وفحصنا الآن الأمم المتحدة، فسنجدها عبر تاريخها – بصرف النظر عن مناسبات قليلة – لم تف بمتطلبات العدالة، وبالتالي فشلت في أداء دورها بشكل صحيح.

وذلك عائد إلى عوامل عديدة كالمادية وتشكيل الكتل والتحالفات والمصالح الخاصة، والعداوة الشخصية والأحقاد والضغائن، التي قد وقفت جميعها عقباتٍ في وجه العدالة الواجبة.

وهكذا فلم تقدر الأمم المتحدة على إحلال السلام، لأنها لم تظهر الحياد الحقيقي والتعامل العادل.

كما قلت، لا يمكن حتى للأغلبية من الجالسين هنا اليوم إحلال السلام في العالم لأننا لا نملك القوة ولا الموارد للقيام بذلك، وعلى الرغم من هذا فنحن لسنا يائسين من الوضع السائد في العالم اليوم. ونحن نحاول على كل المستويات بذل قصارى جهدنا وسوف نستمر دائمًا في القيام بذلك. وإذا كان يمكننا التأثير على الآخرين في مناطق صغيرة وترغيبهم في العمل من أجل العدالة، فإننا لن نفوّت مثل هذه الفرصة، ولهذا السبب نعقد ندوة السلام هذه كل عام. لذا نحاول نشر السلام في المجتمع كلما سنحت لنا الفرصة، لذا لا بد أن يأتي يوم يضطر فيه الناس في مناطق واسعة أيضا للتوجه إلى السلام. وذلك لأن الدرس الأساسي الذي علَّمنا إياه مؤسس الجماعة الأحمدية هو أن السلام لا يمكن أن يتحقق بدون العدالة. وأنه لا يمكن تأسيس العدالة بدون إنشاء العلاقة مع الله تعالى. فالعلاقة مع خالق هذا العالم هي شرط أساس لتحقيق العدالة. لقد منحنا الله سبحانه وتعالى عددًا لا يحصى من البركات وعلَّمنا أن الواجب الأهم على الإنسان هو إعطاء حقوق بني جنسه من الرجال والنساء إلى جانب إقامة علاقة معه سبحانه.

وفي الواقع فإن مؤسس الجماعة الأحمدية علّمنا أن حقوق العباد تصبح أكثر أهميةً مِن حقوق الله في ظروف معينة، ونجد أمثلة كثيرة على ذلك في حياة محمد الرسول الكريم r، حيث أدّى حقوق العباد قبل أداء حقوق الله. فعلى سبيل المثال كانت الفريضة تؤدى في وقت لاحق وتعطى الأفضلية لخدمة البشرية.

ونحن الأحمديين نعتقد أن في هذا العصر، قد أرسل الله مؤسسَ الجماعة الأحمدية ، الذي نؤمن بأنه المسيح الموعود والإمام المهدي، لإعادة إرساء التعاليم الحقيقية للإسلام. وقد كتب في أحد كتبه: “إن المهمة التي أقامني الله تعالى للقيام بها هي أن أزيل ذلك الخللَ الذي حصل بين الله وخَلْقه، وأرسيَ بينهما صلة المحبة والإخلاص ثانية؛ وألغيَ الحروب الدينية بتبيان الحق مُرسِيًا دعائم الصلح؛ وأكشف الحقائق الدينية التي قد اختفت عن أعين الناس.” (محاضرة لاهور، الخزائن الروحانية المجلد 20 ص 180)

وهكذا إذا أدرك الناس أن هناك حاجة إلى تطوير علاقة المحبة مع الله، وإذا فهمتم أن الله يحب خلقه، فمن الطبيعي أن يطور الإنسان حبَّه للآخرين من دون قلق على مصالحه الشخصية.

وقد بيّن حضرته حكمة عظيمة للغاية؛ وهي أنه بإرساء دعائم الصدق ستنتهي الحروب الدينية.

وفي الواقع، لن تنتهي الحروب الدينية فحسب، وإنما سيوضع الأساس للسلام والتصالح.

على الرغم من أننا نجد في العالم بعض الجهود المبذولة لتحقيق السلام والتصالح، إلا أن نار مظالم معينة تستمر في الاضطرام، ونتيجة لذلك لا يكون محاولة إزالة الأحقاد وإرساء السلام مبنيةً على العدل.

الأساس الحقيقي للسلام هو العدل الذي ينبع من القلب.

على الرغم من أننا لا نجد في عالم اليوم حروبًا دينية، إلا أن الانتقام وسوء النية هو الطريقة التي يعامل بها البعضُ البعضَ الآخر.

كما ذكرت سابقًا، تتّضح إحدى النتائج المؤسفة لهذه الحرب غير المسلّحة في بعض البلدان أن الحظر يُفرض على بعض الممارسات الدينية ويوضَع الحد على تقاليد المسلمين تمامًا، مع أنها لا تشكل أي أذى للآخرين، ومع ذلك يزعمون أن هذه الإجراءات لا علاقة لها بالدين بل هي قيود لازمة لمساعدة المسلمين على الاندماج في المجتمع المحلي.

على أي حال، هذا نقاش يطول ولا أود أن أخوض فيه الآن.

ولكن، كردِّ فعل على هذه الإجراءات، انغمس بعض المسلمين في أنشطة مخالفة تمامًا لتعاليم الإسلام؛ لذا فالطرفان لا يعدلان.

يتطور الحب المتبادل نتيجة التمسك بالصدق؛ الذي يقتضي عدم وجود فرق بين ما هو في قلبك والطريقة التي تتصرف بها في العالم الخارجي، حيث ينبغي أن لا يعطي الشخص صورة خاطئة عن نفسه. وهذه المعايير العالية من الصدق لا تلاحَظ عادة لا على المستوى المحلي ولا على المستوى الدولي.

على سبيل المثال، نلاحظ كيف يوجد في بعض بلدان العالم اليوم اضطرابات سياسية محلية، حيث وقف الشعب ضد حكامهم، ونجد أمثلة على ذلك في بعض الدول العربية والخليج وشمال أفريقيا وحتى دول غرب أفريقيا، حيث نرى الشقاق والنـزاع الداخلي.

هذا يمكن أن يشكل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين، ولذلك يشعر العالم بأكمله بقلق بالغ، وتضغط المنظمات الدولية على الحكومات لتحقيق حقوق الشعب ووقف قمع الحكام لشعوبها من أجل الحفاظ على القيم الإنسانية.

وإن كنت ترغب في مساعدة الشعب وإنقاذه من ظلم حكامهم، وفي إنقاذ العالم من اضطراب كبير، فإن التعبير الحقيقي للنـزاهة يتطلب منك أن تنصح الشعب أيضًا بأن لا يشارك في الاضطرابات العنيفة، وألا يمضي في الأعمال التي من شأنها الإضرار باقتصاد البلاد.

وفورَ استتباب السلام ينبغي الحفاظ عليه باتباع هذا المبدأ.

ومع ذلك فإن الصدق والأمانة غير ملحوظ، لذا قد يكون هناك بَلدانِ مختلفان يواجهان الظروف نفسها، ولكن المجتمع الدولي يدعم حكومة أحدهما، ويطلق الصواريخ على قوات حكومة البلد الآخر بحجة تحرير الشعب.

وقبل أيام قليلة، التقى مراسل هيئة الاذاعة البريطانية ممثلَ البيت الأبيض ودار الحديث حول الوضع الراهن في العالم. وطرح الصحافي سؤالًا مفاده أنه لا يستطيع أن يفهم لماذا اتخذت الولايات المتحدة نهجًا تجاه ليبيا مختلفًا بالمقارنة مع نهجها مع البحرين واليمن وبلدان أخرى. ولم يعط المتحدث إجابة واضحة أو مناسِبة على هذا السؤال.

الآن ندرك جيدًا أنا وأنتم أن المصالح الخاصة تُقدَّم مرارًا وتكرارًا على الصدق والعدالة، وترغب الدول القوية في العالم في الوصول إلى ثروة وموارد بلدان معينة بسهولة، وتحاول اجتناب التنافس مع دول أخرى ترغب في السيطرة الكاملة على الموارد نفسها. وهذا هو السبب في اتخاذ قرارات مختلفة بحجة مساعدة الشعب، أو بحجة إقامة السلام في العالم.

قد يبدو الأمر كأن الكتلتين الرئيستين اللتين كانتا موجودتين في العالم في الماضي قد كسرتا وزالتا، ولكن في الواقع هما لم تكسرا ولم تزولا بل دخلتا في سبات وتتحركان عند الحاجة.

وفي المشهد السياسي والاقتصادي الراهن في العالم نجد أن هذه الكتل تتشكل مرة أخرى وبشكل واضح جدًا.

وفي الواقع هناك عامل رئيس في تشكيل الظروف السياسية لهذه البلدان وهو الوضع الاقتصادي الدولي الحالي الذي يجرّنا نحو حرب عالمية أخرى.

ولو رُوعِيَ العدل فعلاً فإن هذه الدول تستطيع الاستفادة من بعضها البعض بطريقة عادلة بتوطيد علاقات صناعية واقتصادية قائمة على التعامل العادل. لا ينبغي السعي للاستفادة من موارد بعضها البعض بطريقة غير مشروعة، بل عليها أن تسعى للعمل معًا ولمساعدة بعضها بعضا.

لقد علّمنا القرآن الكريم عن ثروة البلدان أو الأشخاص الآخرين في الآية 132 من سورة طه، حيث يقول الله تعالى:

  وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى .

لقد قدِّمت هذه الوصية، لأن الاضطراب الداخلي في بلد ما، والغيرة والعداء بين الدول، ينشأان بسبب ثروات وموارد بعضها البعض، ونتيجة لهذا الجشع تندلع المشاجرات التي قد تؤدي إلى عواقب وخيمة.

وكان أحد أكبر أسباب الحروب العالمية الماضية الحسد من هذا القبيل.

وتفاديًا لمثل هذه المشاكل قد أمرنا الله تعالى بأنه يجب على البلاد ذات الموارد القليلة ألا تمدّ عيونها بغيرة تجاه موارد الآخرين، كذلك يجب على الدول ذات الموارد الوفيرة أن تهتم بالبلاد المحتاجة والأقل يسرًا.

فالمطلوب من الأمم جميعا أن يستفيدوا من موارد الآخرين بطريقة مشروعة.

على أية حال، لا يمكن تغطية هذا الموضوع بالكامل في وقتٍ محدود.

و أن السلام لا يمكن أن يتحقق بدون العدالة. وأنه لا يمكن تأسيس العدالة بدون تشكيل العلاقة مع الله تعالى. فالعلاقة مع خالق هذا العالم هي شرط أساس لتحقيق العدالة.

وباختصار، فإن الاضطراب الذي يجري في العالم هذه الأيام، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي، سببه عامل واحد فقط، وهو الغياب الكامل للعدالة والذي يسبب زيادة القلق والاضطراب.

السؤال الذي يطرح نفسه هو: ما هو حلّ الوضع الراهن في العالم؟ لقد أجبتُ على هذا السؤال في وقت سابق عندما نقلت اقتباسات من كلام مؤسس الجماعة الأحمدية الذي نصَحَنا بإقامة علاقة مع الله والتمسك بالصدق والعدالة.

لا بد من القول – مع الأسف الشديد – إننا إذا تركنا الناس الماديين جانبا، فإن الذين يدّعون اتّباع الدين. أو بالأحرى أولئك الذين يدّعون أنهم يمثّلون الإسلام. إنما ينشرون في الواقع التعصب الديني. ومع ذلك فهذا لا يعني أن العلاقة مع الله ليس هو الحلّ.

الجماعة الإسلامية الأحمدية، والمرتبطون معنا بعلاقات ودّية يشهدون على ذلك، إننا لا نرفع شعارات السلام فحسب، ولكن في الواقع نحن نبذل جهودًا عملية لتأسيس السلام والتسامح والصبر، وبهذا نتبع تعاليم الإسلام بشكل صحيح، وإنّ بلوغ مرضاة الله يشكل الأولوية لنا.

كلما عانت جماعتنا أو جُرحت مشاعرها لم تواجه ذلك إلا بالصبر والتسامح؛ فعندما حُرمنا من حقوقنا كمواطنين، أظهرنا الصبر والتسامح. وعندما يلحق بنا عمدًا الضرر المادي، نُظهر الصبر والتسامح. وعندما تُنهب ممتلكاتنا أو تدمر، نظهر الصبر والتسامح. وحتى عندما نُقتل نظهر الصبر والتسامح. في باكستان نُهينا عن ممارسة ديننا، وعلى الرغم من هذا لم نخلق أي اضطراب.

في أيار / مايو العام الماضي استشهد 86 مسلما أحمديا في أثناء صلاة الجمعة، فتحملنا هذه المأساة بصبر. ومؤخرًا استشهد أحمديون في إندونيسيا بطريقة همجية وقاسية، ولم نرد بعنف ولم نقم بأي هجمات سرية. ومع ذلك، لا يزال الأحمديون في باكستان وإندونيسيا وغيرها من البلدان يعيشون فيها كمواطنين مسالمين.

فما دام الأحمديون أيضًا يعيشون بين الشعوب والجماعات المحلية نفسها، وإنهم جزء لا يتجزأ من المجتمعات نفسها التي يحدث فيها هذا الإرهاب، فكان من الوارد أن يتورط بعض أفراد جماعتنا أيضا في أنشطة غير مرغوب فيها علنا أو سرا. إلا أننا كجماعة لم نظهر ردة فعل قاسية أو تصرف خاطئ من أي نوع، لأننا عُلّمنا الصبر والتسامح.

لقد طبقنا دائما تعاليم الإسلام بأن علينا أن لا نأخذ القانون بأيدينا وأن نحرص دائمًا على مصلحة البلد وعدم خلق الفوضى أبدًا، لأن هذا هو شرط الحب الحقيقي لبلدك.

حيثما يقيم الأحمديون في العالم، بغض النظر عن البلد الذي أتوا منه، سواء أكانوا آسيويين أو أفارقة أو عربا أو أوروبيين أو أمريكيين، فسلوكهم هو نفسه دائمًا.

فمن أجل نيل مرضاة الله يبتعدون دائمًا عن جميع أشكال الفوضى. وهذا هو السلوك الذي لن ينقذ العالم من الفوضى فحسب يومًا ما، بل الحق أنه وحده يضمن سلام العالم.

ومع ذلك فإن الصدق والأمانة غير ملحوظ، لذا قد يكون هناك بَلدانِ مختلفان يواجهان الظروف نفسها بالضبط، ولكن المجتمع الدولي يدعم حكومة أحدهما، ويطلق الصواريخ على قوات حكومة البلد الآخر بحجة تحرير الشعب.

العالم في حاجة ماسة اليوم للتمسك بهذا الموقف على كافة المستويات، ومعرفةِ الخالق، وتحقيقِ الحقوق الواجبة تجاه خلقه.

ينبغي ألا يقتصر اهتمام شعوب العالم على مصالحهم فقط، بل عليهم أن يتنبهوا إلى واجباتهم أيضا تجاه الآخرين.

ينبغي تطبيق هذا المبدأ على المستوى الفردي وعلى المستوى الوطني والدولي، ويجب أن يتمسك به القادة المحليون كما ينبغي مراعاته من قبل الدول الكبرى في العالم.

وبدون هذا فإن أي جهد يُبذل لن يكون له سوى تأثير مؤقت، ولن يضمن السلام الدائم.

وأدعو الله تعالى أن تتحقق قريبًا رغبتي ورغبتكم في توطيد السلام في العالم.

في النهاية، أودّ أن أشكركم جميعًا مرة أخرى من أعماق قلبي لتشريفكم هذا المساء والاستماع إلى كلمتي.   شكرا لكم”.

Share via
تابعونا على الفايس بوك