زلزال العالم العربي
  • فما دامت هذه الأحداث التاريخية المفعمة بالقتل والجرائم تقع بهذا الشكل المتوالي فلا خيار للمتفكر العارف بالله إلا أن يعترف أن مايحدث هو نتاج إنكار مبعوث السماء
  • إن التغير النافع هو تغير النفوس وليس تغير الرؤوس
  • ولن يرسى العدل مقاليده على أرض الواقع إلا بإنشاء علاقة مع الله عز وجل

__

تشهد الساحة العربية منذ مطلع هذا العام أحداثا متسارعة تطرح العديد من الأسئلة الجادة على تاريخ الأمة، حيث قامت ثورات ضد الأنظمة السياسية المستبدة وأيقظت الشارع العربي بعد فترة سبات عميق. وفي خضم أحداث القتل والسلب والنهب التي غطت العالم العربي من المحيط إلى الخليج وقف الكثير من الأمناء من أبناء لغة الضاد وقفات تأملية جادة باحثين عن السبب الرئيس لاندلاع هذا الوباء الفتاك الذي لم تتضح بعد أضراره الوخيمة على المدى القريب والبعيد.

فبين حدث وحدث توجب على رجال الفكر والإعلام والدين التوقف عند المنعطفات والتفكير والتمعن في مستجدات الأوضاع التي لم تشهد الساحة مثيلا لها. ومما لا شك فيه ولا جدال أن أرض العرب قد زُلزلت زلزالا عظيما، وأخرجت رؤساءها وكبارَها وطرَدَتْهم وحاكَمَتْهم. فما دامت هذه الأحداث التاريخية المفعمة بالقتل والجرائم المتعددة تقع بهذا الشكر المتوالي وبهذا الهول فلا خيار للمتفكر العارف بالله إلا أن يعترف أن ما يحدث هو نتاج إنكار مبعوث السماء.

وقد تنبأ الرسول عن هذا القتل المستشري، فقال:

لا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمُ الْمَالُ فَيَفِيضَ (البخاري).

كما تنبأ عن

«دُعَاة على أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا»..

أي عن أناس يدعون إلى القتل والدمار، وحين سئل عن هؤلاء قال:

«هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا».

ثم بيّن الحلّ في مواجهة هؤلاء الداعين الى الاقتتال والفتن والفساد فقال:

«تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ».

وجماعةُ المسلمين هي واحدة في هذا العالم، وهي واضحة؛ وهي التي آمنت بالمسيح المهدي عليه السلام، الذي انفرد بإعلانه أنه مأمور من الله عز وجل، وأن إمامته هي إمامة نبوية ظلية وشرفية لنبوة المصطفى . فمن لم يسمع بالجماعة الإسلامية الأحمدية، أو كان قد ولد قبل إنشائها، فعليه أن

«يعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ يَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَه الْمَوْتُ وهو عَلَى ذَلِكَ». (البخاري)

وفي حديث آخر بيّن أن مواجهة الفتن الدموية هذه يكون باعتزالها كلية،

فعَنْ رَسُولِ اللَّهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فِتْنَةً الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِن الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي قَالَ فَإِنْ أَدْرَكْتَ ذَاكَ فَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْمَقْتُولَ ولا تَكُنْ عَبْدَ اللَّهِ الْقَاتِلَ. (أحمد)

وفي ضوء هذه الأحاديث النبوية الشريفة الواضحة الغراء، وبعد انطباقها انطباقا تاما على مستجدات الأحداث التي هزت الشارع العربي، لا يسعنا إلا أن نستنتج أن المظاهرات في شتى البلاد أدت إلى اقتتال داخلي، وسفك دماء بريئة كثيرة. والتغيير الذي حصل من خلالها إما شكلي أو سيأتي بما هو أسوأ منه، ولن تتحول البلاد إلى جنة كما يحلم البعض؛ ذلك أن التغيير النافع هو تغيير النفوس، وليس تغيير الرؤوس فقط. ومن مظاهرها أن الناس صاروا  أكثر توجها نحو الفوضى وأعمال الشغب.

أما نحن فلا نشارك في المظاهرات، وننصح الجميع بالابتعاد عنها لأنها لا تتفق مع الطريقة الشرعية في مواجهة الظلم، والتي تقوم على الأسس التالية: الدعاء للظالم أن يهديه الله فيَكُفَّ عن ظلمه، وأن لا يسلط الله علينا من لا يرحمنا، والصبر على ظلمه، والنصح له، وقول كلمة الحق عنده مهما سبَّب ذلك من أذى للناصح.

وكما لا يخفى على اللبيب المطلع فإن التظاهر يسبقه التحريض والغيبة والبهتان وحثّ على التمرد والفساد والكراهية، مع أن الواجب هو طاعةُ المسؤولين في المعروف ونصحُهم والتعاونُ معهم على البر والتقوى.

ثم إن المظاهرات نوع من التشهير ونقل الإشاعات والمبالغات والتهويل، والنصيحة ليست كذلك. فالمظاهرات ليست كلمة حق عند السلطان الجائر، بل هي تشهير وفتح باب فساد أمام عامة الناس، بحيث يمكن أن يستغلها الأشرار ويركبوها ويملأوا الدنيا فسادا.

ومما لا شك فيه ولا جدال أن أرض العرب قد زُلزلت زلزالا عظيما، وأخرجت رؤساءها وكبارَها وطرَدَتْهم وحاكَمَتْهم.

وبالتالي فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، ولكن التعدي على صلاحيات الآخرين لا يجوز، والتعاون على الإثم والعدوان حرام، فلا بدّ من التمعّن في هذه القضايا كلها. والذي يحصل عند البعض أنه ينظر في نصّ وكأنه لا يوجد غيره.

ولا شك أن تمسك الجماعة الإسلامية الأحمدية بتعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ملء سجلات التاريخ، بما  قدمته من نصح وتوعية للحكام والمحكومين على حد سواء. فكلما تحل كارثة بالأمة تجدها السباقة في هذا المضمار. ولم يتوقف نصحها وتوجيهها على زعماء المسلمين فحسب بل إن التقوى تفرض عليها أن تقدم نفس الخدمة بنفس التفاني في أي بلد تتواجد فيه. فغايتها المنشودة هي إقرار الأمن والسلام في جميع أنحاء المعمورة، وذلك بتوعية ونصح كل من في يده زمام مقاليد الحكم والإدارة من ناحية والرعايا المحكومين من ناحية أخرى. وذلك لإيمانها بأن للدين الحنيف آليات عظيمة تجعله منارة السلام العالمي. ولن يتم ذلك إلا بالعدل المطلق الذي هو قاعدة السلام، ولن يُرسى العدل مقاليده على أرض الواقع إلا بإنشاء الحكام والمحكومين علاقة مع الله عز وجل.

عزيزي القارئ ستلامس في هذا العدد قبسًا من ملامح مصداقية الجماعة بهذا الخصوص من خلال خطاب حضرة أمير المؤمنين أيده الله تعال في مؤتمر السلام الذي تنظمه الجماعة كل سنة في المملكة المتحدة، والذى حضرة شخصيات من مختلف شرائح المجتمع.. أعضاء البرلمان، رجال الحكومة، دبلوماسيين، إعلاميين وغيرهم.  ونترك لك الحكم.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلي  يوم الدين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك