عصر جديد من الإصلاح والتجديد

عصر جديد من الإصلاح والتجديد

التحرير

  • فكيف دلنا سقوط إمبراطورية “نوكيا” الاقتصادية على خطورة دور التجديد في واقع الأمم؟!
  • وأي مظهر في هذا العصر بحق هو مناط التجديد الرباني؟!

__

حفاظا على استمرار عمل المعدات يعمل ممتلكوها على صيانتها بصفة منتظمة وتحديثها كلما توفر شركاتها إصدارًا جديدًا. والهدف المنشود هو حمايتها من اختراقات العابثين وتأهيلها لمواكبة آخر المستجدات. هذا على الصعيد الفردي، أما إذا كان الأمر يتعلق بالشركات العملاقة فتهميش هذا الجانب يؤدي إلى تفكيك كياناتها حين تبعد الشُّقة بينها وبين مستجدات العصر. ولمن شاء الاطلاع على مصداق هذا الأمر في نموذج عصري فيكفيه أن يتصفح مدونات شبكة المعلومات، ويطلع على تاريخ إمبراطورية «نوكيا» الاقتصادية، حين ظن أهلها أنهم قادرون عليها، فأتاها أمر الله لما عزفت عن التجديد وأزاحها نظام الأندرويد الوليد.

لا يستغرب القارئ من إقحامنا مثالًا ماديًّا بحتًا ثم مثالًا آخر اقتصاديًّا تحت عنوان يبدو روحانيًّا، فالكون يجري وفق سنن ثابتة وموحدة في سائر مجالاته، وسنن نشأة الأمم وزوالها هي نفس سُنن قيام الشركات وانهيارها، تلك مشيئة الله تعالى ليتيح لنا المزيد من فرص التعلُّم، إذ قلَّما نُعاصِر خلال فترة عمرنا المحدودة قيام أو زوال دولة، ولكننا نشاهد بأم أعيننا مرارًا قيام وانهيار شركات يوميًّا..

وجماعات المؤمنين في كل عصر ليست بمنأى عن هذه السُّنة، أي سُنَّة الإصلاح والتجديد، لا سيما حين تستدعي الذاكرة حديث رسول الله :

«إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»(1).

وفي عصرنا الذي تسارعت فيه خُطى التطور على كافة الأصعدة، كان لا بد أن يواكب ذلك التطور المادي تجديدٌ روحاني بدعم إلهي خاص، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أناط الله تعالى مهام التجديد في هذا العصر بجماعة المؤمنين التي أثبتت مجريات الأمور أنها هي الجماعة الربانية بحق، لا سيما إذا دققنا النظر أكثر لنلحظ أنها محور دوران الأحداث العالمية. وعلى أية حال، فهنا ليس مقام إثبات وجهة نظرنا المعلنة هذه، فأرشيف مجلة «التقوى» على موقعها يحوي بين دفتيه كمًّا هائلاً من المواضيع في هذا السياق.

من الجحود إنكار فضل من خلوا من المجددين قبل بعثة المسيح الموعود ، فعلى محدودية مهامهم وعلمهم مقارنة بما أوتيه المسيح الموعود وخلفاؤه الأطهار، كان الله تعالى يجدد بهم ما اختلط على الناس من أمر الدين ومسائله الجزئية، فهُم حملة مشعل الإيمان في كل قرن إلى أن تم مبعث المسيح الموعود .. البدر المنير ليعكس أنوار المصطفى انعكاسًا لم تشهد له الدنيا مثيلاً. ولقد تحقق من خلال نظام الخلافة الراشدة من بعده مشابهة الآخرين بالأولين.

وفي عصرنا الذي تسارعت فيه خُطى التطور على كافة الأصعدة، كان لا بد أن يواكب ذلك التطور المادي تجديدٌ روحاني بدعم إلهي خاص، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي أناط الله تعالى مهام التجديد في هذا العصر بجماعة المؤمنين التي أثبتت مجريات الأمور أنها هي الجماعة الربانية بحق

ولا شك أن كل خليفة يُقيمه الله تعالى هو مُصلحُ وقته، غير أن الخليفة الثاني للمسيح الموعود، حضرة مرزا بشير الدين محمود أحمد حاز لقب «المصلح الموعود» فصار علمًا عليه. ولقد ألبسه الله تعالى قميص الخلافة في 1914، وفي ذلك الوقت كان كثير من أبناء الجماعة وعلمائها يرون فيه تحقُّقَ جميع ما ورد في النبوءة التي تلقاها المسيح الموعود عن المصلح الموعود. وإن تاريخ الأحمدية شاهد على أن جميع جزئيات هذه النبوءة تحققت حرفيًّا في عهد حضرته الممتد على اثنين وخمسين عامًا. وهذه النبوءة وحدها تكفي دليلًا لإثبات صدق المسيح الموعود لأي منصف وذي بصيرة.

وفي عدد هذا الشهر فبراير 2021 لا يفوتنا أن نقدم بين يدي القارئ العزيز جملة مقالات نلقي من خلالها الضوء على هذه المناسبة المضيئة بطبيعتها، وهذا فقط من باب التذكير بتأييد الله تعالى لمسيحه الموعود بإثبات صدق ما أنبأ به عن ولادة حضرة المصلح الموعود الذي لا زالت الجماعة الإسلامية الأحمدية تنعم بما أقامه الله تعالى على يديه من إصلاحات.

ولقد ارتأينا أن ننهج نهج نحل العسل، فنقف على زهرات من مكتبة حضرة المصلح الموعود ونرتشف شيئًا من رحيقه المختوم، فنهدي لك عزيزي القارئ مقالين ارتكازًا على كتابين هامين من كتب حضرته، وهما «السياحة الروحانية» و«بداية الخلافات في الإسلام».. وفي الكتاب الأول يجوب بنا حضرته أنحاء العالم الروحاني..  وفي الكتاب الثاني تتبدى عبقرية المصلح الموعود في أدق التفاصيل الأكاديمية، فيما يتعلق بعلم التاريخ وآليات دراسة أحداثه.

ندعو الله تعالى أن ننعم دائمًا وأبدًا بنعمة الإصلاح والتجديد والدعم الإلهي المستمر، الذي بُشِّرنا به ووُعِدْنا في محكم التنزيل:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ (2)،

وألا نكون من المعرضين عن ذلك الوعد والإنعام، وألا نكون من المشمولين بالنقمة في قوله تعالى:

وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (3).

الهوامش:

  1. سنن أبي داود، كتاب الملاحم
  2. (النور: 56)
  3. (طه: 125)
Share via
تابعونا على الفايس بوك