ماذا عن هويتنا الروحية
  • ما دور الخلافة الراشدة في تمسكنا بهويتنا؟
  • ومن أين يبدأ اعتزازنا بتلك الهوية؟

__

Confusion

جدلية الهوية والاندماج في المجتمع الغربي

 

 

أي حيوان تختار؟!

وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً (1)،

نعم، وهذا العالم الذي نعيش فيه، لنا في كل مظاهره عبرة، فلنا في الأنعام عبرة، ولنا في حيتان البحر عبرة، ولنا في سباع الغاب عبرة

وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (2).

إذا كان الأمر هكذا، فالأجدر بنا استقاء العبرة مما حولنا، وإذا كانت الحياة غابة، فأي حيوان نرى أن طباعنا موافقة لطباعه؟! ولماذا؟! حسنًا، هناك إجماع واضح جداً على أن الجميع يفضلون أن يكونوا أسودا، وإن لم يتصفوا بأي من طباع الأسود في الواقع، فكل إنسان يرغب في أن يكون أسدا حتى وإن لم يتصف بما يكفي من الشجاعة، على أية حال فهذا أيضا أمر جيد، إذ لم تزل الشجاعة قيمة يحتفى بها في عصرنا هذا.

لدي انطباع بأننا لو أمكن لنا سؤال حيوانات الغاب ذلك السؤال آنف الذكر الذي طرحناه على أنفسنا عن أي حيوان آخر ترغب أن تكون، فإن سائر الحيوانات ستجيب بأنها ترغب في أن تكون أسودا، عدا الأسود، الأسد لن يتخلى عن كونه أسدا، ولو توفر له طعامه دون أي جهد، فلماذا يا ترى؟! ما سر اعتزاز الأسد بكونه أسدا؟! وأيه عبرة يمكن استقاؤها من هذا الأمر؟! هذا السؤال ذو علاقة وطيدة بموضوع البيعة الذي هو محور هذا المقال ومُرتَكَزه. لن أكون مبالغا لو قلت أن موضوع البيعة هو الحافظ لهويتنا هنا في الغرب، ولولاه لذبنا كما يذوب العسل في الماء.

حين تُطرح مسألة الهوية على مائدة النقاش نجد أنها سر العديد من النزاعات الإثنية في جميع أنحاء العالم، ولا فرق هنا بين العالم الغربي المتحضر والعالم الثالث النامي، فمسألة الهوية قاسم مشترك ومثار قلق وتخوف واضحين. كل هذا بسبب الرغبة المتأصلة لدى كل شعب في حفظ ملامح هويته القومية العنصرية الزائلة لا محالة عاجلا أو آجلا.. مهلا، لا يُستشفَّن من كلامي أن ننبذ هويتنا على إطلاقها، إنما أهدف إلى تبيان معنى الهوية الحقيقية التي تتسامى على مجرد هوية العرق والقومية الجاهلية. إن الحديث الدائر سيكون حول الهوية الروحية التي ثبت أن بقاءها وصيانتها هو ضامن العيش الكريم كعيش الأسود في الغابات.

تحدي هويتنا بين الشرق والغرب

الهوية كما قلنا مثار قلق وتخوف واضحين، فهي أمر دائم التحدي، وبالنسبة لنا كمسلمين، فإن هويتنا على المحك في البلدان الغربية، لا سيما إزاء الدعاوى التي يطلقها البعض بحجة الاندماج، زعما بأن احتفاظ المسلمين بهويتهم الإسلامية من شأنه إحداث خلل في التجانس المجتمعي. هكذا يتم تحدي هويتنا كمسلمين في الغرب، فماذا عن مواطننا الأصلية في الشرق؟! أهويتنا كمسلمين أحمديين فيها أسعد حظا؟! بلى، إن هويتنا الإسلامية الأحمدية وإن كانت موضوعة أمام تحد دائم يصل في العديد من الأحوال إلى التصفية الجسدية جهارا نهارا، إلا أن هذا التحدي على دمويته لم يؤثر فينا كما أثر تحدي القوى الناعمة هنا في الغرب. يتم تحدي هويتنا بشكل مختلف تماماً في الشرق حيث فقد العشرات من المسلمين الأحمديين حياتهم في وضح النهار يوم 28 أيار/مايو. شاهد ذووهم عبر شاشات التلفزيون كيف قتلوا بدم بارد! مهلًا، فلا يظنن ظانٌّ أن هويتنا كمسلمين عموما ومسلمين أحمديين خصوصا هي بمعزل عن خطر الذوبان هنا في الغرب، ومن يستقر في ذهنه هذه الفكرة فعليه إعادة التفكير. نعم، إننا بلا شك ننعم بأعلى مستويات الأمن، فدماؤنا وأموالنا مصونة كما ينبغي، ولا اعتداءات تقع علينا في الغرب، وهذا الأمر مدعاة امتناننا، فباختصار، إن أجسادنا ترفل في النعيم الدنيوي هنا، ولكن، أهذا كل شيء؟! ألهذا خُلقنا؟! ألنعيش ونأكل كما تأكل الأنعام وقضي الأمر؟! قطعًا لا.

حين نتناول بالنقاش مسألة هويتنا كمسلمين في الغرب تطفو على سطح نقاشنا بعض العواطف الإنسانية السلبية، كالخجل الذي يعانيه بعضنا من الإعلان عن هويته كمسلم عموما ومسلم أحمدي خصوصًا. ومسألة هويتنا هذه على الرغم من أهميتها القصوى فإنها يُعبر عنها بأمور بسيطة في الظاهر، كذوق الزي العام بالنسبة للشبان، والحجاب الذي تتزيّن به الفتيات، والعبارات الإسلامية الشائعة كتحية «السلام عليكم»، وما إلى ذلك من رموز قد تبدو سطحية وبسيطة في الظاهر، إلا أنها عظيمة الأثر في حقيقة الأمر. هنا في بلاد الغرب كلما يصل الأمر إلى خجل الأطفال من إبداء رموز هويتهم الإسلامية، لقد وصل مستوى هذا الخجل العام إلى درجة الاعتياد، وبشكل بات مهدِّدًا بذوبان الجيل الناشئ في سائل المجتمع المحيط. قد يسمي البعض هذا الذوبان اندماجا، ولكنه في الحقيقة وبكل أسف انقراض بكل ما تعنيه كلمة الانقراض من معان مشؤومة، والهوية هي سبيل بقائنا، ليس البقاء المنشود بقاء الأجساد وحسب، وإلا فلا فرق بيننا وبين الأنعام التي تعيش للأكل والتكاثر لا أكثر،

إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (3).

عندما نرى زميلًا يهودياً في العمل يرتدي طاقيته أو نرى طالبًا طبيباً يرتدي صليبًا، أو نرى فتاة مسلمة ملتزمة بحجابها، فإننا ينبغي علينا مقابلة هذه النماذج باحترام بالغ، إذ إن كلا منها يُترجَم إلى عبارة موجزة مفادها: «أنا أحترم هويتي الروحية، وأتشرف بها، ولا أخجل منها، وتلك الهوية هي سر بقائي الحقيقي».

لكننا لسنا مضطرين إلى كثير من البحث لندرك سبب خجل بعض الشباب المسلم من إعلانهم عن هويتهم كمسلمين. لعل السبب يكمن وراء ما يُلصقه الإعلام الغربي من سمعة سيئة بالإسلام، والتساؤل الساخر الشائع الذي مفاده: ماذا قدم هؤلاء المسلمون من إنجازات ذات قيمة في العلم والمعرفة؟! لماذا بعد كل حادث إرهابي تسمع عبارة «فتش عن المسلمين»؟! إن كل هذه التساؤلات الشائعة في الغرب لَدواعٍ لخجل شبابنا في تلك البلاد. ومن خلال مثال بسيط للغاية ستتضح الفكرة أكثر؛ عندما تُقِلُّ الأم أطفالها الحافلة المدرسية، يصعد الطفل إلى الحافلة فتودعه الأم بـ «السلام عليكم» ويهمهم الطفل تحت تأثير الخجل لئلا يسمعه زملاؤه يتلفظ بعبارة «وعليكم السلام». هذا الطفل نفسه، بعد مرور خمسة عشر عاماً، يصبح في سكن الكلية في مكان ما، يحرج من إقامة صلاته في وقت الصلاة وأداء صلواته أمام زملائه في الغرفة. وإذا كان ذاك الطفل فتاة فستتخذ واحداً من أصعب القرارات في حياتها، فيما إذا كان عليها أن ترتدي الحجاب أم لا؛ وما إذا كانت سترتدي معطفًا. كم ستصمد؟! كم ستبدو مختلفة؟! وما هو نوع الحجاب الذي يجب ارتداؤه؟! هذه هي القضايا العميقة لأطفالنا. الأمر الأكثر إثارة للقلق هو كيفية تعامل الآباء مع ذلك – ليس كل الآباء والأمهات وليس كل الأطفال. بعض الآباء يدعون أولادهم إلى التركيز فقط على الدراسة، باعتبار أن الصلاة أمر ثانوي لا داعي للقلق بشأنه!

نحن نفهم أن لا أحد يحبذ حياة العزلة، نحن جميعاً نؤمن بالاندماج، بل إن الاندماج المحمود هو ذلك الذي تبقى فيه هويتنا الروحية متميزة، وانطلاقًا من هذا الوضع فالإسلام هو الراعي الرسمي للاندماج البناء، يقول تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (4).

لا غضاضة إذن في الاندماج، شريطة أن نعد له عدته المتمثلة في هوية روحية قوية معتزٍّ بها، بغير هذا يكون الاندماج سيلًا جارفًا مهددًا بقاءنا. لقد عالج المسيح الموعود هذه القضية في سفينة نوح، بقول حضرته: “لا أمنعُكم من اتخاذ الأسباب باعتدال، إنّما أمنعكم من أن تكونوا عَبَدةً للأسباب مثل الأقوام الأخرى، فَتَنْسَوْا ذلك الإله الذي يهيئ الأسباب أيضًا. لو كانت عندكم عينٌ لرأيتم أن الله هو كل شيء، وأن ما سواه باطل كله. إنكم لا تستطيعون مَدَّ أيديكم ولا ضَمَّها إلا بإذنه تعالى. سيسخر من هذا الكلام مَن هو كالميت، لكنه لو مات لكان خيرًا له من هذه السخرية!

ألا لا تقلّدوا الأمم الأخرى برؤية ما حقّقوه من تقدُّمٍ في خططهم الدنيوية، فتقولوا هَلُمَّ نتّبعْ سبيلهم. ألا فاسمعوا وعوا، إنهم لا يعرفون أبدًا الله الذي يدعوهم إلى نفسه، وغافلون عنه تمامًا. ما هو إلههم؟ إنْ هو إلا إنسان عاجز، ولذلك فقد تُركوا في غفلتهم يعمهون”.

محمد صادق نموذج مشرق للمبايع الصادق

إخوتي لو نظرتم لأجدادنا لقلتم أنكم تريدون أن تكونوا أسوداً ولكن الأسد لا يقلق بظهوره مختلفا في الغابة، بل على العكس، فالأسد يفتخر بذلك.

لذا واصلت التفكير بكيفية التأكد من أن الرسالة مدوية وواضحة، لذلك سأخبركم قصة رجل يدعى “هوارد سكوت”، إنها قصة بطل أميركي من أصل أفريقي، امتهن عزف موسيقى الجاز. كان يعزف الترومبون في إحدى الفرق الموسيقية الشهيرة في الأربعينيات. وجد كتاباً بالصدفة عنوانه «حياة محمد ». لقد حوَّل هذا الكتاب حياته مائةً وثمانين درجة، فما لبث أن ترك الموسيقى. لقد تخلى عن مهنته التي مصدر دخله وتجري في عروقه، تخلى عنها وقَبِل الأحمدية الإسلام الحقيقي، ومن ثم أدى حق البيعة. أخبره أصدقاؤه بألا تعارض بين أن تكون مسلماً وتستمر في عزف الموسيقى. قال إنني أعرف لكن خوفي هو ألا أتمكن من أن أكون منصفاً لكليهما. لقد غير اسمه إلى «محمد صادق»، وأطلق لحيته، وكان عليه أن يجني المال ليعيل أسرته، فعمل رساماً عادياً في شوارع نيويورك ونيوجيرسي، كان يقود سيارته مسافة 30 ميلًا من نيوجيرسي إلى نيويورك أسبوعيًّا لحضور صلاة الجمعة مصطحبا عائلته معه، كانوا يصلون لوحدهم أحياناً، إذ لا أحد سواهم بالمسجد، ثم يقفلون عائدين إلى نيوجيرسي. لقد قام بهذا لسنوات وسنوات. كانت لدى محمد صادق فرصة الالتحاق بالكلية، درس شيئا من الهندسة ولكن بعد ذلك اختار تعلم اللغة العربية ليتمكن من قراءة القرآن.

في عام 1975، ذهب إلى ربوة، فدعاه حضرة الخليفة الثالث رحمه الله، إلى تلاوة شيء من القرآن الكريم على بعض الضيوف من غير الأحمديين، بدأ محمد صادق بقراءة هذه المقاطع الطويلة من القرآن الكريم باللغة العربية وفُغِرت أفواه المستمعين دهشةً، لم يصدق هؤلاء المستمعون حقيقة أن هناك أمريكياً أفريقياً قادماً من الطرف الآخر للمعمورة ويحفظ القرآن بهذا الأسلوب الجذاب. فَقَدَ محمد صادق بصره بعد بضع سنوات بسبب إعتام عدسة العين (أو ما يسمى المياه البيضاء) لكنه لم يتخل أبدًا عن كونه أسدًا! علينا أن نسأل أنفسنا، لماذا اهتم محمد صادق كثيراً بسلوكه وأفعاله الخارجية؟! ألم يكن قلبه مطمئنًا بالإيمان؟! أوليس هذا يكفي؟! يبدو أن هذا لم يكن كافياً لمحمد صادق؟! ربما كان يدرك أن المسيح الموعود قال ذات مرة ما مفاده أن المرء استقى الماء من جدول فوجده ذا طعم مر ورائحة كريهة، فسيكون استنتاجه المنطقي أن من المحتمل أن يكون الماء ملوثاً أياً كان النهر القادم منه والمصدر أيضاً ملوث. لذلك فالأفعال الخارجية هي انعكاس لحالنا القلبية. إذا كانت أفعالنا الخارجية نجسة فقد تكون مؤشراً على قلب نجس.

في أوائل التسعينيات، قام محمد صادق برحلة إلى لندن وكان حضرة الخليفة الرابع رحمه الله يلقي خطاباً. في موضع ما من ذلك الخطاب لم يتمالك محمد صادق نفسه، وهتف بـ كَـبِّروا.. وتوقف حضرة الخليفة الرابع (رحمه الله) عن الكلام وقال: لقد سمعت للتو صوتاً ملائكياً. وأشار إلى محمد صادق وطلب منه أن ينهض، وكان محمد صادق يرتجف والناس يساعدونه على الوقوف، ترى كيف تعرف عليه حضرته رحمه الله؟! لأن محمد صادق لم يتخل عن بيعته وهويته، عندما فقد بصره ولم يعد بإمكانه كتابة الرسائل، كان يسجلها بصوته ويرسلها إلى حضرته كرسائل مسموعة على أشرطة تسجيل، وهكذا تعرف حضرته على صوته، ثم قام بتقديم محمد صادق على المسرح العالمي. فيما مضى كان المال والشهرة كل ما يمكن أن يكسبه من الفرقة الموسيقية، أما ما ناله من اقتدائه بالخلافة فكان أعظم بكثير، وهذا طبيعي إذا أدركنا أن الشبل يتبع الأسد الشبل لن يتخذ من غير جنسه قائدا ويلحق به. لذا فإن محمد صادق تبع خليفة المسيح.

البيعة لا تكتسب بالوراثة

إن نموذج محمد صادق يفرض نفسه بقوة على مجريات الموضوع محل الطرح، لم يُولد مسلمًا أحمديًّا، ولكنه صار مضرب المثل لكثير من المسلمين بالمولد، فقد أدى حق البيعة كما ينبغي أن يكون. لذلك فإن الرسالة التي ينبغي توجيهها إلى الشباب تحمل هذا المضمون، وكما أنكم لا تصبحون أطباء ولا مهندسين ولا محامين لمجرد كون آبائكم كذلك، فاعلموا أن البيعة أيضا لا تُكتسب بالوراثة. قصَّ حضرة المصلح الموعود قصة عن نفسه وهو إذّاك في الحادية عشر من عمره. قال أنه عاد إلى المنزل ذات يوم ممتلئا ضيقًا، وعازمًا على التحقيق في ادعاء المسيح الموعود ، وأنه لن يقبله لمجرد أنه والده، فإن ثبت (لا سمح الله) بطلانه، فسيغادر المنزل. فبعد ذلك التحقيق الرجولي، أين انتهى المطاف بمرزا بشير الدين محمود أحمد ؟! لقد أصبح الخليفة الثاني للمسيح، تحول إلى المصلح الموعود. الأحمدية هي أغلى من النسب، ومعظمنا نعتبرها أمراً مسلماً به عندما نولد كأحمديين. قال حضرته: إذا لم يكن لديك هذه القناعة، فإن الأحمدية لن تعدو مجرد تسمية لك. فإلى أي مدى ستكون مستحقا هذا الاسم وهذا الادعاء؟! وهنا يبرز دور كلا الوالدين في توطيد علاقة أولادهم بخليفة المسيح وتفهيمهم قدسية هذه العلاقة، وبخلاف ذلك ستكون هذه العلاقة ضعيفة منذرة بضياع الهوية وانقراض الجيل. شاهدوا كيف نفتخر بأن جميع الأجداد قدموا الكثير من التضحيات للإسلام! ثم لم يعد هذا هو السؤال المطروح الآن، السؤال المطروح الآن هو: هل سيقدم الأحفاد نفس التضحيات؟!  إن لم تتبع خليفة ذلك الوقت، لن تكون بعيداً عن بركات الله فقط، ولكنك ستجعل أيضاً إيمان جيلك القادم ضعيفاً، وهذا جدير بالاهتمام، إذا قرأت قواعد السلوك المرتبطة بأدوار الجنسين في مملكة الأسود، تجد اللبؤة تقوم بدور معين، وكذلك الأسد يقوم بدوره المعين، إن دور الأمومة في الإسلام يماثل دور اللبؤة يتعلم الشبل أن يصبح أسداً أول ما يتعلم من أمه.

أعود فأقول لماذا هذه البيعة هامة جدًّا! كيف يساعدنا هذا الإجراء في الحفاظ على هويتنا؟ لعلنا فيما مضى عثرنا على الإجابة.

الاعتزاز بالهوية يبدأ من البيت

إن الأبوة والأمومة وتربية الأطفال هي قضية ينبغي توظيفها أصلًا للحفاظ على الهوية الروحية المتمثلة في بيعتنا وعلاقتنا بخلافتنا. عندما نخل بعقد البيعة سيكون هناك عواقب وخيمة مترتبة، أبرزها الذوبان المخزي، والذي لا يقل خزياً عن الانقراض، إنه هو الهلاك الذي طالما حدثنا عنه القرآن في قصص الغابر ينفع علاقتنا بالخلافة التي تحفظ لنا بقاءنا هي علاقة الطاعة والحب، وبغيرها لا تفيد البيعة بشيء، وولادتنا كمسلمين وحدها لا تكفي ما لم نعمل كمسلمين حقًّا،

قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ .(5)

الهوامش

  1. (المؤمنون: 22)
  2. (الأَنعام: 39)
  3. (محمد: 13)
  4. (الحجرات: 14)
  5. (هود: 47)
Share via
تابعونا على الفايس بوك