تحقق الوحي القرآني، والتربية الروحية لأولادنا

تحقق الوحي القرآني، والتربية الروحية لأولادنا

فهيم يونس القرشي

أخصائي الأمراض المعدية
  • كيف يمكن لأبنائنا أن يبلغوا اليقين في كون الوحي حقيقة وليس وهمًا؟
  • هل توجد في القرآن الكريم شواهد تؤكد اتفاق كل من كلام الوحي ومكتشفات العلم المادي الحديث؟

 ___

 

لماذا يقع جيل الشباب ضحية للإلحاد؟!

يتجه بعض من جيل الشباب إلى الإلحاد لأنهم يعتقدون أن هذا الطريق يمكّنهم من أن يكونوا متحررين. ويشعرون أنهم ليسوا ملزمين بالصلاة ولا حاجة لهم للقرآن، ولا يبالون بالحجاب الإسلامي أو حظر الكحول. فيشعرون أن لهم حقًّا في فعل كل ما يريدون. فبالنسبة لهم «لماذا يجب أن نصبح خاضعين لكيان غير مرئي؟ نحن أحرار في أن نفعل ما يحلو لنا». حسناً، يبدو لهم أنهم متحررون أو أحرار لكن في الحقيقة إن الذين يتجاهلون وجود الله هم أكبر العبيد وأسوؤهم في هذا العالم. إنهم عبيد لإعجابات فيس بوك ومشاهدات اليوتيوب، وعبيد التغريدات، وعبيد شهوة لمّ المال، وعبيد لإثارة إعجاب رؤسائهم، وهم عبيد لرغباتهم الشخصية. إنهم عبيد لممثلي الأفلام والمغنين والفنانين. وهذا يتماشى مع ما قاله خليفة المسيح الرابع رحمه الله قبل 27 عاماً في الجلسة السنوية: «الشخص الذي يعبد شخصاً غير الله سيرى أن من يعبده إلى جانب الله سيصاب بالعار تدريجياً مع مرور الوقت. أما الذين لديهم إيمان حقيقي بالله فيتجنبون عبادة هذه الآلهة الكاذبة».

جانب من حقيقة الوحي

ظل منكرو الأديان يرددون بمناسبة وبغير مناسبة أن فكرة الوحي الإلهيّ فكرة خيالية محضة، ليس لها من الحقيقة نصيب، وربما كانت حيلةً لمجموعة من البشر الأذكياء ليجمعوا حولهم العامة الذين تروق لهم وتستهويهم مثل تلك الأفكار ليكونوا لهم عونًا على تحقيق مآربهم، وعلى ذلك فإنهم ينكرون أي حقيقة لوجود الوحي، ولا يؤمنون إلا بالماديات التي تُدرَك بالحواس ويمكن قياسها في المختبرات، أما عالم ما وراء الطبيعة فليس له عندهم أي نصيب من حقيقة، ولكن ما من امرئ في العالم إلا وله من التجارب ما يدحض تلك الفكرة تمامًا، مؤكدًا حدوث إبصارٍ بدون أعين، وسمعٍ بدون آذان، وكذلك يحدث مع الناس جميعًا في أحلامهم، فبأي عين يرى النائم مغمض العين وبأي آذان يسمع وبأي يدٍ يبطش وبأي أقدام يسعى وهو مستلق على فراشه لم يبرحْه؟ وإذا كان الحال كذلك فكيف يستساغ إنكار سماع الوحي دون وسائل مادية أيضًا، أليست الرؤى والأحلام من هذا القبيل؟ ومع ذلك فلو أن أحدًا استيقظ من منامه فقص علينا أنه ركب طائرة وطار إلى قارة كذا ونزل بمدينة كذا التي تبعد عنه آلاف الأميال وأكل كذا وشرب كذا وقابل من الناس فلانًا الذي مات منذ عقدٍ من الزمن وأخبره أن عقد ملكية المنزل الذي تفتقده منذ مدة في المكان الفلانيّ، فما لبث أن وجده حيث أخبره بالتمام، فإذا سمعنا مثل تلك الوقائع فإن أحدًا منا لا يستنكر وقوعها، فمن أيّ عالم أتى ذلك الذي أخبره، وبأي وسيلة أخبره؟

حوار التدين والإلحاد

في محاورات المتدينين مع الملحدين، يسعى كل طرف بطبيعة الحال إلى إقناع الطرف المقابل بوجهة نظره، فالملحد يسعى إلى أن يتخلى المتدين عن معتقداته وما يرى أنها ثوابت إيمانية، مقابل ألا يحتكم إلا للعقل وحده وما توصل إليه العلم الحديث. بينما على الجانب الآخر يسعى المتدين إلى إلزام الملحد بالإيمان بما يؤمن هو به دون تقديم ما يقنع ذلك الملحد ويلجئه إلى ذلك الإيمان. هذا يصدق على جل مناقشات المتدينين عموما مع الملحدين، ولكن حين يتحدث المتدينون بلسان القرآن الكريم وحجته، فإن المحاججة يكون لها وجه آخر!

كيف يمكن بلوغ اليقين في كون الوحي حقيقة وليس وهمًا؟

لقد تناول حضرة خليفة المسيح الثاني، هذا الموضوع باستفاضة وأكد أن الوحي الإلهي ليس من قبيل التجارب الحسية الزائفة، بل هو تجربة روحية شديدة الخصوصية، ووضع أربعة معايير تميز بشكل قاطع بين الوحي الإلهي والأوهام.

أولا: قال حضرته أن الوحي الإلهي ليس وهمًا لأن الأوهام لا يدعمها الواقع، وعلى سبيل المثال: إذا توهّم شخص وجود رجلٍ ما يقف في غرفة مظلمة، فإن محاولة لمسه لن تؤكد وجوده، لأن الاقتناع بلمسه سيكون من جنس الاقتناع برؤيته، وهمٌ في وهم،  أما الوحي الإلهي فتدعمه حواس متعددة، فيحصل أحياناً أن يشترك في التجربة من هم حول متلقي الوحي الإلهي أيضًا، ومن المستحيل أن يكون عشرات أو مئات الأشخاص قد سيطر عليهم الوهم وتلاعب بهم الخيال جميعًا في توقيت واحد، وكان حادث رؤية انشقاق القمر مثلاً من هذا القبيل.

ثانيًا: الأنبياء المصطفوْن يكونون أذكياء للغاية يفوقون من سواهم، وعلى سبيل  المثال سيدنا محمد   ، فإن الجزيرة العربية كلها حينذاك، والعالم كله الآن يشهد أنه رجل ذو قدرات فكرية هائلة من نوع فريد، ولا يمكن للأفراد الواهمين إصلاح المجتمعات، فهم أنفسهم في حاجة إلى من يُصلحهم، فأنّى لفاقد الشيء أن يعطيه؟

ثالثًامن يتلقون الوحي الإلهي هم رجالٌ ذوو أخلاق سامية لا نظير لها في البشر، يتميزون بالثبات والاتزان، يسودهم الهدوء وتغلب عليهم السكينة، يتسمون برباطة الجأش والإصرار على مبادئهم، غير متزعزعين ولا متقلبين ولا متناقضين، أما المتوهمون فعلى النقيض من ذلك تمامًا.

رابعًا: إن متلقي الوحي الإلهي ينتصرون دائمًا على أعدائهم رغم كافة المصاعب، ولنا في نوح  خير مثال، فقد تحدى خصومه، وأشار عليهم  أن يتحدوا ضده جميعًا، ويكيدوا له ما شاؤوا من مكائد، ورغم ذلك فقد أكد لهم أنه هو المنتصر في النهاية، لا لشيء سوى أن هناك قوةً عُليا يوقن بوجودها هي التي  أخبرته بذلك، فلو كان واهمًا فهل كان انتصاره عليهم جميعًا وهـمًا أيضًا؟

تحقق الوحي القرآني وقضية تربية الأولاد

في هذه الأيام التي يُظهر التقدم العلمي مدا عاليا في شتى المجالات وعلى شتى المستويات، يتم الترويج، بهتانا وزورا، لفكرة مفادها أن العلم والدين يتقاطعان ولا يسيران معا بالتوازي، وأن الإنسان، في هذا العصر الحديث، لا يسعه إذا ما اختار أحدهما إلا أن ينبذ الآخر، وهذا افتراء محض، هدفه التعتيم على فكرة أن القرآن، كوحي إلهي، لا يتفق وحسب مع ما توصل إليه العلم الحديث، بل وإنه يشتمل على كافة مبادئ العلم الحديث!

إن واجبنا كآباء هو إخبار وتذكير أولادنا بالحقائق العلمية التي ذكرها الله سبحانه وتعالى منذ 1400 عام بمجرد أن يشرعوا في تلقي مقررات العلوم في المدرسة، واضعين نصب أعينهم المبدأ الذي وضحه سيدنا المصلح الموعود ، والذي يصف العلاقة بين القرآن كوحي إلهي من جهة، والعلم الحديث من جهة أخرى، يقول هذا المبدأ بأن «القرآن هو كلام الله بينما العلم فعل الله».

اتفاق قول الله وفعله على قضية كروية الأرض

يتعلم أطفال المدارس الابتدائية في مادة العلوم أنه ظهر قبل ما يقرب من 500 عام علماء مثل كوبرنيكوس وجاليليو وكيبلر قالوا أن الأرض ليست ثابتة في النظام الشمسي، بل تدور فيه باستمرار. لكن هل سمعوا أن الله سبحانه وتعالى قال قبل 1400 سنة في الآية 33 من سورة الأنبياء:

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (1)

اتفاق قول الله وفعله على قضية الزوجية (أو الثنائيات)

يدرس طلاب المدارس الثانوية في مادتي علم الأحياء والفيزياء أن العلم يحدد أزواجاً من كل الأشياء، فالعضو الذكري في الزهرة يُعرف باسم «المئبر» والعضو الأنثوي يُعرف باسم «الميسم». نصَّ القرآن الكريم سنوات عديدة قبل هذا الاكتشاف العلمي في سورة ياسين:

سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (2)

ويجدر التركيز أكثر على الجزء الأخير من الآية «ومما لا يعلمون»، إذ لم نكن نعلم نحن البشر وقت نزول هذه الآية أن زوج «المادة» هي «المادة المضادة». وحاز ديراك بول بسبب هذا الاكتشاف على جائزة نوبل في عام 1933. لم نكن نعلم أن الذرة تتكون من بروتونات ونيو بروتونات. اكتشفه راذرفورد وتشادويك في عامَي 1909 و1932، بينما لم نكن نعلم أن هذه البروتونات والنيو بروتونات تتكون من جسيمات دون الذرية تُعرف باسم الكواركات. غيلمن وزفايغ هما اللذان اكتشفا ذلك في عام 1964. ومن المدهش معرفة أن جسيم الرمل يتكون من 450 مليون كواركات. لم يكن العالم يعلم بهذا، لكن الآيات القرآنية تكشف أن ربنا وخالقنا يعلمها.

فلدينا من ناحية علماء مثل راذرفورد وديراك وجاليليو وكيبلر وكوبرنيكوس وزفايغ وغيلمن وتشادويك الذين فازوا بجائزة نوبل من خلال أبحاث أجْرَوها في مختبرات كلّفت مئات الآلاف، ومن الناحية الأخرى لدينا نبي أمي يسكن في صحراء الجزيرة العربية لا يعرف القراءة أو الكتابة، إذا لم يكن هناك خالق أو إله لهذا الكون، فمن الذي كشف هذه الأسرار العلمية للرسول الكريم ؟ إذا كانت هذه مجرد مصادفة، فلماذا لا توجد مثل هذه «المصادفات» المتكررة في كتب الأديان الأخرى؟

اتفاق قول الله وفعله في مجال علم المحيطات

شبابنا الذين يذهبون إلى الكلية ويدرسون علم المحيطات، يعرفون أن العلماء قسموا البحر إلى 3 طبقات من الماء. تُعرف أولاها أي أول 200 متر باسم المنطقة المضاءة، وهي المنطقة التي يصل إليها ضوء الشمس. وتعرف المنطقة التي يتراوح عمقها بين 200 و1000 متر باسم نطاق الشفق لضآلة كمية الضوء الذي يصل إليها. ومن ثم يحل ظلام دامس بعد عمق 1 كم، وهذا ما يعرف باسم المنطقة المعتمة. يقول الله سبحانه وتعالى:

أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ (3)

 في عام 2012 عندما ذهب جيمس كامرون إلى عمق البحر، كان لديه انطباع بأنه سيرى حياة بحرية غريبة وغير عادية، لكن كل ما رآه كان ظلاماً دامساً.

خبراء الغوص اليوم الذين يذهبون إلى عمق المحيط بمساعدة أسطوانات الأكسجين يشهدون على أن الظلام شديد بعد عمق 1 كم لدرجة أنه يستحيل عليهم حتى رؤية أيديهم. يقول الله سبحانه وتعالى في تتمة الآية السابقة من سورة النور:

إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا .

لم يسافر الرسول الكريم عن طريق البحر في حياته. إذا لم يكن القرآن الكريم هو كلام الله، فمن أخبر ذلك النبي الأمي عن الظلام المخفي في أعماق المحيط؟ هناك أشياء أخرى يدّعي العلم أن رؤيتها غير ممكنة. إلا أن القرآن ينص على أننا سنشهدها بالتأكيد.

اتفاق قول الله وفعله في علم الفلك

يقول الله سبحانه وتعالى:

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا (4)

تكشف هذه الآية عن وجود الانفجار العظيم والثقوب السوداء، لكن هذا ليس كل شيء، فالدراسة الإضافية لهذا الأمر تكشف عن نقطة أخرى مثيرة للاهتمام إذ يستخدم الله سبحانه وتعالى فعل يرى في «أولم ير».

اعتبر العلماء منذ حوالي 10 سنوات أن الثقب الأسود غير مرئي لأن الضوء لا يفلت منه. لكن في السنوات الأربع الماضية، تمكن العلماء من خلال استخدام تلسكوبات Event Horizon من مشاهدة الثقوب السوداء وتمكن العالم بأسره من مشاهدة صور الثقوب السوداء على ناشيونال جيوغرافيك وفي بعض المجلات. «أولم ير» هل ما زلنا نتجاهل وجود الله بعد أن شهدنا كل هذا؟ هل نتجاهل وجود الشخص الذي كشف هذه الأسرار قبل 1400 عام؟

اتفاق قول الله وفعله في مجال علم الأجنة

إن الحجج العلمية في القرآن الكريم مصدر لإرشاد من بلغوا سن الزواج وأُنعم عليهم بذريّة. لا ضرر في رغبة البعض في الحصول على أبناء ذكور، ولكن أن يسخروا ويضطهدوا الأمهات اللواتي ينعمن فقط بالبنات بينما أثبتت الأبحاث الناجمة عن العديد من التجارب العلمية في بداية القرن العشرين أن جنس الطفل مرتبط بالكروموسومات الذكرية، والأنثى لا علاقة لها بهذا!

ربما كان هذا اكتشافاً علمياً للعالم الغربي، لكن القرآن الكريم يدافع بالفعل منذ 1400 سنة عن حقوق هؤلاء الأمهات المضطهدات. يقول الله سبحانه وتعالى في سورة النجم:

وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَىٰ (5)  

يجب على أولئك الذين يتعاملون بقسوة مع بناتهم وأخواتهم وأمهاتهم أن يفهموا أنهم سيحاسبهم الله يوماً ما.

بلوغ قاع الكأس!

يقول فيرنر هايزنبرغ بهذا الخصوص وهو أحد مؤسسي الفيزياء الكمية: أول جرعة تتجرعها من كأس العلوم ستحولك إلى ملحد، ولكن الله ينتظرك في قاع الكأس.

بعد تجرعهم أول جرعة من كأس العلم، يسأل بعض الناس السؤال التالي: أين الله إذا كان قد خلق الكون حقاً؟ لماذا هو غير مرئي بعكس التجارب العلمية؟ هذه الأسئلة تشبه أسئلة طفل لا يزال في رحم أمه فيقول «أين أمي إذا كانت موجودة حقاً؟» في حين أن أم الطفل موجودة في كل مكان في هذا الفضاء. كما أنه مشابه لحقيقة أن أشعة الطيف الكهرومغناطيسي موجودة في كل مكان من حولنا، ومع ذلك لا يمكننا رؤية 996  جزء من أصل 1000. يقول المسيح الموعود : «يجب على كل من يريد أن يرى الله أن يقوم بالدعاء. فلا يمكن أن نراه بأعيننا المادية، بل نراه بعيون دعائنا». هذا هو «علم شهادة الله».

 وبعض الذين يتجرعون جرعة واحدة فقط من كأس العلم يسألون: إذا كان الله قد خلق الكون فمن خلق الله؟ ويشبه سؤالهم القول التالي: «إذا كان أحمد قد رسم هذه الغرفة فمن رسم أحمد؟» إنه سؤال مسلي للغاية. يُعرف ذلك بالخطأ القطعي، مما يعني الحكم على شيءٍ ما في السياق الخاطئ. فالله سبحانه وتعالى لم يُخلق بل هو الله عالم الغيب والشهادة ولا يمكننا تحديده أو إدراكه من خلال عدسة التقييم العلمي المحدودة.

الهوامش:

1. (الأنبياء: 22)

2. (ياسين: 37)

3 . (النور: 41)

4. (الأنبياء: 31

5. (النجم:46)

Share via
تابعونا على الفايس بوك