أهل الله وأهل الدنيا
  • من هم أهل الله تعالى؟
  • ما هي تلك العلامات التي يُعرف بها أهل الله؟

____

فالحق والحق أقول، إن أهل الله يُرزَقون من ربّ العباد، ويُهدَون إلى طريق السَداد، ويُهيَّأُ لهم جميع لوازم الرشاد،….  أولياء الرحمن يُعطَون ما لا يُعطَى لأهل اللسان، من المعارف وحسن البيان، ولا يُدرك براعتَهم غيرُهم مع جهدٍ مُعنِّتٍ وصرفِ الزمان.. لا يرون في سبيل الله أثرًا إلا يقْفونه، ولا جَدْرًا إلا يعلونه، ولا واديًا إلا يجزعونه، ولا هاديًا إلا يستطلعونه. عُشّاق الرحمن، وفي سبيله كالنشوان. من ذا الذي يقرع صَفاتَهم، أو يُضاهي صِفاتِهم. ومَن جاءهم كدبير، فقد لُفِحَ ولا كلَفْحِ هجير. إنهم يسعون إلى الحضرة عند المشكلات، بدمعٍ أحرَّ مِن دمع المِقلاة. وإنّ مثلهم كمثل سرحة كثيفة الأغصان وريقة الأفنان، مثمرة بثمار الجِنان، ومن أتاها تُساقط عليه رُطَبًا جنيًّا فطُوبى للجوعان! إنهم قوم زَكَّوا دِثارهم وشِعارهم، وخرجوا من أنفسهم وزايلوا وِجارَهم، ورحموا مَن جارَ عليهم وجارَهم، وأطفأوا نار النفس وكمّلوا أنوارهم. وأمّا نفوس أهل الدنيا فتُشابِهُ يومًا جوُّه مُزْمهرّ، ودجنُه مُكفهرّ، وتراهم عاريَ الجلدة مِن حُلل الاتّقاء، وباديَ الجردة من غلبة الفحشاء. قد اعتمّوا بِرَيْطة الاستكبار، واستثفروا بفُوَيْطة الخيلاء والفخار، فكيف يؤيَّدون من رب العالمين؟ بل وراءهم ضَفَفٌ وكرشٌ يدعونهم إلى الشياطين. يبكون أنهم أُهلكوا من الشظف وصفرِ الراحة، وحَصَّهم جنفٌ وقشفٌ فما بقي معهم ذرّة من الراحة. ثم يقولون نحن سُراةُ أنديةِ الأدب، وحُماةُ لُسْن العرب. كلا.. بل ركدتْ ريحهم، وخَبَتْ مصابيحهم، وأجدبت بُقْعتُهم، وتخلّى بعد الإخلاء مُنتجعُهم ونُجعتُهم، ولن يُرَدّ إليهم جلالة شأنهم حتى يردّوا أنفسهم إلى الحضرة، ولن يغيّر ما بهم حتى يغيّروا ما في الطويّة. ولو أن ما في الأرض أنصارٌ لهم ما كان لهم أن يُعجزوا المرسلين، ولو أتوا بالأوّلين والآخرين، مِن دون المتّقين. ألا ينظرون إلى الذين خلوا من قبلهم، هل هم غلبوا وأعجزوا رسل الله؟ أو كانوا من المغلوبين؟

(الهدى والتبصرة لمن يرى ص  14 إلى 71)

Share via
تابعونا على الفايس بوك