و كان لا بد من أن يرسل الله قاتلا للخنزير الذي استفحل

و كان لا بد من أن يرسل الله قاتلا للخنزير الذي استفحل

فتحي عبد السلام

كاتب وباحث إسلامي
  • تربية الأطفال على احترام الإنسان وتقدير كرامته لا على القسوة
  • بعث الله من يقف ضد الوحشية
  • الإسلام بريء من سل السيف ضد من يسل القلم

__

الامتلاء قسوة

للروح فيزياء كما للجسد، ويرتبط نوعا الفيزياء بروابط وثيقة، ويتفاعلان بقوة.. وفي هذه الفيزياء الروحية ترتبط طهارة الروح بالموقف الملموس من الأبدان البشرية. وهناك رابطة حتمية في فيزياء الروح بين احترام أبدان البشر والرفق بها، وبين رقي المرء وتحقيق غرض خلقه وعبوديته..

هناك رابطة بين حسن العشرة مع الناس وبين القرب من الله..

وصحة الروح أيضا تتصل بصحة الخيال وفسادها يتعلق بفساد الخيال.

إذن كيف يجب أن تتم تربية الأولاد من هذه الناحية؟

لابد أن ينشأ النشء من أولادنا على شعور الرقة إزاء جرح أخيه،  وعليه وعلينا تنمية إحساسه بالآلام، والبكاء عند قراءة بؤس البؤساء من كل قوم من الأقوام.

يجب أن يتربى الأبناء على تعظيم شأن الكائن الآدمي وشرفه، واستفظاع منظر جثته مقتولة أو مهانة، والعطف على آلام البدن الإنساني وحس الكرامة والرحمة به.

كان هذا حقا عند الله

وكان لا بد لله تعالى من موقف لائق بعظمته، عندما يرى تعالى الجيل بعد الجيل في بلاد الإسلام وهو يرث القسوة، يراه الله وهو يتربى في بيئة يتكرر أمام خياله  فيها ليلا ونهارا صور الاستهانة بالكائن البشري، ويتعود على مشهده وهو جثة مرمية بلا كرامة سامية. وتضفى الشرعية على هذه المناظر الرهيبة إذا كان ثأرا واشتفاء.

كان الله يرى الشباب وهم يتحولون رويدا رويدا خلال نشأتهم إلى وحوش بشرية، وتنمو فيهم أخلاق السباع التي تتشهي اللحم البشري، من إخوانهم ومن الشعوب الأخرى لأنها شعوب أخرى.

وكان ترك ذكر الله يؤدي لضعف الروح ثم الخور ونضوب الإبداع، وضعف العدة، ثم الذل،  ثم الحقد،  ثم العيش في خيال الرغبة في ذل الخصم، وأدبيات التنكيل به،  ثم الهيام في أحلام الاستحلال ومناظر السفك والدم والانتقام.

هل كان الله قد سمح حقا بكل هذا الذي كان يحدث وبإبادة  مفهوم اقتحام العقبة العظيم الذي جاء به محمد .

هل كان الله يسكت على تربية كل نبتة من نبات الطفل المسلم على هذه الطبيعة الشاذة الوحشية ، ويدع العالم بلا منقذ والطفل يفتح عينيه عند بلوغه على أن قلما ما وفكرا ما متسائلا عن صحة عقيدة ما قد يقوده إلى تعليق جثته في الفضاء أو قتلها ورميها في حفرة مهينة،  أي رعب وأي شلل للروح الإنسانية ينشأ فيه، وكيف لأي إبداع أن ينشأ في هذا الجو المسموم وكيف لأي تقدم أن يحدث، لا يدرك الناشيء خطر تسرب الأفكار وبطء تجذرها، ولا يدري ما يحدث له وهو يسمع بيئته تتداول الأخبار بقسوة روح،  وتعلـق على  مناظر اضـطهاد المفكر والمجدد،  وتكفر العالم الناهي عن منكر الفكر ومنكر السلوك ومنكر العقيدة، واتهام الناس بالباطل وتوزيع تهم الكفر والخيانة:  أقول : لا يدري الناشي ولايستخلص غير أن سبب الاضطهاد كان فكرا.. ويفهم أن التأمل يقود إلى الهلاك.. وأن الفكر خطر مميت، وأن الاجتهاد يؤدي لكارثة.. وبالتالي فالبعد عن عمق التأمل حكمة،  وأن مغامرة ممارسة حق البحث عما هو صواب وما هو خطأ تعني حياة الحرمان من حق الحياة.

هكذا نزرع الرعب من الاجتهاد في الشاب قبل البلوغ  وعنده وعلى حافة المراهقة وفي فترة الحيرة الوجودية،  وهي الفترة التي يحدد الشاب لنفسه فيها نهج حياته واختياره المستقبلي،  وخلالها يكون الشاب قد تأثر بدخان الرعب، وآثر في قرارة نفسه حياة التقليد،  فهو نهج أمان يكفل على الأقل حق أن نحيا، ولتجدن أغلب الناس أحرص على حياة، أي حياة.

في كل ناحية من بلاد ترفع أعلام  نبي الحرية محمد كان هناك معلوم من الدين يختلف حسب تلك الناحية، معلوم يقول فقهاء الناحية عنه  : نحن نعلمه ونسقيه من كأس جاهزة للناس، ومن خالفه كفر  ومن كفر فهو حلال الدم والمال والعرض..

لا شيء للإنسان لو خالف معلومهم، لا مال ولا حياة ولا شرف له. فهل كان الله يسكت.

هل كان الله ليترك المسلمين في حالتهم البائسة هذه؟

كان لا بد لله أن يتخذ موقفا شديد البأس،  وهو يرى فرحة علماء هذا الفقه بوجود أتباع لهم خائفين، يملؤهم الرعب من التفكير، يحيون معا على كوم تل خرب من أنقاض كرامة بلادهم، بلادهم المتخلفة التعسة، علماء يشقيهم فكر يعيدهم طلاب علم،  ويسعدهم كثرة تبع ولو خربت البلاد.

كان مما يليق بالله أن يرفع من قدر رجل يقول:  أن الإسلام بريء من سل السيف ضد من يسل القلم، ومن شن الحرب على من يشن الفكر، ومن تعليق المتأملين على أعواد المشانق.

هل نخطيء حين نقول أنه كان لا بد لله تعالى من موقف رهيب رحيم عندما يتحول حَمَلةُ أطهر كتاب والمصلون على أطهر رسول إلى كائنات صدئة تجبن أمام العدو، وتخون من يحررها، وتقبع على جيفة الدنيا الدنيئة عاكفة لاهفة..  سباع بشرية من السهل عليها الولوغ في الدم البشري لمواطنيها،  والله مطلع رقيب على كامل الصورة في العالم،   وأمامه في العالم فكر متربص بدين الإسلام ونظر وفلسفات وأقلام ترقب،  وتكتب وتسخر من الإسلام الذي يحبه الله، وتسب الله العظيم بناء على سلوكيات المسلمين وفهمهم وتبريراتهم.

كان لا بد لا بد لله تعالى أن يرسل النجدة. لأن الإبلاس كان قد بلغ منتهاه عند من يحس بمنتهاه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك