تحقير الحسين شقاوة والحاد من الدرجة القصوى
التاريخ: 2010-12-10

تحقير الحسين شقاوة والحاد من الدرجة القصوى

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • حادثة كربلاء ظلم شنيع وامتداد لحادثة شهادة سيدنا عثمان
  • قاتلي الحسين كانوا ينطقون بالشهادة ولكن لم يكونوا مؤمنين بالله في الحقيقة
  • موقف معاوية من أبيه وجده
  • إن الحسين من الأصفياء

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

هناك بيت من الشعر من نظْم سيدنا المصلح الموعود ما معناه

هم يجعلونكم حُسينًا ويُصبحون يزيديين، وما أفضل هذه الصفقةَ فدعُوا العدو يُوجِّه إليكم السهام.

هذا شعر من قصيدته الطويلة التي نصح فيها أبناء الجماعة بالتمسك بالصبر والتحمل والاستقامة، وقد نظمها في 1935 يوم كانت الجماعة تواجه اعتداءات العدو وتتعرض للاضطهاد. على كل حال، لا أريد الآن أن أشرح هذه القصيدة هنا وإنما أودّ أن أتكلم انطلاقا من مضمون هذا البيت، فبقراءة هذا البيت يمْثل أمام كل مسلم حادثٌ مؤلم ومرير من تاريخ الإسلام. لكن لا يقدر على إدراك حقيقة هذا الحادث المفجع المحزن إدراكا صحيحا إلا من تعرَّض شخصيا لهذه المظالم، ولا شكَّ أن كل مسلم يُبدي الهم والأسى على هذا الحادث الهمجي ويُعرب عن مؤاساته للمظلومين. كما يقوم الشيعة بهذا الإظهار في شهر محرم كل عام حسب طريقتهم ونرى أنهم يغالون في ذلك، لكن ذلك أسلوبُهم، وهم يقومون بهذا الإظهار. لكن لا يقدر على إدراك حقيقة هذه المظالم إلا مَن كان يعيش حياة المظالم هذه.

حادثة كربلاء التي قُتل فيها سيدُنا الإمام الحسين وعددٌ من أفراد عائلته وأصحابه بظلم شنيع، هي الأخرى استمرارٌ لحادثة شهادة عثمان .

ومَن يمكن أن يحيط ويتصور بحادثة الكربلاء – في هذا العصر – أكثر من أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية؟ ولهذا قال حضرة المصلح الموعود : هم يجعلونكم حسينا ويصبحون يزيديين، فمَن هذان الفريقان يا تُرى؟

فاعلموا أن كل فريق منهما كان ينطق بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله، أو كان يدَّعي النطق بهما، فصار أحدُهما مظلوما بإدراكه لحقيقة الشهادتين، أما الثاني فصار ظالما بعدم مراعاته لآداب الشهادتين. حادثة كربلاء التي قُتل فيها سيدُنا الإمام الحسين وعددٌ من أفراد عائلته وأصحابه بظلم شنيع، هي الأخرى استمرارٌ لحادثة شهادة عثمان ، فحين تبدأ التقوى بالتضاؤل، وتتغلب المصالح الفردية الشخصية على المصالح القومية وتُؤثَر الدنيا على الدين فهكذا يحدث، حيث تبلغ الهمجية والوحشية منتهاها، وتُسفك دماءُ أهلِ الله باسمه ، فما أكبرها من شقاوة حيث يُجعَل الناطقون بالشهادتين عرضةً للمظالم والاعتداءات والآلام، على أيدي الناطقين بالشهادتين، الذين لا يتورعون حتى من سفك دماء الأطفال والأبرياء. والذين يضحّون بأنفسهم وأموالهم وشرَفِهم لوجه الله ورسوله يتعرضون للآلام والأذى والمصائب باسم الله ورسوله. وأي شقاوة أكبر من شقاوة هؤلاء الذين يمارسون المظالم والاعتداءات المتناهية باسم الله ورسوله؟! يقول القرآن الكريم في بيان الحالة السيئة لهؤلاء

  وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا   (النساء 94)

فقد استخدم الله بحق هذا القاتلِ كلماتِ السخط الكبير، فلم يقلْ إنه سيُلقى به في جهنم فقط، بل قال خَالِدًا فِيهَا وأن غضب الله سينـزل عليه على الدوام وسيبقى محلَّ لعنة الله. فهذه الجحيم وغضب الله ولعنتُه، ليستْ مما يُستهان به، بل إنها لَعذابٌ عظيم. وأي شقاوة أكبر من أن يواجه الإنسان غضبَ الله ولعنتَه وعذابَه العظيم في نار جهنم على الدوام رغم كونه ينطق بالشهادتين؟ فإن الذين يقومون بمثل هذه التصرفات الجائرة لمصالحهم الشخصية ولأهوائهم الدنيوية، يواجهون سخطَ الله العظيم، أما المظلومون فيتلقَّون من الله شرف أنهم

  أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (آل عمران 170)

فهم أحياءٌ عند الله يُرزَقون. فهكذا يعاملُهم الله، فأي إنعام أكبر من أن يُعتبر الإنسانُ حيًّا عند ربه ويتلقى منه الرزق في جناته. أما الإمام الحسن والإمام الحسين فقد قال النبي عنهما إنهما “سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ” (سنن الترمذي)، كما كان يدعو الله لهما قائلا: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا (سنن الترمذي).. فإن الذي كسب فيوضَ دعاء النبي لهذه الدرجة ثم استُشهد في سبيل الله فلا شك أنه نال أسمى أرزاق الجنة حسب الوعد الإلهي، وليس من شك في أن قاتليه تلقَّوا غضب الله.

هذا الشهر أي شهر محرم الذي نمرّ من العشرة الأولى منه في هذه الأيام، كان الظالمون قتلوا حبيب النبي هذا في العاشر منه قبل أربعة عشر قرنا بأسلوب وحشيّ ترتعد لسماعه الفرائص؛ فلم يفكِّر أولئك الظالمون على أي شخصية يرفعون السيف، لكن المرء – كما قلت – حين يفقد إيمانَه تنطمس جميع العواطف والمشاعر منه بل يختفي خوف الله، وحين يختفي خوف الله من قلب الإنسان فلا يبقى عنده أحدٌ يمتاز عن غيره، ولا يفكر أيٌ من الناس حائز على مكانة مرموقة عند الله أو عند رسوله. فكيف استُشهد الإمامُ الحسين! وأي معاملة قاسية تلقّاها جثمانُه المبارك! عندما يسمع الإنسان إلى تفصيل ذلك يستيقن أن هؤلاء لم يكونوا مؤمنين بالله في الحقيقة وإن كانوا ينطقون بالشهادتين باللسان في الظاهر.

لاحظوا كيف صفعَ الابن بأقواله هذه وجه أبيه وجده، لأنه كان يخاف الله، وكان يتحلى بشيء من التقوى. ولا غرابة في أن يولد لدى أهل الدنيا من يحبون الحق والحقيقة ويراعون العدل والإنصاف.

كان النبي قد بُعث ليقيم القيم الإنسانية فكان قد بيَّن قواعد الحرب وأسسها، وقد علَّمَنا الله في القرآن الكريم أن نتمسك بالعدل بخصوص التعامل حتى مع الأعداء الذين كانوا عازمين على القضاء على النبي والإسلام. فقد نها عن التمثيل بجثثهم وإهانتها إذا قُتلوا في الحرب على عكس ما كان شائعا عند العرب. فكان قد بُعث للقضاء على جميع المستحدثات والبدع والتقاليد التي تحط من شأن القيم الإنسانية؛ فقد عفا حتى عن الكفار ورفِق بهم.

أما الحفيد الحبيب لنبي الله الحبيب فهو الذي كان يدعو الله تعالى له: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ، ثم قال مَن أحبَّهما فقد أحبَّني ومن أحبني فقد أحبَّ الله ودخل الجنة، ومن أبغضه فسيتعرض لسخط الله.

إن الذين يحبون أحدا بإخلاص وصدق فهم يحبون أحباءه أيضا، لا أن يدّعوا العشق والحب من ناحية ويكرهوا أحباء ذلك العشيقِ والحبيبِ وأولادَه، كما لا يصحّ دعوى حب أحد لأحد إذا كان يحب أحباءه في حياته وبدأ ينفر منهم فور وفاته وأنهى كل شيء. فهذا يمكن أن يكون دأب أهل الدنيا، أما أهل الله فلا يمكن أن يقوموا بهذا التصرف أبدا.

ففي رواية أن سيدنا أبا بكر كان يمر من طريق في عهد خلافته فرأى حفيد النبي يلعب مع الأولاد فحمله على كتفيه وقال مداعبا إياه، إنني أحبُّه لأن النبي كان يحبه كثيرا، فهذه هي أساليب الحب والوفاء، أما المعاملة القاسية التي تلقَّاها في كربلاء، فتتضمن إهانة التعليم الذي جاء به النبي .

فقد ورد في الروايات أن الأعداء حين غلبوا على جيش الإمام حسين صرفَ وجه فرسه إلى الفرات، فحث أحدُهم الناس على أن يسدّوا طريقه فمنعَوه من الذهاب إلى الفرات، ثم رماه بسهم فأصاب ذقنه. يقول الراوي إن الإمام حسين كان معتمًّا وكان مخضوبا بالوسمة، وسمعته يقول قبل أن يُقتل وهو يقاتِل على رجليه قتالَ الفارس الشجاع يتقي الرمية ويفترص العورة ويشد على الخيل وهو يقول: أعلى قتلي تحاثّون؟ أما والله لا تقتلون بعدي عبدا من عباد اللهِ اَللهُ أسخطُ عليكم لقتله مني! وأيم الله إني لأرجو أن يكرمني الله بهوانكم ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون، أما والله أن لو قد قتلتموني لقد ألقى الله بأسكم بينكم وسفك دماءكم ثم لا يرضى لكم حتى يضاعف لكم العذاب الأليم.  (تاريخ الطبري)

لكنهم قتلوه. وأريد أن أخبركم كيف عاملَه الكوفيون فقد بدأوا ينهبون الخيم وينـزعون الثياب عن رؤوس النساء. ثم نادى عمر بن سعد مَن سيدوس الحسين بفرسه فتقدَّم عشرة فرسان فداسوا جثمانه الطاهر، حتى تمزق صدره وظهره.

في هذا القتال وُجد بالحسين حين قُتل خمسٌ وأربعون طعنة وفي رواية ثلاث وثلاثون طعنة وثلاث وأربعون ضربة بالإضافة إلى رميات الأسهم، ثم قُطع رأسُ الحسين بمنتهى الظلم وأرسل إلى حاكم الكوفة عبيد الله بن زياد في اليوم التالي، فنصبَه بدوره في الكوفة، ثم أرسل بيد زحْر بن قيس إلى يزيد.

فهكذا عومِل جثمانه الطاهر بعد القتل، فأي همجية أكبر من هذه؟ فقد ديس جثمانه وقطع رأسه عن الجسد.

…. لعل مثل هذه الإهانة للجثة لا تصدر إلا من أخبث الأعداء الألداء، إلا أنها لا يمكن أن تصدر بحال من الأحوال ممن ينطق بالشهادتين وينسب نفسه إلى النبي الذي أكد لأتباعه الالتزام بالقيم الإنسانية السامية. فلا يدل هذا الفعل إلا على الجشع لدى أصحابه، وعلى أنهم كانوا أهل الدنيا الدنيئة الذين لا يتورعون عن شيء من أجل تحقيق أهدافهم، وهذا ما فعلوه حقيقةً، فما كانت لهم أية علاقة بالدين. لقد شعر الإمام الحسين تهافتهم على الدنيا فرفض بيعة يزيد. يقول سيدنا المسيح الموعود :

لم يقبل الإمام الحسين أن يبايع على يد الفاسق الفاجر لأن ذلك يسبب فسادًا في الدين. ثم قال: لقد أجمع معظم الناس على بيعة “يزيد النجس” ولكن الإمام الحسين وجماعته لم يقبلوا هذا الإجماع وظلوا خارجين عنه، ولكن رغم عدم قبوله بيعة يزيد حاول الإمام الحسين أن يتصالح معهم. فلما رأى خطر إراقة دماء المسلمين قال لأصحابه: يمكنكم أن ترجعوا لأن الظروف الآن قد تغيرت، فلم يبق معه إلا العدد القليل الذي أصر على البقاء معه ولم يكن عددهم يتجاوز الثلاثين أو الأربعين بالإضافة إلى أفراد عائلته. ثم قال لمندوبي يزيد أيضا بأنني لا أريد القتال معكم فلتتركوني أرجع وأعبد ربي، أو دعوني أتوجه إلى بعض الثغور حتى أقاتل وأستشهد في سبيل الله، أو خُذوني إلى يزيد حتى أفهّمه حقيقة هذا الأمر، إلا أن المندوبين لم يقبلوا أمرا من هذه الأمور، فلما سُلّطت الحرب عليه لم يبق أمامه خيار آخر سوى أن يقاوم العدو كالرجال بكل بسالة. على أية حال كان عددهم قليلا جدًّا لا يتجاوز السبعين أو الاثنين والسبعين نفرًا في حين أن جيشًا عظيمًا كان يواجههم فأنى لهم مقاومته؟ على أية حال، فقد ضحوا بحياتهم من أجل هدف نبيل، واستشهدوا واحدًا بعد آخر،كما قال المسيح الموعود . إن لله طُرُقَه للانتقام من الظالمين، وكما قال الإمام الحسين أن الله تعالى سينتقم لاستشهادي فقد انتقم الله تعالى بنفسه، وأحرز يزيد نجاحًا مؤقتًا إلا أنه ليس من أحد اليوم يذكر يزيد بسبب سمعته الطيبة، إذ لو كان يذكر بسبب سمعته الطيبة لسمّى المسلمون أولادهم على اسمه إلا أنه لا يرضى اليوم أحد أن يسمي ابنه على اسم يزيد، ولا يذكره إلا بالاسم الذي ذكره به المسيح الموعود ألا وهو “يزيد النجس”.

فما أعظم هذه الشهادة التي أفادت أن ابن يزيد لم يكن موافقا على خلافة أبيه ناهيك عن الناس الآخرين… قرر في نفسه بعد تفكير جادّ أن عليًّا كان أحق بالخلافة من جدّه والحسن والحسين من أبيه … وليس ثمة إساءة وإهانة أكبر من أن يفضح الأولاد أباهم ويكشفوا حقيقته للناس ويبرهنوا على أنه كان أقل درجة من غيره.

لقد ضحى الإمام الحسين بنفسه لهدف نبيل، لم يكن حضرته يبغي الملك بل كان يريد أن يقيم الحق فقد أنجز ما أراد. لقد شرح المصلح الموعود هذا الأمر شرحًا عظيمًا إذ قال: إن الأصل الذي وقف الإمام الحسين مؤيدًا له هو أن انتخاب الخلافة حق لأهل البلد والجماعة، ولا يمكن أن يتوارث أحد هذا الحق من والده. وهذا الأصل مقدس اليوم أيضا كما كان مقدسًا من قبل، بل إن استشهاد الإمام الحسين قد أبرز هذا الأصل أكثر من ذي قبل.

فكان الإمام الحسين هو الناجح في الحقيقة لا يزيد. ثم انظروا كيف انتقم الله تعالى من يزيد انتقامًا شديدًا، يقول عنه المصلح الموعود في كتابه “الخلافة الراشدة”: يُذكر في التاريخ أنه بعد موت يزيد تولى الحكم ابنه معاوية، فأخذ البيعة من الناس ثم دخل بيته ولم يخرج منه طيلة أربعين يوما. ثم خرج يومًا وقام على المنبر وقال للناس: لقد أخذت البيعة منكم، ولكن ليس لأنني أعُدُّ نفسي أهلا لها بل لأنني ما أردت أن يتفرق شملكم، وبقيت في البيت طوال هذه الفترة أفكر فيمن هو جدير بأخذ البيعة فيكم حتى أسلّم إليه هذه الأمارة وتبرأ منها ذمتي، ولكن بعد التفكير العميق لم أجد فيكم أحدًا. لذلك يا أيها الناس، اعلموا أنني لست أهلا لهذا المنصب، وأريد أن أقول أيضا أن أبي وجدّي أيضا لم يكونا أهلا له، إذ كان أبي أقل درجة من الحسين، وكان والده أقل درجة من والد الحسن والحسين. كان عليٌّ يستحق الخلافة وكان الحسن والحسين بعده أحق بالخلاقة من جدي وأبي، لذلك فإني تركت لكم أمرَكم.

لاحظوا كيف صفعَ الابن بأقواله هذه وجه أبيه وجده، لأنه كان يخاف الله، وكان يتحلى بشيء من التقوى. ولا غرابة في أن يولد لدى أهل الدنيا من يحب الحق والحقيقة ويراعي العدل والإنصاف.

على أية حال، قال (معاوية بن يزيد): ولّوا عليكم من يصلح لكم. وكانت أمه تسمع كلمته من وراء حجاب، فلما سمعت كلماته هذه قالت: يا أيها الشقي، لقد ألحقت بكلماتك هذه وصمة عار إلى أسرتك ومرَّغْتَ شرفها في التراب. فردّ عليها قائلا: لقد قلتُ الحق، ولا أبالي بماذا تصِفونني بعده. ثم رجع إلى البيت وبقي فيه حتى وافته المنية خلال أيام قليلة.

فما أعظم هذه الشهادة التي أفادت أن ابن يزيد لم يكن موافقا على خلافة أبيه ناهيك عن الناس الآخرين. لم يفعل ابنه هذا طمعًا في شيء أو خوفا من أحد، بل قرر في نفسه بعد تفكير جادّ أن عليًّا كان أحق بالخلافة من جدّه والحسن والحسين من أبيه، أما هو فلا يرى نفسه قادرًا على حمل هذا العبء. فلا يمكن أن تُعتبر تولية معاوية ليزيد انتخابًا. وليس ثمة إساءة وإهانة أكبر من أن يفضح الأولاد أباهم ويكشفوا حقيقته للناس ويبرهنوا على أنه كان أقل درجة من غيره.

نتعلم من استشهاد الإمام الحسين دروسًا وعبرًا كثيرة. لقد صمد بالحق وبالتالي نشره في العالم كله. وضحّى بروحه من أجل إقامة الحق. ومن واجبنا نحن أيضا أن نستعين بالله تعالى دومًا كي يوفقنا للسلوك في الصراط المستقيم.

لقد ذكر المسيح الموعود أن المسيح الموعود شُبه بالإمام الحسين على سبيل الاستعارة الدقيقة، مما يدل على أن المسيح المحمدي سوف يأخذ نصيبًا من هذا التشبيه. ولكن لن يعيد عصرُ المسيح الموعود الأمور نفسها التي حدثت في الماضي، لأن من قدر الله تعالى أن لا تعاد تلك الأمور التي أدت إلى إضعاف الإسلام في الماضي. ولكن يجب علينا التركيز على الدعاء في كل الأحوال حتى نتجنب أمورًا تسبب عثارا في مجال الإيمان.

فكما قلت إن الله تعالى لن يدع  تلك الأمور التي حدثت في الماضي تتكرر، ومن بينها انقطاع الخلافة. فهناك نظام راسخ الآن لانتخاب الخليفة، ولقد أنبأ النبي أن الخلافة ستبقى مستمرة بعد وفاة المسيح الموعود والإمام المهدي . ولقد ذكر المسيح الموعود أيضا أن تلك الأمور الماضية لن تُعاد في عصرنا الراهن وقال: إذا كان آدم الأول قد أُخرج من الجنة فقد سماني الله تعالى أيضا آدم حتى يتم إدخال بني آدم في الجنة من جديد. ثم قال حضرته: لقد صلب اليهود المسيح الأول وقد سماني الله تعالى مسيحًا وهيأ أسبابًا لكسر الصليب أي لن يقدر اليهود على صلب المسيح مرة أخرى. وهكذا فسيبدل الله تعالى فشل المرة الأولى بالنجاح في المرة الثانية. ونؤمن بأنه إذا كان يزيد قد قتل الحسين الأول بسبب قوله الحق فإن الله تعالى في عصر الحسين الثاني سوف يهزم أفواج يزيد. فمن الدروس التي نتلقاها من شهر محرّم هي أن نداوم على الصلاة على النبي وآله، وأن نسعى جاهدين لأداء واجبنا بالصلاة على النبي والدعوات وإحداث التغييرات الطيبة في النفوس من أجل تحقيق أهداف إمام هذا الزمان، وأن نصمد بكل ثبات مقابل كل مَن يحملون صفات يزيدية. واعلموا يقينًا أنه لن يحرز يزيد أي نجاح هذه المرة بل الحسينيون هم الفائزون بإذن الله. لا يوفَّق الإنسان للثبات إلا بتوفيق من الله تعالى. ولقد أمرنا الله تعالى أن ندعوه ونستعين به بالصبر والصلاة. ليس الصبر تحمل الظلم بكل صمت بل الصبر أيضا المداومة على الأعمال الحسنة وقول الحق دون الاكتراث بالمخاطر والأهوال. فينبغي أن نتمسك بالأسوة التي قدمها الإمام الحسين في إظهار الحق، فلو فعلنا هذا فسنكون قد ساهمنا في إحراز ذلك الفوز والنجاح الذي قُدّر للمسيح الموعود .

إن للصلاة على النبي علاقة قوية باستجابة الدعاء، ولقد لفت المسيح الموعود أنظارنا إلى هذا الأمر، وورد في الأحاديث الشريفة أيضا تأكيد عليها، بل أكثر من ذلك نبهنا الله تعالى في القرآن الكريم إلى أهمية الصلاة على النبي . لذلك يجب أن نهتم بالصلاة على النبي دومًا ولا سيما في هذا الشهر.

على أية حال، أُخبِر جماعتي بواسطة هذا الإعلان بأننا نعتقد أن “يزيد” كان سيئ الطوية، ودودة الدنيا وظالما، لم تتوفر فيه الصفات التي بسببها يُسمَّى أحد مؤمنا.

ولقد سبق أن نبه الخليفة الرابع رحمه الله الجماعة إلى هذا الأمر بشكل خاص، وأذكّركم بالأمر مرة أخرى وأقول يجب أن تكثروا من الصلاة على النبي في هذا الشهر، فهو أفضل وسيلة لإظهار مشاعركم تجاه حادثة كربلاء وللاستعانة بالله تعالى من أجل القضاء على الظلم والاضطهاد. إن الصلاة على النبي وآله توجب سَكَنًا لذريته الظاهرية والروحانية، كما ترينا مظاهر الرقي والازدهار أيضا، وهي أفضل طريق لإظهار حب أحباء النبي ، إضافة إلى ذلك فالصلاة على النبي في عصرنا هذا ستجلب – بإذن الله تعالى – بركات كثيرة في سعينا لتحقيق أهداف المسيح الموعود العاشقِ الصادق للنبي الكريم .

ندعو الله تعالى أن يوفقنا للإكثار من الصلاة على النبي في هذه الأيام خاصةً، لكي تكون هذه الصلاة مدعاة للبركات لنا نحن أيضا.

والآن سأقرأ على مسامعكم مقتبسا من كلام المسيح الموعود حول مكانة الإمام الحسين ، وعلى كل أحمدي أن ينتبه دائما إلى هذه المنـزلة الذي أنزله المسيحُ الموعود . لقد أُخبر حضرته أن أحدا من الأحمديين قد قال كلاما غير لائق عن مكانة الإمام الحسين فقال:

لقد علمت أن بعضا من قليلي الفهم الذين ينسبون أنفسهم إلى جماعتي يقولون عن الإمام الحسين إنه كان متمردا لعدم بيعته الخليفة أي يزيدَ، وإن “يزيد” كان على الحق، فلعنة الله على الكاذبين. لا أتوقع أن تخرج مثل هذه الكلمات الخبيثة من فم شخص صادق من جماعتي.

على أية حال، أُخبِر جماعتي بواسطة هذا الإعلان بأننا نعتقد أن “يزيد” كان سيئ الطوية، ودودة الدنيا وظالما، لم تتوفر فيه الصفات التي بسببها يُسمَّى أحد مؤمنا. إن كون المرء مؤمنا ليس سهلا، يقول الله تعالى بهذا الصدد:

قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا (الحجرات: 15).

المؤمنون هم الذين تشهد أعمالهم على إيمانهم، ويُكتب الإيمان في قلوبهم ويؤثرون ربَّهم ورضاه على كل شيء، ويختارون أدق سبل التقوى وأضيقها لنيل مرضاته ، ويستغرقون في حبه، ويبتعدون من كل ما يحول دون وصولهم إلى الله سواء أكانت حالة الأخلاق أو أعمالُ الفسق أو الغفلةُ أو الكسلُ. وكان “يزيد” الشقي محروما من هذه الصفات كلها وقد أعماه حب الدنيا. أما الحسين فكان طاهرا ومطهَّرًا، وهو، بلا ريب، من الأصفياء الذين يزكِّيهم الله تعالى بيده ويعمرهم بحبه، وهو من سادة أهل الجنة بلا شك. وإن مثقال ذرة من البغضاء تجاهه يؤدي إلى سلب الإيمان. إن تقوى هذا الإمام وحبه لله وصبره واستقامته وزهده وعبادته أسوة حسنة لنا. لقد هلك القلب الذي يعاديه، وقد فاز القلب الذي يُظهر حبه عمليا، ويعكس في نفسه نقوش إيمانه وأخلاقه وشجاعته وتقواه واستقامته، وحبه لله تعالى باتباعه الكامل كما تعكس المرآة النقية صورة شخص وسيم. إن هؤلاء الناس مخفيون من أعين الناس. مَن يستطيع أن يقدِّرهم إلا الذي هو منهم. إن عين الدنيا لا تعرفهم لأنهم بعيدون عنها جدا. فهذا كان السبب وراء شهادة الحسين لأن أهل الدنيا لم يُدركوا مكانته. أيَّ طاهرٍ أحبَّه أهل الدنيا من قبل حتى يحبوا الحسين ؟!

فباختصار، إن تحقير الحسين شقاوة وإلحاد من الدرجة القصوى. والذي يحقِّر الحسين أو أيًّا من الأئمة المطهَّرين أو يتفوه بحقهم بكلمة استخفاف إنما يضيع إيمانه لأن الله تعالى يعادي مَن عادى أصفياءه وأحباءه.” (مجموعة الإعلانات المجلد 2 ص 653- 654)

ندعو الله تعالى أن يرزقنا حب النبي وحبّ آله دائما، ويوفقنا أيضا للإكثار من الصلاة عليه . وادعُوا أيضا أن يرفع الله تعالى المظالم التي تمارَس باسم الله ورسوله حيثما كانت وفي أي بلد كانت، وأن يحفظ الجميع من القتل وسفك الدماء الذي يحدث خاصة في هذا الشهر بين أهل السُنَّة والشيعة وفِرق أخرى في باكستان وفي بعض البلاد الأخرى أيضا، ويحمي الله الجميع من الهجمات الإرهابية التي تلي التظاهرات في تلك البلاد عادة. فادعوا الله تعالى أن يمر هذا الشهر بخير وعافية ويكون مدعاة للأمن والسلام لجميع البلاد الإسلامية والمسلمين، ويوفقهم ليفهموا الغاية المتوخاة من شهادة الإمام الحسين ، ويصدِّقوا إمام هذا الزمان ويؤمنوا به.

بعد صلاة الجمعة والعصر اليوم سنصلي صلاة الغائب على أخَوينِ من أفريقيا وسيدة من بنغلاديش….

ندعو الله تعالى أن يرفع درجاتها ويلهم ذويها الصبر والسلوان، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك