الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد
التاريخ: 2010-11-19

الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • العمل الذي يقوم به المرء لوجه الله هو الوحيد يسمى العمل الصالح.
  • لقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أساليب الصبر في الحياة اليومية ونصحنا بكيفية معالجة أي وضع من الاوضاع.
  • الصبر على الظلم  عمل محبذ عند الله تعالى.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ  (العنكبوت 59)

لقد أنشأ رسول الله قوما أحرزوا التقدم في الإيمان، وكانوا موقنين وعلى ثقة وطيدة بأن النبي آخر أنبياء الله تعالى وقد اكتمل عليه الدينُ، وهذا هو الدين الذي إذا عمل المرء بتعليمه فيفوز برضوان الله . فحين بلغ إيمان الصحابة قمته صار كل عملٍ وتصرّف لهم ابتغاء وجه الله تعالى، فالعمل الذي يقوم به المرء لوجه الله تعالى فقط هو وحده يسمى العمل الصالح. فهذه الآيات تذْكر أناسا أحدثوا في نفوسهم انقلابا عظيما بقوة النبي القدسية، متخلين عن كل خصالهم السيئة السابقة، وقوّوا إيمانهم لدرجة أثبتوا أنهم سيبقَون مستعدين لتقديم كل تضحية عظيمة لتقوية إيمانهم وإحرازِ الأعمال الصالحة، وإذا اقتضى الوضعُ أن يتحملوا الأذى بصمت فيستحمّلون، لأنه في وقت من الأوقات حين لم يكن قد أُذِن

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ  (العنكبوت 59)

لقد أنشأ رسول الله قوما أحرزوا التقدم في الإيمان، وكانوا موقنين وعلى ثقة وطيدة بأن النبي آخر أنبياء الله تعالى وقد اكتمل عليه الدينُ، وهذا هو الدين الذي إذا عمل المرء بتعليمه فيفوز برضوان الله . فحين بلغ إيمان الصحابة قمته صار كل عملٍ وتصرّف لهم ابتغاء وجه الله تعالى، فالعمل الذي يقوم به المرء لوجه الله تعالى فقط هو وحده يسمى العمل الصالح. فهذه الآيات تذْكر أناسا أحدثوا في نفوسهم انقلابا عظيما بقوة النبي القدسية، متخلين عن كل خصالهم السيئة السابقة، وقوّوا إيمانهم لدرجة أثبتوا أنهم سيبقَون مستعدين لتقديم كل تضحية عظيمة لتقوية إيمانهم وإحرازِ الأعمال الصالحة، وإذا اقتضى الوضعُ أن يتحملوا الأذى بصمت فيستحمّلون، لأنه في وقت من الأوقات حين لم يكن قد أُذِن للمسلمين بِردّ العدوان كانت تقوية الإيمان تقتضي أن يتحملوا المصائب بصمت. فكان العمل الصالح يومذاك أن لا يُرد العدوان بالعدوان، فلما أُذن لهم بالهجرة من وطنهم فكان من مقتضى الإيمان القوي والعملِ الصالح أن يتركوا الوطن دون أي تردد. ثم حين أُمروا بالقتال لمعاقبة العدو فكان مقتضى الإيمان والعملِ الصالح أن يعاقبوا العدوَّ غير مبالين بأي عواقب دون النظر إلى امتلاكهم السلاح أو عدمه، ودون النظر إلى نسبة قوتهم إلى قوة العدو. باختصار حين يكون كل عمل وحسنة بعد الإيمان تابعةً لرضا الله تعالى، حيث يعتبر الإنسانُ روحَه أمانةً إلهية – كما أدّى الصحابة حقَّ ذلك – فيقول الله لأُدخلنّ هؤلاء في الجنة وسينالون حتى في الجنة غُرفا تجري من تحتها الأنهار. فالفوز بهذه الجنات علامة الحياة الخالدة، ويقول الله إننا نمتِّع بهذا الأجر الكُمّل في الإيمان وكلَّ عاملٍ لوجه الله فقط. وهؤلاء الفائزون بالجنات الخالدة جزاءً هم أولئك الذين قدّموا التضحيات بمنتهى الصبر وحافظوا على إيمانهم، وكانوا واثقين بأنهم إذا حافظوا على إيمانهم بصبر متوكلين على ربهم، وظلوا يُحرزون كل عمل ابتغاء وجه الله ولنيل رضاه فإن اللهَ صادقَ الوعد سيجزينّهم.

فالعمل الذي يقوم به المرء لوجه الله تعالى فقط هو وحده يسمى العمل الصالح. فهذه الآيات تذْكر أناسا أحدثوا في نفوسهم انقلابا عظيما بقوة النبي القدسية، متخلين عن كل خصالهم السيئة السابـقـة ….

لقد نشأ لديهم الاهتمام بتقوية الإيمان وإحراز الأعمال الصالحة نتيجة القوة القدسية للنبي وتربيتِه لهم، اليوم سأقدم انطلاقا من الصبر بعض الأحاديث التي تسلّط الضوء على الأساليب والطرق التي بيَّنها لنا النبيُ لخَلق هذا الخُلق في الصحابة، ثم كيف سجّل الصحابة -الذين ظلوا يتقدمون في الإيمان كل يوم بانتظام- أرفعَ معايير الصبر والاستقامة للفوز برضا الله تعالى. لقد علَّمَنا رسول الله أساليب الصبر في الحياة اليومية: من الشئون العامة إلى مقاومة الأعداء، ونصحَنا كيف نعالج أيّ وضْع. والحديث الذي أقدمه اليوم أولا لا يتعلق بعدو، بل يتعلق بالصبر في الحياة العائلية، وهو كيف يجب أن يكون التعامل بين الزوجين في البيت، إنني أتلقى رسائل كثير من النساء، هذا عدا ما يقدِّمْنَه من شكوى شفوية أمامي حين يتسنى لهن اللقاء، فيقلن إنهن أنجبن بنات فقط ولم ينجبن الذكور، وهن يتعرضن بسب ذلك لطعن الأزواج وأهلِهم على الدوام فصارت الحياة في البيت عذابا دائما. كما تكتب البنات أحيانا أن أباهن لا يحسن إليهن لكونهن بناتٍ وأنهن يتعرضن للأذى الدائم، ففي هذا الخصوص هناك حديث نبوي أود أن أعرضه عليكم، لأن كثيرين منكم يملكون علوم الدين ويساهمون في شئون الجماعة، ومع ذلك لا تكون معاملتُهم تجاه أهل البيت جيدة، وأعتقد أن الذي عنده رمق من الإيمان لن يجعل بناته أو زوجتَه محلَّ طعن لكونهن إناثا بعد الاستماع إلى هذا الحديث. عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللهِ مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِن الْبَنَاتِ فَصَبَرَ عَلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ حِجَابًا مِن النَّارِ. (الترمذي، أبواب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَنْ رَسُولِ اللهِ )

فمن ذا الذي لا تصدر منه أخطاء صغيرة أو ذنوب؟ ومن ذا الذي لا يريد أن يستعيذ بالله؟ فكل إنسان يتمنى ذلك، فهنا بشارة لأصحاب البنات أن المؤمن سيفوز بملاذ الله بسبب بناته. تظهر بعض المسائل في المجتمع بسبب البنات حتى في هذا المجتمع أيضا، فمن علامة المؤمن أنه يتحمّلها ويحلّها ولا يذكرها للبنات ولا يُزعج الأمهات لأنهن ولدن بنات فقط. وبسبب ذلك يقول الله تعالى إن هذه الأمور تكون حجابا بينه وبين النار.

ثم هناك حديث آخر ينصح الذين ينـزعجون بسرعة حيث يُبدون السخط لأتفه الأمور، وبسبب ذلك لا يحبون الاختلاط بالناس في المجتمع. فعَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ شَيْخٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ عَن النَّبِيِّ قَالَ: الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِن الْمُسْلِمِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ.  (الترمذي، أبواب صِفَةِ الْقِيَامَةِ وَالرَّقَائِقِ وَالْوَرَعِ عَنْ رَسُولِ اللهِ )

وبسبب هذا الاختلاط يمكن أن يتأثر الإنسان بأخلاق أحد وصبرِه، ويتلقوا منه درسا ويتم إصلاح المجتمع فيسعى الناس لإصلاحهم، ويؤدي هذا الاختلاط إلى إصلاح الآخرين، ثم إن سعة الصدر التي يَكسبها الإنسان بالصبر تدفعه إلى حسنات أخرى فيتمكَّن من الحسنات الأخرى، كما يتضمن هذا الحديث نصيحةً بأن يتحلى الإنسان بالصبر. إذن يجب أن يتجنب الإنسان الخصومات التي تحدث نتيجةَ انعدام الصبر على أتفه الأمور، وعلى ذكر هذا التحمل والصبر وجّه النبي نصيحة كما في هذا الحديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ الله قَالَ لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ. (البخاري، كتاب الأدب)

فالشديد في نظر الله ورسولِه مَن يكظم غيظه، وهذا هو العمل الصالح الذي يُكسب المؤمن قربَ الله ويقرِّبه إليه، فما هي أسوة النبي في الصبر فعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ خَادِمًا لَهُ قَطُّ وَلا امْرَأَةً لَهُ قَطُّ وَلَا ضَرَبَ بِيَدِهِ إِلا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ. وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ فَانْتَقَمَهُ مِنْ صَاحِبِهِ إِلا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللهِ فَيَنْتَقِمُ لِلَّهِ (مسند أحمد)؛ فهذه الأسوة العظيمة تقدم لنا صورة مثلى لحقيقة الصبر. ففي رواية حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ الأَنَّمَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ أُقْسِمُ عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا فَاحْفَظُوهُ قَالَ مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ وَلا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلا زَادَهُ الله عِزًّا وَلا فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسْأَلَةٍ إِلا فَتَحَ الله عَلَيْهِ بَابَ فَقْرٍ. (الترمذي، أبواب الزهد عن رسول الله ) فهنا أريد أن أقف لأتكلم عن الصبر أنه يجب أن تذكروا على الدوام أن الصبر على الظلم لوجه الله عملٌ مقبول عند الله لدرجة يزيد الله عزةَ الصابر، وإذا فهم الناس في مجتمعنا هذا الأصل في الشئون اليومية فيمكن أن ينشأ مجتمع آمن. ثم في رواية أخرى عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدٍ عَنْ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ عَجِبْتُ لِلْمُسْلِمِ إِذَا أَصَابَهُ خَيْرٌ حَمِدَ اللهَ وَشَكَرَ وَإِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ احْتَسَبَ وَصَبَرَ. الْمُسْلِمُ يُؤْجَرُ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى فِي اللُّقْمَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى فِيهِ. (مسند أحمد)

وتفصيل ذلك في حديث آخر عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ : «عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ». (صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق)

وفي رواية أخرى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ … أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: «مَا يُصِيبُ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍّ وَلا حَزَنٍ وَلا غَمٍّ وَلا أَذًى حَتَّى الشَّوْكَةَ يُشَاكُهَا إِلا كَفَّرَ الله بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ.» (مسند أحمد، كتاب باقي مسند المكثرين)

“الْمُسْلِمُ إِذَا كَانَ مُخَالِطًا النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ خَيْرٌ مِن الْمُسْلِمِ الَّذِي لا يُخَالِطُ النَّاسَ وَلا يَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُمْ.” (الحديث)

ثم هناك رواية طويلة أخرى تتناول ذكر الذي يحبهم الله وكذلك الذين يبغضهم الله ، جاء فيها: عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: «بَلَغَنِي عَنْ أَبِي ذَرٍّ حَدِيثٌ فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاهُ فَلَقِيتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: يَا أَبَا ذَرٍّ بَلَغَنِي عَنْكَ حَدِيثٌ فَكُنْتُ أُحِبُّ أَنْ أَلْقَاكَ فَأَسْأَلَكَ عَنْهُ. فَقَالَ: قَدْ لَقِيتَ فَاسْأَلْ. قَالَ، قُلْتُ: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ ثَلاثَةٌ يُحِبُّهُمْ الله وَثَلاثَةٌ يُبْغِضُهُمْ الله قَالَ نَعَمْ فَمَا أَخَالُنِي أَكْذِبُ عَلَى خَلِيلِي مُحَمَّدٍ ثَلاثًا يَقُولُهَا قَالَ قُلْتُ: مَنِ الثَّلاثَةُ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ الله ؟ قَالَ رَجُلٌ غَزَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَلَقِيَ الْعَدُوَّ مُجَاهِدًا مُحْتَسِبًا فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا، وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ يُؤْذِيهِ فَيَصْبِرُ عَلَى أَذَاهُ وَيَحْتَسِبُهُ حَتَّى يَكْفِيَهُ الله إِيَّاهُ بِمَوْتٍ أَوْ حَيَاةٍ، وَرَجُلٌ يَكُونُ مَعَ قَوْمٍ فَيَسِيرُونَ حَتَّى يَشُقَّ عَلَيْهِم الْكَرَى أَوْ النُّعَاسُ فَيَنْزِلُونَ فِي آخِرِ اللَّيْلِ فَيَقُومُ إِلَى وُضُوئِهِ وَصَلاتِهِ. قَالَ قُلْتُ مَنِ الثَّلاثَةُ الَّذِينَ يُبْغِضُهُمْ الله قَالَ الْفَخُورُ الْمُخْتَالُ وَأَنْتُمْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَالْبَخِيلُ الْمَنَّانُ وَالتَّاجِرُ وَالْبَيَّاعُ الْحَلّافُ.» (مسند أحمد، كتاب مسند الأنصار) فترون أن النبي قال في هذه الرواية بأن الله تعالى يحب الصابرين كثيرا.

يقول سيدنا علي : الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد فإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان.

فهذه نصائح للمؤمنين ليعرفوا كيف يجب أن يُظهروا عواطفهم في الألم والمعاناة، وكيف يجب أن تكون ردة فعلهم. وقد أخبرنا الله تعالى ورسوله بهذه الأمور. ولقد جاء في الحديث عن كيفية الدعاء. عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ قَالَتْ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ: مَا مِنْ عَبْدٍ تُصِيبُهُ مُصِيبَةٌ فَيَقُولُ إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ اللهمَّ أْجُرْنِي فِي مُصِيبَتِي وَاخْلُفْنِي خَيْرًا مِنْهَا إِلا أَجَرَهُ الله فِي مُصِيبَتِهِ وَخَلَفَ لَهُ خَيْرًا مِنْهَا.» (مسند أحمد، كتاب باقي مسند الأنصار)

إن هذه الآلام والمعاناة قد تكون في الحياة الفردية أو في حياة الجماعة أو في الحياة القومية. ففي كل مكان ينطبق هذا المبدأ أي يجب أن نخضع دائما أمام الله تعالى ونتحمل هذه المصائب والمعاناة مظهرين الصبر والجلَد ونلوذ في كنف ملاذه ونسأله الأجر. وهذا ما يقوله الله في القرآن الكريم عن الذين يمرون بالمصاعب والابتلاءات حيث يقول : الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة 157-158)

والآن سأقدم إليكم بعض السوانح من حياة هؤلاء المهتدين الذين نالوا قرب النبي وحظوا بصحبته واستفادوا من تربتيه وضربوا أمثلة عليا للصبر والجلَد. فقد جاء في رواية: عن عَائِشَةَ رَضِيَ الله عَنْهَا قَالَتْ …..» فَلَمَّا ابْتُلِيَ الْمُسْلِمُونَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الْحَبَشَةِ حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الْغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ وَهُوَ سَيِّدُ الْقَارَةِ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ أَخْرَجَنِي قَوْمِي فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ فَأَعْبُدَ رَبِّي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لا يَخْرُجُ وَلا يُخْرَجُ فَإِنَّكَ تَكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَتَصِلُ الرَّحِمَ وَتَحْمِلُ الْكَلَّ وَتَقْرِي الضَّيْفَ وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ وَأَنَا لَكَ جَارٌ فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلادِكَ. فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لا يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلَا يُخْرَجُ أَتُخْرِجُونَ رَجُلا يُكْسِبُ الْمَعْدُومَ وَيَصِلُ الرَّحِمَ وَيَحْمِلُ الْكَلَّ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ، وَقَالُوا لابْنِ الدَّغِنَةِ مُرْ أَبَا بَكْرٍ فَلْيَعْبُدْ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَلْيُصَلِّ وَلْيَقْرَأْ مَا شَاءَ وَلَا يُؤْذِينَا بِذَلِكَ وَلا يَسْتَعْلِنْ بِهِ فَإِنَّا قَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا قَالَ ذَلِكَ ابْنُ الدَّغِنَةِ لأَبِي بَكْرٍ فَطَفِقَ أَبُو بَكْرٍ يَعْبُدُ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَلا يَسْتَعْلِنُ بِالصَّلاةِ وَلا الْقِرَاءَةِ فِي غَيْرِ دَارِهِ ثُمَّ بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَبَرَزَ فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَيَتَقَصَّفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ وَيَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلًا بَكَّاءً لا يَمْلِكُ دَمْعَهُ حِينَ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَأَرْسَلُوا إِلَى ابْنِ الدَّغِنَةِ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُ إِنَّا كُنَّا أَجَرْنَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ وَإِنَّهُ جَاوَزَ ذَلِكَ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ دَارِهِ وَأَعْلَنَ الصَّلَاةَ وَالْقِرَاءَةَ وَقَدْ خَشِينَا أَنْ يَفْتِنَ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا فَأْتِهِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى أَنْ يَعْبُدَ رَبَّهُ فِي دَارِهِ فَعَلَ وَإِنْ أَبَى إِلا أَنْ يُعْلِنَ ذَلِكَ فَسَلْهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْكَ ذِمَّتَكَ فَإِنَّا كَرِهْنَا أَنْ نُخْفِرَكَ وَلَسْنَا مُقِرِّينَ لأَبِي بَكْرٍ الاسْتِعْلَانَ. قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَتَى ابْنُ الدَّغِنَةِ أَبَا بَكْرٍ فَقَالَ قَدْ عَلِمْتَ الَّذِي عَقَدْتُ لَكَ عَلَيْهِ فَإِمَّا أَنْ تَقْتَصِرَ عَلَى ذَلِكَ وَإِمَّا أَنْ تَرُدَّ إِلَيَّ ذِمَّتِي فَإِنِّي لَا أُحِبُّ أَنْ تَسْمَعَ الْعَرَبُ أَنِّي أُخْفِرْتُ فِي رَجُلٍ عَقَدْتُ لَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ إِنِّي أَرُدُّ إِلَيْكَ جِوَارَكَ وَأَرْضَى بِجِوَارِ اللهِ.» (صحيح البخاري، كتاب الحوالات)

لقد ورد في روايات أخرى أن قريشا آذوا أبا بكر بعد ذلك كثيرا، وكانوا يجرونه من شعر رأسه ولحيته حتى سقطت معظم شعره. فقد جُعل عرضة لهذا النوع من الظلم ولكنه صمد في وجهه وصبر. والحال نفسه يجري في هذه الأيام في باكستان، إذ يقولون هناك بأنه ليس مسموحا لكم أن تصلّوا لأنكم قد تغوون أولادنا والضعاف منا لأنكم بأدائكم الصلوات مثل المسلمين تُظهرون أنفسكم مسلمين. لذا قد نُص بالقانون على منْعِكم من ذلك.

وأضف إلى ذلك أنه قد وصلنا خبر البارحة من مكاننين في باكستان بل قد نُشر في الجرائد أيضا هناك، جاء فيه أن المشايخ سجّلوا عند الشرطة قضية بأن الأحمديين يذبحون الأضاحي، وما دام ذلك يدخل في شعائر الإسلام لذا يجب يُمنعوا من ذلك لأن ذلك يجرح مشاعرنا. إذن، فقد بلغوا إلى هذه الدرجة. أما الشرطة، فقد بلغ بها الحال أيضا درجة أن استدعوا الأحمديين وحذّروهم بأنكم إذا كنتم تريدون أن تذبحوا الأضاحي فيجب أن تفعلوا ذلك داخل الجدران الأربعة، ويجب ألا يكون لها أيّ إظهار في الخارج، لأنه لا يحق لكم أن تذبحوا الأضاحي كما لا يحق لكم أن تجرحوا مشاعر المسلمين. ولكننا عندما فحصنا الأمر أكثر علمنا أن الأحمديين يذبحون ضمن الجدران الأربعة مسبقا ولا يُخبرون بذلك سوى أقاربهم الأقربين.

على أية حال، إن من شيمتهم أنهم يريدون أن يعيثوا فسادا ويتحرون الأعذار لهذا الغرض.

وهناك حديث آخر أن أم شريك رضي الله عنها حين أسلمت بدأت تبشر نساء قريش سرا، فهذا حادث غريب لصبر المرأة وصمودها. فقد جاء فيه:

«وقع في قلب أم شريك الإسلام، فأسلمت وهي بمكة، ثم جعلت تدخل على نساء قريش سرًّا فتدعوهن وترغِّبهن في الإسلام حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها، وقالوا: لولا قومك لفعلنا بك وفعلنا، لكنَّا نسيِّرك إليهم، قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء، ثم تركوني ثلاثًا لا يطعموني ولا يسقوني، وكانوا إذا نزلوا منـزلا أوثقوني في الشمس، واستظلوا هم منها، وحبسوني عن الطعام والشراب. فبينا هم قد نزلوا منـزلا وأوثقوني في الشمس، إذا أنا ببرد شيء على صدري، فتناولته فإذا هو دلو من ماء، فشربت منه قليلا، ثم نزع مني فرُفِع، ثم عاد، فتناولته فشربت منه، ثم رُفِع، ثم عاد، فتناولته، ثم رُفِع مرارًا، ثم تُركت فشربت حتى رويت، ثم أفضتُّ سائره على جسدي وثيابي، فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء، ورأوني حسنة الهيئة، فقالوا لي: انحللت فأخذت سقاءنا فشربت منه، قلت: لا والله، ولكنه كان من الأمر كذا وكذا، قالوا: لئن كنت صادقة لَدينُك خير من ديننا، فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها، فأسلموا عند ذلك»

وإنه لحادث عجيب حيث أعطاها الله تعالى جزاء صبرها فورًا فهيأ لها من عنده بكل محبة ما أروى غليلها وسد جوعها.

وورد في رواية أخرى أن أبا فُكَيْهَة كان مولى لبني عبد الدار، فلما أسلم تعرض لتعذيبهم حتى يرجع عن دينه ولكنه كان يأبى ذلك. فكانوا يُخرجونه في نصف النهار في حر شديد، وفي رجليه قيد من حديد، فيجردونه من الثياب، ويبطحونه في الرمضاء، ثم يضعون على ظهره صخرة حتى لا يتحرك، فكان يبقى كذلك حتى لا يَعقِل. فبقى يتحمل كل هذا دون أن يتزعزع صبره وثباته أبدًا.

الصبر على الظلم لوجه الله عملٌ مقبول عند الله لدرجة يزيد الله عزةَ الصابر، وإذا فهم الناس في مجتمعنا هذا الأصل في الشئون اليومية فيمكن أن ينشأ مجتمع آمن.

وكثيرا ما نسمع قصة بلال الذي كان مولى لأمية بن الخلف الذي كان يخرج به في الظهيرة فيطرحه على الأرض الملتهبة وهو عريان، ثم يأتي بحجر ثقيل ويلقي به فوقه، ويصيح به أن اذكر اللات والعزى واكفر بمحمد ( ) وإلا فستهلك بهذا العذاب، فكان يجيبه: أحد، أحد. وفي أحد الأيام مر أبو بكر الصديق وهم يعذبونه فاشتراه مقابل عبد آخر وأعتقه فورًا.

وهناك مثال صحابي آخر يُذكر في الروايات، وهو خباب بن الأرت ، يُذكر أنه دخل على عمر في عهد خلافته فأجلسه عمر على مُتكِئه وقال: ما على الأرض أحد أحق بهذا المجلس من هذا – أي خباب – إلا بلال بن رباح. فقال خباب: يا أمير المؤمنين لا شك أنه أيضا يستحق بذلك إلا أن بلالا كان له في المشركين من يمنعه الله به، ولم يكن لي أحد يمنعني، فلقد رأيتني يوما أخذوني، وأوقدوا لي نارا، ثم سلقوني فيها، ثم وضع رَجلٌ رِجله على صدري. ثم كَشف عن ظهره فإذا هو قد بَرِصَ.

كان خباب بن الأرت قَيْنًا يطبع السيوف، وكان رسول الله يألفه ويأتيه، فأُخبِرَتْ مولاتُه “أم أنمار” بذلك، فكانت تأخذ الحديدة المحماة فتضعها على رأسه، فشكا ذلك إلى رسول الله فقال: “اللهم انصر خباباً”، فاشتكت مولاته “أم أنمار” رأسها، فكانت تعوي مثل الكلاب، فقال لها الأطباء: اكتوى، فكان خباب يأخذ الحديدة المحماة فيكوي بها رأسها. (انظر: أسد الغابة، باب الخاء) وهكذا فقد انتقم الله منها.

لما رأى عثمان بن مظعون ما يلقى رسول الله وأصحابُه من الأذى، وهو يغدو ويروح بأمان الوليد بن المغيرة، قال عثمان: والله إن غدوي ورواحي آمنًا بجوار رجل من أهل الشرك، وأصحابي وأهل بيتي يلقون البلاء والأذى في الله ما لا يصيبني.. لَنقصٌ شديد في نفسي. فمضى إلى الوليد بن المغيرة فقال: يا أبا عبد شمس، وَفَتْ ذِمَّتُك، قد كنتُ في جوارك، وقد أحببت أن أخرج منه إلى رسول الله ، فلي به وأصحابه أسوة. فقال الوليد: فلعلك يا ابن أخي أوذيت أو انتهكت؟ قال: لا، ولكن أرضى بجوار الله، ولا أريد أن أستجير بغيره! قال: فانطلق إلى المسجد ورُدّ عليَّ جواري علنًا كما أعطيتك إياه علنًا، قال عثمان فلما بلغنا المسجد قال الوليد: هذا عثمان بن مظعون قد جاء ليرد علي جواري. فقال عثمان: صدق، وقد وجدته وفياً كريم الجوار، وقد أحببت أن لا أستجير بغير الله ، وقد رددت عليه جواره. ثم انصرف عثمان بن مظعون ولبيد بن ربيعة في مجلس قريش يلقي الشعر، فجلس معهم عثمان، فقال لبيد وهو ينشدهم:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

فقال عثمان: صدقت.

قال لبيد:

وكل نعيم لا محالة زائل

فقال عثمان: كذبت فإن نعيم الجنة لا يزول. فقال لبيد: والله يا معشر قريش ما كانت مجالسكم هكذا! متى دأبتم على طريق الإيذاء هذا. فقال أحدهم: إنه سفيهنا الذي انشق عن ديننا مع بعض أصحابه، فلا تأخذ كلامه على قلبك، فردّ عليه عثمان بكلمة، فقام سفيه منهم إلى عثمان بن مظعون فلطم عينه، فاخضرّت، فقال له الوليد بن المغيرة: والله يا ابن أخي لقد كنت في ذمة منيعة وكانت عينك غنية عما لقيت! فقال عثمان: عيني الصحيحة فقيرة إلى ما لقيت أختها، وجوار الله آمن وأعز. فقال الوليد: هل لك في جواري يا ابن أخي؟ فقال عثمان: لا أرب لي في جوار أحد إلا في جوار الله. (انظر: أسد الغابة في معرفة الصحابة، باب العين)

لا شك أن سيدنا محمدًا قد أعطى صحابته مناحي جديدة للعشق والحب والوفاء والصبر.

كان زيد ابن الدثنة أحد الصحابة الذين أُسروا يوم الرجيع، وابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه أمية بن خلف. فلما خرجوا به إلى التنعيم وقُدِّمَ للقتل قال له أبو سفيان: أنشدك الله يا زيد، أتُحبُّ أن محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال زيد: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي! فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمدٍ محمدًا.

ثم لاحظوا كيف كانت أمهات ذلك العصر يوصين أولادهن بالصبر والثبات، فقد ورد في إحدى الروايات أن عبد الله بن الزبير جاء إلى والدته يوم استشهاده، فأوصته: لا تخضع لما يشترطون عليك حتى تُنقذ من القتل ثم تتعرض للذلة والهوان. فوالله أن تقتل بالسيف وأنت عزيز أفضل من أن تضرب بجلدة واحدة وأنت ذليل.

فهكذا تتضح من خلال هذه الرواية عزيمة الأمهات وغيرتهن الإيمانية حيث كن يوصين أولادهم بألا يتخاذلوا ولا يبدوا ضعفا في إيمانهم.

هل عند أحد دليل على أن في الدنيا حزبا يملك الشجاعة والقوة والقدرة على المقاومة ودواعي البطولة كلها ثم صبروا على إيذاء العدو السفاك وتعذيبه إلى 13 عاما متتالية.

إنها لنماذج عجيبة للصبر والثبات أراها الرجال والنساء والشباب والشيوخ ونراها منثورة في تاريخ الإسلام في كل مكان. يقول المسيح الموعود وهو يذكر هذه النماذج الرائعة:

“لم يسبق نبينا في رفع السيف قط، بل ظل يتحمل التعذيب على أيدي الكفار إلى فترة طويلة، وصبر إلى درجة لا يمكن للإنسان القيام بها. وكذلك التزم أصحابه أيضا بالمبدأ نفسه. لقد أُمروا بالصبر على الإيذاء فصبروا وتمسكوا بالصدق. وُطئوا تحت الأقدام ولم يتأوّهوا. لقد قُتِّل أولادهم أمام أعينهم تقتيلا، وعُذِّبوا بالماء والنار ولكنهم مع ذلك امتنعوا عن مقاومة الشر وكأنهم أولاد رُضَّعٌ. هل يسع أحدا أن يثبت أن أمةً من أمم الأنبياء قد تمسكنوا إلى هذا الحد مع قوتهم والقدرة على الانتقام حيث امتنعوا عن المقاومة كما فعل أصحاب النبي ؟ هل عند أحد دليل على أن في الدنيا حزبا يملك الشجاعة والقوة والقدرة على المقاومة ودواعي البطولة كلها ثم صبروا على إيذاء العدو السفاك وتعذيبه إلى 13 عاما متتالية. إن صبر سيدنا ومولانا وأصحابه لم يكن بسبب الاضطرار بل كان أصحابه الشجعان يملكون في زمن الصبر أيضا القوة نفسها التي أبدوها في زمن الجهاد. فكان في بعض الأحيان ألف مجاهد يتصدى لمئة ألف من جنود العدو ويهزموهم. لقد حدث ذلك ليعلم الناس أن الصبر الذي أُظهر في مكة على سفك الأعداءِ الدماءَ ما كان سببه الجبن أو الضعف بل إنهم وَضَعوا الأسلحة بناء على أمر الله تعالى، واستعدوا ليُذبحوا مثل الشياه والخراف. لا شك أن هذا النوع من الصبر يفوق قدرة الإنسان. ولو قرأنا تاريخ العالم والأنبياء كلهم لما وجدنا هذه الأخلاق الفاضلة في أية أمة أو جماعة أي نبي. ولو اطلعنا على صبر أحد من السابقين لخطر بالبال فورا وكأن القرائن تجيز أن يكون الجبن أو عدم القدرة هو السبب الحقيقي وراء ذلك الصبر. أما أن تكون هناك جماعة تملك في الحقيقة براعة حربية وشجاعة وقلوبا قوية ثم تؤذَى ويُقتل أولادُها ويُجرَّحون بالسهام ومع ذلك لا تقاوم الشر، فهذه هي الصفة البطولية التي ظهرت بصورة كاملة من نبينا الأكرم وأصحابه إلى 13 عاما. الصبر الذي تمت فيه مواجهة المصائب الشديدة كل حين وآن والذي امتد على مدة طويلة أي 13 عام لا يوجد له نظير في الحقيقة. وإذا شك أحد في ذلك فليخبرنا أين نظير مثل هذا الصبر في الصلحاء الذين سبقوا؟ وهناك أمر آخر أيضا جدير بالذكر أن النبي لم يخبر الصحابة وهم يتعرضون لهذا الظلم بأية خطة للتخلص من هذا الظلم العظيم الذي مورس عليهم. بل نصحهم مرارا وتكرارا أن يصبروا على المعاناة. وإن استأذنه أحد للمواجهة فمنعه ، وقال: لقد أُمرتُ بالصبر. فكان النبي ينصحهم بالصبر دائما ما لم ينـزل الأمر من السماء للمقاومة. فابحثوا عن نظير هذا الصبر في الذين خلوا من البداية إلى النهاية، ثم اخرجوا لنا نموذجه، إن أمكن لكم، من قوم موسى أو في حواريي عيسى عليهما السلام.»

ندعو الله تعالى أن يوفقنا للصبر والصمود دائما. ولا سيما في البلاد التي يتعرض فيها الأحمديون لمعاناة شديدة مثل باكستان وبعض البلاد الأخرى حيث يُضيّق عليهم الخناق. فندعو الله تعالى أن يوفق الأحمديين هناك للصبر والاستقامة ويبطش بالأعداء بيد قدرته، وأن يكون كل عمل من أعمالنا لنيل رضا الله تعالى ونرث أفضاله دائما، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك