العلماء الأحمديون أناروا إندونيسيا بفكر التقدم
التاريخ: 2011-02-04

العلماء الأحمديون أناروا إندونيسيا بفكر التقدم

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • ردة فعل المسلمين الأحمديين عند أي مصيبة تكون بحسب أسوة المصطفى صلى الله عليه وسلم حيث نكتفي بقولنا إنا لله وإنا إليه راجعون.
  • هذا العمل الوحشي ( مقتل الأحمديين في إندونيسيا ) يتنافى مع أدنى مبادئ الإنسانية.
  • بداية الأحمدية في إندونيسيا كانت بذهاب أربعة شباب محليين إلى قاديان بايعوا ثم انخرطوا في الجامعة الأحمدية. وبعد تخرجهم رجعوا إلى بلادهم وسعوا لإنارتها بنور الأحمدية.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ * وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لله وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (البقرة 154-158)

يعتصر قلب كل أحمدي ألمًا بسبب استشهاد ثلاثة من أبناء جماعتنا في إندونيسيا مؤخرًا والذين قتلهم معارضو الأحمدية بمنتهى الوحشية والدموية. ولكن كما هو دأبنا فإننا كلنا -جماعةً وأفرادًا- نتحمل كل خسارة من مال أو نفس صابرين راضين برضا الله تعالى كما أمرنا ، فلا نقول إلا: إنا لله وإنا إليه راجعون. هذه هي علامة المؤمنين التي ذكرها الله تعالى.

من ذا الذي هو أكثر فهمًا لمعنى هذه الآيات التي تلوتها آنفًا من الأحمديين اليوم؟ إن العدو يعاملنا هكذا مرة بعد أخرى، ونحن بدورنا نتذكر هذه الآيات ونرددها في الجواب. وهناك أمر مشترك تجده في كل الأحمديين الذين يقدمون تضحيات النفس والمال سواء في ذلك الأحمديون في إندونيسيا أو باكستان أو أي بلد آخر، ألا وهو أنك تلاحظ في الجميع الروحَ التي نفخها فيهم المحبُّ الصادق للنبي محمدٍ ، والتي تليق بالمؤمن الحق، وهي ألا يكون ردة فعلنا عند أية خسارة نتكبدها وأية تضحية نقدمها في سبيل الله تعالى إلا قولنا: إنا لله وإنا إليه راجعون، فهذه هي أسوة سيدنا ومولانا محمد المصطفى ، وهذا ما نصح به صحابتَه الذين عملوا بنصحه هذا فعلاً. بل الحق أننا نجد أنه كلما ضيّق أعداءُ أيِّ نبيٍّ الخناقَ على أتباعه، وكلما قام فرعونُ كلِّ عصرٍ بتخيير المؤمنين بين القتل والارتداد، فإن المؤمنين اختاروا دائمًا الثبات على إيمانهم. ففي زمن موسى عندما تبينَ للسحرة أن ما أتى به موسى إزاء سحرهم هو ليس بسحر بل هو تأييد إلهي له وآيةٌ لا يمكن مقاومتها بالتدابير المادية، وأن الرسالة التي أتى بها موسى هي رسالة من الله حقًا، فما لبثوا أن آمنوا به، الأمر الذي صار تحدّيًا لأنانية فرعون، فاستشاط غضبًا وقال سوف أعذبكم على هذه الوقاحة عذابًا يجعلكم عبرة إلى الأبد. فما كان جواب هؤلاء المؤمنين لفرعون إلا أن قالوا: لن نؤثرك على ما رأينا من آيات الله، ولن نقدمك على الإيمان بالله تعالى،

  فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (طه 72)..

أي يمكنك أن تبذل كل ما في وسعك لردّنا عن الإيمان، ولكن ليس بوسعك إلا أن تقضي على حياتنا الدنيا، واعلم أن ما يعطينا الله تعالى بعد الإيمان به والتضحية في سبيله أفضل من مُلكك كثيرًا جدًا.

فإذا كان أتباعُ موسى يتحلّون بهذا الإيمان، فإننا نحن المسلمين الأحمديين نؤمن بأفضل الرسل وخاتم الأنبياء الذي نزلت عليه الشريعة الكاملة التي نستطيع بالعمل بها أن نبلغ ذروة الإيمان، ثم إننا مؤمنون بالمسيح المحمدي الذي أتى طبقًا لنبوءة النبي ، والذي أتى بالإيمان من الثريا ثانية وقام بتقوية إيماننا بإراءة الآيات المتتالية، فيكف يمكن بعدها أن نضيع إيماننا خوفًا من فراعنة هذا العصر أو أتباعِهم؟ مع أن الله تعالى يقول لنا في هذه الآيات: وَبَشِّرِ الصَّابرين ، ويبشّرنا بحياة الخلود جزاء على صبرنا وتقديمنا نفوسنا هديةً له. فالقوم الذين بلغوا هذه الدرجة من الإيمان لن تثنيهم التهديدات عن أهدافهم النبيلة، ولن تزعزعهم هذه الوحشية والقسوة التي بلغت المنتهى عن إيمانهم الراسخ. فيا أعداء الأحمدية العائشين في أي ناحية من أنحاء العالم، لن تستطيعوا أن تردّونا عن إيماننا قيد شعرة مهما اضطهدتمونا. إنكم لن تسمعوا من أي أحمدي في أي مكان إلا قوله: فاقض ما أنت قاض، أي افعلوا بنا ما شئتم، ولكنكم لن تقدروا على تردّونا عن إيماننا إن شاء الله تعالى.

ردة فعلنا عند أية خسارة نتكبدها وأية تضحية نقدمها في سبيل الله تعالى… إنا لله وإنا إليه راجعون، فهذه هي أسوة سيدنا ومولانا محمد المصطفى … وكلما قام فرعونُ كلِّ عصرٍ بتخيير المؤمنين بين القتل والارتداد، فإن المؤمنين اختاروا دائمًا الثبات على إيمانهم.

هذا ما قد ردّ به الأحمديون في إندونيسيا على العدو أيضًا. كانوا منذ فترة يتلقون منهم التهديدات من وقت لآخر، ولكن هؤلاء المؤمنين البواسل لم يبالوا بها مطلقًا. إن جماعتنا قليلة العدد في المكان الذي وقعت فيه هذه المجزرة المروعة، إذ يبلغ عدد الأحمديين هناك ثلاثين نفرًا بما فيهم الإناث والصغار. إنهم سبع عائلات فقط، ومع ذلك لم يرضخوا لمطالبة العدو بأن يعلنوا ارتدادهم عن الأحمدية ويتبعوا مشايخ هؤلاء القوم. إنّ أكبر ما طالبَهم به المشايخ أو أتباعُهم هنالك أن يُخرجوا المعلم الديني الأحمدي من بينهم، مع أن هذا المعلّم ليس غريبًا على القرية ولم يفد إليها من خارجها، بل هو من أهلها. فلما اشتدت المعارضة بدأ عشرون من الخدام (الشباب) من جماعاتنا المجاورة يحضرون بالتناوب إلى مركزنا في تلك القرية لحمايته كي لا يستولي عليه المعارضون. ذلك أن الشرطة تساند المعارضين عمومًا، وكان ولا يزال من دأبهم معنا أننا عندما نخلي مركزًا أو مسجدًا أو مكانًا لنا بأمر من المسؤولين الحكوميين أو المواطنيين فإن المسؤولين يقفلونه أو يساعدون المعارضين للاستيلاء عليه، أو إذا استولى عليه المعارضون بأنفسهم فيتواطأون معهم إذ لا يجبرونهم على إخلائه لنا. هذه هي خبرتنا معهم منذ عدة سنوات، ولذلك قررنا أننا لن نخلي أي مكان لنا بمطالبتهم بأي ثمن. المهم أن إخواننا هؤلاء كانوا بداخل مركز دعوتنا هنالك، حين هاجمهم هؤلاء الظالمون، فدخلوا في المركز بالمناجل والفؤوس والسكاكين والعصي، وجرحوا بعض الأحمديين، ثم جرّوا بعض الجرحى إلى الشارع. لقد قتلوا ثلاثة منهم وأصابوا خمسة منهم بالجراح، بينما ظلت الشرطة تتفرج على ما يجري دون أن تحرك ساكنًا. لا شك أن الجميع قد سمع هذا الخبر. غير أن أبناء جماعتنا هنالك ثابتون على إيمانهم، بل قد صاروا أرسخ إيمانًا من ذي قبل.

لقد نفّذ الظالمون هذا الظلم بأبشع أنواع القسوة والوحشية. لقد أعادوا بذلك ذكريات شنائع الكفار في الجاهلية. والمؤسف أن هؤلاء الظالمين المسلمين بالاسم قد ارتكبوا هذه الفظائع كعادتهم باسم “رحمة للعالمين ” الذي جاء لنشر الرحمة، والذي سنّ الضوابط الأخلاقية التي لا بد من العمل بها حتى في القتال أيضًا، والذي نهى عن التمثيل بجثث الأعداء المجرمين الحربيين، مع أنها كانت عادة شائعة بين العرب. لقد نهى عن ذلك لأن الإساءة إلى الميت لا يجوز بحال من الأحوال. هذا العمل الوحشي يتنافى مع أدنى المبادئ الإنسانية دَعْك عن المبادئ الدينية. ولكن هؤلاء الظالمين المهاجمين قد أساءوا إلى جثث إخواننا الموتى وشوّهوها حتى تعذرَ على الإخوة معرفتُهم. ولذلك حصل خطأ في ذكر أسمائهم في التقرير الأولي، إذ إن الإخوة لما فحصوا الجثث بدقّة علموا أنهم ليسوا المذكورين من قبل بل هم آخرون قد عرفهم أقاربهم ببعض علاماتهم. الحق أن هؤلاء المعارضين قد تجاوزوا الكافرين في الإساءة إلى الجثث. لا شك أن الألم ليعتصر قلوبنا باستشهاد إخواننا وما فُعل بجثثهم، ولكن أكبر ظلم ارتكبه هؤلاء الظالمون هو أنهم قد فعلوا كل ذلك باسم سيدنا ومولانا ومُحسِنِ الإنسانية ورحمةٍ للعالمين . لقد كان عملاً وحشيًا لدرجة أن وسائل الإعلام المحلية والعالمية قد تحدثت عنه، ولكنها رفضت بثّ مشاهده القاسية قائلين بأنها غاية في الوحشية ومسيئة إلى الإنسانية، فلا نستطيع بثها. إن قناة “الجزيرة” التي تغطي مثل هذه الأخبار مع الصور عادة هي الأخرى رفضت بث هذه المشاهد الفظيعة. لقد علّقتْ في أخبارها أنها مشاهد مروعة للغاية ومؤلمة جدًا، وظلت الشرطة تتفرج عليها دونما حراك، إذ جاءت مجموعة من المتظاهرين وشنّوا الهجوم على بيوت الأحمديين، فأخذوا في ضربهم وقتلهم، ثم قاموا بتعرية ثلاثة منهم، ثم قتلوهم بالحجارة والعصي والسكاكين والرماح. ثم قال معلق “الجزيرة” إن مشاهد هذا الحادث لا تصلح للبث.

هذا العمل الوحشي يتنافى مع أدنى المبادئ الإنسانية دَعْك عن المبادئ الدينية. ولكن هؤلاء الظالمين المهاجمين قد أساءوا إلى جثث إخواننا الموتى وشوّهوها حتى تعذرَ على الإخوة معرفتُهم.

وقد قالت لجنة حقوق الإنسان الآسيوية إن المواطنين المحليين يرون أن ما حصل مع الأحمديين من ظلم ووحشية عملٌ صحيح بحسب قرار لجنة المشايخ الإندونيسيين.

علمًا أن المراد من المواطنين المحليين هم الذين نفّذوا هذه المجزرة. هذه هي حالة علماء اليوم، إذ يحرضون المسلمين وباسم الإسلام على ارتكاب هذه الأعمال الظالمة الوحشية التي كان يرتكبها الناس في جاهليتهم قبل آلاف السنين.

وكتبت جريدة أخرى وهي The Economist: لم تقع هذه المجزرة نتيجة قتال بين المسلمين والمسيحيين، بل قد نفذها المسلمون ضد المسلمين.

وأضافت قائلة: إذا كان أحد يستطيع رؤية فيلم الأعمال الوحشية فسوف يجد أن هذه الوحشية والقسوة تفوق التصور ولا تُتوقع من هذا العالم المثقف المتحضر، وقد هزت كيان المواطنين الآخرين.

إن كثيرًا من الأحمديين قد شاهدوا الآن هذه المشاهد في الموقع، والجميع أخبرني أنه لم يطق رؤيتها أكثر من نصف دقيقة. وقد كتبت لي سيدة: لقد شاهدت هذه المشاهد سرًا فبكيتُ، فاستولى الحزن على أولادي لبكائي.

كذلك قد زارني أحد الإخوة الجزائريين، فأخذ يبكي بكاء عاليًا على ذكر قصة استشهاد هؤلاء.

إنه مشهد مروع للغاية لا يستطيع المرء رؤيته. ولكن هؤلاء القوم قد قسّوا قلوب أولادهم أيضًا إذ كانوا يتفرجون على هذا المشهد ويصفقون.

لقد نُشر هذا الخبر في كل الجرائد تقريبًا منها نيويورك تايمز، فايننشل تايمز. وقد نشرت الجريدة الإندونيسية “جكارتا بوست” مقالاً لأحد الإندونيسيين قال فيه: أيًا كان السبب وراء الهجوم على أبناء الجماعة الأحمدية مؤخرًا، إلا أنه يكشف جليًا أنه لم يبق في مجتمعنا أي مشاعر مهذبة وأفكار متحضرة تجاه الأقليات، مع أن لهؤلاء الأحمديين والفئات الدينية الأخرى كلها مساهمةً متساوية في بناء وطننا إندونيسيا.

وأضاف قائلا: إن هذا الحادث المؤسف قد صار وصمة عار لن تمحى من تاريخ إندونيسيا أبدًا.

وقال أيضًا: إن الذين يقولون إن تعاليم الجماعة الأحمدية غير إسلامية فلا يحق لهم أن يعيشوا، فهم كلهم ضالّون أو مُضَلّلون.

ثم قال: إن العلماء الأحمديون هم الذين قد أناروا إندونيسيا بالفكر الجديد.. فكر التقدم.. فكر القرن العشرين. لقد قرأ زعيمنا الرئيس سكارنو القرآن الكريم من ترجمة معاني القرآن التي قام بها أحد علماء الأحمدية، مما ساعده على فهم القرآن وزاده معرفة به. إننا شاكرون حقًا لهذه الجماعة الأقلية. إن لها خدمات جليلة لهذا البلد.

هذا ملخص ما ورد في هذا المقال الذي كتبه أحد أساتذة جامعة يوكياكرتا الإسلامية.

باختصار قد نشرتْ هذا الخبرَ شتى الجرائد المحلية منها جاكرتا بوست وجاكرتا غلوب، مُدينةً هذه المجزرة بكل شدة، ومنبهةً الحكومةَ إلى شناعة هذه العملية. نحمد الله تعالى أن وسائل الإعلام والمثقفين في إندونيسيا يتحلون بالشجاعة على الأقل، إذ رفعوا صوتهم ضد هذا الظلم. وما دام يوجد في ذلك الشعب قوم يرفعون الصوت ضد الظلم فيمكن أن نتوقع إصلاحهم. يا ليت المثقفين ووسائل الإعلام في باكستان أيضًا يتحلون بهذه الشجاعة.

إن معارضة الأحمدية في إندونيسيا ليست بجديدة، بل كما هو دأب القوى الطاغوتية الشيطانية مع الجماعات الإلهية عبر التاريخ، فإن جماعتنا كانت ولا تزال تلقى المعارضة بنوع أو آخر في البلاد الإسلامية خاصة. وقد تعرضت جماعتنا للمعارضة في إندونيسيا منذ تأسيسها، فلم يزل المشايخ هنالك يحاولون إغواء الناس عن الصراط المستقيم، ويعارضون جماعتنا دائمًا. وهذا هو دأب المشايخ المتعصبين أينما كانوا، فلا يقبلون الحق أبدًا، لأن لهم مصالحهم ومآربهم، إذ يرون أنهم لو قبلوا الحق لسُدّتْ طرق ارتزاقهم وفقدوا السيادة، وانكشف على الناس مبلغ علمهم.

على كل حال، أتناول اليوم بإيجاز تاريخ بداية الجماعة في إندونيسيا والاضطهاد الذي تعرضت له هناك، ثم أذكر شهداءنا الإندونيسيين.

لقد بدأت النشأة الثانية للإسلام في إندونيسيا ونفوذ الأحمدية هناك بشكل غريب بتصرف رباني. إنه لمن مفاخر هذا البلد أن أربعة من أبنائها قد ذهبوا إلى مركز الجماعة في قاديان وتشرفوا بالانضمام إلى الأحمدية بأنفسهم. لم يذهب قبْلهم أي من دعاتنا لنشر الأحمدية في بلدهم، بل إن هؤلاء الأربعة قد حضروا إلى قاديان بأنفسهم. إنهم لم يأتوا إليها للانضمام إلى الأحمدية، وإنما جاءوا صدفة. وبيان ذلك أنه في عام 1923 جاء أربعة من الشباب الإندونيسيين من منطقة سومطرة إلى الهند طلبًا لعلم الدين، وهم السيد أبو بكر أيوب، والمولوي أحمد نور الدين، والمولوي زيني دهالان، والسيد حاجي محمود، فساقهم القدر الإلهي إلى قاديان بعد أن ذهبوا إلى كلكوتا ولكهناو ولاهور. لقد زار هؤلاء الشباب الأربعة حضرةَ الخليفة الثاني في آب/ أغسطس عام 1923، وطلبوا منه التدبير لتعليمهم الدين. فقبل حضرته طلبهم، وخلال دراستهم انكشف عليهم صدقُ الأحمدية، فانضموا إليها. فهؤلاء الشباب الإندونيسيون الذين بايعوا في قاديان رجعوا إلى بلادهم وسعوا لإنارة بلدهم بنور الأحمدية. وكتبوا الرسائل من هناك إلى أقاربهم دعوهم فيها إلى الأحمدية وهكذا بدأت المنافذ تنفتح لنشر دعوة سيدنا المسيح الموعود في البلاد، فحين عاد المصلح الموعود من أوروبا، أقيمت على شرفه مأدبة الاستقبال في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1924، ففي تلك المأدبة التمس منه هؤلاء الطلابُ الإندونيسيون الأربعة أن يعير الانتباه لهذه الجزر الشرقية فوعدهم حضرته أنه سيزور بلدهم شخصيا أو من يمثّله بإذن الله. ثم اختار المولوي رحمةَ علي وأرسله إلى هناك فوصل إلى هناك عن طريق البحر في أيلول/ سبتمبر 1925 فنـزل أول الأمر في قرية تاباتوان الصغيرة التابعة لإقليم آتشيا في سومطرة، حيث كانت الثقافة والمجتمع جديدة له تماما وكانت اللغة مختلفة والناس أجانب ولم يكن له أحد من المعارف غير أن المشاكل والمصاعب في هذه المراحل البدائية لم تثبّط همة المولوي ولم تُضعف عزيمته. فبدأ يتعلّم اللغة ويدعو الناس إلى رسالة الأحمدية فرديا، وبعد فترة بدأت المناظرات والمساجلات أيضا، فأكرم الله جهود المولوي المحترم بتأييده ونصرته حيث بايع ثمانية أشخاص بفضل الله وتأسست أول جماعة في إندونيسيا خلال شهور. واستمرت البيعات بعد ذلك لكن هذا الموضوع طويل.

لقد واجه سيادة المولوي في البداية – كما قلت قبل قليل – مشاكل كثيرة منها مشكلة اللغة، ثم ظهرت المعارضة أيضا كما كانت الثقافة والتقاليد والعادات الاجتماعية أيضا مختلفة لكنه تغلَّب عليها كلِّها. لقد أفتى المشايخ أنه لا يجوز قراءة كتب الأحمديين ومقالاتِهم والاستماعُ إلى خطبهم ومحاضراتهم، ثم حين بدأ عدد الأحمديين المحليين يتزايد قاطَعهم الناس، وحتى أصحاب الجرائد رفضوا نشر أي خبر أو مقال للأحمديين، ثم ازدادت المعارضة لدرجة كانت جموع الناس البالغ عددهم ثلاثة آلاف تحتشد أمام بيت المولوي المحترم وكانوا يطلقون الشتائم ويستخدمون كلمات نابية ويرفعون هتافات مؤذية.

باختصار، قد لحقه بعد ذلك الحاجُ محمود أيضا، فأكرهه المشايخ على أن يكتب أنه ارتد عن الأحمدية ونشروا إعلانا بهذا الموضوع وأثيرت ضجة كبيرة، وبعد ذلك اشتدت معارضة المولوي أكثر وعاد الحاج محمود أيضا وسلّمه الله من مكايد المشايخ، وحين عرف المشايخ أن مكيدتهم باءت بالفشل بدأوا يسعون جاهدين بشكل جماعي لنفي المولوي المحترم من البلد، فوصلوا إلى رجال الحكم لكن الحكام قالوا لهم إنهم لن يتدخلوا في الأمور الدينية. على كلٍّ قد ظلت الأمور تسير على هذا النهج لفترة. وفي 1927 عُقدت بينه وبين المشايخ مناظرة في مدينة بَدانْج، حضَرها كبار المشايخ والصحفيون والمسؤولون الحكوميون، فأحرز الداعيةُ الإسلامي الأحمدي التفوق في هذه المناظرة، كما كان مقدرا من الله ، وواجه المشايخ المعارضون وجه الفشل مما مهد الطريق لدعوة الأحمدية. وفي أثناء ذلك تأسست الجماعة في المكان الثالث “دوكو” في إندونيسيا.

في 1929 عاد المولوي رحمة علي من هناك إلى قاديان، وأمره الخليفة الثاني مرة أخرى في عام 1930 بالذهاب إلى جزيرة سومطرة، فطلب من حضرته داعيةً إضافيا لمساعدته، فقبِل حضرته طلبه وأمر المولوي محمد صادق بالذهاب إلى إندونيسيا برفقة المولوي فتوجها إلى هناك معا.

ولما كانت الأحمدية تحرز شعبية في إندونيسيا بانتظام بدأت معارضتها أيضا تزداد.

في البداية واجهت الجماعات الثلاثة ابتلاء. ففي “تابك توان” أثيرت المشاكل للأحمديين من قبل الراجة (الحاكم أو الملك المحلي) هناك، حيث نهاهم الراجة المحلي من الصلاة بشكل منظم، حتى من صلاة الجمعة، كما حظر الدعوة إلى الأحمدية، ففُرضت عليهم كلُ هذه المشاكل والصعوبات.

أما في “لوس اوبن” فالراجة هناك أيضا مارس الاعتداءات على الأحمديين، وأجبر جميع الأحمديين أن يصفوا سيدنا المسيح الموعود بالكذاب والدجال والعياذ بالله وإلا سيُطردون من هناك، فقد أُقيل أحد الأحمديين المدعو “غورو علي” من منصبه، أما “تنكو عبد الجليل” وأخوه الأصغر فقد أُخرِجا من القرية بسبب الأحمدية. باختصار قد وصل خلال ذلك المولوي أبو بكر أيوب أيضا بعد التخرج من قاديان، فاشتغل في الدعوة إلى الأحمدية في منطقة فاران ففُرض الحظر على نشاطه الدعوي. ذات ليلة جاءه ضابط الشرطة مع عدد من رجال الشرطة بعد الساعة الثانية عشرة لاعتقاله بأمر من السلطان هناك، فكتب أسماء الحاضرين عنده وأمره بالحضور مع رفاقه صباح غد في مكتب ضابط الشرطة على مستوى المحافظة، فحين وصل إليه المولوي المحترم صباحا مع رفاقه أمطر عليه الضابط وابلا من الأسئلة فكان يريد أن يضغط عليه بالأسئلة، لكن المولوي بفضل من الله تمكن من الرد على جميع الأسئلة بمنتهى الفراسة واللباقة والحكمة فتأثّر بذلك الضابط الكبير إيجابيا، فزالت نزعته الحاكمية وبدأ يسأل عن الأحمدية لمدة نصف ساعة تقريبا بوجه طلق وبدماثة ولطف، ثم ودّعهم جميعا باحترام كبير.

ولكن أكبر ظلم ارتكبه هؤلاء الظالمون هو أنهم قد فعلوا كل ذلك باسم سيدنا ومولانا ومُحسِنِ الإنسانية ورحمةٍ للعالمين . لقد كان عملاً وحشيًا لدرجة أن وسائل الإعلام المحلية والعالمية قد تحدثت عنه، ولكنها رفضت بثّ مشاهده القاسية قائلين بأنها غاية في الوحشية ومسيئة إلى الإنسانية،

لقد ذكر الكاتب الإندونيسي كما قلت سابقا خدمات الجماعة الإسلامية الأحمدية في تحرير البلد واستقلاله، وأود أن أبين لكم بعض التفاصيل باختصار. فقد ذكرتُ لكم كيف تأسست الجماعة هناك وما هي المشاكل التي تعرضت لها في البداية، حيث واجهت الجماعةُ المعارضة هناك دوما، والآن أتناول بيان خدمات الجماعة للبلد، وليكن معلوما أن المصلح الموعود هو رفع الصوت بقوة من شبه القارة الهندية لتأييد حركة تحرير إندونيسيا، كما حرّض المسلمين الآخرين أيضا في خطبة الجمعة في 16 آب/ أغسطس 1946 أن يدعموا مسلمي إندونيسيا في جهودهم للاستقلال دعما قويا. فبعد خطبته تحرّكت المطبعة المركزية للجماعة في قاديان وطلبتِ الجماعة من جميع مراكزها في العالم أن ترفع الصوت المؤثر في حق تحرير إندونيسيا، فتحررتْ إندونيسيا في نهاية المطاف. وتفصيل ذلك أنه عند نهاية الحكومة اليابانية أعلن الدكتور سوكارنو باستقلال إندونيسيا في 17 آب/ أغسطس 1945 واندلعت التظاهرات ضد الحكومة الهولندية في البلد كله من أجل الاستقلال، وفي هذه المناسبة شارك الدعاة الأحمديون وسائر أبناء الجماعة في البلد بأمر من سيدنا الخليفة الثاني للمسيح الموعود في الجهود والمساعي للتحرير، وقدَّم الدعاة الأحمديون وكبار الأحمديين كل تعاون ممكن للحكومة الجمهورية. حيث وصل الداعية الإسلامي الأحمدي السيد شاه محمد إلى يوكياكرتا وقابل الدكتور سوكارنو وأبدى رغبته في خدمة البلد بالانضمام إلى ركب التحرير. فوكّل إليه الرئيسُ سوكارنو مهمة إذاعة الأخبار باللغة الأردية من محطة الإذاعة بالإضافة إلى أعمال أخرى، كما عمل في الإذاعة المولوي عبد الواحد وملكُ عزيز أحمد أيضا قرابة ثلاثة أشهر. أما السيد شاه محمد فقد ظل عضوا نشيطا في هذه الحركة بمنتهى الحماس لدرجة قد صرّح في حقه أحد وزراء الداخلية سابقا نظرا لحماسه “إن السيد شاه محمد ليس هنديا بل إننا نعدّه أحد أبناء الشعب الإندونيسي”

لقد أشادت إندونيسيا بخدمات السيد شاه محمد وجهوده الرائعة في تحرير البلد في شهادة الاستحسان التي سلَّمها له السكرتير العام لوزير الإعلام في 3 آب/ أغسطس 1957 اعترافا بخدماته الجليلة، وقد ورد فيها: “نحن نعترف بخدمات السيد شاه محمد رئيسِ مركز الجماعة الإسلامية الأحمدية في جاكرتا بمنتهى التقدير والإجلال التي قدمها لتحرير الشعب الإندونيسي والحكومة الجمهورية آنذاك، فبصفته عضوًا في قسم الدعاية في وزارة الإعلام قد لفت الرأي العالمي دوما بكفاءته الفكرية ومواهبه الأخرى وبكامل الثقة واليقين إلى أن حكومة إندونيسيا الجمهورية على حق وصواب في جهودها. ولم ينقطع عن دعمه وتأييده لنا حتى عندما هاجمت الحكومة الهولندية واحتلّت العاصمة يوكياكرتا، وقدم مساعدة تامة لنا في جهودنا.

ثم حين خرجت الجيوش الهولندية من جاكرتا بقرار الأمم المتحدة وانتقلت الحكومة الجديدة إلى يوكياكرتا كان الأستاذ عضوا للَجنة تشكيل الحكومة الجديدة في إندونيسيا الجمهورية، … ثم حين جاء الرئيس سوكارنو بعد تحرره من الحظر المفروض عليه من الحكومة الهولندية، إلى يوكياكرتا كان السيد شاه محمد عضوا في لجنة استقباله…. ثم حين جاء الرئيس سوكارنو إلى جاكرتا بعد تسلّم السلطة من الحكومة الهولندية كان الأستاذ في الركب المرافق له وكان الأجنبي الوحيد. ثم حين انتقلت مكاتب الحكومة إلى يوكياكرتا قدم خدماته الرائعة في قسم اللغة الأوردية في إذاعة الجمهورية الإندونيسية لمدة، ثم انصرف إلى تأدية واجباته رئيسا لمركز الجماعة الإسلامية الأحمدية في إندونيسيا.”

الرئيس الإندونيسي الأول المذكور أعلاه قرأ القرآن الكريم من الأحمديين، فقد كتب في كتابه Di Bawa Bendera Revolusi باللغة الإندونيسية: رغم أنني لا أتفق مع الأحمدية في بعض المسائل، غير أنني ممتنّ بتعاليمها ومنافعها، التي وصلتني منها في صورة الكتابات العقلانية والمتماشية مع المقتضيات الحديثة وهي تولِّد سعة الفكر.

فلم تكن هذه التضحيات مقتصرة على الكلام فقط بل قد انضم بعض الأحمديين إلى الشهداء بالتضحية بأرواحهم أثناء حركة الاستقلال في 1946، ومنهم رئيس الجماعة في إندونيسيا سابقا السيدُ رادين محيي الدين الذي كان يعمل بصفته سكرتيرا للجنة الاستعدادات للاحتفال بِعيد الاستقلال الأول لإندونيسيا إذ اختطفته القوات الهولندية وقتلته فيما بعد. فقد ساهم الأحمديون في استقلال البلد بدمائهم، فهذه هي خدمات الجماعة الإسلامية الأحمدية وتضحياتها لإندونيسيا، أما المشايخ والفئات المتطرفة فقد سجلوا نماذج الظلم والاضطهاد أيضا، فالآن أذكر لكم بعض الشهداء الذين قتلوا في إندونيسيا في الماضي، فقد استُشهد ستة أحمديين في إندونيسيا في 1947. وهم السيد جائد، والسيد سورا، والسيد سائري، والسيد الحاج حسن، والسيد رادين صالح، والسيد دَهْلان رحمهم الله.

فهؤلاء الستة استُشهدوا في إحدى قرى في سنغابارنا جاوا الغربية، حيث هاجمهم بشراسة فريقٌ تابع لحركة دار الإسلام الوهابية بالهراوات والأحجار فضربوهم بقسوة في بيوتهم أمام أفراد البيت ثم جرّوهم إلى خارج القرية فقضوا عليهم ضربا بمنتهى القسوة والفظاظة، وهذا الفريق الظالم مارس عليهم الضغوط الكبيرة ليرتدوا عن الأحمدية قبل الهجوم، لكنهم جميعا استقاموا وثبتوا على الإيمان.

فهذه الأعمال الغاشمة تجاه الأحمديين هناك قديمةٌ إذ بعده بعامين استُشهد الأحمديون المذكورون أدناه في 1949:

السيد سانوسي، السيد اومو، السيد تَحيان، السيد شهرومي، السيد سوما، والسيد جُملي، السيد سَرمان، السيد أوسون، وبالإضافة إلى هؤلاء قد نالت أحمديتان أيضا شرف الاستشهاد وهما السيدة إيدوت والسيدة أونيه.

فهؤلاء الأحمديون نالوا شرف الاستشهاد بقرية صانجيانج لابونغ في سنغابارنا جاوا الغربية، وهؤلاء هم الآخرون هجم عليهم فريق تابع لحركة دار الإسلام الوهابية بالهراوات والأحجار واللبِن بشراسة ثم جرّوهم إلى خارج القرية فأجهزوا عليهم ضربا بمنتهى القسوة والفظاظة، وهذا الفريق الظالم مارس عليهم الضغوط الكثيرة ليرتدوا عن الأحمدية قبل الهجوم، لكنهم جميعا استقاموا وثبتوا على الإيمان.

وليكن معلوما أن المصلح الموعود هو رفع الصوت بقوة من شبه القارة الهندية لتأييد حركة تحرير إندونيسيا، كما حرّض المسلمين الآخرين أيضا في خطبة الجمعة في 16 آب/ أغسطس 1946 أن يدعموا مسلمي إندونيسيا في جهودهم للاستقلال دعما قويا.

وبعد ذلك بدأ العهد العنيف لمعارضة الأحمدية في 2001 حيث استُشهد السيد بَابُوبْ حسن في 22/6/2001 عن عمر يناهز 55 عاما أثناء تصديه لهجوم فريق يتشكل من مئة مهاجم على أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في قرية غالْوا التابعة للَمبوك الغربية، فكان المهاجمون يريدون هدم المسجد فتصدى لهم السيد بابوب مع عدد من الأحمديين فأصيب بجروح بالغة فأغمي عليه فنُقل إلى المستشفى لكنه مات في الطريق لكثرة ما نزف من دمائه.

في 2002 انضم إلى هؤلاء الظالمين رجال الحكومة أيضا، فظلوا يمارسون أنواع الاضطهاد والظلم، حيث هاجم أعداء الجماعة مسجدَي الأحمديين وبيوتهم بالأحجار في منطقة مانسلور فقد كسروا زجاج المسجدين و42 بيتا، فأمرت الحكومة المحلية أبناء الجماعة في مانسلور ألا يستخدموا مسجدهم. ثم في 15/7/2005 هاجم مئات الأعداء المسجدَ المركزي للجماعة ومركز الجماعة وألحقوا مباني الجماعة وممتلكاتها أضرارا بينما ظلت الشرطة تتفرج على ذلك، وأُشعلت النيران في بعض المباني ثم أغلقت الحكومة مساجد الجماعة ومراكزها ومكاتب المنظمات الفرعية والبنايات الأخرى فهكذا تدعمهم الحكومة أيضا، ثم في 19/9/2005 هاجم خمسمائة عدوٍ خمسةَ مراكز الجماعة في إقليم صيانجور وألحقوا بالمساجد الخمسة أضرارا فادحة حيث كسروا الأبواب والنوافذ والزجاج، كما ألحقوا الضرر بمراكز الجماعة أيضا، ونهبوا الأثاث وأشعلوا النار في أشياء كثيرة، فقد تضرر 86 بيتا بالكسر والنهب، وأحرقوا بعض البيوت ونهبوا الأمتعة، في بعض الأماكن ألحقوا الأضرار بمدارس أحمدية أيضا، وأشعلو النار في سيارات الأحمديين ودراجاتهم النارية أيضا في هذه الأماكن.

وفي 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2005م هاجم مئة من المعارضين ليلا جماعتنا في “كيتا بانغ” وألحقوا أضرارا بثلاثة بيوت للأحمديين، وجَرحوا أحمديَّينِ. كان الإخوة في هذا الفرع للجماعة يقيمون من قبل في منطقة “بانكو وسيلونغ حيث تعرضوا للهجوم في عام 2002م وأخرجهم الأعداء من بيوتهم وأحرقوها وأحرقوا المسجد أيضا. فهاجروا من هناك إلى “كيتا بانغ” حيث هوجموا في عام 2005م. فتحملوا المعاناة في كل مكان وظلوا ثابتين على الإيمان. في شباط/ فبراير 2006م هوجم فرع الجماعة “كيتا بانغ” في جزيرة لمبوغ في غرب البلاد، ولحقت الأضرار ب23 بيتا وأُحرقت 6 منها. ونُهبت محلات الأحمديين وأُلحقت بها أضرار فادحة، كما ساقوا دوابهم أيضا. وشُرِّد 129 شخصا من أبناء الجماعة واضطروا للهجرة من هذا المكان. وفي 10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2007م هدم طلاب الكتاتيب مسجدنا في قرية “بنغوان” بإشراف شيخ محلّي، واضطر 26 أحمديا للهجرة من هذه المنطقة. وفي أيلول/ سبتمبر 2007م هاجم المعارضون مسجدنا “مسجد محمود” في “سنغا بارانه” ثلاث مرات في غضون شهرين، حيث كسروا شبابيكه وألحقوا ضررا بالسقف أيضا، وكسروا أثاث المكتب أيضا. وفي 18 كانون الأول/ ديسمبر 2008م هاجم الجماعةَ خمسُمئة معارض كانوا ينتمون إلى “Defense Front  جبهة الدفاع”  و”مجلس المجاهدين في إندونيسيا” وألحقوا أضرارا بالمسجدَين وقاموا بأعمال الكسر والنهب، وبالإضافة إلى إضرار المسجد حرقوا 12 نسخة من المصحف الكريم أيضا. وأقفلت الشرطة 9 مساجد للجماعة. وأُلحقت الأضرار بالبيوت بأعمال الكسر والنهب وجُرح ثلاثة أفراد من أبناء الجماعة. فاضطر هؤلاء الإخوة للخروج من هناك بناء على هذه الظروف، ولا زال الحال على نفس المنوال في مختلف الأماكن.

هذه نبذة من بعض الظروف التي تعرض لها الأحمديون في إندونيسيا ولكنهم ثابتون على إيمانهم ومتمسكون به بكل قوة وشدة ولا يزالون يواجهون كل شر وفتنة بالصبر والصمود والدعاء. والشهادات الحالية أيضا نتيجة لتلك السلسلة من الظلم الجارية التي بدأت قبل عدة أعوام. ولكن كما قلت من قبل إن وسائل الإعلام المحلية والخارجية أيضا علّقت على هذا الحدث بالتفصيل وأذيعت أخباره على نطاق واسع. والآن سأتناول ذكر الشهداء الذين استُشهدوا مؤخرا.

الشهيد الأول هو السيد توباكوس شاندرا مبارك Tubaqus Chandra  Mubarak

كان أحمديا بالولادة، وكان عمره عند الاسشتهاد 34 عاما. كان يسكن في مركز الجماعة. وترك وراءه أرملة حاملا منذ 5 أشهر تنتظر أول ولد لها بعد الزواج قبل 8 سنوات. كان ينوي أن ينذر الولد في مشروع وقف نو، وكان قد ملأ الاستمارة بهذا الخصوص للإرسال إلى المركز. كان يشغل منصب سكرتير الزراعة في الجماعة المحلية، وكان مسؤولا عن أرض اشترتها الجماعة في المركز. ستأتي هذه الأوراق إلى المركز بطبيعة الحال وينضم الولد إلى مشروع وقف نو بإذن الله. كان الشهيد نشيطا جدا في خدمة الجماعة، ويدفع التبرعات بانتظام، بل عائلته كلها مخلصة جدا. قالت له زوجته قبل استشهاده بيوم ألا يذهب إلى فرع الجماعة Cikesik، (حيث تعرض أفراد الجماعة لهجوم المعارضين) وأضافت وقالت بأني في الشهر الخامس من الحمل فإما أن تهتم بي أو تهتم بالجماعة، فقال: إني أرجّح الجماعة حاليا. كان الشهيد ذهب إلى هناك كسائق سيارة ليوصل أعضاء مجلس خدام الأحمدية لحراسة المكان. فكان ما زال هناك عندما هاجم المعارضون المركز. كان الشهيد يعامل العاملين تحته معاملة حسنة جدا، كان يصلي في المسجد بالتزام، كما كان ينصح زوجته أيضا دائما لأداء الصلاة في مواقيتها. كان خادما شجاعا.

كان الشهيد توباكوس شاندرا مبارك Tubaqus Chandra  Mubarak في مقدمة الخدام الموجودين في المركز فهاجمه الأعداء بالسكاكين بمنتهى الظلم والهجمية. ثم علقوه وظلوا يضربونه. ثم أنزلوا جثته وضربوها بالعصي والحجارة وشوهوها تشويها. لم تُعرف جثته في البداية حتى جاء أخوه الأصغر وعرفه من بقعة على جسده.

الشهيد الثاني هو السيد أحمد وَرسونو، كان من سكان شمال جكارتا، وكان بالغا من العمر 38 عاما. انضم إلى الجماعة في عام 2002م. في أثناء زيارة سيدنا الخليفة الرابع رحمه الله لإندونيسيا أعطاه أحد الإخوة كتب الجماعة فقرأها بإمعان وتركيز وقرر البيعة بعد البحث والتحقيق لمدة عامين. ثم بايعت زوجته أيضا، وثبتا على صدق الجماعة. قبل انضمامه إلى الجماعة كان يسيء معاملة أبويه، أما بعد دخوله الجماعة سعد أبواه كثيرا لأن أخلاقه تحسنت إلى حد كبير بعد البيعة إذ بدأ يحترمهما ويلاطفهما. لقد تقدم في الروحانية كثيرا وسريعا. وكان يقول بأنني حين أقوم بالتبشير أشعر بنصرة من السماء تحالفني، والله تعالى يتكفل جُلَّ حاجاتي.

ذات يوم كان بحاجة إلى النقود لدفع أجرة البيت وسدّ حاجات يومية أخرى، فلجأ إلى الدعاء. ثم جاءه شخص بعد فترة وجيزة وأخذه للعمل في بيته، وبذلك سُدّت حاجاته بالنقود التي تلقاها منه. وكان يسعى دائما أن يساعد الآخرين في حياته. مرة قابل الخليفة الأول والثاني والثالث والرابع رحمهما الله في الرؤيا. لقد بايع بعض الناس نتيجة تبشيره. كان شخصا مخلصا وشجاعا باسلا. لقد جاء متأخرا وسبق الكثيرين.

حين هاجم الدهماء مركز الجماعة كان الشهيد هناك. فهاجمه الأعداء بالسكاكين والمناجل والعصي بمنتهى الظلم. ثم جيء بجثته إلى الخارج وظل الأوباش يضربونها بالعصي على مرأى من الناس والشرطة التي وقفت متفرجة. في البداية لم تُعرف جثته بل ظُنّ أنها جثة السيد “تارنو”، أحد أعضاء مجلس خدام الأحمدية، ولكن حين وُجد السيد “تارنو” سليما معافى عُلم أنها جثة خادم آخر، فعرفها بعض من زملائه.

الشهيد الثالث هو السيد روني بساراني. كان بالغا من العمر 35 عاما عند الاستشهاد. بايع في 11 كانون الثاني/ يناير 2008 أي قبل سنتين تقريبا. كان من سكان شمال جكارتا. وترك وراءه أرملة وبنتين عمرهما 5 و6 سنوات. قبل البيعة كان قاتلا سفاكا وناهبا ومقامرا. قد تعرّف على الجماعة نتيجة تبشير السيد ورسونو (السيد ورسونو بايع عام 2002، بينما هذا الأخ بايع عام 2008). وذات ليلة رأى في الرؤيا أنه يقابل شخصا صالحا لابسا عمامة. وفي أحد الأيام جاء إلى بيت الشهيد ورسونو لزيارته فرأى صورة المسيح الموعود معلّقة على الجدار وقال: هذا هو الشخص الذي كنت قد رأيته في المنام. وبذلك اقترب من الجماعة أكثر من ذي قبل وبدأ يطالع كتب الجماعة حتى وفِّق للبيعة في عام 2008م. وبعد الانضمام إلى الجماعة حدثت فيه تغييرات طيبة حتى استغربت زوجه لرؤية هذا الانقلاب الروحاني. (لا شك أن الله أُعجب بحسنة فيه فأعطاه هذا الشرف الكبير إذ وفّقه لقبول الأحمدية أولا بترك السيئات كلها ثم نال مرتبة الشهادة) كان ملتزما بصلاة التهجد أيضا بالإضافة إلى الصلوات الخمس المكتوبة. كان يطالع كتب الجماعة ويدفع التبرعات أيضا بالتزام وكان شجاعا جدا. لقد وجد فترة عامين فقط في الجماعة ولكنه استغلها على أحسن وجه في تبليغ الدعوة، فبايع عدة أشخاص نتيجة تبليغه. هناك أمر هام يتعلق به وهو أنه كان كثيرا يقول: “أتمنى أن أموت شهيدا” فقد حقق الله تعالى أمنيته.

فلم تكن هذه التضحيات مقتصرة على الكلام فقط بل قد انضم بعض الأحمديين إلى الشهداء بالتضحية بأرواحهم أثناء حركة الاستقلال في 1946، ومنهم رئيس الجماعة في إندونيسيا

إن حادث استشهاده أيضا يشبه شهادة السيد ورسونو، إذ هاجمه المعارضون بالسكاكين والمناجل والعصي، ثم جاؤوا بجثته إلى الخارج وأساؤوا إليها بشدة وشوّهوها.

فهؤلاء أناس بشّرهم الله تعالى بالجنة، وقد نالوا حياة أبدية، وهم نجوم متلألئة في سماء الأحمدية. رفع الله درجاتهم دائما، وألهم ذويهم الصبر والسلوان وحفظهم وكان في عونهم دوما، وقوّى إيمان أبناء الجماعة في إندونيسيا أكثر من ذي قبل.

الكشف الذي بيّنه المسيح الموعود بصدد ذكر بعض الإخوة الآخرين الذين سيتأسون بأسوة الصاحبزاده عبد اللطيف الشيهد في التضحية، يدخل فيه أيضا هؤلاء الذين يسكنون في مناطق نائية. وكثير منهم لم يقابلوا الخليفة في حياتهم ولكن قوة إيمانهم عديمة النظير بكل المعايير، وإن علاقتهم للوفاء مع الخلافة لجديرة بالاقتداء. لقد ذكرتُ كشفا لسيدنا المسيح الموعود من قبل أيضا في إحدى الخطبات السابقة، وأعيد ذكره هنا حيث يقول ما معناه: لقد رأيت في الكشف أن غصنا طويلا من شجرة السَّرْو في حديقتنا قد قُطع، فقلت: ازرعوه في الأرض مرة أخرى لينمو ويزدهر من جديد. ثم يقول بأنني فسرت هذا الكشف بأن الله تعالى سوف يخلق الكثيرين الذين سيقومون مقامه، أي مقام السيد عبد اللطيف الشهيد. فهؤلاء الشهداء قد نالوا مقامهم وغادروا الدنيا تاركين وراءهم أمثلة يُحتَذى بها وحضروا عند ربهم. كانوا يسكنون آلاف الأميال بعيدا عن قاديان ومع ذلك كانوا سببا لإثبات صدق المسيح الموعود . والآن علينا نحن الذين نخلفهم أن نفحص حالة إيماننا دائما، وعلينا أن نتعهد بعد كل شهادة بأننا لن نضيع إيماننا نتيجة هذه المظالم بل سنحاول دائما أن نزداد إيمانا ولن نقوم بأي تصرّف يؤدي إلى رفع أصبع الاتهام إلى تقاليدنا وصبرنا، أو وفائنا لبلادنا. وكما قلت من قبل إن أبناء الجماعة في إندونيسيا قد أدّوا دورا بارزا في تأسيس البلاد، وإن كل فرد من أفراد الجماعة وفيٌّ لبلد يسكنه، ولا بد أن يكون وفيًّا وسيبقى كذلك دائما بإذن الله. فمن مقتضى الوفاء أيضا أن ندعو الله تعالى أن ينقذ بلادنا من براثن الظالمين ولا يسلط علينا حكاما لا يعرفون الرحمة. لا شك أننا نقوم بإجراءات قانونية انطلاقا من استخدام الوسائل الدنيوية ولكن لا نأخذ القانون في أيدينا، بل نخضع أمام الله تعالى. إن توكلنا واعتمادنا – بدلا من الاعتماد بالإجراءات القانونية – هو على الخضوع أمام الله وحده، وإن توكلنا هو على الدعاء في حضرته وعلى نصرته تعالى وعلى رحمته. وسنخضع الآن أيضا أمام الله تعالى، فعليكم أن تكثروا من الدعاء:

  رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ

ندعو الله تعالى ألا تهتز أقدامنا أبدا. يقول المسيح الموعود في أحد المواضع في ذكر النبي بأنه نصح الصحابة بالصبر دائما حتى فنى الأعداء كلهم. فقال: الوقت قريب حين لن تروا هؤلاء الأشرار أيضا. لقد أراد الله تعالى أن ينشر هذه الجماعة الطاهرة في الدنيا. لو أراد الله لما آذَى هؤلاء الناس وما خُلق المؤذون أصلا. ولكن الله تعالى يريد أن يعلّم الصبر من خلالهم. ثم يقول : إن الذي يؤذي فإما يتوب أو يهلك. (أي النتيجة النهائية هي أنهم إما سيتوبون أو يهلكون) فمن واجب كل أحمدي أن يتقدم إلى الأمام بالدعاء والصبر، ندعو الله تعالى أن يوفقنا للصبر ويقضي على الأشرار لكي نرى تحقق وعود الله تعالى التي أعطاها للمسيح الموعود . ندعو الله تعالى أن يحمينا دائما ويبطش بأعدائنا. إن أعداءنا لا يعادوننا لأسباب شخصية بل كل ما نواجهه هو لعداوتهم للمسيح الموعود . غير أن هذه العدواة الآن قد بلغت منتهاها في كل مكان تقريبا. فندعو الله تعالى أن يجعل الأعداء عبرة، ويبطش سريعا بالذين إصلاحهم ليس مقدرا عند الله. اُدعُوا للجرحى أيضا أن يشفيهم الله تعالى شفاء عاجلا. ثلاثة من الجرحى ما زالوا في المستشفى بينما خرج منه اثنان بعد تلقي العلاج، وهما بخير بفضل الله تعالى.

أريد أن أقول للأحمديين الإندونيسيين بوجه خاص بأن أدعية الأحمديين في كل مكان معكم. إنني أتلقى رسائل كثيرة حيث يُظهر الإخوة قلقهم واضطرابهم من أجلكم. إن مشاهد هذا الظلم التي بُثَّت في مختلف المواقع قد جعلت كل واحد من الأحمديين مضطربا اضطرابا شديدا، الأمر الذي دفعهم إلى الدعاء لكم. ندعو الله تعالى أن يحمي جميع الأحمديين وينقذهم من كل شر في المستقبل ويردّ مكائد الأعداء في نحورهم.

بعد الصلاة سأصلي صلاة الغائب على الشهداء، وإضافة إلى هؤلاء الشهداء هناك جنازة أخرى، إذ قد وقع هجوم انتحاري في مدينة “مَردان” في باكستان البارحة على بعض الجنود من “كتيبة بنجاب” الذين كانوا يتدرّبون تدريبا عسكريا هنالك، مما أدى إلى وفيات عديدة، بمن فيهم شاب أحمدي اسمه السيد منير أحمد الذي التحق بالجيش مؤخرا. كان من سكان قرية “بيغووال” وكان يتلقى التدريب هناك، وربما كان ذلك التدريب النهائي. على أية حال، استُشهد هذا الشاب في ذلك الحادث، فسنصلي عليه أيضا صلاة الغائب، غفر الله له، آمين. كان الشهيد ابن اختٍ لداعيتي الجماعة وهما: السيد محمود أحمد منير، والسيد مبشر أحمد. لم ير الشهيد إلا 21 ربيعا من عمره. ندعو الله تعالى أن يلهم أبويه الصبر والسلوان، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك