تعالوا و كونوا جزءا من النظام الرباني
التاريخ: 2011-02-25

تعالوا و كونوا جزءا من النظام الرباني

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • إن مقتضى مواساة المسلم الأحمدي الحقيقي للمسلمين وحبه لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أن يدعو لكل من ينتمي إلى حضرته صلى الله عليه وسلم وينطق بالشهادتين ولكل من يتعرض لأي خسارة بسبب إسلامه.
  • إن سبب جميع المفاسد يعود إلى إختفاء التقوى.
  • من أجل الحفاظ على الإسلام وسمعته لا بد بأن نتحلى بالتقوى والأسلوب الوحيد هو الإنابة لله تعالى بالتوبة والإستغفار.
  • إن الخلافة قامت نتيجة هياج رحمة الله تعالى وليس نتيجة ثورة المسلمين ضد حكوماتهم.
  • الحل الوحيد لجميع الخلافات هو الإيمان بالمسيح الموعود عليه السلام.

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

أود أن ألفت انتباهكم اليوم إلى الدعاء للعالم الإسلامي بأسره، فمن مقتضى مؤاساة المسلم الأحمدي الحقيقي للمسلمين وحبِّه لسيدنا محمد أن يدعو لكل من ينتمي إلى حضرته وينطق بالشهادتين ولكلِّ من يتعرَّض لأي خسارة بسبب إسلامه، ولكل بلد إسلامي يسوده الفوضى والاضطراب. فيجب علينا نحن المؤمنين بإمام هذا الزمان أكثر من الجميع أن نبدي مؤاساتنا للمسلمين. لأنه إذا كنا نتعهد في عهد البيعة بمؤاساة البشر عامة فيجب أن تكون مؤاساتُنا للمسلمين أكثر، نحن لا نملك الحكومة الدنيوية والوسائل المادية حتى نتمكن من مساعدة المسلمين عمليا أو أيِّ بلد محتاج إلى المساعدة. ونظرا للوضع السياسي الراهن في بعض البلاد خاصة فلا نملك الوسائل لتقديم يد العون بالوصول إليها، غير أننا نسطيع أن ننشغل في الدعاء، وإلى ذلك يجب أن ينتبه كل مسلم أحمدي في العالم. والأحمديون الذين يقيمون في هذه البلاد التي تسودها المشاكلُ والاضطراباتُ في هذه الأيام، أو هم مواطنوها ويسكنون خارجها فعليهم بالإضافة إلى الدعاء – أنه إذا كان لأحدهم علاقات مع المسؤولين الحكوميين ورجال الحكم والسياسيين – أن يوجّههم إلى أن يفضِّلوا المصالح الوطنية على مصالحهم الشخصية. فحين يتولى السياسيون من المسلمين الحكم، أو يصلون إلى سدة الحكم، أو ينالون أيَّ سلطة، فهم ينسون مسؤولياتهم وحقوقَ العباد إلا ما ندر. ومن الجلي أن السبب الحقيقي لهذا عائد إلى قلة التقوى، فالغريب أنهم ينتسبون إلى رسول الله ويدّعون الإيمان بالقرآن الكريم وتلاوتَه من ناحية، وينسون من ناحية أخرى الأمرَ الأساسي له، وهو أن ما يميز المسلمين من غيرهم هو التقوى. وإذا اختفى هذا الامتياز فالظاهر أن حب الدنيا وأطماعها تستولي عليهم رغم استخدامهم اسمَ الإسلام والمسلمِ. وهم يدّعون أنهم مسلمون ومع ذلك يغتصبون حقوق الله وحقوق العباد باسم الإسلام، ويؤْثرون الثروةَ وحبَّ السلطة وسكرة القوة على الأوامر الإلهية، أو يعتمدون على القوات الأجنبية للحفاظ على الثروة وتقوية الحكومة، فيعتبرون حماية مصالح القوات الأجنبية أهمَّ من حماية مصالح مواطنيهم والأمةِ الإسلامية، ولا يتورعون عن ممارسة الظلم على شعبهم إذا اقتضى الوضع. ثم نلاحظ أن جشع المال قد جعل رؤساء البلاد مهتمين بجمع الأموال لدرجة لم يعد هناك مجال للمقارنة بين الاهتمام بحقوق العباد وملء خزائنهم الشخصية، فإذا كانوا قد خصصوا لأنفسهم مائةً مثلا فلأداء الحقوق الأخرى هناك واحدٌ فقط. فالأخبار التي تتسرب تفيد بأن بعض الرؤساء أخرج من البلد مئاتِ الكيلوغرامات من الذهب، والآخرُ قد ملأ مخابئه من الثروة القومية، وبعضهم أودع ثروة البلد في البنوك السويسرية في حسابه الشخصي، وبعضهم اشتروا عقارات تفوق العدّ والإحصاء في البلاد الأجنبية بينما الشعب بأمس حاجة للخبز. فهذا الوضع ليس في البلاد العربية فقط بل في باكستان أيضا حيث يسود الغلاء الفاحش لدرجة يتواجد الكثيرون الذين بالكاد تتوفر لهم وجبةٌ واحدة يوميا، أما رجال الحكم والقادة فينفقون من ثروات القوم مئاتِ الآلاف من الجنيهات على ديكور قصورهم وعلى شراء متاع شخصي. فالرؤساء المسلمون الذين بين أيديهم السنة والشريعة والكتاب المرشد الذي ما زال محفوظا في صورته الأصلية إلى اليوم يَغصبون حقوق الله وحقوق العباد بأبشع صورة رغم هذا التوجيه والإرشاد، سواء أكانوا في باكستان، أو بلاد الشرق الأوسط، أو بعض البلاد الأفريقية. فبدلا من أن يساعدوا المسلمين في البلاد الأخرى فإنهم يغصبون أموال مواطنيهم، فكيف يُتوقع من هؤلاء أنهم سيحكمون البلاد بالتقوى أو هم قادرون على ذلك، فهؤلاء يمكن أن يتسببوا في الفساد ونشْر الفوضى والاضطراب في البلد، ويمكن أن يحكموا البلاد لمدة قصيرة بالقوة ولا يمكن أن يهيئوا السكينة والراحة للشعب. ففي مثل هذه الأوضاع تظهر ردة فعل تبدو مفاجئة، غير أنها لا تكون مفاجئة في الحقيقة بل يكون البركان ينمو في الخفاء منذ زمان، وهذا البركان قد بدأ يظهر في بعض البلاد وسيظهر في موعده في الأخرى. فحين ينفجر هذا البركان يدمّر الجبابرة الأقوياء. ولما لا يكون هناك أي برنامج معين أو خطة مدروسة لظهور ردة فعل هذه بل تكون ردة فعل المظلوم ضد الظالم فتُبذل جميع القوى والقدرات لتحرير الرقاب، ثم حين ينجح المظلوم في مساعيه لنيل الحرية يبدأ هو الآخر بممارسة الظلم. ولهذا أقول إن على الأحمدي أن يدعو كثيرا للعالم الإسلامي بشكل خاص قبل أن يحيط هذا الظلم بكل بلد فتظهر سلسلةٌ طويلة للمظالم. وفَّق الله الحكومات والشعوب أن يُعملوا العقل ويسيروا على درب التُقَى.

فمن مقتضى مؤاساة المسلم الأحمدي الحقيقى للمسلمين وحبِّه لسيدنا محمد أن يدعو لكل من ينتمي إلى حضرته وينطق بالشهادتين ولكلِّ من يتعرَّض لأي خسارة بسبب إسلامه، ولكل بلد إسلامي يسوده الفوضى والاضطراب.

لو كانت القيادة الإسلامية متحلية بالتقوى والإيمان لكان رؤساء البلاد هؤلاء الذين يحكمون البلاد حُكمًا مَلَكيًّا أو الساسةُ الذين يحكمون البلاد باسم الديمقراطية مُراعين لحقوق الشعب – ثم هناك منظمة إسلامية، إذا لم تكن هي الأخرى بالاسم فقط بل ساعدت البلادُ الإسلامية بعضُها بعضا بمقتضى العدل والإنصاف – ولو لم يكونوا مساعدين للأحزاب التي تثير الفساد في الأرض لنيل المصالح الشخصية وتمسكوا بأهداب التقوى لكان للعالم الإسلامي شأن وجعَل الدنيا تعترف بأهميته.

فهناك بلاد إسلامية وحكومات إسلامية تشغل جزءا كبيرا من قارة آسيا وبعضَ الأجزاء من القارات الأخرى أيضا. ومع ذلك تُعتبر كل هذه البلاد في العالم عموما شعوبا فقيرة وغير متقدمة وبعضها تعتبر دولا نامية. بعض هذه الدول الغنية بثروة النفط خاضعة للحكومات الكبيرة. فميزانياتها والديون التي تُقدمها لغيرها من البلاد والمساعدةُ التي تقدمها للبلاد الفقيرة أو الميزانية المخصصة لمساعدة البلاد الفقيرة يتحكم فيها غيرهم. وسبب ذلك عائد إلى خوف العباد وانعدامِ الخوف الإلهي والجهل وعدم الكفاءة والسعي لنيل مصالحهم الشخصية، فلم ينفقوا أموالهم في مصارف صحيحة في بلادهم حيث لم يطوروا الصناعة ولا الزراعة، مع أن الثروة المشتركة للبلاد الإسلامية كانت جديرة بزرع الزروع المختلفة وفقا للطقس والمناخ في مختلف البلاد الإسلامية، وإن البلاد الإسلامية تستطيع بثروة الموارد الطبيعية المختلفة والأيدي العاملة والعقول المبتكرة أن تُحدث انقلابا في العالم، ولما كانت الأولويات والتفضيلات مختلفة فلا يتحقق أي انقلاب. لماذا يتوجه العلماء والمبتكرون المسلمون لإحراز الاعتراف بتقدير عقولهم المبتكرة إلى البلاد المتقدمة، ذلك لأنهم لا يجدون التقدير اللائق في بلادهم ولا يُنتفع بهم ولا تقدَّم لهم التسهيلات، وحين يبدأون التقدم على درب الرقي والتطور فإن رؤساء البلاد أو الملوك وأعوانهم يوقفونهم لمصالحهم الشخصية. فماليزيا مثلا تعتبر بلدا إسلاميا متقدما جدا في التكنولوجيا ومع ذلك تعدّها البلاد المتقدمة ضمن الدول النامية. باختصار هنا أيضا يعود السبب كله إلى اختفاء التقوى ومع ذلك يُقحمون اسم الإسلام في كل قضية، ويقومون بكل تصرف باسم الإسلام، فقد تغيرت القيم والمعايير. فإذا كنا نريد أن نتقدم فلا بد من معرفة قيَمنا الصحيحة. فكم تبعث الأوضاع الراهنة على القلق والاضطراب! إن الإسلام يعتبر المؤمنين إخوة إذا اشتكى عضو تداعى له الجسد كله كما قال القرآن الكريم هو الآخر

  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ (الحجرات 11)

بينما وردتِ الأخبار من مصر مثلا ومن بلاد أخرى أيضا أن الحكومة لم تقتصر على بعض الإجراءات ضد الشعب بمقتضى القانون فقط بل قد جعلت الشعب يتقاتل بعضه بعضا، حيث هيأت الأسلحة للفرق الموالية للحكومة، فكأن الحكومة ساعدت بعض المواطنين من بلد واحد ليقاتلوا مواطنين آخرين. فإذا كانت البلاد الإسلامية تعلن اتخاذ أسلوب الحكم ديمقراطيا فعلى الحكومة أن تتمسك بالصبر أيضا ما لم يبدِ الشعبُ احتجاجا عنيفا. بينما تفيد الأخبار أن الحكومة قتلتْ مئات الأرواح على احتجاج الشعب. فهؤلاء الحكام في البلاد الإسلامية من ناحية يرفعون هتاف الديمقراطية تقليدا للغرب ومن ناحية أخرى لا يتحلون بأدنى صبر وتحمُّلٍ، ومما يرثى له أن المسلم يظلم مسلما آخر، فإذا كانوا يريدون تبني الديمقراطية فعليهم أن يتمسكوا بالصبر أيضا، فمنظمة المؤتمر الإسلامي هي الأخرى لم تؤدّ دورها كما كان يجب عليها، فلم تسْعَ للإصلاح، فكل هذه الأمور تجري من بضعة أسابيع في مصر وتونس وبعض البلاد الإسلامية الأخرى مثل ليبيا. وما يجري في باكستان وأفغانستان من مدة طويلة على أيدي المتطرفين يسيء إلى سمعة الإسلام، وينافي المؤاخاة التي أُمر المسلمون بها، وسبب كل هذه الأعمال يعود كما قال سيدنا المسيح الموعود إلى انعدام التقوى تماما. إذًا، من أجل الحفاظ على سمعة الإسلام، ونشْر الأمن في البلاد وبين الرعايا وأصحاب الحكم والسلطة هناك حاجة ماسة للتقوى، ولكن ما من أحد جاهز للتوجه إلى ذلك على ما يبدو. والأسلوب الوحيد هو أن يُنيب كل واحد إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار، ويتحرّى سبل التقوى. وليفكّر ما الذي يجب أن ينتبه إليه أو يبحث عنه حين يرى حالة:

ظهر الفساد في البر والبحر

سائدة؟ لقد قدّم الله تعالى حلا لذلك وبيّنه سيدنا رسول الله أيضا وهو أن الطريق الوحيد لرفع هذا الفساد هو الإيمان بمسيح الزمان وتبليغ سلامه إليه. وما لم يتوجّه المسلمون إلى ذلك سوف يظلون يزدادون طمعا، وإن طرق الإصلاح سوف تزداد ظلاما بدلا من الاستنارة. وليس هناك سبيل آخر لنيل هذا المرام إلا التقوى والصلة بالله تعالى. ولن تقوم الصلة بالله إلا بالأسلوب الذي أرشدنا إليه اللهُ تعالى والنبي .

قبل بضعة أيام أرسل لي أحد الإخوة مقالا بالإنجليزية من أحد مواقع الإنترنيت، وكان المقال يتضمن تعليقا من قبل إحدى المنظمات الدينية التي أرادت لفت الانتباه إلى الحل الدائم للوضع السائد في البلاد الإسلامية حاليا.

فالرؤساء المسلمون الذين بين أيديهم السنة والشريعة والكتاب المرشد الذي ما زال محفوظا في صورته الأصلية إلى اليوم يَغصبون حقوق الله وحقوق العباد بأبشع صورة رغم هذا التوجيه والإرشاد،

سأوجز ما ورد فيه، فقد ذكر صاحب المقال البلاد الإسلامية وقال إن الإخوة والأخوات في البلاد الإسلامية كلها سعداء على حركة التحرير التي جرت في مصر وتونس ضد الحكام المستبدين. ثم قال معلقا على الظروف السائدة بأنه قد تبيّن بجلاء، وكلنا نشهد أن الإسلام بحاجة الآن ليُرفع الصوت ضد الحكام الغاشمين. وإن أحداث مصر وتونس قد أخبرت العالم أن إزاحة الحكام الفاسدين ممكن. ثم يعلّق على وسائل الإعلام الغربية ويقول بأنها تستعمل ضد الإسلام مصطلحات غريبة مما يُظهر الإسلامَ كدين مخيف جدا. ثم إن المسلمين ليسوا جاهزين لقبول نظام الخلافة التي تقدم لهم تصور نظام الحياة في ضوء القرآن الكريم والحديث الشريف. ثم يقول: إننا نرى حملة من أجل تبديل أسلوب الحياة بالطريقة الإسلامية منذ عشرة أعوام. فقد شُنّت هذه الحملة على الحجاب والقرآن وشخص النبي وحرمة الشريعة وكرامتها، وهي تؤثر بدءا من حياة عامة الناس إلى قصور السياسة.

ثم يتابع ويقول: لما كانت الخلافة حائزة على سلطة أساسية في مملكة إسلامية أو أسلوب الحكم الإسلامي لذا فالخلافة روح ديننا. وإن أمل الوحدة في العالم الإسلامي منوط بها وتستطيع أن تخلق وحدة في بلاد مثل مصر وغزة والسودان. ثم يقول: إن الخلافة هي التي تستطيع أن تراقب الحكام بنظرة ثاقبة في أسلوب الحكم في الإسلام. لأن أصحاب المناصب الذين يُنتخَبون في نظام الحكم في الإسلام يكونون مسؤولين أمام الدولة. وتحظى المحاكم ووسائل الإعلام بحرية تامة في ظل هذا النظام، حيث تُعطى المرأة مكانة سامية بصفتها أما وزوجا وأختا، ولا فضل فيه لأبيض على أسود، ويحكمه قانون واحد دون تمييز بسبب الدين والملة والغنى والفقر. والدولة تهيئ الطعام واللباس والمسكن للرعية. فهذا هو السبيل الذي بالسلوك عليه يمكن للأمة أن تنشر في الدنيا نور قيم الإسلام الأخلاقية والروحانية مجددا.

ثم يحاول كاتب المقال أن يحث المسلمين على القيام بدعاية في حق هذا النظام، وأن يرفعوا صوتهم ضد نظام الحكم الدنيوي السائد حاليا. إلى هنا انتهى ملخص كلامه.

إذن، فإن الخلافة هي النظام الوحيد الذي يمكن أن يُرشد إلى خلق الوحدة والعدل بين المسلمين وخلق الأمن في الدنيا. ومما لا شك فيه أن الخلافة وحدها تضمن لفت الانتباه إلى حقوق الحكام والعوام والعمل بها بصورة صحيحة ومؤثرة. لقد صدق صاحب المقال فيما قال عن الخلافة ولكن فكرته وراء أسلوب إقامتها ليست صحيحة؛ إذ يقول بأنه يجب على العوام أن يثوروا ويقيموا الخلافة، فهذه الفكرة خاطئة. مما لا شك فيه أن بقاء الأمة المسلمة منوط اليوم باتباعهم الخلافةَ. فكما قلتُ من قبل بأن المنظمة المذكورة قد خرجت بحل صحيح تماما لإبراز أهمية الأمة المسلمة ولتسييرها على الدرب الصحيح. ولكن هذا المرام لا يمكن نواله بمساعي العوام وجهود إنسانية. هل قامت الخلافة الراشدة الأولى بمساعٍ إنسانية؟ بل الله تعالى هو الذي أقام أبا بكر خليفة بالتصرف على قلوب المؤمنين على الرغم من ظروف قاسية جدا. فالخلافة منّة من الله تعالى وإنعام منه على المؤمنين. لقد أنبأ النبي بقيام الخلافة الراشدة بعد وفاته، ثم بين أن كل يوم جديد بعد انتهائها سيحمل في طياته ظلمات متعددة. ثم أرانا بريق أمل كما نراه في النبوءة القرآنية القائلة:

وآخرين منهم لما يلحقوا بهم

وفسّرها النبي أن ذلك سيتحقق ببعثة المسيح والمهدي الذي سيكون من غير العرب بل سيكون فارسي الأصل. وسيكون حائزا على نبوءة غير تشريعية لكونه خادما صادقا للنبي وبتصديق منه. فإذا كان المسلمون يريدون إقامة الخلافة فليفعلوا ذلك في ضوء هذا المبدأ كدليل لهم.

لقد جاء في رواية:

عن حُذَيْفَةَ قَالَ رَسُولُ اللهِ : تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ثُمَّ سَكَتَ. (مسند أحمد، كتاب أول مسند الكوفيين)

إذن، فإن الخلافة ستقوم نتيجة هياج رحمة الله تعالى وليس نتيجة ثورة المسلمين ضد حكوماتهم. هل سيقيمون الخلافة بهذه الطريقة في كل بلد؟ وإذا حدث ذلك فعلى يد أية فِرقة سيجتمع المسلمون كلهم، بينما لا يصلي أتباع فِرقة وراء إمام من فِرقة أخرى؟

فالحل الوحيد لهذه المعضلة هو أن يؤمنوا بالمسيح الموعود ثم يقبلوا خلافته بعده. فإن هذه الخلافة ما قامت نتيجة ردِّ العنف بالعنف، ولم تقم نتيجة إطلاق الرصاص بين فئات الأمة المسلمة أو القتل وسفك الدماء. بل هذه الخلافة قامت نتيجة هياج رحمة الله تعالى. والخلافة التي تقوم نتيجة رحمة الله ومنته ستضمن الحب والوئام حتما بين المسلمين بل ستضمن أمن العالم كله، إذ ستوجِّه الحكومات إلى العدل والأمانة والتقوى وستوجِّه الرعية أيضا إلى أداء واجباتهم بأمانة وجهود مخلصة. فالجماعة الإسلامية الأحمدية تقدم كالمعتاد حلا واحدا لدرء الفساد المنتشر في هذه الأيام، وهو أن تجتمعوا على يد واحدة لتكونوا خير أمة، ولكي تكونوا ضمانا للأمن والحب والوئام للعالم كله بإزاحة الخوف من قلوب الناس. كذلك عليكم أن توطِّدوا علاقتكم بالله تعالى وتصلحوا دنياكم وعقباكم. وكونوا على يقين أن الله تعالى يكلّم اليوم أيضا من يشاء حتى يتجلّى مقامُ خير أمة وتتقوى شوكته دائما وباستمرار. ولكن كل ذلك سيتحقق نتيجة العلاقة الوثيقة مع أمام الزمان. وبهذه الطريقة وحدها ستتحسن حالة المسلمين. يقول المسيح الموعود :

كذلك أُرسلتُ أنا أيضا لأبيِّن أحكام القرآن الكريم بوضوح تام. ثم يقول:

“أقول صدقا وحقا إن الذين أُحْيُوا على يد المسيح ابن مريم قد ماتوا، ولكن الذي سيشرب من يدي الكأس التي أُعطِيتها لن يموت. إذا استطاع أحد غيري أن يأتي بمثل الكلام المحيي الذي أتكلم به أنا، والحكمة التي تخرج من فمي، فاعلموا أني ما جئتُ من الله. وأما إذا كان العثور على هذه الحكمة والمعرفة التي هي في حكم ماء الحياة للقلوب الميتة مستحيلا، فليس لديكم عذرٌ لجريمة إنكاركم ينبوعها الذي فُجّر في السماء، ولا يسع أحدا على الأرض أن يوصده، فلا تتسرعوا للمواجهة ولا تُلقوا بأنفسكم تحت مغبّة حُجّة قول الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا . (الإسراء: 47) لا تتجاوزوا الحدود في سوء الظن حتى لا تؤاخَذوا بما تفوَّهتْ به أفواهكم.”

ثم يقول :

“أيها المسلمون، إن كنتم تؤمنون بالله تعالى ورسوله المقدس بصدق القلب، وتنتظرون نصرة الله، فأيقِنوا أنه قد آن أوان النصرة، وأن هذا الأمر ليس من صنع الإنسان،  وليس كيد إنسان. كلا، بل هو انبلاج ذلك الصبح الصادق الذي بُشّر به في الصحف المطهرة من قبل. لقد ذَكَركم الله في أحرج الأوقات وأشدها. كنتم على وشك الوقوع في هوة الهلاك فأدركتْكم يد رحمة الله بسرعة، فاشكروا له وتَهلّلوا فرحًا وغبطة، فقد عاد يوم حياتكم من جديد. لا يريد الله أبدًا أن يخرّب بستانا سُقي بدماء الصادقين، ولا يريد إطلاقا أن يصبح الإسلام أيضا مثل أديان أمم أخرى؛ مجموعة قصص بالية لا بركة فيها. إنه يرسل من عنده نورا عند غلبة الظلام الكاملة.” (إزالة الأوهام، الخزائن الروحانية المجلد 3 ص 103-105)

فخليفة الله الذي أرسلته رحمة الله تعالى قد أقام الإيمان على الأرض بعد أن ناله من الثريا بحسب نبوءة سيدنا رسول الله وأبان لنا نور الإسلام الحقيقي. ثم قامت سلسلة الخلافة بعده بحسب نبوءته . وقال في ضوء الحديث النبوي الشريف الذي قرأته عليكم قبل قليل بأن الله تعالى سيقيم لكم بعد وفاتي القدرةَ الثانية التي ستبقى معكم إلى الأبد، وهذا ما بيّنه النبي بنفسه.

فمن واجب الأحمديين حيثما كانوا أن يبلغوا بقدر استطاعتهم رسالة بأنكم إذا كنتم ترون في الخلافة تُرسا لنجاتكم فإن الخلافة قائمة بحسب نبوءة رسول الله . ولا حاجة من أجلها لثورة، أيا كان نوعها، ولا حاجة لإطلاق الرصاص، وأن هذه النعمة إنما تُنال نتيجة طاعة الله تعالى فقط كما هو الحال فعلا، ولا تُنال بحركات شعبية ولا بالمساعي. فتعالوا وكونوا جزءا من النظام الربّاني ومدعاة لتقوية الأمة المسلمة. هذا هو الأسلوب الوحيد الذي يتسبب في إكمال الإيمان بالله تعالى، وهذا هو الطريق الذي يُظهر طاعة الرسول وحبه بصورة حقيقية. وفق الله تعالى المسلمين لفهم هذه النقطة حتى يسلكوا الصراط المستقيم – الذي وجهنا الله تعالى إليه – دون التخبط هنا وهناك.

يعود السبب كله إلى اختفاء التقوى ومع ذلك يُقحمون اسم الإسلام في كل قضية، ويقومون بكل تصرف باسم الإسلام، فقد تغيرت القيم والمعايير. فإذا كنا نريد أن نتقدم فلا بد من معرفة قيَمنا الصحيحة.

على أية حال، هذا هو الطريق الذي اعترف بعضهم بكونه الحل الوحيد للمشكلة المذكورة، وهي الطريقة الروحانية لجذب أفضال الله تعالى ولا بد للأمة الإسلامية من اتباعها وهي الطريقة التي نلفت نحن الأحمديين أنظار الناس إليها كلما أتيحت لنا الفرصة لذلك، وسنواصل مهمتنا هذه بإخبارهم أن نجاتهم منوط بالإيمان بالإمام المهدي والمسيح الموعود. على أية حال، على الأحمديين أن يركزوا على الدعاء للمسلمين الآخرين، كما يجب أن يسعوا جاهدين لإفهامهم هذه الأمور داعين الله تعالى أن يهب للبلاد الإسلامية قيادة عادلة وحكيمة تخشى الله تعالى. لقد تبين إلى الآن أن القادة في هذه البلاد – التي سادت فيها أجواء القلق والاضطرابات أو التي يبدو فيها الهدوء في الظاهر – لا تهمهم إلا مصالحهم الشخصية ولا يختلف حال الذين يتطلّعون للوصول إلى سدة الحكم بعدهم، وهكذا تتغير الوجوه دون أن يتغير نمط الحكم وأساليبه. والآن عندما بلغ السيل الزبى لدى ظهور ردة فعل الناس في بعض البلاد أصبح الملوك الجبابرة أيضا يرفعون نعرة حقوق الشعب. فلو تذكروا هذا الأمر قبل هذا الوقت لما أُلحقت الأضرار بالأملاك والأنفس، وكثرت هذه الاضطرابات لدرجة يبدو أن جميع البلاد في هذه المنطقة أصبحت غير آمنة. فما هي القوى التي تلعب وراء هذه الأحداث؟ هل هي فعلا تتوخى إقامة الأمن في البلاد أم تتطلع للوصول إلى كرسي الحكم، أو تقتصر مهمتها على نشر الفساد؟ هناك نظام مَلَكي مستحكم في السعودية مع ذلك فقد أعلنت حكومتها – نظرًا إلى ما يجري في البلدان المجاورة لها – بتوفير معونات ومرافق أخرى لشعبها. في خضم هذه الأحداث تستعد بعض القوى الأخرى للنهوض ويمكن القول بأنها تخطط للنـزول إلى الساحة بعُدّتها الجديدة وعتادها المتطور، منها أولئك الذين يريدون أن يعطوا للقوى الكبرى انطباعًا بأنكم جربتم عبيدكم السابقين ولكن آن الأوان أن تجربونا نحن أيضا، كما أن القادة القدامى أيضا قد قدموا بعض الناس إلى أسيادهم ليخلفوهم في ساحة الحكم، إلا أن وصولهم إلى الحكم سيكون مشروطًا بمواصلتهم خطة الحكومة السابقة مما يضمن الحفاظ على مصالح هذه القوى من ناحية ومن ناحية أخرى يؤدي تغيير الوجوه إلى كسب رضى الناس والتخلص من الاضطرابات والقلاقل ولو مؤقتًا. ولكن يظهر من خلال آراء المحلليين أن شعور الناس الذي بدأ يسود أغلبية الناس يوحي بأنهم لن يدعوا الأمور تسير على النحو المذكور وبالتالي تستمر هذه الاضطرابات وقد تطول سلسلتها. والأمر الثاني الهام هو أن الأحزاب الدينية أيضا قد تحاول استغلال هذه الأوضاع بل هى تحاول الآن أيضا. قد تتظاهر هذه الأحزاب الدينية في البداية بالتسامح والاعتدال وأنها لا تميل إلى التشدد إلا أن خططها ستنكشف رويدًا رويدًا مما ينذز ببدء فترة معاناة قاسية للمسلمين في العالم كله. الواضح أن الخطة الظاهرية والخفية التي ستضعها القوى الكبرى لمعالجة هذه الأوضاع ستؤدي إلى إلحاق الأضرار بالمسلمين، لأنها لن تقبل أبدًا أن تتضرر مصالحها في هذه المناطق. علاوة على ذلك حمي وطيس الحرب الباردة بين القوى الكبرى أيضا مرة أخرى مما يؤدي إلى دعمها لبعض الأحزاب المثيرة للاضطرابات والفتن وبالتالي يكثر انتشار الفساد. تعاني بعض البلاد الإسلامية في العالم الثالث اليوم من الفساد الداخلي والسبب في ذلك هو تضارب مصالح هذه القوى الكبيرة. والمؤسف في الأمر أن قادة البلاد الإسلامية لا يؤدون بشكل عام حق رعاية مصالح الشعب والبلد، فإنهم بسبب أنانيتهم وكبرهم ومن أجل مصالحهم الشخصية فحسب يلعبون ويتحركون بإشارات الأغيار. أما المشايخ فبما أنهم عراة عن لباس التقوى لذلك فإنهم أخطر كثيرًا من هؤلاء الساسة لأمن البلد والعالم. وهذا ما يدعو إلى القلق ويبعث على الدعاء الكثير.

خلاصة القول، تسعى جميع هذه القوى للوصول إلى سدة الحكم والسيطرة على مواردها وخيراتها نظرًا إلى أهمية موقع هذه المنطقة، وهكذا أصبحت القوى الداخلية والخارجية في العالم الإسلامي تتسابق في السيطرة على هذه الأمور مما يؤدي إلى سحق شعوب هذه البلاد في رحى المعاناة. فلو تقدم أحد هذه البلاد بضع خطوات جرّته هذه القوى المغرضة خطوات كثيرة إلى الوراء. كانوا يقولون في زمنٍ خلا أن العراق يزدهر لدرجة لو زاره أحد لَظنّ أنه يزور أحد البلاد المتطورة الراقية، ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟ لقد حولته أعمال الفساد والاضطرابات والحرب الممتدة على عشرين سنة إلى خراب ودمار، ثم توسع نطاق هذه الاضطرابات وأجواء القلق إلى البلدان العربية والبلدان الإفريقية المجاورة لها. تسعى القوى الكبرى لبسط سلطانها على هذه المنطقة نظرًا إلى مواردها وأهميتها، كما أن المنظمات الإسلامية أيضا تحاول مد سيطرتها عليها، أما الشعب فيعطَون وعودًا وآمالاً كاذبة من كلا الجانبين. فلو كان الساسة أمناء، وكان قادة هذه البلاد يريدون الخير لشعبهم بحسن النية ثم يسعون جاهدين للحفاظ على حقوقهم فلا يمكن أن يسود الاضطراب والقلق، ولا يكون ثمة مجال لبروز المنظمات المتشددة، ولا تسع القوى الخارجية تحقيق مآربها.

من أجل الحفاظ على سمعة الإسلام، ونشْر الأمن في البلاد وبين الرعايا وأصحاب الحكم والسلطة هناك حاجة ماسة للتقوى… والأسلوب الوحيد هو أن يُنيب كل واحد إلى الله تعالى بالتوبة والاستغفار، ويتحرّى سبل التقوى.

خلاصة القول، إن الأحداث الراهنة والظلم السائد في كل مكان يجرّ العالم نحو الدمار، فلو لم تتولد في النفوس التقوى الحقيقية وبالتالي لم تسعَ لإقامة العدل في العالم فلا بد أن يحيط هذا الدمار والحرب العالم كله، وقد تصبح البلاد الإسلامية مسوؤلة عن ذلك. هذا ما يبعث على القلق، وندعو الله تعالى أن يهب البلاد الإسلامية قادة منصفين عادلين وملتزمين بالتقوى يعملون بالأمر القرآني:

وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى (المائدة 3)

أي يتعاونون مع الآخرين ويريدون منهم التعاون على أساس البر والتقوى. فإذا كانوا ملتزمين بالتقوى ثم يريدون من الناس أن يعاونوهم على البرّ، وإذا كانوا يبرّون بجيرانهم، ويؤدون حقوق العباد متمسكين بالتقوى، فلا بد أن يسود الأمن ويزدهر البلد. لا تبشر الأوضاع السائدة بظهور أية صورة من

  وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى

بل على عكس ذلك إنها تقدم مشهد

ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ (الروم 42).

فلا يسعنا في مثل هذه الأوضاع إلا التركيز على الدعوات أو إسداء نصحنا إلى عدد قليل من الناس. إن الأحمديين اليوم يمثلون ضمانًا لأمن العالم، لأن الدنيا وأهلها يعتمدون كليًا على مكائدهم ومخططاتهم الدنيوية أما الأحمدي فيرى بأم عينيه آيات الله تعالى، لذلك يتوكل عليه كليًا، لأنه يرى مشاهد قدرة الله ويخشاه ويعتبر الخضوع أمامه كل شيء.

جاءني بروفيسور بنغالي قبل بضعة أيام فقال: ما الذي يضمن أنه إذا كثر عدد الجماعة الإسلامية الأحمدية فلا تضطهد الفرق والمذاهب الأخرى ولن تغتصب حقوق الناس؟ فقلت له: إن الأكثرية التي تكونت من خلال الفوز بقلوب الناس، والتي تأخذ معها رسالة المحبة بدلا من الجبر والإكراه، فلا يسعها الظلم والاضطهاد بل ستنشر الحب والوداد، لأنها تراعي تقوى الله تعالى وتبتغي رضوانه، فإنها تتعاون مع الآخرين على أساس البر والتقوى وعلى الأساس نفسه تلتمس التعاون من الآخرين. ثم إن نظام الخلافة الراشدة لهو نظام كفيل بإقامة العدل وإعطاء كل ذي حق حقه ولا علاقة له بغصب حقوق الآخرين. وسيكون من واجب الحكومة المبايعة للخلافة أن تركز على أداء حقوق العباد ولن تسعى بحال من الأحوال لغصب هذه الحقوق. لا شك أن هناك احتمالا لصدور بعض القرارات الخاطئة النابعة من الضعف البشري إلا أنه يمكن إصلاحها إذا كان أصحابها يتحلون بالتقوى.

إذا كنتم ترون في الخلافة تُرسا لنجاتكم فإن الخلافة قائمة بحسب نبوءة رسول الله . ولا حاجة من أجلها لثورة، أيا كان نوعها، ولا حاجة لإطلاق الرصاص، وأن هذه النعمة إنما تُنال نتيجة طاعة الله تعالى فقط كما هو الحال فعلا، ولا تُنال بحركات شعبية ولا بالمساعي.

على أية حال، إن أغلبية المسلمين يناصبون الأحمديين العداء الآن بتحريض من المشايخ أو خوفًا من محيطهم وبالتالي فيعرضونهم للظلم والاضطهاد. هذا هو دأبهم، وليفعلوا ما يحلو لهم، أما الأحمديون فيضطربون الآن نظرًا للأوضاع السائدة في البلاد الإسلامية وبعضهم يكتبون إلي أيضا أنهم لا يطيقون رؤية حالة العالم الإسلامي في هذه الأيام. فمن واجبنا الاهتمام بالمسلمين في جميع الأحوال ومواساتهم والدعاء لهم وسنبقى مواظبين على سيرتنا هذه.

وفي الأخير أقول مرة أخرى للأحمديين القاطنين في البلاد العربية أنه لو كانت لهم علاقات مع الساسة والقادة في الحكومات الإسلامية فينبغي أن يخبروهم أنه إن لم يفيقوا من سباتهم الآن ولم يسعوا للالتزام بالتقوى ولإقامة العدل، ولم يحاولوا للتخلص من سيطرة المشايخ، ولم يراقبوا عن كثب نشاطات الأحزاب المتشددة فليس ببعيد أن يحاول المشايخ للوصول إلى سدة الحكم باسم الدين، مما سيسفر عن نتائج مخيفة جدًّا تدفع الناس إلى مهاوي الظلام، بحيث ستضطهد فرقةٌ فرقةً أخرى باسم الدين مما يتيح للقوى الكبرى التدخل في هذه البلاد وفق أهوائها، وهكذا ستمنحون لها وثيقة رسمية للدخول إلى البلاد والجلوس فيها بحجة إقامة الأمن والسلام، وهو ما يؤدي إلى نشر الفساد والإضرار بالأموال والأنفس وقد يؤول الأمر في النهاية إلى وقوع البلاد في سلاسل العبودية بشكل مباشر أو غير مباشر، بل هو ما سيحدث يقينًا في نهاية المطاف، والأدهى والأمرّ كما بينت أن حربًا واسعة النطاق قد تحيط بالعالم كله. رحم الله تعالى الأمة المسلمة ووهب قادتها العقل والتدبر حتى يولّدوا في قلوبهم مخافة الله تعالى. آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك