خيانة الدين و الوطن

خيانة الدين و الوطن

هاني طاهر

  • جهاد أم عدوان على خلق الله وآياته؟!
  • التعدي الديني المبني على الجهاد العدواني
  • مخالفات الدين والأخلاق لا مبرر لها

__

ليس هنالك من خيانة أشدّ من أن تبارك باسم الدين والوطن عملا خسيسا وعارا تاريخيا.

قد يسيء شخص عابر لدينه ولوطنه، وقد يبيع دينه ووطنه بحطام الدنيا، لكن هذا كله ليس شيئا حين يقارَن بجريمة لصق الخسّة بالدين والوطن. حماس اقترفت هذه الجريمة العظمى حين باركت قتل مصلّين في معبد يهودي قبل أيام.

يمكن أن نسكت عن العملية نفسها، فقد يكون فاعلها جاهلا بالقِيم، وقد يكون مغفَّلا جدا، وقد تكون ممارسات المستوطنين العنصرية الإجرامية قد أفقَدَتْه صوابه فهاجم المعبد وقتل مَن قتل، لكن الذي لا يمكن أن نسكت عليه لحظة هو مباركة كبرى الجماعات الفلسطينية للجريمة، خصوصا إن كانت باسم الدين والوطن، لأن سكوتنا يعني رضانا أو تهويننا من قتل المصلّين في معبدهم، ويعني استخفافنا بقوله تعالى

وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ الله كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ الله مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ الله لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ،

فالآية توجب علينا القتال دفاعا عن معابد الجميع، فمِن أهمّ مبررات الجهاد هو حماية الصَوَامِع وَالبِيَع وغيرها مِن معابد. إن قتل المصلين في المعبد اليهودي يتضمن الجرائم التالية:1: قتل أبرياء، قال تعالى

مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا (المائدة)،

فالقتل محرم إلا أن تقضي بذلك محكمة على شخص بسبب قتله نفسا أو بسبب إفساده في الأرض. أما الأفراد فلا يجوز لهم الحكم بإعدام أحد.

2: مهاجمة معبد ومنع ذِكر الله فيه،

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا (البقرة)،

ومساجد الله هنا تشمل كل المعابد المخصصة لذكر الله، وليست مقصورة على مساجدنا.

3: الغدر والكذب والخداع، فلا بدّ أن يكون المهاجمان قد تنكّرا بلباس خادع حتى استطاعا اقتحام المعبد، ولا بدّ أنهم هيأوا للناس أنهم مصلّون حتى نجحوا في تحقيق غايتهم.

4: نقض وصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه لقائد جيشه الذي أرسله لمحاربة المعتدين، وهي قوله: “لا تقتلوا صبيا ولا امرأة ولا شيخا كبيرا ولا مريضا ولا راهبا ولا تقطعوا مثمرا ولا تخربوا عامرا”. (سنن البيهقي)، فإذا كان قتلُ الرهبان والمصلين حرامًا في المعارك، فكيف من دون معركة؟ إنه أشدّ جرما.

مبررات هذه العملية الخيانية للدين والوطن

جاء في مقال يبارك العملية: “حملت هذه العملية رمزية مكانية ربما كان المنفذان يقصدانها، وهي أنها تمت في كنيس يهودي، في رسالة واضحة إلى المستوطنين والمتطرفين من كافة الأصناف والألوان بأن الاعتداء على المقدسات العربية سيؤدي إلى مهاجمة الكنس والأماكن المقدسة اليهودية”.أقول: لا يجوز لنا أن نعتدي على مقدساتهم حتى لو اعتدوا على مقدساتنا؛ لأنّ هذا الفعل محرّم بحدّ ذاته، ثم إن الاعتداء على مكان العبادة ليس كقتل المصلين فيه، فمتى هاجم أحدٌ من اليهود مصلّين في المساجد وقتَل منهم خمسة بعد جولدشتاين؟ وحتى لو فعل فلا يجوز لنا أن نقلّده، فهو لم يقرأ في كتابه المقدس

وَلَوْلَا دَفْعُ الله النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ ،

ولم يقرأ

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ الله أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا ،

لذا فجُرمه أخفّ ممن يقرؤها صباحَ مساء، “والعتَب على العاقل” كما جاء في الأمثال. وحين فعلها جولدشتاين استنكرت أمتُه معظمُها، وحين فعلها اثنان منّا باركها بعضُنا، فيا لعار مَن أراد لنا أن نكون أحطّ الناس خلُقا! ويتابع صاحب المقال: “لم تكن هذه ضمن منطق الإرهاب … وإنما كانت من منطلق الدفاع عن الذات، وإنقاذ الشعب الفلسطيني”.

فأقول: كيف تكون هذه الجريمة دفاعا؟ هل رحل اليهود من فلسطين بعدها؟ هل أوقفوا الاستيطان؟ هل تنازلوا عن شروطهم؟ أم ازدادوا شرا على شرهم؟ فلماذا التضليل وإيجاد مبررات واهية لجريمة أساءت جدًّا لديننا وتاريخنا وأمتنا وقضيتنا؟

ويتابع يقول: “على الشعب الواقع تحت الاحتلال أن يوتر الأوضاع باستمرار إذا رغب في لفت نظر العالم وإجبار المعنيين على البحث عن حلول مرضية، فالتوتير يشدّ انتباه العالم، وتحسب له الدول حسابا من أجل استقرار مصالحها”.

أقول: هذا هو المنطق إذن! النضال الإزعاجي لا أكثر، وذلك لِلَفت انتباه العالم!! إذن، صاروا يهتمون بالعالم وبمجلس الأمن وبالقرارات الدولية! بعد أن صدّعوا رؤوسنا بقولهم إنّها كلها مؤامرات ولا خير فيها قطّ! فهم يتناقضون في كل سطرين.

على كل حال، نقول: إن هذه العملية شوّهت شعبنا في العالم بعد أن كان كثير من دول العالم قد بدأت تعترف بخطئها التاريخي بحقّه، وبعد أن أخذت برلماناتها تعترف بالدولة الفلسطينية، فهذه العملية تأتي في وقت سيئ من هذا الباب، لكننا لا نرفضها من هذا الباب، إلا لننقض ما يقوله المتناقِضون الباحثون عن مبرر كيفما اتُّفق.

آن لأمتنا أن تصدع بالحقّ مهما كلّف من ثمن، وآن لها أن توقف خطباء الفتنة والانهيار الأخلاقي عند حدّهم، وأن تعلم أن النّبْذ هو اللائق بهم لا المنابر.

Share via
تابعونا على الفايس بوك