لقاء مع الأستاذ المرحوم مصطفى ثابت (5) 

لقاء مع الأستاذ المرحوم مصطفى ثابت (5) 

محمد طاهر نديم

  • ظفر الله خان
  • قرار الوقف وتبليغ العرب
  • مطبعة الرقيم الأحمدية

__

في سنة 1978 حصل لي شرف المشاركة في مؤتمر “الخلاص من الصليب” الذي عقدته الجماعة في بريطانيا في قاعة الملكة إلزيت بلندن، حيث ألقى حضرة مرزا ناصر أحمد الخليفة الثالث (رحمه الله) محاضرة قيمة حول نجاة السيد المسيح من الصلب. ولقد تشرفت بلقاء حضرته خلال إقامتي هنالك. والجدير بالذكر في هذا الصدد أمر لفت انتباهي وهو أن السيد محمد ظفر الله خان كان يمشي وراء حضرة الخليفة الثالث ويداه وراء ظهره موحيا للجميع أنه لا يرغب في مصافحة  أحد. سألته فيما بعد على صنيعه فأجابني أنه أينما كان الخليفة يجب أن يُوجه كل الاهتمام والاحترام والتبجيل لحضرته، لذلك يجب على الزوار والضيوف أن يصافحوا حضرته فحسب. فبما أن السيد محمد ظفر الله خان شخصية مشهورة عالميا لذلك يود كل من يراه أن يسلم عليه إلا أن تواضعه وحبه الشديد للخلافة جعله يتخذ هذه الخطوة.

ولقد أكرمني السيد محمد ظفر الله خان ودعاني لأزوره في الغرفة التي كان يقيم فيها في لندن ولم يكن فيها إلا سرير ومنضدة عليها الأدوية التي يستعملها. ولم تنته سلسلة تكريمه لي حيث دعاني كي أنزل ضيفا عليه وأقيم عنده عندما أزور مركز الجماعة في ربوة حيث أصبح يعتبرني صديقا مقربا.

في سنة 1980 زرت القاديان لحضور الجلسة السنوية بصحبة الحاج حلمي وصديق آخر اسمه مصطفى كامل  يقطن في السويد. وبعد الجلسة انضم إلينا العالم الأحمدي الدنماركي عبد السلام مادسن الذي ترجم القرآن إلى اللغة الدنماركية كما انضم إلينا الأخ عبد الله أسعد عودة وذهبنا لزيارة قبر المسيح في كشمير ثم اتجهنا إلى الباكستان. وهناك قابلنا حضرة  ميرزا طاهر أحمد الذي انتُخب فيما بعد خليفة رابعا. ولقد تركت أخلاقه الحميدة وعلمه الغزير الأثر الكبير على قلب الحاج حلمي؟

منذ شبابي وأنا عضو في منظمة الإخوان المسلمين دعوت الله كثيرا أن يطيل عمري إلى أن ينزل سيدنا عيسى من السماء حينها سأتخلى عن كل المشاغل الدنيوية وانضَمَّ  إلى جيشه لأحارب الدجال. ولكنني منذ أن بايعت تزوجت وانشغلت في كسب لقمة العيش وكان دائما يراودني إحساس قوي كي أُنذر حياتي لخدمة الإسلام حيث تأثرت كثيرا بالدعاة الذين قابلتهم. وفي سنة 1982 عندما انتُخب حضرة مرزا طاهر أحمد خليفة رابعا قررت أن أطلب من حضرته أن يقبل مني وقف حياتي لخدمة الإسلام. وسافرت في نفس السنة إلى اسبانيا حيث سيفتتح حضرة الخليفة مسجد البشارة هنالك. وهكذا تحققت أمنيتي وقابلت حضرته لأول مرة وعرضت على حضرته وقف حياتي. وافق ونصحني أن لا أترك شغلي الآن وأنه سيكلفني ببعض الأشغال إلى أن يأتي الوقت المناسب. فكنت أترجم خطب الجمعة من اللغة الانجليزية إلى العربية وأبعثها إلى أفراد الجماعة في مصر. ثم حصل لي شرف المشاركة في جلسة الجماعة في ربوة وقابلت حضرة أمير المؤمنين الذي قرر إرسالي إلى غانا لأن أمير الجماعة هنالك طلب من حضرته أن يرسلني لبلده لأن هنالك كثيرا من العرب كي نقوم بجولات تبليغية. وفي اللحظة الأخيرة بعد أن قطعت التذكرة طلب مني حضرة أمير المؤمنين أن أقوم بجولة تبشيرية في نيجيريا أيضا. وبهذا الصدد هنالك حادثة أريد أن أذكر تفاصيلها: التذكرة التي اشتريتها كانت من القاهرة إلى أكرا عاصمة غانا ثم العودة إلى القاهرة. ثم بعد أن طُلب مني أن أزور نيجيريا أيضا قررت أن أشتري تذكرة من أكرا إلى لاغوس عاصمة نيجيريا ثم العودة إلى أكرا ومنها إلى القاهرة. ولكنني فوجئت لأنه ليست هنالك خطوط مباشرة بين البلدين والشركة السويسرية هي الوحيدة التي تذهب من سويسرا إلى غانا وإلى نيجيريا. ذهبت إلى مكتب شركة مصر للطيران في نيجيريا وكان فيها عامل نيجيري ولما قلت له إني أريد تغيير التذكرة بدلا من أكرا إلى القاهرة أريدها من لاغوس إلى القاهرة. قال لي: هذا مستحيل وغير ممكن. أخبرته إذا كان هناك فرق في ثمن التذكرة فأنا مستعد أن أدفع ذلك. فقال لي إن تذكرتي توجب عليَّ الرجوع من أكرا. توقفت ودعوت الله وقلت يا ربي أنا هنا بأمر من الخليفة فيسِّر لي الأمر فما أن انتهيت من الدعاء وإذ بالرجل يفتح الدرج ويخرج منه دفتر التذاكر ويقول لي أعطني تذكرتك فأعطيته إياها فكتب لي تذكرة أخرى من لاغوس إلى القاهرة. فسبحان الله مقلب القلوب، أذكر هذه الحادثة كي يستفيد كل من يسمعها ويعلم أن في طاعة أوامر وتوجيهات الخليفة بركات عديدة.

خطر في بالي مرة خلال لقاء مع بعض الإخوة في كندا كي أجهز أشرطة صوتية …. أعرّف من خلالها بعقائد الجماعة. ونويت أن أقدمها هدية لحضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) حيث كان جِدّ مهتمٍ بتبليغ العرب وكان يحثنا على ذلك. تمكنت بفضل الله من تسجيل ستة أشرطة  وكل شريط كان يحتوى على ساعة ونصف أرسلتها مع شاب مصري يحضر الجلسة في ربوة كي يقدمها لحضرة أمير المؤمنين. أعجب حضرته بعملي المتواضع وأخبرني أن هذه أعظم هدية يتلقاها مني، وأمر بأن تصنع النسخ من هذه الأشرطة  وتوزع على الجماعات.

وبعد هجرة حضرته من الباكستان والاستقرار في لندن أرسل لي حضرته دعوة للقائه. فحضرت وكان هنالك أربعة إخوة عرب من بينهم أمير جماعة الكبابير محمود أحمد، وأيضا طه القزق من الأردن وحسين القزق من الكويت. طلب منا مولانا أمير المؤمنين أن نجتمع سويا لوضع خطة لتبليغ العرب. قضينا أسبوعا كاملا نتباحث ونخطط وأخيرا وضعنا خطة واجتمعنا بحضرة أمير المؤمنين وعرضناها على حضرته فوافق عليها. ولقد كان ضمن هذه الخطة أن يتفرغ أحد العرب لتنفيذها فاقترح الجميع اسمي ووافق حضرة أمير المؤمينن قائلا أن مصطفى ثابت عرض عليَّ وقف حياته منذ فترة وكنت قد قَبِلت طلبه وقلت له أن ينتظر الوقت المناسب الذي أراه قد حان الآن. وطلب مني أن أعود إلى كندا وأستقيل من عملي وأتفرغ لعمل الجماعة.

في الحقيقة لما أوقفت حياتي توكلت كلية على الله عز وجل ولم أجهز مصدر دخل شهري لأسرتي لسد مصاريفهم. وكانت زوجتي قد اشترت حضانة للأطفال سنة 1984 ولكننا خسرنا في أول أسبوعين ما يقارب سبعة آلاف دولار كندي. وبعد أن أوقفت نفسي ورجعت إلى  كندا وأخبرت زوجتي أنني سأستقيل من العمل وأتفرغ لخدمة الجماعة دون أي مقابل. قالت لي على بركة الله فلقد فتح الله عليّ وتحسنت الظروف في الحضانة وأصبح لدينا دخل كاف.

بعدها طلب مني أمير المؤمنين أن أقوم بجولة في البلاد العربية فاتصلت بالسفارة الجزائرية فسألوني عن جنسيتي فأخبرتهم: كندية فقالوا نعطيك التأشيرة بعد ثلاثة أيام، ثم سألوني أين ولدت؟ فقلت في القاهرة. فقالوا: في هذه الحالة تستغرق التأشيرة خمسة عشر يوما فشكرتهم وقررت عدم الذهاب إلى الجزائر. فزرت المغرب وتونس ثم عدت إلى لندن ثم زرت القاهرة فالسعودية ثم فلسطين، الأردن وسوريا ثم عدت إلى القاهرة. رجعت بعدها إلى لندن حيث كلفني حضرة أمير المؤمين بمراجعة بعض الكتب العربية حيث صفّها على الحاسوب شاب مسيحي صاحب المطبعة. في الحقيقة لم أرتح له فكنت أراجع كل كلمة صفها مع الأصل بدقة شديدة. وفعلا صدق حدسي  فوجدت أنه كان إما يغير بعض الكلمات أو يسقط بعضها. وأحيانا يمحو سطرا وأحيانا أخرى يمحو فقرة بكاملها خصوصا إن كان فيها كلام ضد المسيحية. فكرت طويلا ورأيت أنه يجب أن تكون لنا مطبعة خاصة بالجماعة فيها قسم لصف الكتب يشتغل به أبناء الجماعة. فعرضت الموضوع على حضرة أمير المؤمنين وأريت حضرته الأخطاء التي وجدتها وعرضت أنه يجب علينا أن نصف كتبنا بأيدينا. وافق حضرته على الفكرة وأعلن لأفراد الجماعة أن يتبرعوا لإنشاء مطبعة. وتم ذلك بفضل الله وتبرع أبناء الجماعة بكل سخاء. كلفني بعدها أمير المؤمنين بشراء المعدات فحضرت كثير من المعارض واتصلت بشركات عديدة وأخيرا تمكنت من شراء المعدات وهكذا تحققت أمنيتي. كما كان اختيار اسم مناسب لها  بفضل الله من نصيبي حيث حضرت إحدى دروس حضرة أمير المؤمنين أخبرنا فيها أن أبناء الجماعة في الباكستان يمرون باضطهاد متواصل من أجل إيمانهم مما يجعلهم مستحقين للقب أصحاب الكهف. فسألت حضرته بعد انتهاء الدرس كما كان متعارف عليه.. بما أن إخوتنا في الباكستان أشرت إليهم بأنهم أصحاب الكهف فأرى أنه ينطبق علينا الوصف القرآني الرقيم لأننا سوف نكتب ونصُف على الحاسوب الذي لغة برمجته الأرقام كتبَ الجماعة وهكذا يُربط بيننا وبينهم

  أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا

أعجب حضرته باقتراحي ووافق عليها وهكذا سُميت المطبعة بإسلام آباد (بريطانيا) بمطبعة الرقيم.      (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك