ملخص عن خطاب لسيدنا مرزا بشير الدين محمود أحمد

 

ملخص عن خطاب لسيدنا مرزا بشير الدين محمود أحمد

الخليفة الثاني لسيدنا المهدي والمسيح الموعود ألقاه في مدينة لاهور باكستان

أمام جمع حاشد ضم أساتذة الجامعات وطلابها وذلك قبل نيف وسبعين سنة

وقد سبق نشره في مجلة (نقد الأديان) (أغسطس وسبتمبر في عام 1920م)

هل نحن بحاجة إلى الدين؟ سؤال له أهمية كبرى. وقبل أن نتطرق إلى تفاصيله يجب أن نعرف بوضوح: ماذا نعني بالدين؟ وكذلك يجب علينا مهما كنا أن نتذكر كوننا في المقام الأول بشرا. وللمرء أن يتساءل: هناك خلق كثير في أوروبا وأفريقيا وأمريكا. وهم أيضا مثلنا من حيث الفطرة الإنسانية فما الفرق إذا بيننا وبين الآخرين. وما هو الأساس ومصدر هذا التقسيم؟ وهل يعود هذا التفريق علينا بطائل. وهل يرجع الخلاف إلى تباين بلادنا وأعمالنا ونظام الحكومات المختلفة التي نعيش تحت إشرافها؟

البحث يدل على أن هذا الفرق لا ينجم عن التباين المذكور ولا عن اختلاف القومية وإنما ينسبه الناس إلى اختلاف الأديان ويعلقون على اختلافها أهمية أكثر من اختلاف الأقوام والدول. إن هذا الاختلاف ليس طبيعيا كاختلاف عنصرنا ولوننا وأمزجتنا وبلادنا. وإنما هو اختلاف مصطنع لا أساس له. وعلى الرغم من ذلك لايزال الناس يضحون بجميع مصالحهم لإبقاء هذا الاختلاف غير الأصيل وهم يصلحون مرة ويفسدون أخرى باسم الدين – ناهيك عن الفظائع الرهيبة التي ارتكبت باسم الدين.

لقد علق أمريكي تعليقا بارعا وصائبا إذ قال: (لو أمكن تجريد الإنجيل من ملحقاته المقدسة فسيبقى القليل الذي لن يتبعه كثير من الناس)

إن هذا التعليق يحمل قسطا كبيرا من الصدق. ولا شك أن أشد الجرائم وأفظع الاضطهادات. وأبشع الانتهاكات للحرمات وأفحش الكلام إنما هي تلك التي اقترفت تحت عباءة الدين وتاريخ الكنيسة المسيحية شاهد على ذلك إذ أحرق الكاثوليك البروتستانت وكذلك حدث العكس وتقشعر الجلود من ذكر الاضطهادات غير الإنسانية التي تعرض لها الناس تحت إشراف حكومات ومحاكم تابعة للكنيسة الرومانية الكاثوليكية وتحملها الناس إلى مدة طويلة لأنها كانت ترتكب باسم الدين.

وما اقتصرت هذه الفظائع على المسيحية فحسب بل يوجد بين المسلمين أيضا أمثلة من المظالم الرهيبة التي وقعت أثناء الحروب الأهلية. الفتاكون غِيلةً في أيام السلطان صلاح الدين الأيوبي-وهم معروفون بالمغامرة والقتل من بدون مبرر. كانوا مندفعين إلى هذه الأعمال السيئة على الأغلب بسبب ما يسمى الحماس الديني وفي هذا الصدد يذكر المرء ما حدث أيام حكم الهندوس في الهند بحيث إذا تصادف أن سمع شودر (وهو فرد من الطبقة السفلى في المجتمع الديني الهندوسي) تلاوة البرهمن (فرد من الطبقة العليا من المجتمع الديني الهندوسي) للفيدا (الكتاب المقدس للهندوس) كانوا يعاقبونه بإدخال قضيب من حديد ساخن في أذنه. وكذلك لا ينسى الإنسان الحروب الدموية التي أدت إلى نفي أتباع البوذية من الدولة الهندوسية.

فإذا طالع الإنسان الدين بنظرة خاطفة يظهر له الدين كشيء مخيف للغاية من خلال القتل الكثير والحروب الطويلة التي خلقت في الناس صفات بهيمية وللمرء أن يتساءل: أليس للصورة جانب مشرق؟ وهل يستطيع الدين أن يقدم شيئا مقابل الفظائع التي ارتكبت باسمه؟

هذا السؤال غاية في الأهمية وجدير أن يتأمله كل لبيب، إن العصر الحاضر هو أكثر العصور ملاءمة لهذا البحث لأن الدنيا الآن مكشوفة للجميع ولأن فرصة الاتصال بين مختلف الأقوام والشعوب قد ازدادت بظهور مخترعات جديدة للاتصالات والإعلام وانتشار الكتب وقد ازداد التعارف بين مختلف الأديان على نطاق واسع.

ويتطرق إلى أذهان الناس سؤال عما يسبب لهم التباعد عن بعضهم البعض وعما يفرقهم في معسكرات متحاربة متعادية؟ وإن الخبرة المعاصرة المكتسبة من علم الأديان والأساطير وعلم طبقات الأمم وعلم التاريخ أيضا قد لفتت الأنظار باضطراد إلى نفس السؤال وقدم لذلك عدد من التحليلات المتعلقة بمفهوم الدين ومنها: أن الدين ليس بشيء يذكر وليس فيه شيء جذاب. أما الذين كانوا غاية في الذكاء -حسب زعمهم- فقد قالوا بأن هذه الدعاوي العديدة والغربية ليست إلا أساطير بالية لأننا نرى اللاأدرية سائدة في جميع النواحي. وقد نسي الدعاة المسلمون تطبيق الإسلام وتعاليمه في حياتهم وكذلك لا يختلف الهندوس وغيرهم حالا في هذا الشأن إنهم إما انقطعوا عن الإيمان بديانتهم أو توافقوا فيما بينهم ولم يبالوا بأديانهم على الإطلاق.

وينقسم المنقطعون عن الإيمان بأديانهم إلى قسمين: المفكرون المتقدمون الذين تمنوا أن يخترعوا دينا واحدا كونيا. وكانوا أذكياء إذ أرادوا الانتفاع من الحياة تحت نظام اجتماعي. إنهم مازالوا ينتظرون وقتا يخرج فيه الناس عن طاعة الدين ويجتمعون تحت لواء الإنسانية المشتركة.

والقسم الثاني يتكون من العمليين الذين رأوا تقسيم الناس إلى معسكرات متنافسة مفيدا لحياتهم وتقدمهم وقرروا أن التقسيمات المختلفة كالفرق المختلفة من اللاعبين المتسابقين وأن المنافسة تؤدي إلى التفوق والتسابق لصالح البشرية.

أما فئة المفكرين فقد أبدوا رأيهم بأنه سيتم التخلص من الدين في نهاية الأمر فقط علينا أن نصبر قليلا وعلينا أن لا نكون جبناء في أية حال فيفلت الأمل من أيدينا بل علينا أن نتصدى للمشكلة ونبحث عن الحل المقبول في نهاية المطاف، إذا كان الدين بلا جوهر حقيقي فعلينا أن ننبذه مرة واحدة لأن المثابرة عليه تعود بالعار علينا، ولكن إذا كان يحتوي على جواهر ثمينة فلابد أن نقبله بكل حماس ومن الصميم بنية صادقة وبجدية.

أريد أن أزودكم بحل هذه المشكلة في محاضرتي اليوم. إنني متأكد من أن (المثقفين) أي المتضلعين في العلوم الغربية وكذلك (غير المثقفين) أي ذوي الثقافة الشرقية – كلهم على حد سواء بحاجة إلى حل هذه المشكلة ويتطلعون إليه باهتمام. وأنا كذلك على يقين أنهم قد بدأوا يحسون بخطورة الموقف. ولطالما ظلت هذه المعضلة بلا عناية فأدت إلى ضياع كثير من الجهود والوقت.

أرى أن فئة الخطأ السائد عند تفكيرهم. فهم عند تقديرهم أهمية الدين وجهوا أنظارهم إلى أمر واحد: هل يغدق الدين عليهم الأموال والثروة الدنيوية وسلطتها ورخائها؟ ولا شك أن اتجاه تفكيرهم هذا في التقدير والبحث خاطئ وخطير. علينا أن نرى: هل يعطينا الدين ويزودنا بالثمرات المقصودة منه. وليس من مقتضى الحق والحكمة أن ننبذه وراء ظهورنا لمجرد عدم تقديمه الأشياء المرغوبة لدينا. ولو لم تكن هذه الأشياء غاية الدين المنشودة. لن يرمي أحد ملبسه لأنه لا يسد جوعه؟ ولن يطرح طعامه لأنه لا يغطي بدنه. فلتقدير أهمية الدين ينبغي أن نعرف ما المراد منه؟ إن كان اكتساب متع الدنيا ورخائها هو المقصود من الدين فمن الواجب إذا أن نترك وننبذ دينا لا يؤدي إلى هذه الغاية وهكذا نصل إلى السؤال: لماذا نحتاج إلى الدين؟ يخبرنا الدين أن هناك خالقا خلقنا. وهناك حكمة بالغة وغاية وراء خلقنا وما جئنا إلى هذه الدنيا مصادفة. ويقول أيضا: إنه لا يمكن تحقيق هذه الغاية بدون معونة من الدين. ولذلك إذا تمكنا من إقامة البرهان على أن هناك خالقا وأن هناك غاية من خلقنا فعندئذ فقط ستبدو أهمية الدين وإلا فإنه سيكون قليل الأهمية بالنسبة إلى الإنسان العملي. أما المثقفون فالغالب عندهم أن فكرة الخلق التي تعرضها الأديان المختلفة تناقض العلم. الذي يقول أننا جئنا إلى الوجود من خلال عملية التطور.

ولكني أرى أن إخواننا (المثقفين) قد تجاوزوا في استنتاجاتهم هذا حدودا لا تجيز الحقائق عبورها فليس ثمة تناقض بين التطور والخلق فالجنين ينمو ويتطور في رحم الأم لتسعة أشهر ولكن هذه الحقيقة لا تنفي كونه قد خلق. لا شأن للدين لمسألة الخلق الفوري أو المباشر ولا بالخلق التدريجي أو غير المباشر. لا ينفي أي من الرأيين وجود الخالق. فالمسألة إذن: هل هناك خالق؟ ولا علاقة لهذه المسألة بموضوع الخلق الفوري أو المتدرج. إن كان هناك خالق فمن واجبه أن يخبرنا عن الحكمة والغاية من خلقه لنا، وإن لم يفعل ذلك لترتّب على ذلك: إما أنه ليس هناك خالق أو إذا كان موجودا فلا يهمّنا وجوده شيئا.

مِن رأي أحد المفكرين الأمريكان أنه إذا كان موجودًا للزم أن تكون صلته بنا أقرب من آبائنا. أفلا نتساءل عماذا هو فاعل من أجلنا؟ إن هذا المفكر يسعى إلى القول بأن الإنسان غير طاهر فلذا لا يستطيع أن يحقق أية صلة بالله سبحانه. إذ يمضي قائلا: أخبروني إذن: هل ثمة في الناس طاهر؟

إنه سؤال طبيعي ووارد. إن الله يظهر نفسه فعلاً للإنسان، وهناك سبيلان لذلك: إما أن يصل الإنسان إلى الله أو ينزل الله إلى الإنسان. والأول يكون بالأدلة القطعية. وأما الثاني فبطريق الوحي الإلهي. يزودنا القرآن الكريم بأمثلة توضح هذين السبيلين. إنه يقدم الأدلة والمنطق ويقول: انظروا في الكون تجدوا النظام المحكم سائدًا فيه ويُلبي الحاجات. ولكن النظام المحكم لا يمكن وجوده إلا أن يكون وراءه تدبير حكيم. ويشير القرآن إلى النظام والصلات المتبادلة بين أجزاء الكون المختلفة، وأن الأرض والشمس والقمر والنجوم كلها مرتبطة فيما بينها وتدور طبقًا لقانون محدود.

ثم يمكن الظن بأن عين الإنسان جاءت إلى الوجود مصادفة، ولكننا نرى أن الشمس قد خُلقت بعيدة عنها بملايين وملايين الأميال لتتمكن العين من الاستفادة منها. وكذلك وجد الهواء كواسطة لنقل الأصوات إلى الآذان. إن العلوم المعاصرة قد أكدت أن الأرض قد وُضعت في أنسب موضع لها بين الكواكب. والنجوم تضفي بتأثيراتها على الأرض وأنواع الحياة فيها. إن هذا التناسق الكامل والتلاؤم الشامل يشير إلى خالق مدبر حكيم.

ولكن يظل هذا الاستنتاج عقليًا محصنًا ويشير في أفضل الأحوال إلى مجرد الاحتمال. ولا يمكن للعقل أن يأخذنا إلى أكثر من ذلك. ولكي تصل إلى اليقين لا بد لنا من السبيل الآخر الذي فيه يظهر الله نفسه على خلقه، ويتحدث معهم ليتأكد لهم وجوده.

ولكن علينا أن نراعي بعض الشروط قبل أن نسمع صوته. الكهرباء موجودة في كل مكان ومع ذلك لا بد من بطاريات لندركها. كذا الإنسان بحاجة إلى أن يوجد في نفسه حالة عقلية وأخلاقية معينة كي يصل إلى الله. وهذه ليست متطلبًا عشوائيا، ولكنها طبعة خاصة لكل تجربة علمية ناجحة.

ورسولنا الكريم محمد أسوة حسنة في هذا الشأن. كان رجلا فقيرا ووحيدًا، فآمن بالله وأحبه وعشقه وسعى إلى إقامة صلة معه ، وشيئا فشيئا وصل إلى مرحلة معينة سمع عندها صوت ربه يقول: اقرأ باسم ربك.

ربما يزعم البعض أن ذلك كان وهمًا منه . من الممكن أن تكون هذه التجربة نوعًا من الوهم (الهلوسة). ما الدليل على أن المتحدث كان بالفعل هو الله تعالى؟ هذا هو السؤال الذي كثيرًا ما يزعج (المثقفين)، ولكن بوسعنا تفُّحص السؤال.

الوهم يمكن أن ينجم من واحد أو أكثر من حواسنا، ولكن لا يمكن أبدًا لهذه التجربة أن يندمج فيها أناس آخرون ولا الحقائق والاختبار.

دعونا نختبر الآن دعاوى سيدنا محمد المصطفى بهذا المعيار. فهو قد سمع صوتا ولم ير أحدا في القرب منه أي العين ما أيدت الأذن. قد يكون هذا الحادث وهمًا باتًّا ولكن إذا أثبتت الحقائق والوقائع صدقه وجب القول بأن مصدر الصوت حق ولكن لا تدركه العين.

أخبر محمد أنه وأصحابه سوف ينتصرون ويغلبون العالم ويصلحون. وكانت الاحتمالات جميعا تشير إلى عكس ما قال. ومع ذلك لم يزل يردد ويعيد تلك النبوءات على مدى 13 عاما. ولقد اضطُر للفرار من بيته وأهله بينما كان الصوت يؤكد مرة بعد أخرى أن النصر قادم لا محالة. كم من مرة حاولوا قتله خلال هذه الأعوام الثلاثة عشر، ولكن  ظل نفس الصوت ينبئه بأنه سيبقى على نحو سالما محفوظًا. ثم وصل إلى المدينة المنورة وظلّت الوعود تتكرر له. وبعد 18 عامًا من دعواه نهضت الجزيرة العربية كلها ضده، وهجم عليه من كل جانب 10.000 رجل مسلح، فضلاً عن أعدائه المستترين داخل صفوفه. وأخذ الناس يستهزءون منه ومن أبنائه، ويتهكمون من هذا “الغالب”.. الفاتح.. المصلح لا يجرؤ حتى على الظهور خارج خطوطه.

لقد أمر بحفر خندق حول موقعه، وبينما صحابته يحفرون اعترضهم حَجر كبير. فدعوه لمساعدتهم. فأخذ الفأس وضرب به الحجر. فخرج منه الشرر. فهتف النبي : الله أكبر. وردد صحابته الهتاف. ثم ضربة ثانية وشرارة ثانية وهتاف. وتكرر ذلك ثلاث مرات. فانكسر الحجر، ولما سأله أصحابه أن يفسر لهم سبب هتافاته قال:

“أما اللّمعة الأولى فرأيت بها فتح اليمن، والثانية رأيت بها فتح الشام والمغرب. والثالثة رأيت بها فتح المشرق”.

فهل تسمون هذا وهمًا؟ ألا، ما أسرع ما أثبتت الحقائق والوقائع أنه لم يكن وهمًا، وإنما كانت رسالة صادقة من عند مالك أقدار البشر. هذه الحقائق والأحداث ليست مقصورة على الأزمنة السابقة فقط، بل لقد شاهدنا مثلها في زمننا الحاضر. لقد قال رسول الله أن تعاليمه ستبقى محفوظة إلى الأبد. وتحقيقا لهذا النبأ مازال المصلحون يُبعثون في الأمة الإسلامية من حين لآخر لتجديد دين الله . وأعظم هؤلاء المجددين ظهر قريبًا من بلدنا هذا. وكلّمه الله تعالى وأخبره أن الإسلام على عكس من الظاهر، لن يُغلب ويهزَم كما يتوقع أعداؤه، بل سوف يحيا ويتغلب في الأرض مرة أخرى. ارتاب الناس، فأنبأه الله أن اسم عبده هذا سوف يشيع في أنحاء العالم لتحقق هذا النبأ، وكان هذا المبعوث مخمولاً لا يعرفه الكثيرون من قريته. كان معتادا على العزلة، يقضي معظم أوقاته في المسجد. وارتأى أبوه والناس أنه رجل لا نفع منه. وعلى الرغم من كل ذلك تحقق النبأ وذاع اسمه في كل أنحاء العالم. ولا يزال مثل هذه التجارب تتكرر وتحدث منذ زمن سيدنا آدم إلى يومنا هذا.

وقد يسأل البعض: وهل من ضروري أن نتبعه؟ لسنا بحاجة إليه في حياتنا المادية فكيف نحتاج إليه في أمورنا الروحانية؟ نتخذ بأنفسنا شريعة أو دينا بعقولنا ومنطقنا؟ والجواب على ذلك أن هناك فرقا بين الدين وعالم المادة، وليس ثمة خطر شديد في نقص بعض الوسائل المادية، فمثلا عدم وجود قطار السكك الحديدية قبل هذا الزمان لم يفسد المصير الروحاني للمجتمعات، ولكن فيما يتعلق بالحياة الروحانية فلولا نزول الوحي من بداية الأمر لهلكت أجيال كثيرة وظلت غير مستحقة للثواب الروحاني.

ويقودنا هذا إلى سؤال: ما هو الدليل على أن هناك حياة بعد الموت؟ إن المادة التي تتكون منها أجسامنا تتعرض حتمًا لألوف التغيرات، فأي شكل من هذه الأشكال سوف تتخذه أجسامنا في حياتها الآخرة؟ وسؤال آخر: ما الدليل على وجود الروح؟ والجواب بحسب الإسلام هو أن الروح ليست شيئا خارجيا يدخل في الجسم، وإنما هي ماهية تخلق من مادة الجسم ذاته وتتميز بصفة الارتقاء المتواصل. ليس هناك دحض علمي لخلق الروح في الجسم. كل ما يقوله الإسلام أن هذا المنتَج (الروح) يبقى بعد موت الجسم. ولا ينهض سؤال من أين تأتي الروح لأن الأمر الجدير بالبحث هو أن الروح تستمر في الارتقاء وتشاهد عالمًا جديدًا بعد فناء الجسم. ولا يصح القول أن هذه الفكرة تناقض العقيدة.

ويزودنا القرآن بشهادة أخرى غير مباشرة على وجود الروح، فمثلا الشخص الذي لم يزر غير لندن ويريد أن يعرف عنها يجب عليه أن يقتنع بالمعلومات التي يقدمها له من زارها، ولكن يجب أن يتحقق من صحة تلك المعلومات. ويرشدنا القرآن إلى التحقيق بأسلوب بارع. فكلما يتحدث القرآن عن الحياة الآخرة فإنه يربط بيانه بحقائق متأكد حدوثها في الحياة الدنيوية، ويكون تحققها تأكيدا على دقة هذه النبوءات البعيدة. وقد حاول الناس منذ زمن قريب إثبات استمرار الحياة بناء على شهادة من الأرواح بعد الموت، ولكني أرى كل هذه المحاولات تافهة لا جدوى منها، وكل ما يُعرف بأنها تجارب روحانية ليست إلا ظواهر عصبية مجردة. ومن الأدلة على ذلك أن كل الأجوبة التي تأتي عن الآخرة من جانب ما يسمونه الأرواح تشابه مشابهة دقيقة معتقدات من يشهدون هذه التجارب.

فزبدة القول أن الإنسان لم يُخلق بدون حكمة. أما النزاعات الدينية فإنما تظهر لأن الناس ابتعدوا عن الدين. الدين شيء يُحتاج إليه بالضرورة. ولا يمكن لإنسان أن يحقق الحكمة من خلقه بدون الدين.

المادة تتحول إلى الروح، والروح تمضي إلى الحياة الأبدية. فالجنة تكون لمن يولّدون في قلوبهم محبة الله. والنار عملية مؤلمة لتطهير الروح من علائق المادة. والخلاص النهائي للجميع هو الغاية من حياة البشر.

(ترجمة عبد المجيد عامر)

Share via
تابعونا على الفايس بوك