الفتنة.. من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود القسط الثاني

الفتنة.. من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود القسط الثاني

عبد الله أسعد عودة

الأحمدية والبهائية، نظرة عامة

الوجه الثالث الذي تميزت به هذه الحملة الأخيرة هو محاولة إبراز الحركة الأحمدية والحركة البهائية وكأنهما عدو واحد مشترك للإسلام والمسلمين، ومن ثم ضربهما بسهم واحد. ذلك أن هاتين الحركتين نشأتا من داخل العالم الإسلامي، ولذا اعتُبِرتا أشد خطرا على الإسلام من القوى والحركات المعادية من خارج العالم الإسلامي كالماسونية والصهيونية والشيوعية والاستعمار.

هذا الشعار الجديد أعني “الأحمدية والبهائية” أقِرَّ لأول مرة في مؤتمر المنظمات الإسلامية السالف الذكر والمنعقد في مكة المكرمة سنة 1974 تحت إشراف وبمبادرة رابطة العالم الإسلامي. وكما جاء في تقرير نُشر في مجلة “الأسبوع العربي” فقد حدد ذلك المؤتمر الأخطار التي تهدد العالم الإسلامي، وقسمها إلى تيارين رئيسيين. التيار الأول والأشد خطرًا مصدره من داخل التجمع الإسلامي، ويتمثل في الحركة الأحمدية، أو القاديانية كما يسمونها، والحركة البهائية. والتيار الثاني مصدره من خارج التجمع الإسلامي، ويتمثل في الحركة الماسونية والحركة الصهيونية والشيوعية والاستعمار. ويأتي خطر هذا التيار من نواح أخرى غير دينية عموما منها الاقتصادية والعسكرية والسياسية. وبينما دعا المؤتمر إلى مقاطعة هذه الحركات الخارجية وعدم التعاون معها.. اتهم القاديانية والبهائية بالتآمر مع هذه القوى لهدم الإسلام وإضعافه.

والذي يهمنا هنا هو لماذا يبرزون الأحمدية والبهائية في دعايتهم وحملاتهم الأخيرة ضد الأحمدية وكأنهما وجهان لعملة واحدة، وعدو واحد للأمة الإسلامية؟ ورغم أن البهائية بعيدة عن الإسلام بعد السماء عن الأرض، ورغم إعلانها قديما وحديثا أنها لا تنتمي للإسلام بصلة، ورغم أن الأحمدية تعلن وتصر على أنها حركة إسلامية محضة تمثل في معتقداتها ومفاهيمها ما يمكن تسميته بالإسلام الصحيح، إلا أن هؤلاء الأعداء لا يزالون يعرضون الحركة الأحمدية للناس كمرادفة وشريكة للبهائية في عدائها للإسلام.

كثيرا ما نرى الصحف المناوئة للأحمدية تنشر في خطوطها العريضة عناوين بارزة مثل “الأحمدية والبهائية”.. لا لشيء إلا لتضليل القراء والدعاية الباطلة التي يقصد منها التشويش وتمويه الحقائق وبالتالي إعطاء القارئ انطباعا وكأن الأحمدية والبهائية شقيقتان تعملان لهدف واحد.

مثال على ذلك تحقيق مطول نشر في مجلة “المسلمون” 11/7/1986، عنوانه بالخط العريض “القاديانية والبهائية والماسونية”. والذي يلفت النظر فيه هو أن التقرير من أوله إلى آخره جاء يتحدث عن القاديانية فقط ولم يتطرق إلى البهائية أو الماسونية بكلمة. وهو ما يدل ويشير بوضوح إلى أن هدف واضعي التقرير هو القاديانية فقط وليس البهائية أو الماسونية. وقد جيء بذكر هاتين الحركتين كمرادفتين للقاديانية بقصد البلبلة والتشوش ليس إلا. وأما أن القاديانية هي فعلا الهدف المقصود من هذه الدعاية كلها فقد أكده الأمين المساعد لرابطة العالم الإسلامي الشيخ المختار في تصريح للجريدة ذاتها حيث قال: “إن القاديانية هي في رأس الموضوعات التي تواجه الرابطة”.

وإليكم أيضا عنوانًا آخر في مجلة “الشرق الأوسط”:

“مؤتمر إسلامي عالمي يعقد في لندن للرد على الفتنة القاديانية الكافرة والبهائية والفرق الأخرى”. بينما في الواقع عقد ذلك المؤتمر وانحصرت أبحاثه حول مقاومة الحركة الأحمدية، وقد عقدوه خصيصا قريبا من مركز الجماعة الأحمدية هناك وتحت إشراف “مجلس تحفُّظ ختم النبوة” الباكستاني الذي تتركز أعماله وأهدافه في مقاومة الحركة الأحمدية في باكستان، ثم اتسعت هذه المقاومة إلى خارج باكستان.

والحقيقة أن الحركة الأحمدية هي الوحيدة التي تعمل من داخل العالم الإسلامي بهدف إصلاح أوضاع المسلمين ورفع شأن الإسلام في كل مكان. بينما البهائية اليوم هي طائفة غير مسلمة كما تعلن وتدعي هي نفسها، ورغم أن مصدرها من داخل العالم الإسلامي فإنها لا تقوم بأعمال إصلاح، ولا يهمها صالح المسلمين من قريب أو بعيد. ثم إنها جماعة منغلقة على نفسها غير منفتحة على الناس، وعقائدها مخفية على العموم، وليس من السهل حتى على أعضائها الاطلاع على تلك العقائد.

إن سبب تركيز المقاومة والأعمال العدائية ضد الحركة الأحمدية، كما يبدو واضحا، يدور في رأيي حول نقطة واحدة وهدف واحد: هو إبعاد الأحمديين عن الإسلام، وإجبارهم على القبول بأنهم أقلية غير مسلمة كما يجري اليوم في باكستان. ثم إن إبراز الأحمدية في وسائل الإعلام المتاحة لهم كشقيقة للبهائية وأحيانا كحليفة لها.. كل ذلك من أجل تضليل الناس وإيهامهم بأن الأحمدية لا بد وأن تحذو حذو البهائية وتعلن انفصالها في النهاية عن الإسلام، نظرا لأن البهائية نشأت هي الأخرى من داخل العالم الإسلامي.. وادعت في بداية عهدها أنها حركة مهدوية إسلامية كما تدعي الأحمدية اليوم.. لكنها بدلت وانحرفت تحت ضغط العلماء. وبعد أن خاب ظنهم، وظلت الأحمدية على إصرارها وتمسكها بالإسلام، ولم تَحِدْ عن هدفها المعلن.. جاءت الإجراءات الحكومية الأخيرة في باكستان كدعم لمقاومة العلماء، وقضت بأن الأحمديين غير مسلمين في نظر القانون. ومع ذلك لم يَحِدِ الأحمديون عن تمسكهم بدينهم، ولم يستسلموا لحكم برلمان باكستان الجائر، ولم يعلنوا أقلية غير مسلمة كما فعل البهائيون، رغم ما يفرضه عليهم القانون الجديد وما ينصح لهم به الوزراء أن يفعلوه من حين لآخر. وهيهات هيهات أن تتحقق أحلامهم السوداء هذه.

لقد تضافرت القوى الدينية والدنيوية لحمل الأحمديين على الخروج من حظيرة الدين الحنيف كي يتخلصوا من المجابهة والجدال والخصام الفكري مع أبناء الجماعة الأحمدية، والذي لم يعد لهم الطاقة على تحمله ولا القدرة على مواجهته. أما نحن فنقول: ما دامت الأحمدية حقًا، ومؤسسها من الله، وهذا ما نعتقده ونؤمن به، فلن يكون بمقدورهم يوما أن يصدوا زحفها أو أن يقفوا في وجهها.. لأن تقدم الإسلام ورقيه في هذا العصر منوط بها.

تصدّي الأحمدية للبهائية

الأحمدية ليست حليفة البهائية، ولا تتآمر معها ولا مع غيرها لهدم الإسلام.. كما يزعم بعض المشائخ، وكما تفتري رابطة العالم الإسلامي. وليكن معلوما أن الجماعة الإسلامية الأحمدية كانت ولا تزال في طليعة من تصدوا للديانة البهائية، وكشفوا النقاب عن عقائدها الباطلة التي لا يتسنى لكل إنسان الاطلاع عليها. لقد كتبت الجماعة الإسلامية الأحمدية ونشرت خفايا هذه الديانة الباطلة قبل ما ينوف على الثمانين سنة، وفي حين كانت البهائية وزعماؤها لا يزالون يتمتعون باحترام في العالم الإسلامي، وأبناء هذه الطائفة يشغلون أعلى المناصب في الدول الإسلامية، وفي حين كان علماء المسلمين في سبات عميق لا يعلمون عن البهائية حقيقتها. ومن ثم لم يجرأ أحد منهم على اتهامها. حسبما جاء في تاريخ الأحمدية دعا مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سنة 1904 أحد مبشري الحركة البهائية في لاهور للمناظرة، ويدعى الشيخ محمود أحمد الزقاني. ثم في سنة 1906 دعي هذا الداعية البهائي أثناء وجوده في دلهي إلى مناظرة مع أحد الأحمديين هناك حول عقيدة البهائية، ولكنه لم يقدر على المناظرة ولم يجرؤ على إظهار العقائد البهائية أمام الناس لا شفهيا ولا خطيًا.. الأمر الذي تسبب له بإحراج ومضايقة شديدة. وعى الأثر قامت الجماعة الإسلامية الأحمدية بنشر سلسلة من المقالات في مجلتها “نقد الأديان” بالإنجليزية كشفت فيها للعالم أباطيل هذه الديانة ومخالفتها للدين الإسلامي.

بينما نرى الأستاذ الإمام محمد عبده أحد أعظم علماء النهضة الحديثة قد امتدح اجتهاد البهائية في شرح الدين وذلك على أثر لقائه بزعيمهم عبد البهاء عباس في بيروت، وهو الشخصية الثالثة المهمة في البهائية. (راجع تاريخ الأستاذ الإمام للشيخ رشيد رضا).. الأمر الذي إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشيخ محمد عبده لم يكن يعرف بعد حقيقة هذه الحركة، أو أن عبد البهاء عباس خدعه في الحديث وهو الأرجح.. لأن البهائية تؤمن بمبدأ “التقية” وتخفي معتقداتها عند الضرورة. ومعروف عن عبد البهاء عباس هذا بأنه كان يسلك ويطبق مبدأ التقية.

ثم من حقنا أن نسأل: أين كان هؤلاء المشائخ وماذا كانوا يفعلون عندما تصدى الداعية الإسلامي الأحمدي مولانا أبو العطاء الجالندهري رحمه الله، للبهائية في أوائل الثلاثينيات وفي عقر دارهم في حيفا، ونشر كتابهم الأقدس الذي كان سرا مخفيا عن أعين الناس؟ ثم أين كان هؤلاء المشائخ وما شغلهم عن التصدي لهذه الحركة عندما تحدى إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية في تلك الفترة زعيمهم الروحي للمباهلة وأمام الله تعالى لإظهار صدق الإسلام أو البهائية. وبعد أن رفض تحداه مرة أخرى المبشر الإسلامي الأحمدي بحيفا، فانهزم للمرة الثانية. فهل يعقل أن تكون الجماعة الإسلامية الأحمدية حليفة للبهائية في معاداتها للإسلام كما يزعم علماء السوء في الوقت الحاضر. إن الجماعة الإسلامية الأحمدية كانت السباقة في العالم الإسلامي لكشف أسرار هذه الديانة وأباطيلها وذلك منذ سنين عديدة قبل أن يتنبه لها علماء المسلمين ويعرفوا حقيقتها وأهدافها. وبإمكان كل إنسان ينشد الحق والحقيقة أن يطلع على مواقف الجماعة الإسلامية الأحمدية تجاه البهائية من خلال ما نشرته ولا تزال تنشره.

ومن المهم أن نشير أيضا إلى أن الجماعة الإسلامية الأحمدية قد كشفت الغطاء عن حقيقة هذه الديانة المصطنعة في وقت كانت الدول الإسلامية والعربية لم تزل ترزحُ تحت نير الاستعمار الغربي، وفي وقت كان البهائيون أنفسهم لم يزالوا يخشون التظاهر بدينهم الجديد أمام كثرة المسلمين إلى درجة أنهم كانوا يعلنون عن أنفسهم في الساعات الحرجة بأنهم مسلمون ككل المسلمين.

صحيح أن البهائية في أو عهدها كانت حركة مهدوية إسلامية كحركات أخرى غيرها ظهرت في أنحاء العالم الإسلامي مثل مهدي السودان، والسنوسي في ليبيا، والمهدي السعودي الذي اعتصم بالكعبة قبل سنين، وطلب بقوة السلاح مبايعة الناس له، لكن جميع هذه الحركات لم تثبت مع الزمن، لأنها لم تقم بأمر من الله تعالى، ولم يدَّعِ مؤسسوها أنهم تلقوا الوحي الإلهي، بعكس ما هو الحال بالنسبة للحركة الإسلامية الأحمدية التي أعلن مؤسسها بأنه مأمور من الله ليكون مهدي هذه الأمة، وبأن الله تكفل بنجاح هذه الحركة. وهذا هو سبب بقائها حتى اليوم ونجاحها في العالم بعد أن مضى على تأسيسها قرن من الزمن.

وللتوضيح والفائدة أقدم فيما يلي لمحة موجزة عن الديانة البهائية التي ظلت زمنا في جو من الكتمان والتستر، ولم يعلم حقيقتها إلاّ النفر اليسير من الناس، وكذلك بعض المعتقدات الأساسية لهذه الديانة كي يتسنى للقارئ الكريم أن يقارن بين هذه المعتقدات وما تؤمن به الجماعة الإسلامية الأحمدية.

البهائية: لمحة تاريخية

نظرا للغموض والسرية التي تكتنف الحركة البهائية رأيت من الفائدة أن أقدم عرضا موجزا عن نشوء وتطور هذه الحركة بغية التسهيل على القارئ الكريم لبناء فكرة كاملة وصحيحة واتخاذ موقف محدد منها، ليتمكن من التمييز بينها وبين الحركات الدينية الأخرى، والأحمدية على وجه الخصوص.

البهائية قامت ونشأت حول شخصيتين رئيسيتين: الأولى المرزا علي محمد الشيرازي الملقب بـ “الباب” مؤسس الحركة البابية، والثانية هي شخصية المرزا حسين علي النوري مؤسس الحركة البهائية سنة 1863 التي قامت على أركان وأسس البابية، وادعى هذا بأنه هو ذلك الفيض الإلهي الذي مهد لظهوره وأنبأ عنه “الباب”. فأطلق على نفسه لقب “بهاء الله” وهو الذي أسس الحركة البهائية.

كان محمد (الباب) أحد زعماء الفرقة الشيخية، إحدى فرق غلاة الشيعة الاثنا عشرية، والتي كانت من أشد المؤمنين بقرب ظهور المهدي الغائب أو الإمام المستتر كما تؤمن الشيعة الاثنا عشرية، وبأن ظهوره سيكون بالولادة لا بالعودة، وبضرورة وجود شخص يكون دائما همزة الوصل بين المؤمنين وذلك الإمام المستتر. وعليه ادعى محمد سنة 1842 أنه هو الباب الذي بواسطته يمكن الوصول إلى الإمام المهدي الذي مضى على غيابه قرابة الألف سنة وآن أوان ظهوره. هذه التطلع لاقتراب ظهور المهدي المنتظَر لا بد وأن يظهر قبل انقضاء القرن الرابع عشر للهجرة. ولكن يجب أن يكون واضحا أن السُنّيين لا يؤمنون بإمام مستتر كما عند الشيعة. هذا التطلع كان يقوى ويزداد أيضا عند السُنّيين كلما اقتربنا من القرن الرابع عشر حتى إن البعض تحمس وأعلن أنه المهدي المنتظر مثال المهدي عبد الرحمن  السوداني المتوفى سنة 1859، والسنوسي محمد المهدي في ليبيا المتوفي سنة 1902، وحديثا المهدي السعودي الذي اعتصم في بيت الله الحرام سنة 1980، وحاول أن يفرض نفسه بقوة السلاح. لكن حماس الفرقة الشيخية وتطلعها لظهور المهدي كان أشد من غيرهم حتى أن بعضهم كانوا يسيحون في البلاد بحثا عن المهدي الذي حسب تقديرهم وحسابهم كان لا بد وقد ظهر.

في هذا الجو انتهز علي محمد الفرصة وادعى لنفسه المهدوية، وانضم إليه كثيرون من بلاد فارس. وفي سنة 1844م، حجَّ بيت الله الحرام. وهناك في مكة المكرمة أعلن أنه المهدي المنتظر، لأن بعض الأحاديث النبوية تشير إلى أن المهدي المنتظر سيظهر في أرض الحجاز.

هذا التوافق التاريخي عن موعد ظهور المهدي، أعني القرن الرابع عشر عند السنّيين، والألف بعد اختفاء الإمام محمد حسن العسكري عند الشيعة، كان عاملا ساعَدَ على انتشار حركة الباب في إيران بسرعة.

ثم بناءً على الاعتقاد السائد لدى المسلمين، الشيعة منهم والسنيين، من أن المهدي المنتظر سيعلن الجهاد، ويقضي على أعداء الإسلام بحد السيف، ويكون مؤيدا من الله تعالى، فقد أعلن علي محمد التمردَ والثورة على الحكومة الإيرانية وعلى جمهور العلماء الذين وقفوا ضده، فأدى ذلك إلى اضطرابات دموية أزهقت فيها أرواح كثيرة من الطرفين. فاضطرت الحكومة إلى إلقاء القبض على الباب وبعض مساعديه، وزجتهم في السجن. لكن أتباعه لم ينفكوا عن استعمال العنف ومحاولة فرض عقيدتهم بالقوة. فحكمت الدولة على الباب بالموت رميا بالرصاص. فقتل ولم يكن يتجاوز بعد سن الواحدة والثلاثين من عمره. وعلى الأثر دبر أتباعه مؤامرة لقتل الشاه وأطلقوا عليه النار فعلا، وجرحوه في وجهه. فاشتد النزاع بين البابيين والحكومة وقتل في إحدى المصادمات 28 من أتباع الباب. فقامت الحكومة بطرد عدد من زعمائهم إلى خارج البلاد.

أثناء وجوده في السجن وقبل قتله بسنة وصى الباب بأن يخلفه في زعامة الحركة البابية الميرزا يحيى الملقب بصبح الأزل. وقد تولى بالفعل قيادة البابية مدة من الزمن إلى أن تسلط على زعامة الحركة أخوه حسين علي، وكان أحد تلاميذ الباب المتحمسين، وأقوى نفوذا من أخيه الميرزا يحيى. وكان أبوه وزير الدولة الإيرانية.

وفي سنة 1863 أعلن حسين علي أنه هو ذلك الفيض الرباني الذي بشر به الباب واعتبره مظهرًا للقدرة الإلهية، وأن ظهور الباب كان بالنسبة له كظهور يوحنا المعمدان بالنسبة ليسوع المسيح عند النصارى. فأقام الحركة البهائية رغم معارضة أخيه الميرزا يحيى، وأطلق على نفسه لقب “بهاء الله”. وقد اشتد النزاع بينه وبين أخيه الميرزا يحيى وهما في المنفى بتركيا حتى اضطرت الحكومة التركية إلى تفريقهما. فنفت الميرزا يحيى صبح الأزل وأتباعه إلى قبرص، وحسين علي بهاء  الله وأتباعه إلى عكا بفلسطين سنة 1868م. وقد بقي بهاء الله في سجن القشلق بعكا عدة سنين، ثم نقل إلى منزل خارج المدينة المعروف بالبهجة اليوم.. حيث فرضت عليه الحكومة الإقامةَ الجبرية إلى أن توفي هناك ودفن في البهجة سنة 1892.

بعد وفاة بهاء الله نشأ خلاف بين ابنيه عبد البهاء عباس البكر من الزوجة الأولى والملقب بالغصن الأعظم، ومحمد علي الابن البكر من الزوجة الثانية والملقب بالغصن الأكبر، حيث ادّعى كل منهما خلافة بهاء الله. ولكن عبد البهاء عباس سيطر على قيادة الحركة، وظل مع أخيه محمد علي في حالة خصام طيلة الوقت.

لقد نشط عبد البهاء عباس في شرح ونشر تعاليم البهائية. فاصطدم مع علماء المسلمين، وسجنته الحكومة التركية في عكا مدة سبع سنين من 1901 حتى 1908م عندما تسلم الحكم جماعة تركيا الفتاة وعندها أطلق سراحه. ويقال بأن لأخيه محمد علي ضلع في سجنه، لأنه كان معارضا له، وكان يؤلب الناس والحكومة عليه. ويقال إن محمد علي هذا كان قريبا من المسلمين بحيث يروي الأستاذ أبو العطاء الجالندهري الداعية الإسلامي الأحمدي بحيفا وقتها ومحرر مجلة البشرى أنه تقابل مع محمد علي، وقال له الأخير بأنه ومن معه يصلون الصلوات الخمس كالمسلمين، واتهم أخاه عبد البهاء عباس بأنه حرف مبادئ البهائية وزيفها.

أما الميرزا يحيى صبح الأزل وأتباعه الذين أطلق عليه اسم “الأزليون” فقد ضعفت مكانتهم وظلوا معارضين للمنهج الذي اتخذه بهاء الله.. أعني الحركة البهائية.

بعد إطلاق سراحه من السجن قام عبد البهاء عباس برحلة تبشيرية إلى خارج البلاد زار خلالها مصر وأوربا وأمريكا. وقد انضم إلى الحركة عدد من الناس خاصة في الولايات المتحدة حيث مهد للبهائية كثيرا الدكتور إبراهيم جورج خير الله الذي كان قد اعتنق البابية ودعى لها، ويرجع له النصيب الأكبر في نشر البهائية في أمريكا. وأثناء وجوده في الولايات المتحدة سنة 1912 وضع عبد البهاء عباس حجر الأساس للمركز البهائي في شيكاغو الذي تم بناؤه سنة 1942. أما خير الله هذا فقد انقلب على عبد  البهاء عباس وتنكر له بعد أن زار عكا مركز الحركة، واطلع عن كثب على مدى خداعه وعدم استقامته. كما يروي لنا براون في “وثائق لدراسة البهائية “لقد منحت الحكومة البريطانية لقب “سير” لعبد البهاء عباس. وعندما توفي سنة 1922 كان المندوب السامي البريطاني السيد هربرت صمويل بين المشيعين.

وقبل وفاة عبد البهاء عباس عيَّن حفيده شوقي أفندي لتولي أمور الحركة، وكان مقره في حيفا. وقد اعتنى في حياته ببناء وتطوير المركز في حيفا على سفح جبل الكرمل.

ومنذ وفاته سنة 1965 تولى قيادة الحركة البهائية مجلسٌ غالبية أعضائه من الأمريكان يدعى “بيت العدل” ومقره بحيفا.

الشريعة البهائية

أما الشريعة البهائية وتعاليمها فتنحصر في كتابين أساسيين الأول “البيان” وقد شرع في كتابته علي محمد الباب وهو في السجن، وقد أتم منه 8 فصول فقط، وكان ينوي أن يشتمل على 19 فصلا بعدد الأشهر في السنة البهائية وعدد الأيام في كل شهر، ولأن هذا العدد في اصطلاح البهائية هو عدد مقدس. ويمتاز هذا الكتاب بكثرة الغموض فيه وصعوبة فهم محتوياته. أما الكتاب الثاني فهو “الأقدس” وقد وضعه بهاء الله وهو في سجن عكا، ويشتمل على أكثر التعاليم البهائية، بالإضافة إلى ما جاء في كتاب البيان. وكلا الكتابين يصعب الحصول عليهما. أما صبح الأزل والذي تلاشت حركته كلية فقد وضع هو الآخر كتابا في التعاليم البابية سماه “المستيقظ”، ولكنه لا يضاهي البيان أو الأقدس في أهميته، ولا يعمل به أحد.

بعض مميزات وخصائص الديانة البهائية

هناك بعض المعتقدات الأساسية في الديانة البهائية تميزها عن الديانات الأخرى، وهي بعيدة كل البعد عن الإسلام، وغريبة كل الغرابة عن تعاليمه ومبادئه، وبالتالي غريبة أيضا عن معتقدات الجماعة الإسلامية الأحمدية التي لا دين لها غير الإسلام، ولا شريعة لها غير شريعة سيد الأنام محمد المصطفي . وقد رأيت أن أذكر بعض هذه المعتقدات كي يسهل على القارئ مقارنة البهائية بالإسلام، ومعرفة مدى قربها أو بعدها عن الإسلام، لعل ذلك يوضح الصورة أمام أولئك الذين لا يزالون يرمون الأحمدية ظلما بأنها عدوة الإسلام، ويعتبرونها حليفة البهائية في السعي لتحطيم العقيدة الإسلامية من داخل العالم الإسلامي!

إدعاء الألوهية

البهائيون يعتقدون بأن النبوات قد انتهت وأُغلق بابها بعد خاتم النبيين محمد ، كما يعتقد عامة المسلمين، ولكن سلطة الله وهيمنته على العالم لم تنته، لذلك فإنهم يؤمنون بظهور من هو مظهر لله وتجلٍّ لقدرته تعالى. وهذه درجة فوق درجة الأنبياء. البهائيون لا ينكرون أن بهاء الله كان في جسد إنسان مثلهم، لكنهم يشرحون ألوهيته على نحو ما يشرح المسيحيون ألوهية الاقتداء ص114:

” إذا ينظرون إليَّ يجدونني في الظاهر على هيئة إنسان بين أيدي أهل الطغيان، ولكن إذا ينظرون إليَّ في الباطن يجدونني مهيمنا على من في السماوات والأرض”.

والذي يلفت النظر هنا هو أننا لا نجد أحدا من الشخصيات الرئيسية في البهائية سواء بهاء الله أو عبد البهاء عباس قد ادعى أنه نبي أو رسول، بل على النقيض يقول بهاء أن جميع الرسل والأنبياء الذين جاءوا قبله قد أرسلهم الله ليبشروا بمجيئه بصفته مظهر الله الأكمل وجماله الأبهى. ويقول في كتابه الأقدس: ينادي القائم على يمين العرش ويقول:

“يا ملأ البيان، فالله هو الحي القيوم قد جاءكم بسلطان مبين، وهذا هو الأعظم الذي يسجد لوجهه كل أعظم وعظيم” (الأقدس، طبع بغداد، الناشر: القسيس إلياس خوري).

وفيما يسميه” الهيكل” من كتابه “الأقدس” يقول:” لا ترى في هيكلي إلا هيكل الله، ولا في جمالي إلا جماله، ولا في كينونتي إلا كينونته، ولا في ذاتي إلا ذاته”.

وفي الأقدس كذلك يقول في الصفحة 225:” والذي ينطق في السجن الأعظم ( سجن عكا) إنه لخالق الأشياء، وموجود الأسماء. قد حمل البلايا لإحياء العالم”.

وفي الصفحة 36 منه يقول: “استمعوا إلى نداء مالك الأسماء، إنه يناديكم من شطر سجنه الأعظم. إنه لا إله إلا أنا المقتدر المتكبر المفتخر المتعال العظيم الحكيم”.

وفي كتابه “المبين” يقول بهاء الله في الصفحة 286: “لا إله إلا أنا المسجون الفريد”.

وفي ورقة المبايعة للانضمام إلى البهائية يشهد المبايع ويعترف بما يلي:

“أقر وأعترف أن الله الواحد الأحد القدير الخالق قد ظهر في صورة إنسان، وأنه تعالى هو الذي أقام هذه العائلة…” (عائلة بهاء الله).

وجاء في كتاب “وثائق لدراسة البهائية” للدكتور براون:” إن الدكتور خير الله قال في إحدى محاضراته أمام الأمريكان بأن بهاء الله عندما مثل أمام السلطان التركي سأله عن برهان لادعائه الألوهية، فرد بهاء الله على السلطان: وأي برهان عندك على صدق الإسلام. أجابه السلطان: القرآن الكريم. وعندها كتب بهاء الله للسلطان كتابا أضخم وأهم من القرآن في غضون ست ساعات كدليل على ألوهيته!

وقد كان الدكتور خير الله كما أسلفت أول داعية للبهائية في الولايات المتحدة، وكما يروي لنا الدكتور براون، كان خير الله يوهم المسيحيين الأمريكان بأن بهاء الله كان مظهرا ثانيا لله تماما كما يدعون بالنسبة ليسوع المسيح أنه كان أيضا مظهرا لله. وهذا ما سهل عليه نشر دعوة البهائية هناك. ولم يقف خير الله عند هذا الحد، بل كان يشيع بين الناس أن بهاء الله كان ظهور لله نفسه. ثم جاء عبد الله عباس فكان مظهرا للابن كما كان يسوع المسيح . وعلى هذا النحو صرح عباس نفسه عندما زار الولايات المتحدة. وعندما حدث الانشقاق بين عبد البهاء عباس وأخيه محمد علي.. اتهم محمد علي أخاه عباس وزمرته بالشرك لأنه كان يسمع منه مثل هذه الادعاءات.

ثم جدير بالذكر أن بهاء الله عندما ادعى أنه جاء مظهرا لله على رأس الألف قال بأنه لن يأتي بعده أحد برسالة سماوية قبل مضي ألف سنة أخرى. ومن يدعي قبل ذلك يكون كذابا. لكن عبد البهاء عباس ادعى أنه ابن الله على النقيض مما قال والده بهاء الله.

ويؤكد العالم المسيحي إلياس خوري في مقدمته لكتاب “الأقدس” الذي تم طبعه تحت إشرافه: إن بهاء الله ادعى الألوهية لنفسه في عدة أماكن من كتابه الأقدس.

ويقول الشيخ رضا: إن البهائية هم قمة الباطنية. يؤمنون أن البهاء إله ويعبدونه، ولهم شريعتهم الخاصة” (المنار 8،10،1328 ه)

عقيدة مؤسس الأحمدية

أما مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية فقد ادعى أنه عبد الله وخادم لشريعة رسول الله ؛ بعث مجددا ومهديا لهذا العصر بأمر من الله تعالى وطبق الأنباء الواردة بشأنه في القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ولم يدّع الألوهية قط. ومما قاله في كتابه التبليغ: “إني امرؤ رباني الله برحمة من عنده، وأنعم عليَّ بإنعام تام، وجعلني من المكلمين الملهمين. وعلمني من لدنه علما، وجعلني لهذا الزمان إماما وخليفة، وبعثني على رأس هذه المائة مجددا”.

وفي مكان آخر يقول :

“إن المخاطبة الإلهية التي تشرفتُ بها ليست إلا ثمرة اتباعي لذلك النبي العظيم . فلو لم أكن من أمته ولم أتبعه هذا الاتباعَ لما تشرفتُ بهذه المخاطبة ولو كانت أعمالي كالجبال”.

وجاء في ورقة المبايعة للانضمام إلى الجماعة الإسلامية الأحمدية شرط أساسي لكل مبايع وهو:

“أن يعقد معه هذا العبد (يعني مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية) عهدَ الأخوة خالصا لوجه الله تعالى على أن يطيعني في كل ما آمره به من المعروف”.

فشتان ثم شتان ما بين ادعاءات بهاء الله وما ادعاه سيدنا أحمد .

انفصال البهائية عن الإسلام

لقدبدأت الحركة البابية كحركة تجديد إسلامية، وكما أعلن مؤسسها علي محمد أنه هو المهدي المنتظَر والإمام العسكري الذي غاب عن أنظار الناس وسيعود متى أذن الله له بالخروج، فيملأ الأرض قسطا وعدلا. لقد تعرض البابيون إلى اضطهاد من قبل العلماء والحكومة خاصة لأنهم آمنوا بضرورة إعلان الجهاد وإشارة السيف على كل من لا يؤمن بالباب مهديًّا وإمامًا. وزادت الأوضاع خطورة عندما ألقت الحكومة القبض على الباب وسجنته مع بعض أتباعه البارزين. في هذه الظروف عقد البابيون مؤتمرا مصيريا سمي بمؤتمر “بادشت” أو”شاهرود” وذلك سنة 1264ه ، وقرروا الانفصال عن الإسلام كرد من جانبهم على تكفير العلماء للبابيين. وقد كانوا حتى ذلك الوقت مسلمين، وكان الباب يعتبر من علماء المسلمين ومن مفسرين القرآن الكريم. وكان من أشد الناس حماسا للانفصال سيدة تدعى “زرين تاج” الملقبة ب” قرة العين”. وكانت معروفة بذكائها وجمالها وإخلاصها للباب، وكانت أحد ثلاثة أركان الحركة البابية المركزيين. وأيدها من زعماء الحركة البابية البارزين عندئذ حسين علي الذي أصبح فيما بعد بهاء الله وأسس الحركة البهائية على الرغم من المعارضة الشديدة للانفصال. وبالتالي عرض الأمر على الباب وهو في السجن، فقبل رأي قرة العين ووافق على الانفصال.

بعد هذا الانفصال عن الامة الإسلامية لم يعد للبابيين علاقة بموضوع المهدي وكونه فكرة إسلامية. لذا بدأ زعماؤهم يلقبون أنفسهم بألقاب إلهية مختلفة. فتارة اعتبروا أنفسهم فوق درجة الأنبياء، وتارة رأوا أنفسهم ظهورا وتجليًّا لله تعالى كما فعل بهاء الله، أو كابن الله كما فعل عبد البهاء عباس. وحتى في التاريخ الحديث نرى البهائيين يؤكدون على ذلك، ويطلبون من حكومة باكستان اعتبارهم فرقة غير إسلامية. فقد تقدم سنة 1955 ممثلهم المحامي حوشي من باكستان بطلب جاء فيه: “يشرف البهائيين في باكستان أن تعتبرهم الدولة أقلية غير مسلمة فيها”.

موقف الأحمدية

أما الأحمدية فقد قامت هي الأخرى كحركة مهدوية إسلامية، ولكنها لم تنحرف عن هدفها، ولم تتراجع نتيجة تكفير العلماء، ولم ترضخ حتى للقوانين الحكومية التي صدرت ضدها في باكستان على أنها جماعة غير مسلمة. ورغم الاضطهاد والظلم الذي يلاقيه أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في باكستان حيث مركزها العام.. وحيث يقيم أكبر تجمع للأحمديين، ورغم الأعمال العدائية التي تقوم بها منظمات وجمعيات إسلامية ضد الأحمديين خارج باكستان أيضا، فإن الأحمديين، وبعكس ما فعل البهائيون، لم يزالوا يصرون ويعلنون بأنهم هم المسلمون الحقيقيون وهم الذين يمثلون الإسلام الصحيح، وسيظلون كذلك مهما عظمت المحاولات من أهل الهوى لإخراجهم من الإسلام!

ومن المناسب هنا أن نستعرض بعض ما قاله مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا أحمد المسيح الموعود والمهدي المعهود ، لأن ما يقوله ويعلنه يجب أن يعتبر الأصل والأساس لهذه الحركة، ولا يقدر أحد بل وليس من حق أحد أن يغيّر أو يبدل منه شيئا. يقول في كتابه (حمامة البشرى):

“بعزة الله وجلاله إني مؤمن مسلم. أؤمن بالله وكتبه ورسله وملائكته والبعث بعد الموت، وبأن رسولنا محمدًا المصطفى أفضل الرسل وخاتم النبيين”.

ويقول في كتابه التعليم: “لا يدخل في جماعتي إلا الذي دخل في دين الإسلام، واتبع كتاب الله وسنة سيدنا خير الأنام، وآمن بالله ورسوله الكريم الرحيم، وبالحشر والنشر والجنة والجحيم، ويقر بأنه لن يبتغي غير الإسلام دينا”.

“وإني إذا نفيت عن نفسي النبوة والرسالة نفيتها باعتبار أنني لست نبيًّا مشرّعًا ولا نبيًّا مستقلاً، ولكن باعتبار أنني حصلت على الفيوض الروحانية من رسولي المقتدى، وسموت باسمه، وأظهرني الله على الغيب بواسطته .. لذا فأنا رسول ونبي، ولكن بدون شريعة جديدة. وإني لم أكن قط بأن أُسمّى باسم النبي بهذا الاعتبار، لذا فإني لا أنكر أن أكون نبيا ورسولا”.

وقد عبر سيدنا أحمد عن صلته بالإسلام ونبي الإسلام في كثير من أشعاره كقوله:

وإن إمامي سيد الرسل أحمدُوواللهِ إني قد تبعتُ محمدًاأبعَدَ نبي الله شيء يروقنيفدىً لك روحي يا حبيبي وسيديلنا كل يوم نصرةٌ بعد نصرةٍ

رضيناه متبوعا وربيَ ينظُرُوفي كل آنٍ مِن سناه أُنوَّرُأبعد رسول الله وجه منوَّرُفدىً لك روحي أنت وِرد منضّرُفمُت أيها الناري بنار تُسَعّرُ

وفي مكان آخر يقول:

ووالله هذا كله من محمدووالله لولا حب وجه محمدوأرسلني ربي لتأييد دينهوأكفَرَني قومي فجئتك لاهفًاوهذا على الإسلام أدهى مصائبٍ

ويعلم ربي أنه كان مرشدَالما كان لي حَول لأمدح أحمداوجئت لهذا القرن عبدا مجدِّداوكيف يُكفَّر من يوالي محمدايُكفَّر من جاء الأنامَ مجدِّدا

كذلك في شروط المبايعة العشرة دلالة واضحة وتعبير صادق على أن الأحمدية هي الإسلام بعينه، ولا هدف ولا غاية لها سوى عزة الإسلام وكرامته. ومن هذه الشروط:

  1. أن يقبل (المبايع) سلطة القرآن على نفسة قبولا تاما، ويتخذ قول الله وقول الرسول دستورا لعمله في جميع مناهج حياته.
  2. أن يكون الإسلام وعزته ومواساة المسلمين أعز عنده من نفسه وماله وأولاده ومن كل شيء عزيز عليه.

شريعة ناسخة لكل الشرائع!

في مؤتمر (بادشت) الذي سبق ذكره أُثيرَ موضوع وضع شريعة جديدة للبابيين، وكان أكثر الناس حماسا لهذا الأمر” قرة العين” حيث أصرت أنه حان الوقت لنسخ الشريعة الإسلامية. وكان جدال ومعارضة من قبل الكثيرين حتى أن بعضهم ترك البابية ورجع إلى الشيعة. فتدخل بهاء الله حسين علي إلى جانب قرة العين وقد أخذ المصحف الشريف، وشرع يفسر سورة الواقعة معللاً منها أن هذا التغيير لابد من حدوثه. فتقرر نهائيا بأن توضع شريعة جديدة. وعرض على الباب في السجن فوافق عليه.( تذكرة الإخاء لعباس ص308).

وفي الحال شرع علي محمد الباب بوضع الشريعة الجديدة داخل السجن، وقد أتم منها 8 فصول في كتابه المسمى (البيان) وكان ينوي أن يشتمل الكتاب على 19 فصلا على عدد الأشهر في السنة عند البابيين والبهائيين وكعدد أيام الشهر عندهم، لكنه قتل قبل أن يكملها. ثم أتمها بعده بهاء الله في كتابه (الأقدس).

ويقول حسين علي بهاء الله في كتاب “الاقتدار” ص 47: “لو سلم المسلمون برسالة الباب لما نسخنا الشريعة الإسلامية”.

لقد اعتبر الباب نفسه أعظم وأعلى مقاما من جميع الأنبياء الذين سبقوه؛ وأنه يفوق النبي ، ودعوتَه تفوق الدعوة الإسلامية، وكتابه “البيان” يفوق القرآن الكريم. وعندما تولى بهاء الله زعامة الحركة سماها باسم البهائية، وقال إنه أعظم قدرا حتى من الباب، وأن جميع الرسل والأنبياء الذين جاءوا في الماضي إنما جاءوا ليبشروا به. وقال إن كل نبي يكون أعظم وأهم ممن سبقوه.

وقد أدى هذا التفكير الخاطئ إلى الإعلان عن نفسه إنه مظهر الإله، وأن الله تجسد فيه كما سبق ذكره. وقد وضع بهاء الله الشريعة البهائية في كتابه المسمى (الأقدس) بالإضافة إلى ما كان قد وضع في كتاب (البيان). لكن المهم في الأمر هو أن الشريعة البهائية بقسميها البيان ثم الأقدس كان مصدرها الباب وبعده بهاء الله، ولم يقل أحد منهما أنه تلقاها من الله بطريق الوحي كما ادعى رسل الله قبلهم وهذا ما يظهر من نصوصها.

لا يتسع المقام هنا لسرد تفاصيل الشريعة البهائية، ولكني سأذكر في هذه المناسبة رأي الشريعة البهائية في بعض الأمور الأساسية أو الأركان التي يقوم عليها الإسلام، وذلك لأبين أن البهائية وضعت لنفسها قواعد تعارض وتخالف هذه الأركان الإسلامية، وكذلك لأبين للقارئ الكريم مدى مخالفة الشريعة البهائية للشريعة الإسلامية.

وإليكم بعض هذه النصوص:

الصلاة:

جاء في كتاب (البيان) أنه نُسخت صلاة الجماعة، حيث يقول الباب: “أنتم بالجماعة لا تصلون”. الصلاة جماعةً فقط على الأموات. البيوت في نظر البابية هي المساجد. متى حضروا إلى المحافل فيصلون جلوسا على الكراسي. عيّن الباب صلاة الجنازة بست تكبيرات. كما جاء في البيان: ثم تصلون بأن تسجدوا وتقولوا تسع عشرة مرة: سبحانك اللهم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من المسبحين. أما الأقدس فقد جاء فيه (ص 6): قد كتب عليكم الصلاة تسع ركعات من مُنزل الآيات حين الزوال وفي البكور وفي الآصال ثلاثة صلوات، وعفونا عن عدة أخرى في كتاب الله. الصلاة على الميت ست تكبيرات من الله المنزل الآيات. كتب عليكم الصلاة فرادى. قد رفع عنكم حكم الجماعة إلا في صلاة الميت. إنه هو الأمر الحكيم. كتب عليكم الصلاة من سن البلوغ 11 سنة حتى 42 سنة، ويعفى من هم فوق ذلك

القبلة

“البيان” لم يعين القِبلة، بل جاء فيه: أينما تولوا فثم وجه الله. وفي الأقدس ص 5 جاء: “إذا أردتم الصلاة ولوا وجوهكم شطري؛ أي المقام المقدس في عكا الذي جعله الله مكان الملأ الأعلى وقبلة أهل مدائن البقاء ومصدر الأمر لمن في الأرضين والسموات”.

الطهارة

فقد جاء في البيان: “الوضوء لا يمكن إلا بماء الورد، وإذا لم يوجد الماء فبالبسملة (باسم الله الأمنع الأقدس) خمس مرات. كذلك جاء في البيان: وجوهكم وأيديكم من صد الكفر تغسلون إن تريدون أن تصلوا بالوضوء بماء طيب مثل الورد. وفي الأقدس جاء: من لم يجد الماء للوضوء يذكر خمس مرات: “بسم الله الأطهر الأظهر”. هكذا ما حكم به رب العالمين. توضأوا للصلاة أمر من الله الواحد المختار.

الصيام

جاء في البيان: أنتم في كل حولٍ شهرَ العلا تصومون من الطلوع إلى الغروب. ولتصوموا من سن 11 حتى سن 32 سنة. وبعد سن 42 يعفى من الصيام. وتصومون من قبل الطلوع إلى بعد الغروب إن تستطيعوا لتضيفوا. ولا تأكلوا و لا تشربوا ولا تقترنوا في وقت الصيام. وفي كتاب الأقدس جاء: “قد كتبنا عليكم الصيام أياما معدودات، وجعلنا النيروز عيدًا لكم بعد كمالها. كذلك أضاءت شمس البيان من أفق الكتاب من لدن مالك المبدأ والمآب. واجعلوا الأيام الزائدة عن الشهور قبل شهر الصيام. اختاروا فصل الربيع”.

الحج

جاء في الأقدس ص 11: “وقد حكم الله لمن استطاع منكم حج البيت دون النساء. عفى الله عنهن رحمة من عنده. إنه لهو المعطي الوهاب. ( والحج عندهم هو الزيارة لقبر البهاء بعكا).

الربا

جاء في الإشراقات ص 106 قول البهاء: فضلا على العباد قررنا الربا كسائر المعاملات المتداولة بين الناس.

عدة الشهور في السنة

يقول البهاء: إن عدة الشهور تسعة عشر شهرا في كتاب الله وفي كل شهر 19 يوما. وعلى نحو ذلك جاء في كتاب البيان. وفي الأقدس ص 126 فيقول بهاء الله:

“عدة الشهور في كتاب الله تسعة عشر شهرا، قد زين لها بهذا الاسم المهيمن على العالمين”.

نسخ الشرائع كلها!

جاء في البيان 10، 4: لا يحق لأحد أن يقرأ ويعلم عن البيان ولا حتى العلوم الأخرى.

كما جاء في البيان 6،6 أيضا: جميع الكتب يجب أن تحرق إلا تلك التي تؤيد ديانتنا.

وعلى نحو ذلك يقول عبد البهاء عباس: بأن جميع الكتب الأخرى يجب أن تحرق بحيث لا يبقى منهم شيء، وجميع المباني المقدسة في الدنيا تهدم ولا يبقى إلا ما لدينا” ( الخطابات جزء 2، ص 266).

يقول الأستاذ أبو العطاء الجالندهري أنه حين التقى بشوقي أفندي زعيم البهائية بحيفا سنة 1933م سأله عن عملية النسخ الجريئة والبعيدة المدى هذه، فرد عليه شوقي أفندي: إذا يقول العلماء المسلمين بوجود ناسخ ومنسوخ في القرآن منذ سنين بعيدة فما المانع أن نقول اليوم بوجود شريعة جديدة ناسخة للتي قبلها. إننا لم نأت بشيء جديد، فعلماء الإسلام قد سبقونا لذلك.

النسخ في القرآن وموقف الأحمدية

أما الجماعة الأحمدية فموقفها من النسخ معروف وواضح. فهي تعارض أشد المعارضة القولَ بوجود نسخ في القرآن قلّ أم كثر، وتؤمن بأن الشريعة الإسلامية كاملة ومحفوظة بعناية الله من كل تحريف أو نسخ، لأن الله قال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ، وقال أيضا عن القرآن الكريم: لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ . والجماعة الإسلامية الأحمدية على خلاف مع علماء المسلمين الذين يقول أكثرهم بوجود ناسخ ومنسوخ في القرآن، حتى أن بعضهم قال بوجود حوالي 6000 آية أو بعبارة أخرى أن عشر القرآن الكريم في حكم المنسوخ! وهي فكرة هدامة وخطيرة، تمس الدين الحنيف، وتمس ذات الله تعالى علام الغيوب الذي يعلم بما كان وما سيكون. والمثال على أن فكرة النسخ فيها طعن للدين ما قال شوقي أفندي للأستاذ أبي العطا الجالندهري كما قد سلف.. حين تذرع بهذه الفكرة ليبرر نسخ البهائية لشريعة الإسلام.

إن هدف مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية الأسمى هو إحياء الشريعة وإقامة الدين وترسيخه في العالم. وقد عبر عن هذا الهدف في كتبه مرة بعد أخرى، وإليكم بعض ما قاله في هذا الشأن.

يقول في كتابه “الهدى والتبصرة لمن يرى”:

“ألا إن لعنة الله على الذين يقولون أنَّا نأتي بمثل القرآن. إن القرآن معجزة لا يأتي بمثله أحد من الإنسان أو الجان. من خرج مثقال ذرة من القرآن خرج من الإيمان”.

وفي “تحفة بغداد” يقول :

“ما تركت السبيل، وما عصيت الرب الجليل. وليس كتابنا إلا القرآن الكريم، وليس نبينا ومحبوبنا إلا المصطفى الرحيم. ولعنة الله على الذين يخرجون عن دينه مثقال ذرة”.

وفي كتاب “التعليم” يقول :

ومن التعاليم الضرورية لكم ألا تتخذوا القرآن مهجورا، فإن لكم في القرآن وحده لحياةً. من يكرمه ينل في السموات الإكرام، ومن يفضله على كل حديث وعلى كل قول يفضَّلون في السماء. ألا لا كتابَ لبني نوع الإنسان إلا القرآن، ولا رسولَ ولا شفيعَ لبني آدم من بعد اليوم إلا محمد المصطفى .

سرّيَة الديانة البهائية

البهائية هي إحدى الفرق الباطنية التي تؤمن بالتقيَّة. والمراد بالتقية المداراة حتى يحافظ الشخص على نفسه أو عرضه.. وذلك بالتظاهر بعقيدة غير عقيدته. ومن كان على دين أو مذهب لم يستطع أو خشي أن يظهر دينه أو مذهبه لسبب ما فإنه يتظاهر بغير ذلك، تقيَّة. وهو الاصطلاح المعروف: ” أَخْفِ مَذْهبَك وذَهَبَك وذَهابَك”!

وها هي كتب البهائية المقدسة لا يكاد يراها أحد. فــــ”البيان” ليس بمتناول الناس، و”الأقدس” يعز كذلك الحصول عليه حتى على البهائيين أنفسهم. ويعلل عبد البهاء عباس ذلك الكتمان بقوله: إذا نُشر الأقدس فإنه قد يقع في أيد خسيسة ومعادية. لذا فالأفضل أن لا يطبع. ويروي الأستاذ أبو العطا الجالندهري أنه عندما قابل شوقي أفندي زعيم البهائية في مركزهم العام بحيفا سنة 1933م طلب منه نسخة من الأقدس، لكنه لم يتمكن حتى من رؤية هذا الكتاب. وقال له شوقي بأنه غير موجود في المركز (حيفا) وبإمكان الأستاذ أن يطلبه من العراق، وهكذا فعل الأستاذ وقد استعاره من أحد المعارف هناك ونشر من نصوصه في مجلة البشرى في حينه.

لقد سلك البهائيون طريق التقيّة والتستر منذ عهد الباب. فقد جاء في كتاب (وثائق لدراسة الديانة البهائية) للدكتور براون أن الباب كان قد اعتذر للشاه ثلاث مرات عما صدر عنه، وأنكر أنه يحمل رسالة سماوية بعد أن أعلن أنه المهدي وثار عليه العلماء.

كذلك أنكر أنه أمر أتباعه بالجهاد. لكنه سلك موقفا آخر في كل مرة وليس حسب اعتذار. ويبدو جليا أنه كان يفعل ذلك من باب التقية. حتى روي عنه أنه طلب من أصحابه أن يسلكوا هذا المسلك عند الحاجة إلى حد أنه أباح لهم الكذب.

ويقول المرزا جاني مؤرخ البهائية في كتابه “نقطة القاف” ص427: “أن الباب وصّى أصحابه بأن ينكروه إذا سئلوا وينكروا بأنه المهدي؛ بل سمح لهم أن يلعنوه إذا اقتضى الأمر على سبيل التقية. هكذا سلك أتباع الباب وكذلك أتباع بهاء الله بأن أخفوا حقائق دينهم ومعتقداتهم متى اقتضى الأمر وفي الظروف الصعبة، وهو سلوك معروف لدى بعض الفرق الشيعية.

ويقول الأستاذ” كرد علي” في كتابه “خطط الشام”:

كان عباس أفندي محافظا على سلوكه مع جماعة المسلمين لم يخرج عن روح الشرع الإسلامي، وكان عباس يظهر بمظهر الشيخ المسلم يشرح القرآن الكريم أحيانا، ويصلي الجمعة مع المسلمين في الجامع الكبير بحيفا وراء إمام مسلم، رغم أن الديانة البهائية ألغت صلاة الجماعة كما مرّ.

ويشهد على سلوك عباس أفندي هذا الكثيرون من شيوخ حيفا القدماء. كذلك ذكر عن سلوك عباس هذا في كتاب” البهائية والعصر الجديد”.

لكن هذا السلوك أخذ بالزوال مع زوال النفوذ الإسلامي في فلسطين بحيث نرى خليفته شوقي أفندي الذي تولى زعامة الحركة منذ 1922 لم يصلِّ ولا مرة واحدة مع المسلمين كما فعل جده، ولم يختلط بالأوساط الإسلامية نظرا لتغيير الظروف.

موقف الأحمدية

من ناحية أخرى نرى الأحمديين يعلنون معتقدهم على رؤوس الأشهاد. لا يخشون في دينهم لومة لائم، ولا يرهبهم ظلم الأعداء. وإن الاضطهاد الذي يواجهه أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية اليوم والضغوط التي تسلط عليهم من قبل الحكومة والأوساط الدينية في باكستان كي يتنكروا لدينهم، وصمود الأحمديين في وجه كل هذه المحاولات، لأكبر دليل على أن الأحمدية لا تساوم ولا تهاون ولا تخشى أحد في سبيل إعلان عقائدها. لقد شرحت الجماعة الأحمدية القرآن الكريم شرحا حديثا وترجمته إلى لغات عديدة، ونشرته في مختلف أنحاء العالم لمعرفة الناس جميعا. بينما نرى البيان والأقدس كُتبا في الخفاء داخل السجون ولم يزالا في حكم الخلفاء.

يقول مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية :

اسمعوا يا سادة، هداكم الله إلى طرق السعادة، إني أنا المستفتي وأنا المدعي، وما أتكلم بحجاب، بل إني على بصيرة من رب وهاب.. بَعَثَني على رأس المائة.. لأجدد الدين وأنور وجه الملة، وأكسر الصليب وأطفئ نار النصرانية، وأقيم سنة خير البرية، ولأصلح ما فسد وأروج ما كسد. وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود. منَّ الله عليَّ بالوحي والإلهام، وكلمني كما كلم رسله الكرام. وشهد على صدقي بآيات تشاهدونها، وأرى وجهي بأنوار تعرفونها. ولا أقول لكم أن تقبلوني من غير برهان، أو أن تؤمنوا بي من غير سلطان، بل أنادي بينكم أن تقوموا لله مقسطين، ثم إلى ما أنزل الله إليَّ من الآيات والبراهين والشهادات. فإن لم تجدوا آياتي كمثل ما جرت عادة الله في الصادقين وخلت سنته في النبيين الأولين، فردوني ولا تقبلوني يا معشر المنكرين” (الاستفتاء ص 19)

وعن هذا الإعلان لم يتزحزح مؤسس الجماعة الإسلامية الأحمدية وما غير وما بدل، وعلى نهجه سار أتباعه من بعده.

Share via
تابعونا على الفايس بوك