أذكروا موتاكم بالخير  (الحديث)

أذكروا موتاكم بالخير  (الحديث)

طه القزق

الجندي المجهول: ناصر عوده

لقد انتقل إلى رحمة الله في السنة الماضية يوم 1990،10،21 بدل من أبدال الشام وداعية من كبار الدعاة.. ناصر عوده. إنا لله وإنا إليه راجعون. رحمك الله يا ناصر عبد القادر عوده، يا ابن عبد القادر ويا أبا عبد القادر. لقد أسرعت الخطى لتنام قرير العين بجانب من أحبك وأحبنا وأحببناه جميعا أستاذنا الكبير منير الحصني رحمه الله.

لقد عرفتُ والدك عبد القادر وجدك أبا عبد القادر، وأبا جدك عبد القادر، رحمهم الله جميعا. لقد كانوا مثالا للتضحية والكرم والرجولة. لقد عرفت أبا جدك عبد القادر الذي عاش مائة وستّ سنوات. وكان في آخر حياته يُحمَل على حمار لكي يأتي لصلاة يوم الجمعة في المسجد. وأذكره عندما جاء الاستاذ محمد شريف إلى الكبابير، أمسك به وبدأ يقبله ولا يريد أن يتركه، وبين كل لحظة وأخرى كان يقبله ويقول: أهلا وسهلا بك وبمن أرسلك إلينا.

وأذكر جدك الحاج صالح عبد القادر الذي كان وجه القرية، وكان بيته مفتوحًا دائما للضيوف. وأذكر جدتك التي كانت تستقبلنا في طفولتنا عندما نصل إلى القرية وتقول لنا: اذهبوا إلى كروم التين وكلوا ما شئتم منه.

وأذكر والدك ذا الموقف الذي لا يُنسى.. عندما جاء إلى القرية بعض المشائخ مصطحبين بعض الرعاع من الناس وحاولوا إساءة الأدب في حضرة الأستاذ جلال الدين رحمه الله. فما كان له إلا أن وقف وقال لهم: أهلاً وسهلاً بكم إذا تمسكتم بحدود الأدب وإلا ستعرفون ماذا سيحل بكم.

أما من جهة أولادك فإنهم بأيد أمينة. إن لهم أمًّا ابنة بطل أيضًا، إنها بنت أبي الخطاب الذي ضحى بكل ما يملك وهبَّ مع الذين هبُّوا في سنة 1936م لقتال المحتل. وعاش فقيرًا ومات فقيرًا مجهولا في دمشق. لو صبرتَ يا ناصر يا أبا عبد القادر حتى ترى ماذا سيحدث من أحداث تكون لك شفاءً ولقلبك سعادة. ولكنك اخترت دار الخُلد وجيرة المحبوب الذي كنت كل يوم تذهب إلى قبره وتبكى هناك. وأنتم السابقون ونحن اللاحقون بإذن الله تعالى، والحمد كله من لا يُحمد على مكروه سواه.

كان ناصر عوده رحمه الله بطلاً معروفًا على الساحة الفلسطينية وعلى الساحة العربية وعلى الساحة الأحمدية. لقد ترك أثرًا مؤلمـًا لكل من عرفه. كان كريما شجاعًا ورعًا.

أقتطف بعض الكلمات من الرسائل التي أرسلت لمولانا أمير المؤمنين أيده الله للتعزية من أصدقائه وأولاده وزوجته. إنها لكلمات مؤثرة جدًا وتعطي في الحقيقة درسًا لكل من حمل عقيدة صادقة وإيمانًا لا يتزعزع وجهادًا في سبيل الله لا تشوبه شائبة.

لقد قالت زوجته في رسالتها: إنه كان في رحلة قبل وفاته لزيارة ستة أيتام، وقدم لهم الواجب. وعندما رجع إلى بيته قال: بأنه بعد أن قام بهذا الواجب يشعر بأسعد أيام حياته. كما قال لها: إن لذة النصر في الدعوة إلى الله بالحسنى أحلى من لذة النصر في المعارك. كما يقول ابنه: إنه سيبقى مستمرا في الجهاد بالدعوة إلى الله على طريق والده رحمه الله. وقال: إنه كان الوالد والمعلم والصديق.

ابنته تقول في رسالتها: لقد كان أبوها مجزءًا لأولاده الماديين وأولاده الروحيين يقول بأن ناصر عوده كان ناقوسًا يدق في آذاننا باستمرار، فيقوّم إعوجاجنا. وكان يحل مشاكلنا الدنيوية، ويقربنا إلى الله . وكان في آخر حياته يبيّن لكل شخص نقطة تقصيره ويشحذ همته.

ويقول غيره: ونحن بأمس الحاجة إليه رحل عنا، ولكننا نشعر بوجوده. والأمل ضعيف من أن نعوض بمثله، ولكن الله على كل شيء قدير.

ويقول أخ آخر في رسالة له إلى أمير المؤمنين أيده الله: طلبت منه في أيام مرضه الأخير أن يأتي عندي في حلب لأنها ذات جو ومناخ أفضل، فوافق وجاء. لقد كان لي بمثابة الأب والصديق، وكان مثالاً للأحمدي المسلم. كان يشع بنور الله في الواقع. لقد تأخرتُ في رسالة العزاء هذه لأنني وأنا في البيت أحس به في كل مكان. كانت أمنيته أن يلتقي بحضرتك. وأظن أن حضرتك لو شاهدته فستشعر أنه ليس كغيره. كان رجلا روحانيا.

ويقول غيره: كان المرجع لنا في كل شيء. لقد فقدنا أساسًا متينا من هذه الجماعة. كان يملك المقومات لكي يكون المرجع الأول والأخير. كان يملك الصدق مع الله لنصرة الجماعة. ومهما وصفته لا أفيه حقه.

وأخ يقول: لقد انطفأ ضوء من أضواء الجماعة وعلم من أعلامها. سخّر كل حياته وحاله لخدمة الجماعة. وفاته كانت صاعقة على رؤوسنا، إلا إنها لم تسقطنا، لأنه كان يعلمنا ويربينا لكي نكون جاهزين لهذا الموقف ومتابعة الطريق.

وهناك من كتب: كان أبًا كريمًا ورجلاً فذًا. كان عالمـًا في كل ما يتعلق بأصول الدين، وكان يسهل لنا الحياة، ويعلمنا المعنى الحقيقي للحياة، وكيف نكون مسلمين أحمديين مخلصين.

يقول غيره في رسالته: إن أصدقاءه استنكروا وفاته، لكثرة صحبته لهم، ولكنهم يشعرون أنه يعيش في كل بضعة من قلوبهم. لقد أصبحنا في فراغ.

ويقول غيره: إنه يشعر بوفاته أن دمشق قد رُجتْ رجًّا. مهما وصفته بالأوصاف الحسنة فلا أقدر أن أصف هذا الإنسان العظيم.

وكتب أخ يقول: مهما تكلمنا عنه نبقى عاجزين عن تقديم الصورة الصحيحة لهذا الرجل العظيم الذي قدم لأبنائه الروحيين أكثر مما قدمه لأبنائه الماديين. نطلب من مولانا أمير المؤمنين أن يُكتب عن المرحوم مقالة في مجلة التقوى ليعرف جميع الأحمديين في العالم من هو ناصر عوده.

وقال أمير المؤمنين إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية عند وفاة هذا البطل:

“لقد وهب الله هذا البطل استقامة نادرة. وكان قد أخبره بقرب رحيله. سوف يبقى اسمه وسام شرف لجماعة فلسطين والشام. لقد أدى واجب الداعية أيما أداء. وسوف يبقى كل من دخلوا على يده في الأحمدية وكذلك أجيالهم مدينين دائما لهذا البطل مصداقا لقول الله تعالى:

هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ .

لقد اهتم اهتماما كبيرا بتربية من قبلوا الأحمدية على يده. فلم يكن داعيةً فحسب، بل تعهدوا باستمرار بكل الثمار التي رزقه الله بها الدعوة. وكون الإنسان داعية وأيضا مربيا ومتعهدًا باستمرار بمن يدعوهم إلى الحق، مضحيًا في هذا السبيل بكل مصالحه الدنيوية، لسعادة كبرى لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم.

تغمده الله برحمته الواسعة، ووفق أولاده الماديين والروحانيين لإحياء أوصافه الحسنة وأخلاقه الحسنة، كيلا يقول أحد أن ناصر عوده قد ارتحل، بل يجب أن تنبت من هذه الشجرة المباركة آلاف مثلها، مصداقا لقول العرب:

إذا سيد منا خلا قام سيد

قؤول لما قال الكرام فعولُ

الحقيقة أن كل هذه المقتبسات من رسائل إخوته في العقيدة هي أوسمة شرف تعلق على صدر الفقيد رحمه الله، كما أنها تعطي درسا قيما لكل أحمدي وتضيء الطريق لكي يرى طريق الآخرة بأحسن منظار.

هو سبحانه وتعالى الحي الباقي

لقد كانت مشيئة الله أن يختار إلى جواره بعض الإخوة الأحمديين من الرعيل الأول كان من جملتهم الأخ المرحوم السيد خضر على القزق، رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه. كان سكرتير المال للجماعة الإسلامية الأحمدية في حيفا لمدة طويلة. وبعد نكبة فلسطين استقر في دمشق.

ولد المرحوم سنة 1904 وتوفى في 1991،5،20. في العشرين سنة الأخيرة من حياته تفرغ للعبادة في بيته لا يغادر إلا في المناسبات أو عند الحاجة.

كان تقيا ورعًا شديد الإيمان بالرسالة المحمدية وبمجدد الإسلام لهذا القرن المسيح الموعود .

رحمك الله يا أبا عبد اللطيف، وأسكنك فسيح جنانه. وإنا لله وإنا إليه راجعون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك