علامات الصادقين

علامات الصادقين

طه القزق

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً (الأحزاب: 33)

منذ بدء الخليقة والله تعالى يرسل الرسل مبشرين ومنذرين هادين ومهديين، يرشدون الناس لحياةٍ أفضل. هذا الإنسان الذي خلقه الله في أحسنِ تقويم يمكن أن يكون في أسفل السافلين، إنّ الله سبحانه وتعالى فضَّل الإنسان على باقي المخلوقات وأعطاه العقل. هذا العقل إذا استُخدِم في مصلحة البشر يأمر بالمعروف ويَنهى عن المنكر ويسخِّر كل طاقاته لمنفعة الناس يكون هذا الإنسان مُقرَّباً إلى الله تعالى وينال جزاءه يوم الحساب ويكون مثواه الجنة.

أما إذا استخدم عقله وتفكيره في الفساد والنميمة وسخَّر طاقاته في اختراع الأسلحة الفتَّاكة ليقتل الناس ويفسد في الأرض ولتكون له الغَلبة بغير الحقّ ظلمًا وعُلوًّا في الأرض، هذا الإنسان عندما يُردُّ إلى ربّه سيُعذَّب عذابًا نُكرًا ولا يُقيم له يوم القيامة وزنًا.

لقد أرسل الله سبحانه وتعالى سيدنا نوحًا عليه السلام إلى قومه. ماذا طلب منهم؟، أن يعبدوا الله كي يغفر لهم ذنوبهم. ولكن يقول سيدنا نوح عليه السلام:

قَالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهَارًا * فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا * وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا * ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا * ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا * فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا (نوح: 6-13).

ولكنهم لم يتَّعِظوا ولم يكترثوا بجميع النصائح، حتى إنّ سيدنا نوحًا عليه السلام طلب من الله تعالى طلبًا غريبًا إذ قال:

رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (نوح: 27 – 28).

فكانت النتيجة أنّهم

أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا (نوح: 25).

بعده جاء سيدنا إبراهيم عليه السلام فوجد قومه يعبدون الأصنام، وكان ذا حُجَّةٍ بالغة إذ قال الله سبحانه وتعالى:

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (الأنعام: 84)،

فاغتنم فرصة غياب قومه وذهب إلى الأصنام وحطَّمها جميعًا ما عدا كبيرهم، وعندما رجع قومه وجدوا جميع أصنامهم مُحطَّمة فسألوا بعضهم:

قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ * قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ * قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ * قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (الأنبياء:60-65).

لقد عرفوا الحقيقة وهي أنّهم يعبدون صنمًا لا يضرُّ ولا يستطيع النطق، ولكنهم بعد أن نبَّههم سيدنا إبراهيم عليه السلام وقال لهم:

أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ * أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (الأنبياء: 67-68).

أخذتهم العزّة والاستكبار وقالوا:

حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ * قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (الأنبياء: 69-70).

وعند بعثة سيدنا موسى عليه السلام وجد قومه يعبدون فرعون الذي كان مُستعبِدًا لبني إسرائيل، فأمره الله سبحانه وتعالى أن يذهب إلى فرعون بصحبة أخيه هارون ويطلب منه الخروج مع بني إسرائيل من مصر. قال لهم ربّهم:

اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى * فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى (طه: 43-44)

فقال لهم فرعون:

فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (طه: 49-50).

قالوا هذا ساحرٌ فأتوا بسحرةٍ مثله لعلّهم يغلبونه. فجاءوا بالسحَرة ولكنهم غُلِبوا ولما رأوا الحجَّة البالغة والمعجزة سجدوا وقالوا آمنّا بربِّ موسى وهارون. ولكن فرعون توعَّدهم وقال آمنتم بموسى قبل أن تأخذوا الإذن مني. لَأُقطِّعنَّ أيديكم وأرجلكم ولَأُصلِّبنَّكم في جذوع النخل. فكان مصير فرعون وجماعته أن أُغرِقوا ونجَّا الله سبحانه وتعالى سيدنا موسى وبني إسرائيل من عذاب فرعون.

بعده جاء سيدنا عيسى عليه السلام بعد أن انحطَّت بنو إسرائيل أخلاقيًّا واجتماعيًّا وعسكريًّا وأصبح علماؤهم شرّ من تحت أديم السماء، يُحرِّفون الكَلِمَ عن مواضعه ويثيرون الفتن.. فجاء سيدنا عيسى عليه السلام مجدِّدًا لهم، ليعيد لهم عزَّتهم المفقودة، ومع أنّهم كانوا ينتظرونه، إلا أنّه عندما جاءهم اتَّهموه وأمّه باتهاماتٍ باطلة، حتى إنّهم أخذوه إلى الحاكم الروماني وقالوا له إنّه يريد أن يكون ملكًا على بني إسرائيل ويطردكم من البلاد. وقاموا بفتنٍ عديدة ضده وأصرُّوا على صلبه ليثبتوا للعالم أنّه كاذبٌ في دعواه وأنّه ملعون، لأنّه مكتوبٌ في التوراة: “كلُّ من عُلِّقَ على خشبة فهو ملعون”. فكانت النتيجة أنْ غضِبَ الله عليهم ومنذ ألفي سنة لم تقُم لهم دولة، وجعل الله الذين اتَّبعوا المسيح عليه السلام فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة. لقد انقطع الوحي السماوي عن بني إسرائيل بعد أن علَّقوا المسيح عليه السلام على الصليب، بعد أن كان في كل قرنٍ يرسل الله سبحانه وتعالى رجلاً برتبة نبي إلى بني إسرائيل،

وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ (المائدة: 13).

بعده جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خاتَم النبيِّين ناسخًا لجميع الأديان والرسالات السابقة، حيث كانت الرسالات تأتي لجميع الأمم السابقة وما من أمةٍ إلا خلا فيها نذير. إنّ الأنبياء كانوا يُرسلون لشعبٍ من الشعوب أو لفرقةٍ من الفِرق حتى إنّ سيدنا يُونس أُرسِل لمائة ألف شخصٍ أو يزيدون قليلاً. أما سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فقد أُرسِلَ لجميع شعوب الأرض على اختلاف ألوانهم وأشكالهم، وشريعته باقيةٌ إلى يوم القيامة، فهي شريعةٌ كاملة يمكن أن تُطبَّق لأهل الشرق ولأهل الغرب ولأهل الشمال والجنوب ولكل زمانٍ ومكان، للأبيض والأسود والأصفر ولشعوب الأرض قاطبةً،

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (المائدة: 4)،

لذلك انقطع الوحي التشريعيّ ورتبة النبوّة عن جميع الأُمم ما عدا الأمة الإسلاميّة،

وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَـئِكَ رَفِيقًا (النساء: 70).

هذه المراتب الأربع وُهِبت للأمة الإسلاميّة وليست للأمة العربيّة أو الأعجميّة أو الصينيّة أو لأيّة أمةٍ أخرى إنّها مشروطة بطاعة الله ورسوله. إنّ الدين الإسلامي دينٌ عالمي وليس عربيًّا أو أعجميًا، لقد كانت الديانات السابقة مرتبطة بشعبٍ من الشعوب أو بقوميّةٍ من القوميّات، أما الإسلام فهو دينٌ عالمي،

يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (النحل: 3).

إنّ الأمة الإسلاميّة مرتبطةٌ بالوحي الإلهيّ، فالشرائع السماويّة خُتِمت بالقرآن الكريم وأما الوحي فإنّه لم يُختَم لأنّه روح الدين والحق. فالدين الذي انقطع منه الوحي الربّاني إنّما هو دينٌ ميّت ولا يكون الله معه. يقول سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: “إنّ اللهَ يبعثُ لهَذِهِ الأمّة على رأسِ كُلِّ مائة سنَة مَنْ يُجدِّدُ لها دِينَها” (سُنن أبي داود، كتاب الملاحم). ويبشِّرنا بأنّ المسيح الموعود سينزل على رأس القرن الرابع عشر، وقال عن المهدي عليه السلام: “لا المـــَهْدِيُّ إلا عيسى” (سُنن ابن ماجة، كتاب الفتن)، بمعنى أنّ المسيح والمهديّ شخصٌ واحد، وهذا الشخص من الأمة الإسلاميّة في قوله:

” كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا نَزَلَ ابْنُ مَرْيَمَ فِيكُمْ ‏ وَإِمَامُكُمْ مِنْكُمْ” (صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء).

لقد جاء المسيح الموعود والمهديُّ المعهود عليه السلام والمسلمون بأمسِّ الحاجة لمن ينقذهم مما هم فيه. لقد تكالبت على هذه الأمة الأُمم الأخرى كما تتكالب الأَكلةُ على قصعَتِها. لقد قال سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام:

” يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا، قَالَ قُلنَا يَا رَسُولَ الله: أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ تَكُونُونَ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، يُنْتَزَعُ الْمَهَابَة مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمُ وَيُجْعَلْ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ، قَالَ قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: حُبُّ الحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ.

يعني لا تكون لكم قيمة بين الأُمم ولا احترام في المحافِل الدوليّة. وهذا ما نحن فيه الآن، لقد انحطَّ المسلمون وأصبحوا في الحضيض علميًّا وثقافيًا وأخلاقيًّا، وعلماؤهم شرُّ من تحت أديم السماء منهم تخرجُ الفتنة وفيهم تعود. إنَّ علماء هذه الأمة مختلفون في كُلِّ شيء ولكنهم متَّحِدون في شيء واحد، ألا وهو مُعاداة من أرسله الله سبحانه لإنقاذهم. مُعاداة من أرسله الله لإظهار الإسلام على الدينِ كلِّه، مُعاداة من أرسله الله سبحانه وتعالى لتوحيد هذه الأمة، مُعاداة من أرسله الله لإزالة الخرافات من كتب التفسير، مُعاداة من أرسله الله لتفهيم المسلمين دينهم الذي نسوه. يقول الشيخ مُحيي الدين بن عربي رحمه الله: “إذا خرج الإمام المهديّ فليس له عدو إلا الفُقهاء خاصة” (الفتوحات المكيّة ص 242). ويقول نواب صديق خان في حُجج الكرامة ص 363:

“إذا جاء المهديّ فيقول الفُقهاء والعُلماء إنّ هذا الرجل يُفسِدُ علينا ديننا”.

ويقول الله سبحانه وتعالى في حقِّ اليهود:

الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (البقرة: 146)،

في زمن المسيح الموعود عليه السلام عندما أعلن أنَّ الله سبحانه وتعالى أوحى إليَّ بأنّي أنا المسيح الموعود والمهديُّ المعهود، طالبه المشايخ مستندين على حديث آيتيّ الخسوف والكسوف في رمضان:

“إِنَّ لِمَهْدِيْنَا آيَتَيْنِ لَمْ تَكُوْنَا مُنْذُ خَلْقِ السَّماَوَاتِ والأَرْضِ، يَنْخَسِفُ الْقَمَرُ لأَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَتَنْكَسِفُ الشَّمْسُ فِي النِّصْفِ مِنْهُ”،

وقالوا له: كيف تدَّعي أنّك المهديّ ولم يُخسف لك القمر ولم تُكسف لك الشمس؟، في سنة 1306 هـ تأسَّست الجماعة الإسلامية الأحمدية وبعد خمس سنوات أي في سنة 1311 هـــ الموافق 1894م خُسِف القمر وكُسِفت الشمس في شهر رمضان، عندها فكَّر المشايخ بحيلةٍ تُخلِّصهم من هذه الورطة فقالوا إنّ الحكومة البريطانيّة أخبرت المسيح الموعود عليه السلام بموعد الخسوف والكسوف. يقول المسيح الموعود عليه السلام:

“وَأَعْجَبني حالُ المـــُنكِرين إنّهم أَصَرُّوا على التَكذِيب حتى صَاروا أوّلَ المعتَدِين، وكلّ جُهدٍ جَهِدُوه وبَذَلوا ما عِندَهم لِيُطْفِئوا نُورًا نَزَلَ مِنَ السَّماء فَزادَ اللهُ نُورَهُ وما كانَ جهدُهُم إلا كَالهَبَاء” (الاستفتاء ص 54).

لم يحدث في تاريخ الأنبياء منذ بدء الخليقة حتى اليوم أن كان عدد أعداء المرسلين مثل عدد أعداء المسيح الموعود عليه السلام، لقد عاداه قومه من المسلمين وعاداه المسيحيّون والسيخ والهندوس والبوذيّون والشيوعيّون وجميع طوائِف الأرض، حتى أنّ أكبر أعدائِه من عائِلته إذ كان أحد افراد عائلته يجلس على الطريق المؤديّة إلى بيته ويقول للناس الذين يأتون إليه لا تذهبوا عند هذا الكافر ويُحذّرهم ويقول لا تتكلّموا مع غلام أحمد القادياني. لقد حاولوا قتله عدّة مرات.

فجاء سيدنا عيسى عليه السلام مجدِّدًا لهم، ليعيد لهم عزَّتهم المفقودة، ومع أنّهم كانوا ينتظرونه، إلا أنّه عندما جاءهم اتَّهموه وأمّه باتهاماتٍ باطلة، حتى إنّهم أخذوه إلى الحاكم الروماني

لقد لفَّقوا إليه التُّهم ليوضع في السجن. لقد أرسل الله سبحانه وتعالى المسيح الموعود في عصر المواصلات وعصر المطابع وهو رجلٌ فقير من قريةٍ صغيرة لم يسمع باسمها أكثرُ الناس في العالَم، كانت تُطبَع الكتب والنشرات بالملايين ضدّه من جميع المعادين له. ولكن ماذا كانت النتيجة؟، أولاً بالنسبة لعائلته أوحى له الله تعالى: “ينقطِعُ من آبائِك ويُبدَأُ مِنْك”. وهكذا حدث تمامًا، لقد انقطع نسلُ هذه العائلة ما عدا نسل المسيح الموعود عليه السلام. إنّ اثنين أو ثلاثة من نسل آبائِه نجوا ولم يَلقوا حَتفَهم حيث بايعوه ودخلوا في الجماعة الإسلامية الأحمدية. ولم يكن يُكتب الحياة أو النسل للباقين بل ماتوا أبَاتِر. أما باقي الأعداء فأخبره الله تعالى وقال:

“إِنِّيْ مُعِيْنٌ مَنْ أَرَادَ اِعَانَتَكَ وَإِنِّيْ مُهِيْنٌ مَنْ أَرَادَ إِهاَنَتَكَ، أَنْتَ وَجِيْهٌ فِيْ حَضْرَتِيْ، اِخْتَرْتُكَ لِنَفْسِيْ، أَنْتَ مَعِي وَأَنَا مَعَكَ، سَأُبْلِّغُ دَعْوَتَكَ إِلَى أَقْصَى أَطْرَافِ الأَرْضِ، يَأتِيكَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَأتُونَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَنْصُرُكَ رِجَالٌ نُوحِي إِلَيهِمْ مِنَ السَّمَاءِ، يُكْرِمُكَ اللهُ إِكْرَامًا عَجِيبًا، إِنِّي مَعَ الأَفْوَاجِ آَتِيكَ بَغْتَةً. وَاللهِ إِنِّي غَالِبٌ وَسَيُظْهِرُ شَوْكَتي، وَكُلٌّ هَالِكٌ إِلّا مَنْ قَعَدَ فِي سَفِينَتِي. سَنُنْجِيكَ سَنُعْلِيكَ سَنُكْرِمُكَ إِكْرَامًا عَجِيبًا”.

وهكذا حصل إذ وصلت دعوته إلى أقصى أطراف الأرض. لقد وصلت دعوته إلى بلادٍ لم تسمع باسم الإسلام من قبل ولم تقع عليها أقدام أي مسلم قبل الجماعة الإسلامية الأحمدية. لقد وصلت دعوته إلى جزر توفالو وفيجي والفيلبين وأميركا واليابان وكندا وجميع أنحاء أوروبا وأفريقيا حتى إنه لا يوجد أيّ بلدٍ في العالَم إلا وفيه أعضاءٌ من الجماعة الإسلامية الأحمدية.

لقد أصبحت الجماعة الإسلامية الأحمدية تصدر ملايين النشرات وآلاف الكتب دفاعًا عن الإسلام ومبادئه الصحيحة المقبولة عقليًا والخالية من الخرافات والإسرائيليّات. لقد أصبحت الجماعة الإسلامية الأحمدية تملك المحطة الفضائيّة الإسلاميّة الوحيدة في العالَم، نعم إنّ الدول الإسلاميّة تملك عشرات المحطات الفضائيّة ولكن لا يمكن لأي منها أن تُسمَّى محطةً إسلاميّة لما فيها من خلاعةٍ ورقصٍ ولهو.

الحمد لله الذي هدانا لنكون من هذه الجماعة وما كنا نهتدي لولا أن هدانا الله ثم الحمد لله ربّ العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك