تميزوا بطهارة الثياب وهجرةِ الرِّجز
التاريخ: 1999-04-02

تميزوا بطهارة الثياب وهجرةِ الرِّجز

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين الخليفة الرابع لسيدنا

الإمام المهدي والمسيح الموعود ،

 بتاريخ 15 ذو الحجّة 1419 هـــ الموافق 2 أبريل/نيسان 1999م

في مسجد فضل بلندن.

نقلها إلى العربية: عبد المجيد عامر

«تنشر أسرة التقوى ترجمة هذه الخطبة على مسؤوليتها»

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين)

بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (المدثّر: 1-5)

عيد الأضحى الذي مضى منذ فترة له علاقةٌ بالكعبة المشرَّفة التي يدور حولها هذا العيد. إنّ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام طهَّرا فناءَ الكعبة تطهيرًا ونظَّفاه تنظيفًا، وهذا ما كانا قد أُمرا به أن

طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ.. .

وكان المراد منه طهارة القلب وطهارة الروح وطهارة الجسم معًا. ففي هذا الصدد قرأت اليوم هذه الآياتِ لأنّ معراج الكعبة المشرّفة أي معراج الأهداف التي أُسِّست الكعبة من أجلها تجلّت في شخص النبي . …..

فكلمة “ربَّكَ” في هذه الآيات وردت منصوبةً لذكر أهميةٍ بالغة لكلمة “ربّ”. والمراد هو: ركِّزْ انتباهك إلى ربّك وحده وكبِّره. وتعهَّد بثيابك أي رفقائك وأصحابك المقرَّبين، لأنّ المراد من الثياب هو الأصحاب المقرَّبون أيضًا، لذلك فقد سُمِّي الزوجان لباسًا بعضهما للبعض. فمعنى “التعهُّد” في كلمات “وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ” يتجلّى من كون الثياب منصوبةً في الآية، وكأنه قيل: ثيابَك!! أي تعهّد بثيابك أي أصحابك. فالذين يلازمونك إنّهم جميعًا ثيابُك. فتعهّد بهم، وانظر إليهم تحنُّنًا لهم، وأيضًا من أجل تربيتهم. فكِلا المعنيين يدخل في كلمة “ثيابَك”. أي طهِّرهم تطهيرًا عن طريق صحبتك وقُربك، واختَرْ سبل تطهيرهم بنصائِحك المتكررة.

فالكريم هو الذي توجد فيه الصفات الحسنة. إنّه لا يُحسن إلى أحدٍ ثم يُتبِعَه بالمـّنِّ والأذى، ولا يتصرَّف بحيث يُشعِر أنّه قد أحسنَ إليه. انظروا إلى كثرة مِننِ الله تعالى وإحساناته على الناس، ولكنه غنيٌّ عنهم وعمّا يتصرَّف به الناس مقابل ذلك.

وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ : أي أما فيما يتعلق بالرجس فابتعدْ عنه نهائيًا. ليس المراد من “فَاهْجُرْ” انّه كان فيك رُجزٌ -والعياذ بالله- فتنحَّ عنه، بل المراد: ابتعد منه نهائيًا واتركه كما يبتعد الإنسان من شيء عن طريق الهجرة. وهذا يعني أيضًا أنّه لم يكن في أصحاب النبيّ شيءٌ من الرُجْز إطلاقًا. كم هو سامٍ هذا الموضوع الذي تمَّ ربطُه هنا، إذ لو كان في الصحابة شيءٌ من الرجز لما كان من الممكن أن يتماشى معًا كِلا الأمرين: أمر التخلِّي عن الرُجز نهائيًا وأَمرُ إبقائهم معه وتطهيرهم. ما أعمقه وما أجمله من كلام!! إذ تمَّ من خلاله مدحُ الصحابة رضيَ الله عنهم أيضًا إلى جانب مدحِ النبي ، بمعنى أنّ الذين يسكنون في ظلِّ قُربك إنّهم أطهار، ولكن يجب أن تُراعيهم أكثر، وتُطهِّرهم أكثر، وتُلقي عليهم نظرة التحنُّن ليقتربوا منك أكثر، وبقدرِ ما سيقتربون منك سوف يتطهَّرون أكثر فأكثر.

هذا هو الموضوع الذي سوف أُلقي حوله الخطبة اليوم، وسوف أُقدِّمُ لكم بعض الأحاديث في هذا الصدد.

وبالمناسبة أُذكِّركم أنّ أيام شهر مُحرَّم قد بدأت وفي هذه الأيام يجب أن نُصلّي على النبي وعلى آلِه بكثرة. يجب أن تصير الصلاةُ المستمرة على النبي فِطرة الإنسان الثانية، غيرَ أنّ الصلاة على النبي بتصوُّر أيام شهرِ مُحرَّم المؤلمة تتصفُ بنوعٍ من الشعور المؤلم بشكلٍ خاص، فلا تنسوا هذا الأمر. فكلّما تفرَّغ ذهنكم لهذا الأمر، أي كلّما استطعتم التركيز على الصلاة على النبي -في الحلِّ كنتم أو الترحال- صلُّوا عليه وعلى آلِه من أعماق القلوب وبحرارةٍ وحُرقةٍ متصوِّرين أيام شهرِ مُحرَّم.

والآن أقرأ لكم الحديث الأول في هذا الصدد وهو مأخوذٌ من صحيح مسلم، جاء فيه:

عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ. (صحيح مسلم، كتاب الطهارة، باب فضل الوضوء).

أي إذا كنتم مؤمنين فاطَّهَّروا قلبًا وقالبًا، لأنّ الحصول على طهارة القلب الحقيقيّة بدون طهارة الجسم مستحيل. إنّ جميع أولياء الله وأحباؤه الذين رُفِعوا إلى مقاماتٍ سامية كانوا يطهِّرونَ الأجسام حتمًا، وإلى جانب الطهارة الجسدية ظلّوا منتبهين إلى الطهارة القلبيّة أيضا. الحقيقة أنّ الطهارة القلبيّة كانت تتسبّب في الطهارة الجسديّة، والقلب بعد تطهُّره فقط كان يصير مهبطًا لله تعالى، وبالتالي كان الانتباه يُشَدُّ تلقائيًّا إلى تطهيرِ جسدٍ منطوٍ على هذا القلب الطاهر. فالنبي قد شرح موضوع الإيمان في هذا الحديث، إذ قال: الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ.

وهناك حديثٌ آخر مأخوذ من سُنن الترمذي، جاء فيه:

عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الـمُسَيَّبِ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ، نَظيفٌ يُحِبُّ النَّظافَةَ، كَرَيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ فَنَظِّفُوا -أُراهُ قالَ- أَفْنِيَتَكُمْ، وَلا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ. (سُنن الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في النظافة)

وفي هذا الحديث أيضًا هناك أمران يجدران بالشرح والتفصيل. “إنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ”، وهذا الجزء واضحٌ تمام الوضوح، ولكن ما المقصود من ” نَظيفٌ يُحِبُّ النَّظافَةَ”؟ ما المراد من نظيف هنا؟ إذ أنّ الرجس لا يتماشى مع الله تعالى بشكلٍ من الأشكال. المراد هو: بما أنّ الله تعالى موجودٌ في كل مكان حيث يوجد أيضًا في الأشياء القذرة ظاهريًّا غيرَ أنّها لا تمسُّ الله تعالى، ولا تُكدِّرُ طهارته شيئًا. فإنّكم أيضًا سوف تمرُّون بالدنيا كهذه، وسوف تعيشون في دنيا حيث يكون الرجس حولكم، فيجب ألا تُكدِّروا -مثل الله تعالى تمامًا- هذه الطهارة، أي لا تُكدِّروا صَفوَ أنفسكم. ولو اهتممتم بهذا الأمر لكنتم مُقلِّدي صفات الله تعالى ومُتَّبِعيه .

إنّ الله نَظيفٌ يُحِبُّ النَّظافَةَ، كَرَيمٌ يُحِبُّ الكَرَمَ، فَأحسِنوا أنتم أيضًا إلى الآخرين، غيرَ أنّ كلمة الكَرَم تُطلق على الإحسان الذي يضمن الحِفاظ على كرامة الإنسان أيضًا بالإضافة إلى الإحسان. فالكريم هو الذي توجد فيه الصفات الحسنة. إنّه لا يُحسن إلى أحدٍ ثم يُتبِعَه بالمـّنِّ والأذى، ولا يتصرَّف بحيث يُشعِر أنّه قد أحسنَ إليه. انظروا إلى كثرة مِننِ الله تعالى وإحساناته على الناس، ولكنه غنيٌّ عنهم وعمّا يتصرَّف به الناس مقابل ذلك. فالكريم هو الذي يستغني أيضًا بعد الإحسان إلى الناس، والذي يُحسِن ثم لا يُتبِعه بالمـــَنِّ حتى لا يشعر به الذي يُحسَنُ إليه. وهو يقوم بالإحسان بحيث يزداد الذي يُحسِنُ إليه عزَّةً وكرامة في الحقيقة. ثم يقول الحديث، “جَوَادٌ يُحِبُّ الجُودَ” وهذا واضحٌ تمامًا أيضًا.

ثم يقول الراوي إنّ النبي قال: نَظِّفُوا أَفْنِيَتَكُمْ وَلا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ. أرى أنّ هاتين الجملتين منفصلتان. وليس المراد أنّ اليهود كانوا يُبقُون أفنيتهم غير نظيفة. لا نجدُ لمثل هذه الرواية أيَّ أثر، ولا يقول التاريخ أيضًا أنّ اليهود كانوا يُبقُون أفنيتهم وسخة. بل المراد هو أنّه يجب عليكم أنتم أنْ تُنظِّفوا أفنيتكم، لأنّ الأرض كُلَّها جُعِلت مسجدًا، ويجب أن تكون أفنية بيوت المسلمين من النظافة والطهارة بحيث إذا أراد أحدٌ الصلاة فيها فلا يتوهمنَّ أيضًا بشيءٍ من القذارة فيها، بل يجب أن يكون الجو المحيط بها طيِّبًا نظيفًا، وينبغي أن تكون الأفنية نظيفةً دائمًا.

وكذلك قال : وَلا تَشَبَّهُوا بِاليَهُودِ. الحِكمة في عدم التشبُّه باليهود هي أنّ اليهود اتَّصفوا بصفاتٍ جُعلوا بسببها المغضوب عليهم. والمراد هو: فِرُّوا من جميع تلك الخصائل اليهوديّة فِرارًا. ولا تقوموا بعملٍ له علاقة بخصائل اليهود بحيث لو قمتم به لَجُعِلتم مغضوبًا عليكم مثل اليهود. فالفِرار من غضب الله وعدم التشبُّه باليهود اسمان لمسمَّىً واحد.

وهناك حديثٌ آخر مأخوذ من سُنن ابن ماجة جاء فيه:

“عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ. مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي. وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُ لَهُمْ. وَإِنِّي لَأَسْتَاكُ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادِمَ فَمِي”. (سُنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسُننها، باب السِواك)

هذا الحديث يزيد شرحًا موضوعَ الطهارةِ الذي ذكرتُه، ويبيِّن كم كان النبي يحبُّ الطهارة، وكم كان نظيفًا، وكم كان يَودُّ إبقاء أمته ظاهرةً نظيفة. فيقول الله تعالى وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ .. أي طهِّرْ مَن حولك أيضًا مِن أصحابك المقرَّبين. لقد أظهر النبيُّ في شخصه المثل الأعلى لهذه الطهارة. فالذين كانوا في قُربه كانوا يتعلَّمون هذا المثل الأعلى.

فقال النبي : “تَسَوَّكُوا فَإِنَّ السِّوَاكَ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ”. أي أنّ الله تعالى يحبُّ كِلا النوعين من الطهارة، الظاهريّة منها والباطنيّة. القلب الذي ينزل فيه الله تعالى يجب أن يكون ما حوله نظيفًا. لذا قال: “…. مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ. مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي”. من المعلوم أنّه لو كان النبيّ مكلِّفًا أمته بأمر لكان الالتزام بالسِواك ضمن ذلك التكليف، ولكنه لم يُرد أن يفرض شيئًا من شأنه أن يُلقيَ إثمًا على الضعفاء بمعنى أنه لو غفلوا من هذه الفريضة لصاروا آثمين.

فهذه هي الحكمة وراء لُطفه أنه لم يفرض السِواك على الأمة رغم انّه كان يتسوَّك بصورةٍ نظاميّة وكان يَرْغَبُ في أن يفرضه. الرغبة القلبيّة شيء، وعدم فرض الشيء نظرًا إلى بعض الحِكَم شيءٌ آخر. وهذا ما بيَّنه النبيُّ في هذا الحديث إذ قال: “مَا جَاءَنِي جِبْرِيلُ إِلَّا أَوْصَانِي بِالسِّوَاكِ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيَّ وَعَلَى أُمَّتِي. وَلَوْلَا أَنِّي أَخَافُ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَفَرَضْتُهُ لَهُمْ”. ومن المعلوم أيضًا أنّ الله تعالى هو الذي كان يفرض شيئًا وليس النبي . الحقيقة انّ المراد هنا هو أنني كنت سوف افعل ذلك نظرًا إلى مشيئة الله تعالى حسب التأكيد المتكرر من قِبل جبريل ، ولكنني خشيتُ أن أشُقَّ على أمتي فلم أفرِضْه. ثم يقول :

“وَإِنِّي لَأَسْتَاكُ حَتَّى لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ أُحْفِيَ مَقَادِمَ فَمِي”.

ولا شكَّ في انّ اللثة تتعرض للتدليك كثيرًا عند السِواك وتتضرَّر أيضًا أحيانًا، لذا من الأهمية بمكان أن يُمَرَّرَ السِواكُ بطريقةٍ معينة عند استخدامه. وكان النبيُّ يُمرِّر السِواك على الأسنان من الأعلى إلى الأسفل ومن الأسف إلى الأعلى خشية أن يحفي مقادمَ فمه. ولو فعلنا هذا لتقوَّت الأسنان، كما أنّ اللثة أيضًا سوف تعود إلى وضعها الطبيعي فلا تتعرَّض الأسنان للتسوُّس. فالاهتمام بهذا الأمر غايةٌ في الأهمية لتقوية الأسنان.

والحديثُ الآخر الذي سوف أذكره بعد قليل مقتبسٌ من صحيح البخاري. لاشكَّ أنّ للسِواك علاقةٌ مع كلّ وضوء، غيرَ أنّه من الصعب في هذه الأيام الحصولُ على ذلك السواك الذي كان موجودًا في تلك الأيام. ولكن يجب استخدام الفُرشاة اللّينة للأسنان، إذ أنّ السِواك يكون أيضًا ليّنًا، ولكونه ليّنًا لا يضرُّ الأسنان. فمن الضروري استخدام فُرشاة الأسنان التي هي ليِّنةٌ ومِن صُنع الأطباء الحاذقين. ثم يجب تمريرها من الأسفل إلى الأعلى، ومن الأعلى إلى الأسفل عند تنظيف الأسنان. ولو تعوَّد أحدٌ على ذلك منذ البداية لبقيتَ أسنانه -بفضل الله تعالى- صحيحةً سليمةً في سنِّ الشيخوخة أيضًا. ولكن إذا لم يكترث أحدٌ بذلك في الصغر وظلَّ يُمرِّر الفُرشاة بطريقةٍ خاطئة لتضرَّرت أسنانه. كما أنني أيضًا كنت أستخدم الفُرشاة دائمًا ولكن كنت أستعمل الفُرشاة الخشِنة، وكنت أتسوَّكُ به من اليمين إلى اليسار أيضًا، لذا فالضرر الذي لحق بالأسنان كان من جرَّاء ذلك. ولكنها على الرغم من ذلك قويّة بفضل الله تعالى، وليست على الحالة التي تكون عليها عادةً في مثل هذا السنّ.

فقد جاء في الحديث:

“قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ”. (البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة)

لذا لو تسوَّكتم عند كلّ صلاة -كما قلت آنفًا- لكان أفضلَ، لأنّ ذلك يُطهِّر الفم. ويتحتَّمُ ذلك على كلّ واحدٍ من الزوجين من أجل تحسين العلاقات الزوجيّة. والذي يفوح فمهم برائِحة كريهة تفسد حياتهم الزوجيّة أيضًا. لذا يجب أن تتأسّوا بأسوة النبيّ ، وتُطهِّروا فَمَكم حتى يفرح برائِحةٍ طيّبة زكيّة، ولا تكون هناك أيّة إمكانيّة لا قريبة ولا بعيدة للرائِحة الكريهة من الفم إطلاقًا.

إنني لم أرَ رسول الله طيلة حياتي يُنظِّف فمه بعنايةٍ أكبر من هذه المرّة. هذا هو مشهد لحظاته الأخيرة. وعندما تفرَّغ من السِواك رفع إصبعه وقال: في الرفيق الأعلى ثلاثًا، ثم أسلمَ روحه. فالذين يُحبُّون رسول الله أنّى لهم أن ينسوا هذا الأمر. ولو لم يهتمُّوا بنظافة فَمِهم بعد كلّ ذلك أيضًا لكانت دعاوي حُبِّهم للنبيّ كاذبةً.

وفي هذا الصدد لابدَّ من الاهتمام بالمعدة أيضًا. فالذين يتناولون الطعام آخذين الحِيطة بعين الاعتبار وحسب مواعظ النبي ، فلا تفوح معِدتهم بالرائِحة الكريهة التي تنتقل من المعدة إلى الدم عن طريق الأمعاء. ولو انتقلت رائِحة المعدة الكريهةُ إلى الدم عن طريق الأمعاء لانتقلت إلى الرئِتين أيضًا، ثم لا بدّ من أن تفوح هذه الرائِحة الكريهة من الفم مهما استعملتم من المعَاجين. فهذا أيضاً نوعٌ من الحيطة التي أُوجِّهُ نظر الجماعةِ إليها. من الضروري جدًا أن تهتموا بالمعدة كثيرًا وإلا فتنظيف الأسنان بالسِواك سوف يذهبُ سُدىً. كانت الرائِحة الطيّبة الزكيّة دائمًا تفوحُ من فم النبيّ نتيجةً لقلّة الطعام الذي كان النبي يتناوله، وبسبب الحيطة التي كان يأخذها بعين الاعتبار عند الأكل ونتيجةً لمضغه الطعام عند تناوله إيّاه. وإن دلَّ ذلك على شيء فإنّما يدلُّ على أنّ النبيّ كان يهتمُّ بمعدته أيضًا اهتمامًا كبيرًا.

هناك حديثٌ آخر مأخوذ من صحيح البخاري أيضًا، جاء فيه:

عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ كانَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ‏.‏ (البخاري، كتاب الوضوء، باب السواك)

ليس المراد من القيام هنا الإقامة في مكانٍ آخر بل المراد هو القيام في حضرة الله تعالى لصلاةِ التهجُّد. فلم يكن النبي يهتمُّ بالسواك عند الصلوات الخمسة فقط، وإنّما كان يهتمُّ عند صلاة التهجُّد أيضًا أن ينظِّف أسنانه قبلها.

كذلك هناك حديث آخر اقتبسته من صحيح البخاري حيث تقول السيدة عائِشة رضي الله عنها ما معناه: دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -أي أخو عائشة رضيَ الله عنها- عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في المرض الذي تُوفِّيَ فيه النبي . لاحِظوا هنا انّ النبي ظلَّ مهتمًا برائِحة فمه إلى آخر لحظة من حياته، حتى إنّ السُنّة الأخيرة التي تركها للناس قبيل رحيله تتضمَّن السِواك أيضًا. فقد ورد في الحديث:

دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي، وَمَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ، فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَصَرَهُ، فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ فَقَضِمْتُهُ، وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَنَّ اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ. فَمَا عَدَا أَنْ فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى ثَلاَثًا، ثُمَّ قَضَى. وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي..” (صحيح البخاري، كتاب المغازي، بابُ مرضِ النبي ووفاتِه)

متى حدث هذا الحادث؟ حين كانت الروح على وشك مغادرة الجسم! تقول السيدة عائِشة رضي الله عنها ما معناه: إنني لم أرَ رسول الله طيلة حياتي يُنظِّف فمه بعنايةٍ أكبر من هذه المرّة. هذا هو مشهد لحظاته الأخيرة. وعندما تفرَّغ من السِواك رفع إصبعه وقال: في الرفيق الأعلى ثلاثًا، ثم أسلمَ روحه. فالذين يُحبُّون رسول الله أنّى لهم أن ينسوا هذا الأمر. ولو لم يهتمُّوا بنظافة فَمِهم بعد كلّ ذلك أيضًا لكانت دعاوي حُبِّهم للنبيّ كاذبةً. وهناك حديثٌ آخر وله علاقة مع الجمعة يقول فيه رسول الله عن يوم الجمعة إنّه العيدُ في حدِّ ذاته. وهناك عيدان يُعيدان كرّتهما بعد سنة كاملة غيرَ أنّ يوم الجمعة يأتي كلّ أسبوع، فقد جاء في الحديث:

“عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ هَذَا يَوْمَ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ. فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ, وَإِنْ كَانَ طِيبٌ فَلْيَمَسَّ مِنْهُ، وَعَلَيْكُمْ بِالسِّوَاكِ”. (سُنن ابن ماجة، كتاب إقامة الصلاة والسُنّة فيها، باب ما جاء في الزينة يوم الجمعة)

لم يقل النبي أن اتخذوا (السِواك) واجبًا عليكم يوم الجمعة فقط. طبعًا إنّه ينبغي أن يبقى واجبًا يوم الجمعة دون أدنى شك. إنّما أراد النبي من قوله أنّه يجب أن تغتسلوا يوم الجمعة على أقل تقدير، واستخدموا الطِيبَ. أما فيما يتعلق بالسِواك فأتوقع أنّ أمتي سوف تتخذه واجبًا عليها بصورة دائمة.

والحديث الآخر مأخوذ من مُسند أحمد بن حنبل:

“عَنْ عَائِشَة أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ رِيحٌ يُتَأَذَّى مِنْهُ”. (مسند أحمد بن حنبل، باقي مسند الأنصار)

وكان ذلك أحد مظاهر رقّة الجانب التي يُكِنُّها رسول الله لأمّته وللبشر جميعًا.. أي ألا يبتعد عنه أحدٌ لسببٍ من الأسباب -وادِّثارُ الثياب هو جزأٌ لا يتجزأ من هذا الموضوع- والمعلوم أنّه كلّما تعرَّض أحدٌ للأذى مهما كان خفيفًا لابتعد، في حين كان النبي مأمورًا بأن يُلزمهم معه. فبالتالي لم يُحبّ رسول الله أن يتسبَّب في أدنى أذى لأحد. وأخذُه الحِيطة بعين الاعتبار دائِمًا بالنسبة إلى الرائحة كانت ناتجةً عن السبب نفسه.

وهناك حديثٌ آخر ورد في صحيح البخاري حيث يقول أنس ما معناه: إنَّني لَمْ أَرَ حَرِيرًا ولا دِيبَاجًا أَكْثَرَ لِينًا مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللهِ . من المعلوم أنّ كفَّ النبي وأخماصَ قدميه أيضًا كانت ليِّنة. والحال نفسه كان بالنسبة إلى سيدنا المسيح الموعود . لذا فالذين كانوا قد قرؤوا ذلك عن حضرته من قبل في الروايات كانوا يأتون إليه ليتحقَّقوا من هذه الناحية فيما إذا كان في الحقيقة خادِمًا صادقًا لرسول الله أم لا؟ وكانوا يلمسون كفَّيه ويَجُسُّون أخماصَ قدميه بحثًا عن هذا الأمر. ففي إحدى المرات بالغ أحد الناس في ذلك حتى قال له سيدنا المسيح الموعود : لا تفحصني هكذا، إني أعرف قصدك. غير أن ذلك الشخص قال فيما بعد: إنني وجدت كفيه وأخماص قدميه ليِّنة وناعمة جدًا. فقد ورد في الحديث:

“عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا ألْيَنَ مِنْ كَفِّ رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ شَمَمْتُ رِيحًا قَطُّ أَوْ عَرْفَا قَطُّ أطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلِيهِ وَسَلَّمَ”. (صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي ).

كذلك جاء في صحيح مسلم:

عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَهْلِهِ وَخَرَجْتُ مَعَهُ. فَاسْتَقْبَلَهُ وِلْدَانٌ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ خَدَّيْ أَحَدِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، قَالَ: وَأَمَّا أَنَا فَمَسَحَ خَدِّي. قَالَ: فَوَجَدْتُ لِيَدِهِ بَرْدًا أَوْ رِيحًا كَأَنَّمَا أَخْرَجَهَا مِنْ جُؤْنَةِ عَطَّارٍ”. (صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب طِيْبِ رائحة النبي ولِيْنِ مسِّه والتبَرُّكِ بمسحه)

إنّ مسح خدود الأطفال من سُنّة النبي . أذكر ذلك لأنّ بعض الناس قد يتعجَّبون عندما أمسح أنا خدود الأطفال الصغار. فهذه ليست بِدعة وإنّما هي من سُنَّة النبي ، إذ كان يمسح خدود الأطفال.

والآن أُنهي خطبة اليوم بعد قراءة بعض المقتبسات لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود . وبما أنني سوف أسافر بعد الخطبة، قبل صلاة العصر، لذا سوف نجمع بين الصلاتين. وهذا على وجه الاستثناء بسبب السفر. إذا كان الإمام عازِمًا على السفر يجوز الجمع بين الصلاتين للمقتدين به أيضًا. يقول حضرة المسيح الموعود :

“يقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ، أي لا شكَّ أن الله تعالى يُصادق الذين يتوبون ويحبُّ الذين يرغبون في الطهارة. لا يتبيّن من هذه الآية أن الله تعالى يحبُّ التَّوابين فقط بل يتجلى منها أيضًا أنّ التوبة الحقيقيّة تلزمها الطهارة الحقيقيّة. ومن الضروري التخلّي عن كل نوعٍ من النجاسة والقذارة، وإلا فلا فائِدة إطلاقًا من مجرّد ترديد كلمة التوبة”. (جريدة الحَكَم، مجلد 8، عدد 31، بتاريخ 17 أيلول/ سبتمبر 1904م، ص 1)

فالذين يريدون أن يتوبوا عليهم ألا يغضُّوا الطرف عن هذه الطَّهارة الظاهريّة، لأنّ المسيح الموعود يقول: إنّها ضروريّة. ثم يجب أن تُرافق الطهارةُ القلبيّةُ هذه الطهارةَ الظاهريةَ. ثم يقول حضرته : “لقد ورد في القرآن الكريم وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ، (وهو جزء مِن الآية التي قرأتها عليكم) أي تجنَّبوا من كلّ نوعٍ من النجاسة. والهجرُ معناه: الذهاب بعيدًا”

ليس المراد هنا أنّه إذا كانت هناك نجاسةٌ فاخلعوها. إنّ المسيح الموعود قد شرح لنا هذه النقطة أنْ ابتعدوا من النجاسة بحيث لا تمسَّكم حتى من بعيد. أي حتى لا يقع عليكم تأثيرها بشكلٍ من الأشكال.

يقول حضرته:

“الهجر معناه: الذهاب بعيدًا. يتبيّن منه أنّه لابدَّ للراغبين في الطهارة الروحيّة من الطهارة والنظافة الظاهريّة أيضًا. ولماذا؟ لأنّ للقوة تأثيرًا على الأخرى وأنّ للجانب تأثيرًا على الآخر. إنّ للإنسان حالتين، والذي يرغب في الثبات على الطهارة الباطنيّة فليهتمَّ بالطهارة الظاهريّة أيضًا. وفي موضعٍ آخر يقول الله تعالى: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ الطهارة الظاهريّة تدعم الطهارة الباطنيّة…. يجب على كل مسلم أن يغتسل يوم الجمعة على أقلِّ تقدير”.

فالذي لا تتوفر لديه أسباب الغسل من جرَّاء الفقر -هناك عددٌ لا بأس به من الذين يعانون من شُحِّ الماء، كذلك الفقر أيضًا يحُولُ دون الغسل كل يوم- لذا لابدَّ له من الغسل يوم الجمعة على الأقل.

يستأنف حضرته الحديث ويقول:

“… وليتوضأ عند كلِّ صلاة، وإذا أُقيمت الصلاة فليستخدم الطِيْبَ. الأمر باستخدام الطِيْب في العيدين والجمعة مبنيٌّ على هذا الأصل. السبب الحقيقي هو أنّ اجتماع الناس قد يُسفر عن الرائِحة الكريهة.”

وحين يجتمع الناس يكون بعضهم مصابين بمرضٍ بحيث تفوح الرائِحة الكريهة من أجسامهم. فيقول حضرته :

“اجتماع الناس قد يُسفر عن الرائِحة الكريهة، لذا فبالغسل واللباس النظيف واستخدام العطور سوف تزول السُميَّة (فاعليّة السُّم) والرائحة الكريهة. وكما أنّ الله تعالى جعل هذا القانون في الحياة كذلك جعل قانونًا مثله بعد الممات أيضًا”. (الملفوظات، الخزائن الروحانيّة، مجلد 1، الطبعة الجديدة، ص 164)

فبعد الاستماع إلى خطاب سيدنا الإمام المهدي أثار احد الناس سؤالاً وهو ذو فائدة عظيمة لنا، لأنّه بسببه حُلَّت مسألة. فقال أحدهم ما معناه: كانت ثياب الصحابة رضيَ الله عنهم وسخةً وتكون مرقَّعةً على العموم. من المعلوم أنّ المتسولين عادةً يلبسون الثياب المرقَّعة وتكون إلى جانب ذلك وسخة أيضًا، فربط أحدٌ من أصحابه هذين الأمرين مع بعض لقلّة فهمه. إذ لا يوجد هناك أي أثر يقول: إنّ أصحاب النبيّ كانوا يلبسون ثيابًا وسخة، غيرَ أنّه يُذكر أنّ ثيابهم في بعض الأحيان تكون مُرقَّعة. فالسائل استنتج من عنده هذا الاستنتاج نظرًا إلى المتسولين الموجودين في هذه الأيام. فقال المسيح الموعود ردًّا على ذلك: “هذا كذبٌ. كون الثياب وسخة شيء وكونها مُرقَّعة شيءٌ آخر. (ففي حالة الفقر أيضًا كانت ثيابهم طاهرة نظيفة. وكان أصحاب النبي حريصين على نظافة الثياب المرقَّعة أيضًا). فقد ورد في القرآن الكريم: وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ فلا بدَّ من طهارتها ونظافتها”. (الملفوظات، المجلد الثاني، الطبعة الجديدة، ص 502) هذا ما قاله سيدنا المسيح الموعود ردًّا على التساؤل.

اي طهِّروا ثيابكم وأجسامكم وبيوتكم وأزقَّتكم، بل وكل مكان حيث تتردَّدون بكثرة. واحفظوها من النجاسة والوسخ والقذارة. أي أكثِروا من الاغتسال واتَّخِذوا من نظافة البيوت عادةً لكم

وفي النهاية أُقدِّم لكم هذا القول للمسيح الموعود كنصيحةٍ لكم.

وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ * وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ

(هذه يجب أن تكون ميّزة الأحمديين). اي طهِّروا ثيابكم وأجسامكم وبيوتكم وأزقَّتكم، بل وكل مكان حيث تتردَّدون بكثرة. واحفظوها من النجاسة والوسخ والقذارة. أي أكثِروا من الاغتسال واتَّخِذوا من نظافة البيوت عادةً لكم”. (فلسفة تعاليم الإسلام) فبعد إسداء هذه النصيحة أُنهي الخُطبة، وفي النهاية أُذكِّركم مرة أخرى أنّه لابدَّ من الصلاة على النبيّ من أجل الحصول على الطهارة والنظافة. وكلّما تُصلُّون عليه تنتبهون إلى طهارة فَمِكم وأجسامكم أيضًا، لأنّ أفواه بعض الناس تفوحُ برائحة كريهة بحيث قال عنهم سيدنا المسيح الموعود بأنكم لا تستطيعون أن تُصلُّوا على النبيّ مع الرائِحة الكريهة، لأنّ الملائكة أيضًا تفرُّ منها. المقصود هو أن يفوح الفم بالرائحة الطيّبة الزكيّة. إذا كان الفم طاهرًا لتلذذتم من الصلاة على رسول الله . وعندما تُصلُّون عليه ينبغي أن تُصلُّوا -آخذين شهر مُحرَّم بعين الاعتبار على وجهِ الخصوص- على النبيّ وآلِه الذين جُعِلوا عُرضةَ الاضطهادات لانتمائهم لرسول الله ، وتحمَّلوا مصائب كثيرة ولكنهم لم يحيدوا عن موقفهم شيئًا.

فيتحتَّم عليكم أن تتعلَّموا هذا الدرس من شهر مُحرَّم. سوف تُفرش الأشواك في سبيلكم. إنّ سبيلكم مفروشٌ بالمصائب والمصاعب. تذكَّروا في دعائكم إخوانَكم المظلومين الذين جُعِلوا عُرضةً لأنواع المظالم والاضطهادات، واشكروا الله على أنّكم تتشبَّهون بالمظلومين وليس بالظالمين. فادعوا الله تعالى أن يُنهي فترة الظُلم هذه بسرعة، ويُنجيّنا من براثن الظالمين، وهذا الأمر سوف يصبح أقرب إلى الحدوث نتيجة الصلاة على رسول الله وعلى آلِه .

والآن أُنهي الخطبة، وبما أنني عازمٌ على السفر اليوم لذا أرجو ألا يشُقَّ إنهاء الخطبة قبل الموعد ببضع دقائق. كنت قد قلت من قبل أيضًا: إنني لن أحاول إطالة الخطبة تكلُّفًا بل سوف أخطب بقدر ما كان بسهولةٍ ويُسْرٍ.

Share via
تابعونا على الفايس بوك