أهمية الصلاة على النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم
التاريخ: 1999-03-05

أهمية الصلاة على النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة التي ألقاها حضرة ميرزا طاهر أحمد أيده الله،

 الخليفة الرابع لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ،

 بتاريخ 16 ذي القعدة الموافق 5 آذار/مارس 1998م

في مسجد فضل بلندن.

نقلها إلى العربية: عبد المجيد عامر[1]

«تنشر أسرة التقوى ترجمة هذه الخطبة على مسؤوليتها»

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ (آمين).

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (الأحزاب: 57)

يقول سيدنا الإمام المهدي في شرح هذه الآية: «لقد خَلا في الدُنيا الملايين والملايين مِنْ ذَوي الفِطرة الطاهرة وسيكونون في المستقبل أيضًا، ولكننا وجدنا هذا البطل الذي اسمه محمد ، أَفضَلَ وَأَعلَى مِنَ الجميع،

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ».

سوف أشرح لكم اليوم بإذن الله تعالى بعض الأمور المتعلِّقة بالصلاة على النبي من خلال أحاديث المصطفى وأقوالِ سيدنا الإمام المهدي . ولكن قبل ذلك أُريد أن أوضِّحَ أمرًا يتعلَّق بإحدى الخُطب السابقة.

كنتُ قد قرأت حديثًا يقول النبي فيه: «أُحِلَّتْ لي الغَنَائِمُ». وكان يبدو من سياق الكلام أنّها ما أُحِلَّتْ لنبيٍّ قبله . وكنت أواجهُ مشكلةٍ في هذا الصدد بحيث أنّ الحديث صحيح تمامًا لكونه واردًا في البخاري وأيضًا في كتب الحديث الأخرى بنفس الكلمات تمامًا. لذا كنتُ قد وجَّهتُ دعوةً عامة للإخوة جميعًا أن يُفكِّروا فيه ويخبروني بالمعنى الذي لم نُدركه بعد. والحديث صحيحٌ تمامًا، ولكن يثبت من القرآن الكريم أيضًا على وجه القطعية أن الغنائم قد أُحلّتْ حتمًا لحضرة داود وسليمان عليهما السلام، فلا يمكن أن يكون هناك حديث يعارض شهادة القرآن القاطعة. فلابد أن هناك نقطة لم نفهمها بعد.

لقد كتب إليّ علماء الجماعة وقدموا تأويلات مختلفة، ولكن التأويل الأحسن والأفضل الذي أُعجبتُ به أكثر من غيره واطمأن إليه القلب هو ما أرسله أخونا عبد الرشيد القرشي من النرويج، وهو ينسجم تماما مع مضمون بقية كلمات الحديث. إن مضمون الحديث كله وروحه هو أن العالم كله يستفيد من بركة النبي الأكرم ، كما تستفيد منها الأمة المحمدية في العالم بأسره. إذ يمكن أن يُشيّد المسجد في أي مكان، كما يمكن القيام بالصلاة في أي مكان.

هذا يعني أن الحديث هنا يدور حول صفته نبيًا عالميًا. لذا فلا بد أن الكلام عن الغنائم على المستوى العالمي. الحقيقة أنه لم يكن هناك نبيّ من الأنبياء -قبل رسول الله – وُعد بالغنائم من العالم كله، وما كانت قد أُحلت بهذا الشكل لأي واحد منهم. ومن المعلوم أن سيدنا داود كان قد بُعث إلى قوم معين، كما كان حضرة سليمان أيضًا قد بُعث إلى قوم معين. فكان مسموحًا لهما من عند الله تعالى أن يستفيدا من الغنائم التي كانت تتيسر لهم نتيجة للجهاد في تلك المناطق المعينة، ولم تكن هناك أية إمكانية لحصولهما على الغنائم حيثما شاءا من العالم خارج مناطقهما المعينة.

فالنبي الكريم كان فريدا من هذه الناحية وسيبقى منفردا للأبد. وهذا الأمر البسيط -أو العقدة البسيطة كما يقال- لم يفهمها إلا السيد عبد الرشيد القرشي من النرويج، فقال: إن الكلام بهذا المعنى ينسجم مع مضمون الحديث له. وواقع الأمر أنه كلما سمح للمسلمين بالجهاد في أي منطقة من العالم بعد النبي -وفق شروط الجهاد طبعا- كانت الغنائم حيثما كانت على وجه الأرض قد أحلّت له بحسب هذا الحديث النبوي . ندعو الله تعالى أن يجزي السيد عبد الرشيد القرشي خيرا لمساعدته لنا في حل مسألة هامة. والآن أبدأ بموضوع الصلاة على النبي ، وبعد مقتبس لسيدنا الإمام المهدي قرأته لكم، أقدم إليكم الآن بعض الأحاديث الهامة والمتعلقة بالموضوع.

هناك أحاديث كثيرة في هذا الموضوع ولكن منها ما قد صعب فهمه على القارئ العادي، ومن الممكن أيضا أن تجد الأفكار الخاطئة طريقها إلى الأذهان وكذلك أحتاج أنا أيضا إلى متسع من الوقت لشرحها وبالتالي سوف أواجه مشكلة من هذه الناحية، لذا فالأحاديث التي تتطلب شرحا أكبر وضعتها جانبا. لأنها واردة في كتب موثوق بها ومروية عن رواة ثقاة، فلا مجال لنا للكلام في صحتها غير أن مضامينها أدق وشرحها يقتضي وقتا أطول لذا وضعتها جانبا.

والآن أقدم إليكم بعض الأحاديث البسيطة نسبيا التي يمكن أن يفهمها القارئ العادي بسهولة. هناك حديث مأخوذ من سنن الترمذي جاء فيه:

“عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ” (سنن الترمذي، كتاب الدعوات عن رسول الله)

لأن الذي يصلي على النبي مرة واحدة يصلي الله تعالى عليه عشر مرات. إن كون مثل هذا الشخص بخيلا صحيح تماما لأن عدم ثنائه على شخص قد أحسن إليه بما لا يعد ولا يحصى يدل على بخله ودناءة قلبه القصوى. ليس من المعقول أبدا ألا يدعو الإنسان النبيل لمن أحسن إليه عندما يذكر محسنه هذا أمامه.

نرى أنَّ المتسولين والشَّحاذين العاديين عندما يحصلون على صدقة من أحدٍ يدعون للمعطي، فلو لم تدعو لأكبر المحسنين الذي سوف تستمر سلسلة مِنَنِه غير المتناهية إلى يوم القيامة لكان ذلك بُخلاً من الدرجة القصوى.

والجانب الثاني الذي بيَّنه النبيُّ للموضوع هو أنّه ماذا عسى أن تبخلوا أنتم في حقِّي؟ لن يلحقَ بي شيءٌ من الضرر. إنَّكم سوف تبخلون على أنفسكم لأنّ الله تعالى قد وعد أنّه: من صَلَّى على محمد رسول الله مرةً واحدة صَلّيتُ عليه عشرَ مرات. فهذا الحديث يحتوي على نقطةٍ عميقة، وهي أنّ رسول الله -بعد وفاته- لا يقدر على أن يُمتِّعَ بفيضه بصورةٍ مباشرة. أما الفيض الموجود في تعليمه وسننه فهذا موضوعٌ آخر، فهذا الفيض ما زال ولن يزال يصِلُ إلى كلِّ إنسان بصورةٍ مباشرة. ولكن النبيّ لا يستطيع أن يُمتِّعَ بفيضه بصورةٍ مباشرة كلَّ شخصٍ -حيثما كان في العالَم- يُصلِّي عليه ، إلا أنّ الله تعالى يحفظكم ويرعاكم وهو الرقيب عليكم ووكيلكم. وأمر جزاءِ كلِّ شخصٍ كهذا نيابةً عن سيدنا محمد رسول الله في يدِ الله تعالى. ولا بدَّ ان يجزيه الله Y هذا الجزاء.

تغمر الإنسان في الأحيان حالةٌ يذكُر فيها حوائِجه بصورةٍ متكرِّرة ولا يطمئنُّ قلبه ما لم يذكرها هكذا. لا بأس في ذلك أيضًا، ولكن يجب أن تتذكَّروا الثناءَ على الله والصلاةَ على النبيّ أولاً، ثم ادعُوا كما تشاؤون. وفي بعض الأحيان الأخرى يخوض الإنسان في مضمون «آلِهِ» لدرجة يدعو من خلاله لنفسه بكل شيء بحيث لا يكون بعده بحاجةٍ إلى السؤال بصورة منفصلة.

والذي يجزي -إذا كان سخيًّا أيضًا- يجزي دائمًا أكثر من حسنةٍ مُكتسَبةٍ. فمن هذا المنطلقِ المرادُ مِنَ الصلاة عشرَ مرات، هو عشر مراتٍ على الأقل. وليس المقصود منه أنّه لا يمكن أن تكون أكثر من عشر مرات. هذا شرطٌ نعلم عنه من سُنّة الله تعالى أنّه كلّما يكسب الإنسان حسنةً يجزيه الله عشر مراتٍ حتمًا. فالبخيلُ أحمقٌ من الدرجة القصوى بمعنى أنّه كان يستطيع أن يكسب الجزاء عشر مرات نتيجة صلاته على النبيّ مرةً واحدة، ولكنه لم ينتهز الفرصة بل بخِلَ فكان البخل على نفسه. فهذا موضوع صلاة الله تعالى الذي بيَّنه رسول الله .

والسؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: كيف يُصلّي الله تعالى؟ فعندما نُصلّي نحن على النبيّ ، نتضرَّعُ في حضرة الله قائلين: اللهُمَّ صلِّ وبارِك على محمدٍ وأمّته وآلِهِ. المراد من صلاة الله على النبيّ هو أن يَهَبَ السلام والبركاتِ للنبيِّ الأكرم . وكيف يُصلّي الله على العِباد الآخرين العاديين؟ هل يتوسَّل هو أن يُعطي شخصًا ما شيئًا معيَّنًا؟ من المعلوم أنّ الله تعالى لا يحتاج إلى الدعاء والتوسّل من أحدٍ. إنّما المراد أنّه كما يَهَبُ البركاتِ للنبي كذلك يهبها لعِبادِه الآخرين أيضًا. وهذه البركات تتسبَّبُ في الجزاء غير المتناهي لهم ولأولادهم في الدنيا والعُقبَى وبذلك تبدأ سلسلة الجزاء غير المتناهية. فليس المراد من الصلاة على أحدٍ أن الله أيضًا يُصلّي كما نُصلّي نحن. إننا نبتهل إلى الله تعالى أنْ أَنزِلِ البركاتِ. فإلى من يبتهل الله حين صلاته على النبيّ ؟ إنَّ الله لا يبتهل إلى أحدٍ بل هو بنفسه يُنزِل البركات. فالمراد من صلاته على العِباد هو إنزاله البركات عليهم. والحديث الآخر عن الصلاة على النبي مأخوذٌ من سُنن النسائي، جاء فيه:

«عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي مِنْ أُمَّتِي السَّلَام». (سُنن النسائي، كتاب السهو)

يبدو في بادئ الأمر أنَّ النبي يرسم هنا مشهدًا ظاهريًّا. ولكن ما هي كيفيّة ملائكة الله وما هي نوعيّة كيانهم الروحي؟ الله وحده أعلمُ بذلك، نحن لا نعلم شيئًا. غيرَ أنّ الأمرَ الثابت بصورةٍ قاطعة هو انّ للملائكة وجودًا ولهم علاقة مع الأرض كلّها. وهناك ملائكةٌ موظَّفون لرعاية بقاء كلّ إنسان بل كلّ ذي نَفسٍ متنفس. لذا فليس المراد من كونهم سيَّاحين أنّ ملكًا أو بضعًا من الملائكة ينطلقون من بقعة معيّنة من الأرض ويصلون إلى منطقةٍ أخرى ثم يعودون من حيث انطلقوا وهكذا دواليك. بل هذا الشرح إنّما هو كَرَسْمٍ ظاهريّ للموضوع حتى يفهم الناسُ المراد منه.

والمراد هو أنّ ملائكة الله منتشرون في كافة أرجاء الأرض، فلا يظُننَّ أحدٌ أنني كنت قد سَلَّمتُ وصَلَّيتُ على رسول الله مختفيًا في قطعةٍ من الليل أو في زاويةٍ نائيةٍ من الأرض أو في الصحراء فلم يسمعه أحد. فهناك تأكيدٌ على أنَّ صلاتكم على النبيّ تبلغه لا محالة، الأمر الذي يمنح الطمأنينة لكلِّ من يُصلِّي. فلو سلَّمتم على أحدٍ وسمعه الشخص المعنيُّ لفرحتم كثيرًا، ولو لم يسمعه لانتابكم الشعور بأننا ألقينا السلام ولكن لم يسمعه أحد. فالحديث الذي نحن بصدده يتسبَّبُ في إنزال رحمةٍ خاصة من الله على كلّ مؤمنٍ يُصلّي على النبي .

لا يمكن أن يكون هناك جزاءٌ لسلامه أكبر من أن يسمعه الذي أُلقيَ عليه السلام. والكلام عن سماع السلام ليس ادِّعاءً فارغًا فحسب، وإنَّما تثبت مصداقيته عندما يُبلَّغ السلام في الحقيقة. فالله قد أجرى نظامًا بحيث تُبلَّغ إلى رسول الله صلوات المصلّين عليه من جميع أنحاء المعمورة.

ثم هناك حديثٌ آخر مأخوذٌ من مُسند أحمد بن حنبل جاء فيه:

«عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاتَّبَعْتُهُ حَتَّى دَخَلَ نَخْلًا. فَسَجَدَ فَأَطَالَ السُّجُودَ، حَتَّى خِفْتُ -أَوْ خَشِيتُ- أَنْ يَكُونَ اللَّهُ قَدْ تَوَفَّاهُ -أَوْ قَبَضَهُ- قَالَ: فَجِئْتُ أَنْظُرُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ: مَا لَكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. فَقَالَ: “إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لِي: أَلا أُبَشِّرُكَ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ: مَنْ صَلَّى عَلَيْكَ صَلَّيْتُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ». (مُسند أحمد بن حنبل، مُسند العشرة المبشرين بالجنة)

كان من سُنّة النبيّ أنّه كان في كثير من الأحيان يخرج دون أن يُخبر أحدًا. وبعض الصحابة كانوا يترقَّبون خروجه لانتهازِ مثل هذه الفرصة حتى يتَّبعوه. وكانوا يمشون خلف النبي على بُعدٍ بعض الشيء بمقتضى الأدب والاحترام -حتى لا يُخِلُّوا بِخَلْوَتِهِ – ما لم يأمر النبي أحدًا بالمشايعة.

وكان سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، أيضًا يتَّبع السُنّة نفسها، إذ كان في بعض الاحيان يخرج وحده. وبعض الصحابة الذين كانوا يعرفون ذلك عَرَضًا كانوا يركضون وراءه آخذينَ مقتضيات الحذر والحيطة بالاعتبار أو بنيَّة التيَمُّن.

يبدو أنّها لم تكن صلاةَ فريضةٍ بل كان رسول الله ساجدًا سجدة الشكر فحسب، فحين سمع وقعَ الأقدام رفعَ رأسه فقال: ما لكَ يا عبد الرحمن؟ وشَكَرَ اللهَ تعالى على تلقِّي البِشارة منه . والحديث يحمل رسالةً بيِّنَةً للذين يرتكبون الشِرك -بالنسبة إلى شخص رسول الله أيضا- بأنّه كان يودُّ أنْ يجزيَ جميع أولئك الذين يُصلُّون عليه، ولكنه لم يكن قادرًا على أن يفعل ذلك بنفسه، لذا لم يطمئنَّ قلبه ما لم يَعِدْهُ اللهُ تعالى بذلك، وعندما وعده الله بذلك سجدَ له Y شكرًا أنّه لا داعي للقلق الآن، لانّ ربّي سوف يُصلّي دائمًا على الذين سَيُصلُّون عليّ.

وهناك حديثٌ آخر مأخوذٌ من سُنن الترمذي، ورد فيه:

« عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مَعَهُ. فَلَمَّا جَلَسْتُ بَدَأْتُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ، ثُمَّ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ دَعَوْتُ لِنَفْسِي. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ». (سنن الترمذي، كتاب الجمعة، باب ما ذُكر في الثناء على الله والصلاة على النبي قبل الدُعاء)

ربما المراد من الجلوس عند الثناء هنا هو جلوسُ القعدةِ الأخيرة كان يدعو بحيث كان بعض الناس حوله يسمعونه. من هنا ذهبَ وَهْلِي إلى أنّ الراوي كان يدعو بذلك في حالة القعود، أثناء الصلاة كان أو بعدها.

يثبت من هذا الحديث بصورةٍ قاطعة -إذا كان هذا الدعاء أثناء الصلاة- أنّه يجوز للإنسان أن يدعوَ لنفسه أثناء الصلاة أيضًا وبكلماته هوَ. ولكن يجب أن يتمَّ ذلك بعد الثناء على الله والصلاة على النبي . وأدعيةُ القعدة -كما هو معروف- تبدأ من الصلاة على النبيّ كالآتي: التَّحياتُ لله والصلواتُ والطيِّبات، السلامُ عليكَ أيُّها النبيُّ ورحمةُ الله وبركاته. فيتبيَّن بوضوحٍ تامٍّ أنّه إذا قام الإنسان بمثل هذا الدعاء في حالةِ القعدة الأخيرة لكان ذلك جائزًا ومسموحًا. وليس من المستبعد أن يكون الراوي قد ذكر الدعاء المذكور في «التَّحياتُ لله ….. الخ». ثم يجوز للإنسان أن يدعوَ لنفسه بعد ذلك. وهكذا حُلَّتِ المسألة أنّه يجوز للإنسان أن يدعوَ لنفسه أثناء الصلاة وبكلماته هوَ.

ثانيًا: إذا أراد الإنسان أن يدعو بعد الصلاة لا بدَّ أن يسبقه الثناءُ على الله فالصلاةُ على النبيّ ، ومن ثمَّ يدعو لنفسه ما يشاء.

فقول رسول الله : « سَلْ تُعْطَهْ، سَلْ تُعْطَهْ» يضمُّ بشارةً عظيمة. ففي ذلك حِكمةٌ بالغة وبشارةٌ من الله تعالى لكلِّ من يدعو أنّه إن كنتم تريدون أن تُستجابَ أدعيتكم فهذا هو السبيل إلى استجابتها.

يبدو من بعض الأحاديث أنّه لو اكتفى الإنسان بالسلام والصلاة على النبيّ لشمل ذلك أدعيته الشخصيّة أيضًا. وكان سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أيضًا يستنبط ذلك، وأقواله التي سوف أُقدِّمها أمامكم أيضًا سوف تتطرَّقُ إلى هذا الأمر. على أية حال يجب أن تتذكروا الترتيب التالي عند الدعاء: الثناء على الله أولاً، ثم الصلاة على النبيّ ، ثم يمكن للإنسان أن يدعو لنفسه. عندما تقرؤون كلمة «آلِهِ» أثناء الصلاة على النبيّ فيمكنكم أن تندرجوا أنتم أيضًا في آلِ الرسول ، لأنّ كونكم آلَ النبي الحقيقيين يتوقف عليكم أنتم. لو أصبحتم من آلِهِ الحقيقيين لاشتركتم أنتم أيضًا في بركاتٍ يُنزِلها الله تعالى على آلِ محمد . ثم لن تبقى حاجتكم خارج نطاق البركات الموعود بها.

فهناك أساليبٌ مختلفة للسؤال أيضًا. تغمر الإنسان في الأحيان حالةٌ يذكُر فيها حوائِجه بصورةٍ متكرِّرة ولا يطمئنُّ قلبه ما لم يذكرها هكذا. لا بأس في ذلك أيضًا، ولكن يجب أن تتذكَّروا الثناءَ على الله والصلاةَ على النبيّ أولاً، ثم ادعُوا كما تشاؤون. وفي بعض الأحيان الأخرى يخوض الإنسان في مضمون «آلِهِ» لدرجة يدعو من خلاله لنفسه بكل شيء بحيث لا يكون بعده بحاجةٍ إلى السؤال بصورة منفصلة.

هناك حديث ورد في صحيح مسلم وكذلك في البخاري بالكلمات نفسها:

«حَدَّثَنَا كَعْبُ بْنُ عُجْرَةَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا كَيْفَ نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: قُولُوا: اللهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ». (مسلم، كتاب الصلاة، باب الصلاة على النبي )

يقول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود : «لو كان الإنسان على معرفةٍ بأحداث واجَهَها رسول الله ، وكان مُطَّلِعًا على ما كانت عليه حالةُ العالَم آنذاك، وما أحدثَ رسولُ الله من تغييرات، لنادى عفويًّا، اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ، في حالةِ الوَجْدِ».

يجب أن تتذكَّروا هنا أنّ الصلاة على النبي تقتضي وَجْدًا. ينبغي أن تُتاح لكم قبل الصلاة على النبي حالةٌ معينةٌ، حالةُ العِشقِ والمحبّة، فينبغي أن تُصلُّوا عليه وأنتم في هذه الحالة. وقد عَلَّمنا سيدنا الإمام المهدي هذه النقطة أنّه يجب ان تُفكِّروا في حالة الدنيا قبل بعثة محمد رسول الله : كانت فارغةً من التوحيد، غارقةً في الفسق والفُجور، كان البَرُّ والبحر تجرَّدا من ذكر الله تعالى. هذا ما كانت الأحوال قد آلتْ إليه حينَذاك. فملأ رسول الله البَرَّ والبحر بذكر الله، ودوَّتِ الأجواءُ بذكر الله . فلو تأمَّلتم في هذا الأمر وكيف رفع ذكر الله ، لغمرتِ القلبَ حالةُ الوَجْدِ بصورةٍ عفويّة، ولَقُلتم تلقائيًّا في هذه الحالة كما قال سيدنا المسيح الموعود : «يُنادي الإنسان عفويًّا، اللَّهُمَّ صَلِّ على محمدٍ، في حالةِ الوَجْدِ».

ثم يقول حضرته : «إنّني أقول صدقًا وحقًّا: إنَّ هذا الأمر ليس مِنْ قَبيلِ الخيالِ والافتراض. فالقرآن الكريم وتاريخُ العالَم يشهَدانِ شهادةً قطعيَّة على ما قامَ به النبيُّ ، وإلا ما هو السبب الذي من أجله قيلَ عنه على وجه الخصوص:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ،

ولم يَصدُر هذا النِّداء في حقِّ أيِّ نبيٍّ آخر».

(جريدة الحَكَم، مجلد 5، عدد 2، بتاريخ 17 يناير، عام 1901، ص3)

إنَّ الجملة: «لم يَصدُر هذا النِّداء في حقِّ أيِّ نبيٍّ آخر» جملة قصيرة، ولكن ما المراد منها؟ المراد هو: أنّه لم تُعَلَّمْ أُمةُ نبيٍّ من الأنبياء السابقين أنْ يُصلُّوا ويُسلِّموا على نبيِّهم. هذه ميزةٌ انفرد بها رسول الله . لم يأمر الله تعالى أمّةَ نبيٍّ من الأنبياء الذين يوجد ذِكرُهم في العالَم أنْ يُصلُّوا ويُسلِّموا على نبيِّهم. ولشدَّ ما كان استغرابي عندما قرأتُ ذلك. ثم في حالةِ الاستغراب هذه طالعتُ من التوراة والإنجيل أجزاءً معينة على أملِ ان أعثُر على ذكر هذا النوع من الصلاة، واستعلمتُ أيضًا من القساوِسة المشهورين بمعرفتِهم الدقيقة بالتوراة، وقلتُ لهم إنّني أعرف، بل فضلاً عن ذلك يعرف العالَم كله، وقد أثارَ الإمام المهديّ هذه المسالة أكثرَ من مرة أنّ المسيح الأول (المسيح الناصريّ ) ما صلَّى إطلاقًا على سيدنا موسى ولا على الأنبياء الذين سبقوه، إذ لا توجد في العهد الجديد ولا إشارة خفيفة إلى أنّ سيدنا عيسى يكون قد صلَّى على نبيٍّ خلا قبله. كان من المتوقع منه أن يُصلِّي خاصةً على سيدنا موسى حيث كان (المسيحُ ) تلميذًا له وخادمًا لشريعته، ولكن لا نجد أي ذكرٍ في هذا الشأن أيضًا. فقلت للقسِّيس: كلما درستُ الكتاب المقدس لم أجد أيَّ ذكرٍ -على ما أتذكَّر- يقول موسى قد صلَّى على إبراهيم   على سبيل المثال أو غيره من الأنبياء الذين سبقوه. كذلك لم أجد أي ذكر عن إبراهيم عليه السلام أنه يكون قد صلى على نوح أو آدم عليهما السلام. فيتبين من هنا أن هذه ميزة ينفرد بها النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره من الأنبياء، لذلك قال سيدنا الإمام المهدي عليه السلام: “لم يصدر هذا النداء في حق أي نبي آخر”.

إنه لكلام جميل ومثال رائع من الفصاحة والبلاغة إذ يقول حضرته عليه السلام ما معناه: لن تسمعوا هذا الصوت ـ أعني

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ،

إلا في حق سيدنا ومولانا محمد صلى الله عليه وسلم. عندما بحثت أكثر وجدت أن عيسى عليه السلام ما صلى على موسى عليه السلام ولا على الأنبياء السابقين كما لم يصلِّ موسى عليه السلام على إبراهيم عليه السلام ولا على آله. كذلك لا تثبت صلاته على الأنبياء الآخرين أيضًا. والأهم في الأمر أن الصلاة التي صلى الله بها على إبراهيم عليه السلام لا يوجد ذكرها أيضًا إلا ما ذكر عنها رسول الله عليه السلام. فقد أحيا النبي صلى الله عليه وسلم هذا الذكر أيضًا ولو لم يفرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل مسلم في كل صلاة أن يحيي اسم إبراهيم عليه السلام أيضًا عند صلاته عليه صلى الله عليه وسلم لأنه أيضاً كان مباركًا جدًا وكان الله تعالى قد وهب له بركات كثيرة (لما كان هناك أية صلاة على إبراهيم)

فالنبي صلى الله عليه وسلم قد أحسن إلى السابقين أيضًا كما أحسن إلى الآخرين. وإحسانه على إبراهيم عليه السلام على وجه الخصوص هو أن ذكره صلى الله عليه وسلم تسبب في إحياء ذكر إبراهيم عليه السلام، فالآن يوجد ذكر الصلاة عليه على لسان المسلمين في كافة أرجاء العالم. لا شك أن اليهود والمسيحيين أيضًا يؤمنون به ولكن ذكر الصلاة على إبراهيم عليه السلام لا يوجد إلا على لسان المسلمين. وهذه منة عظيمة لسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يوجد لها نظير في العالم.

كان سيدنا الإمام المهدي عليه السلام يعشق الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرجة أنه أدخلها في شروط البيعة. فالشرط الثالث للبيعة يحتوي على كلمات: “أنه (أي المبايع) يواظب على الصلوات الخمس بالالتزام، تبعًا لأوامر الله تعالى وتعاليم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، ويداوم جهد المستطاع على أداء صلاة التهجد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى طلب العفو من ربه على ذنوبه والاستغفار، ويذكر كل يوم نعمه ومننه سبحانه وتعالى بخلوص قلبه، ثم يشكره عليها، ويتخذ حمده والثناء عليه وِردًا له” (إعلان “تكميل التبليغ” المنشور في 12 يناير/ كانون الثاني سنة 1889 م): أي إن هذا الأمر سوف يصبح شغله الشاغل ليل نهار وسوف يداوم عليه. ثم يقول سيدنا الإمام المهدي عليه السلام: “نشكر الله شكرًا كثيرًا على أن النبي المعصوم قد جاء وأنقذنا من عبدة الأوثان. هذا هو السر أن هذه المرتبة حصُلت لسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده جزاء على تلك الإحسانات إذ قال الله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا

(جريدة الحكم، مجلد 5، عدد 2، بتاريخ 17 يناير/كانون الثاني 1901، ص 2)

كذلك نشر الإمام المهدي عليه السلام كتيبًا حيث قال: “هناك ثلاثة طرق فقط لاستجابة الدعوات: الأول: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي “.

أي إذا كان الادعاء لحب الله صادقًا فلا بد من اتباع محمد رسول الله، وإلا كلما خرجتم من الاتباع لثبت كذب صدق دعوى حبكم. فالشرط الأهم لاستجابة الدعوات هو أن اتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى تتحقق مصداقية دعواكم بأنكم فعلاً تحبون الله. وإذا كنتم تحبون الله عز وجل فلسوف يستجيب دعواتكم. إنها (أي استجابة الدعوات) نتيجة طبيعية لذلك.

“وثانياً: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا “.

أي لا تتبعوه صلى الله عليه وسلم فقط، بل أنكم تحظون بوصال الله تعالى بسبب رسول الله صلى الله عليه وسلم لذا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا . يجب أن تظهروا شكركم بالصلاة عليه، ليس بشعور المنة عليه بل بعاطفة كونكم مدينين له صلى الله عليه وسلم.

“وثالثًا: الهبة الإلهية”. (نقلاً عن كتيب بعنوان “خطاب الإمام المهدي عليه السلام ورسالة حول مسألة وحدة الوجود”، للسيد عرفاني).

لو ظل خوف الله وهيبته مستولين على قلب العبد لاستجيبت دعواته.

يوجد ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في إلهامات سيدنا الإمام المهدي عليه السلام أيضًا بكثرة، كما يوجد في مواضع متعددة من كتاباته أيضًا ذكر بركات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم التي نزلت عليه . فقد جاء في كتابه “إعجاز المسيح”: “فصلوا على هذا النبي المحسن الذي هو مظهر صفات الرحمن المنان. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان”.

وهذا القول موحى به إلى حضرته عليه السلام. ففي هذا الوحي قد شرح الأمر وقال: هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟ فيتوجب علينا أن نصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم نتيجة لمننه علينا. يقول حضرته عليه السلام:

“.. وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان. والقلب الذي لا يدري إحسانه فلا إيمان له أو يضيع إيمانه”. أغلب ظني أن هذا الجزء من العبارة ليس وحيًا. والأقوال التي سبقتها مبنية على وحي ظل ينزل على حضرته عليه السلام بمناسبات مختلفة عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. لذا من الممكن جدًا ألا تكون العبارة التي قرأتها الآن مشيرة بصورة حرفية إلى إلهام معين بل تكون مبنية على إلهامات مختلفة لكونها محتوية على أمور أكد الله عليها للإمام المهدي عليه السلام. وكذلك يبدو من العبارة التي تليها أنها من كلام المسيح الموعود عليه السلام وليست وحيًا حرفيًا من الله تعالى.

يقول حضرته عليه السلام: “..والقلب الذي لا يدري إحسانه فلا إيمان له أو يضيع إيمانه”. أفهم من هذه الجملة أن العبارة التي سبقتها ليست وحيًا حرفيًا بل تحتوي على مضمون الوحي الذي ذكره سيدنا الإمام المهدي عليه السلام بكلماته هو. يقول حضرته عليه السلام:

“اللهم صل على هذا الرسول النبي الأمي الذي سقى الآخرين كما سقى الأولين وصبغهم بصبغ نفسه وأدخلهم في المطهرين”. (إعجاز المسيح، الخزائن الروحانية، مجلد 18، ص 5-6)

إن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم أشرب أصحابه الموجودين في زمنه أيضًا شراب وصل الله تعالى، هذا هو المراد من قوله “سقى”. ثم يقول حضرته: “وصبغهم بصبغ نفسه” أي جعلهم مثله. كيف يمكن أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قد سقى أحدًا بشراب وصل الله عز وجل حتى أشبعه تمامًا بهذا الشراب ثم لا يتصبغ الشارب بصبغته صلى الله عليه وسلم؟ إذًا فهذه هي النتيجة المنطقية التي يستنتجها سيدنا المسيح الموعود عليه السلام ويقول: “وصبغهم بصبغ نفسه وأدخلهم في المطهرين”.

والسؤال الآن هو: كم مرة وفي أي وقت وبأي نوع من الالتزام يجب أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم؟ ففي هذا الصدد هناك بعض النصائح البسيطة لسيدنا الإمام المهدي عليه السلام التي لا تحتاج إلى أي شرح. فقد ورد في “المكتوبات الجزء الأول ص 18: “لا حاجة للتقيد بأي عدد معين”.

من المعلوم أن هناك ظروفًا تختلف من شخص لآخر. ففي بعض الأحيان يكون الإنسان مأخوذًا في الهم والغم ويكون مشغولاً في أموره الدنيوية لدرجة يستحيل عليه الانتباه إلى عدد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. لذا فليس هناك عدد معين يجب على الجميع أن يتقيدوا به. فقال حضرته:

“لاحاجة للتقيد بأي عدد معين، ويجب أن تتم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالإخلاص والمحبة وحضور القلب والتضرع”.

أي كلما تذكرتموها -ويشعر الإنسان بضرورتها أكثر في حالة الغم- صلوا عليه صلى الله عليه وسلم بالتضرع وحضور القلب. ثم يضيف حضرته ويقول: “واستمروا في ترديدها حتى تغمركم الرقة والوجد وحالة من الانفعال”.

عندما تبدؤون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فليس من الضروري أن تنشأ الرقة في القلب على الفور، لذلك يقول المسيح الموعود عليه السلام ما معناه: عندما تبدؤون بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فاستمروا في ترديدها حتى يترسخ مضمونها في القلب، ثم تنشأ الرقة وحالة من الألم، عندها تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم صادقة. يقول حضرته عليه السلام: “.. حتى يوجد الانشراح واللذة في الصدر”.

فالصلاة نفسها تصبح جزاء الإنسان، إذ ينشرح الصدر وينجو الإنسان من الهم والغم ويشعر بالمتعة في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك قال حضرته عليه السلام: “يجب أن ترددوا بكثرة حتى يمتلئ القلب بكيفية الصلاة وينشأ الانشراح واللذة والحياة القلبية”. (المكتوبات، الجزء الأول،  ص 26)

هذا نفس الموضوع الذي شرحته آنفًا غير أنه مشروح هنا بكلمات مختلفة. والآن أقدم إليكم بعض الإلهامات لسيدنا المسيح الموعود عليه السلام التي ورد فيها موضوع الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في كلمات الله تعالى. منها ما ورد في البراهين الأحمدية، الخزائن الروحانية، مجلد 1، ص 267. هذا كتاب ألفه حضرته عليه السلام في الفترة البدائية، بل قبل دعواه بفترة طويلة. ففي الجزء الأول من هذا الكتاب ورد ذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة. فقد ورد فيه الوحي: “وامر بالمعروف وانه عن المنكر وصل على محمد وآل محمد. الصلاة هو المربي”.

فقد علم المسيح الموعود عليه وسلم الصلاة على محمد وعلى آله منذ البداية إذ أوحي إليه: “الصلاة هو المربي”.

لاحظوا هنا أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام قد علم نقطة دقيقة وهي: إذا كنت قد كلفت بمهمة تربية الناس وأمرت بالمعروف والنهي عن المنكر فنعلمك السبيل إليه أيضًا، والسبيل هو أن وجّه أنظار الناس إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلو تعلمت جماعتك -التي سوف تشكلها أنت- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لكان السبيل الأمثل للتربية.

فمن هذه الناحية علينا أن نبرز أهمية الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم لدرجة أنه يجب أن تنتشر الصلاة على رسول الله بالكثرة التي تنتشر بها الجماعة في العالم. وببركة هذه الصلاة سوف تنال الجماعة البركة، وأفضل هذه البركات هي بركة تربيتهم. ثم تصلح صلواتهم ببركة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، وستجلو عباداتهم. إنهم سوف يحظون بالعلاقة الشخصية بالله سبحانه وتعالى، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم سوف تكون وسيلة لذلك. فتدبروا في هذه الأمور. هناك حاجة ملحة للتوكيد الكبير على نشر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حيثما تنتشر دعوة الأحمدية بفضل الله.

يبين سيدنا الإمام المهدي عليه السلام تجربته الشخصية لبركات الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالكلمات التالية:

“حدث ذات مرة أنني ظللت مستغرقًا في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمن”. أي إلى زمن طويل لم يُذكر مدى امتدادها من السنوات، غير أن روحه ظلت غارقة في الصلاة على رسول الله، وجُلُ اهتمامه ظل منصرفًا إلى الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كل حين وآن، ليل نهار، قاعدًا وقائمًا، حتى لم يكن للإمام المهدي عليه السلام في ذلك الزمن شغل يشغله إلا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. يقول حضرته ما معناه:

“لأنني كنت على يقين أن سبل الله تعالى دقيقة جدًا، ولا يمكن الاهتداء إليها بدون وسيلة النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم، كما يقول الله تعالى أيضًا: وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ” أي أظْهِروا رغبتكم في ابتغاء وسيلة النبي صلى الله عليه وسلم فيهبكم الله إياها ولن تحصلوا عليها ما لم يُرِد الله ذلك لكم.

“ثم بعد مدة رأيت في حالة الكشف أن سقّاءين قد جاءا ودخلا بيتي، أحدهما دخل من الطريق الداخلي والآخر من الطريق الخارجي، وعلى أكتافهما قِرَب من النور، ويقولان: هذا ما صليتَ على محمد.”

أي كنت أعلم أن السبل -التي بالسلوك عليها يحظى الإنسان بوصل الله عز وجل- لَدقيقةٌ جدًا. وكيف يمكن الاهتداء إلى تلك السبل الدقيقة بدون وسيلة النبي الأكرم واتباعه؟ فمن أجل ذلك صليت على النبي صلى الله عليه وسلم بكثرة. هذا ليس مذكورًا في كلام الإمام المهدي عليه السلام بصورة حرفية بل أشرحها نيابة عنه.

لاحظوا هنا أن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام قد علم نقطة دقيقة وهي: إذا كنت قد كلفت بمهمة تربية الناس وأمرت بالمعروف والنهي عن المنكر فنعلمك السبيل إليه أيضًا، والسبيل هو أن وجّه أنظار الناس إلى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فلو تعلمت جماعتك -التي سوف تشكلها أنت- الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم لكان السبيل الأمثل للتربية.

“هذا ما صليتَ على محمد”. العبارة في غاية الوضوح بأن جميع الأنوار التي وُهبت لسيدنا الإمام المهدي عليه السلام إنما أُعطيها ببركة الصلاة على النبي الأكرم عليه السلام. ولكن ما المراد من قوله: “أحدهما دخل من الطريق الداخلي والآخر من الطريق الخارجي”؟ فقد جاء السقاءان، كان من الممكن أن يأتيا معًا أيضًا ولكن أحدهما جاء من الطريق الداخلي والثاني من الطريق الخارجي، ففي ذلك تكمن حكمة عظيمة. والمراد هو أن ظاهري وباطني كلاهما يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم.

لذا فإن ترديدكم الصلاة باللسان فقط لن يفيدكم بشيء. فلو صليتم باللسان فقط لما أتاكم أحد بقرب من النور، لا من الطريق الداخلي ولا من الخارجي. ولكن لو تم التوافق الكامل بين الظاهر والباطن، ولو كنتم تصلون ظاهرًا أيضًا واشترك في تلك الصلاة قلبكم بكمال الإخلاص لرأيتم أن ملائكة الله سوف يأتون حاملين قرب النور من الناحية الداخلية والخارجية أيضًا. وماذا عسى أن تكون حالتكم نتيجة لهذه القرب من النور؟ هذا ما تم وذكر مفصلاً في روايات أخرى تركتها جانبًا لكونها تحتوي على مواضيع معقدة يحتاج شرحها إلى وقت أطول.

ثم في كتابه “نزول المسيح” يذكر حضرته آية له، الآية رقم 77، عام 1880م. علمًا أن حضرته عليه السلام أعلن كونه مأمورًا من الله في عام 1882م وأسس الجماعة في عام 1889م، والآية المذكورة حدثت عام 1880م. فقد كتب حضرته عليه السلام: “ذات مرة مرضتُ بمرض شديد لدرجة قُرئت عليّ سورة ياسين ثلاث مرات على الطريق المأثور تحسبًا لموتي الوشيك”. علمًا أنه من التقاليد السائدة أن الناس يقرؤون سورة ياسين على المحتضر. فقد ربطوا هذه السورة بالموت لدرجة أن بعض الناس لا يقرؤونها بسبب الخوف عند قراءتهم القرآن، إذ يقرؤون السور التي قبلها وبعدها ويتجاوزون هذه السورة قصدًا، ظنًا منهم أنهم كلما قرؤوا سورة ياسين لأدركهم الموت حتمًا.

لا شك أن هذه الأمور لا تنمّ إلا عن الجهل. الحقيقة أن سورة ياسين قد أتت لتُحيي وليس لتُهلك، غير أن هناك عادة ظلت رائجة في المسلمين منذ القِدم أنهم يقرؤون سورة ياسين على من يظنونه موشكًا على الموت. فقد قُرئت سورة ياسين على سيدنا أحمد عليه السلام ثلاث مرات، كما قال. ربما كانوا ينتظرون موته الوشيك حتى قرؤوها ثلاث مرات. ثم يقول حضرته: “وبعض الأقارب كانوا يبكون وراء الجدران”. وكانوا يبكون مختفين حتى لا يتناهى الصوت إلى حضرة المسيح الموعود عليه السلام فلا يصيبه اليأس والقلق. فيقول حضرته عليه السلام:

“عندما علمني الله تعالى بوحيه الدعاء: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، اللهم صل على محمد وآل محمد”. أي أن الله تعالى منزّه من كل عيب، وليس منزهاً فقط بل يتحلى بجميع الصفات الحسنة أيضًا. ففي هذه الجملة ذُكرتْ جميع صفات الله الحسنى. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: “كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”. (البخاري، كتاب الإيمان والنذور)

وهناك بضع روايات أخرى سوف أذكرها في الخطبة المقبلة بإذن الله، لأن الوقت قد أدركنا الآن.

Share via
تابعونا على الفايس بوك