رب إني مغلوب فانتصر

رب إني مغلوب فانتصر

حميد كوثر

لكل سؤال جواب

إن الوعد الذي قطعته (التقوى) على نفسها بأن تكون مهدًا لكل حوار فكري علمي هادئ يطل اليوم في شكل باب جديد نضيفه لصفحات المجلة تحت عنوان “لكل سؤال جواب” يجيب من خلاله الكتاب المختصون على الأسئلة الكثيرة التي يحملها بريد المجلة. إن أسئلتكم ستكون الزاد الذي يغني هذا الباب ولذلك فصدر (التقوى) الرحب سيتسع لكل سؤال بنَّاء يتعلق بالمواضيع التي تطرحها المجلة.

سؤال هذا العدد يُجيب عليه الأستاذ: محمد حميد كوثر*

السؤال:

ما هو معنى الإلهام الذي قيل فيه: “إنما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون”؟ (تذكرة ص 661)

الجواب

هذا الإلهام يحمل البشرى بنصر الله تعالى وتأييده لعبده الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. إذ جاء هذا الوحي ضمن كلمات أخرى تشير إلى وقوع بعض المحن، ثم علّمه الله تعالى دعاء لكي يُفرّج سبحانه هذه المحن، ثم وعده بأنه تبارك وتعالى سوف يستجيب لدعائه وتضرعاته ويحقق مأربه ومقصده لأنه هو القوي القدير الذي إذا أراد شيئا فيقول له كن فيكون. فجاء في الإلهام المذكور:

“… إني صادق إني صادق ويشهد الله لي…. ضاقت الأرضُ بما رحُبَت، ربّ إني مغلوب فانتصر فسحّقهم تسحيقا…. إنما أمرك إذا أردتَ شيئا أن تقول له كن فيكون…” (تذكرة ص 661)

إن هذه الكلمات: “إنما أمرك إذا أردتَ شيئا أن تقول له كن فيكون” ليست سوى استكمالا للجملة التي تسبقها وهي “إني مغلوب فانتصر”، وهي على لسان سيدنا أحمد عليه السلام، وهذا هو الأسلوب الإلهي في تعليم عباده كيفية الدعاء، وقد ورد مثيله في القرآن المجيد في عدة مواضع.

كَذَّبَت قَبْلَهُم قَومُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبدَنَا وقَالُوا مَجنُونٌ وازْدُجِرَ * فَدعَا رَبَّهُ أَنّي مَغْلُوبٌ فانْتَصِرْ (القمر:10 و11)

وورد دعاء إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ في سورة الفاتحة مباشرة بعد تعديد صفات الله تعالى، حتى إن بعض الأغبياء من معارضي الإسلام قد اعترض مرة أمامي على هذه الآية وقال إذا كان الله قد أنزل هذا القرآن على محمد فهل من المعقول أن يقول الله له: إياك نعبد وإياك نستعين؟ وإنه لمما يثير الأسف حقا أن أولئك الذين يعترضون على الوحي الذي تلقاه سيدنا أحمد عليه السلام، إنما يكررون نفس الاعتراضات التي ساقها من قبل أولئك الذين عارضوا الإسلام واعترضوا على الوحي الأكمل الذي أنزله تعالى في الكتاب العزيز. ولذلك نرى هؤلاء يسوّدون صحفهم ويملأون الدنيا ضجيجا بأن سيدنا أحمد قد ادّعى الألوهية والعياذ بالله وأنه قد صار مثل الله أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون!! وهذا بلا أدنى شك تفكير سقيم خاطئ لا يدل إلا على خيالٍ مريضٍ أحمق، وعقلٍ سفيه أخرق. وقد كان سيدنا أحمد عليه السلام يؤمن يقينا بأن هذه الصفة (كن فيكون) لا تتواجد على حقيقتها إلا في الله سبحانه وتعالى وحده. يقول حضرته ما تعريبه: “لقد شاهدتُ ملكوت الله في الأرض، ليس لمرة واحدة بل لمرات عديدة، حتى إني لم أر بدًّا من الإيمان بآية الله هذه لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، أي أن ملكوت الله في الأرض أيضا كما هو في السماء كذلك، وبالآية

إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ

أي أن الأرض والسماوات جميعا رهينة لطاعته، إذا أراد خلق الإنسان هي معرفة الله وعبادته وطاعة أمره، والعبادة الحقيقية هي أن يفنى الإنسان في طاعته ربه ومولاه، بمعنى أن إرادة الإنسان تفنى ولا تبقى لديه سوى إرادة رب العالمين، فلا يبتغي شيئا إلا إذا شاءه ربه، ولا يريد أمرا إلاّ إذا أراد محبوبه، وعلى ذلك يكون كل ما يصدر عن ذلك العبد الرباني هو ما يصدر عن الله تعالى، وقد عبر الله تعالى عن هذا الأمر في حديث قدسي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال:

“مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا”. (صحيح البخاري، كتاب الرقاق).

ومن هذا المنطلق قال السيد عبد القادر الجيلاني في كتاب فتوح الغيب، رقم المقالة 113: “قال الله في بعض كتبه يا ابن آدم أنا الله لا إله إلاّ أنا، أقول للشيء كن فيكون. أَطِعْني أجعَلْك تقول للشيء: كن، فيكون”.

هذه هي صفات العبد الرباني الذي يتخلق بأخلاق الله عز وجل، فليس من المستغرب إذن أن تكون كلمات هذا الإلهام الذي نحن بصدده: “إنما أمرك إذا أردت شيئا أن تقول له كن فيكون” موجّهة من الله تعالى إلى عبده الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام، ولكنها في هذه الحالة لا تعني أنه والعياذ بالله قد صار إلها أو مثيلا لله كما يزعم المعارضون الأغبياء، وإنما تعني أنه قد تخلق بأخلاق الله وصار عبدا ربانيا وفنت إرادته ولم يعد يريد سوى ما يريده رب العالمين.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك