أأخلف الله وعده أو وفى؟

اسمعوا، يا سادة – هداكم الله إلى طُرق السعادة – أني أنا المُسْتفتي وأنا المدّعي. وما أتكلّم بحجاب بل أنا على بصيرة من ربّ وهّاب. بعثني الله على رأس المائة، لأجدّد الدين وأنوّر وجه الملّة، وأكسّر الصليب وأُطفئ نار النصرانية، وأقيم سنّة خير البريّة، ولأُصلح ما فَسَدَ، وأروّج ما كَسَدَ. وأنا المسيح الموعود والمهدي المعهود. مَنَّ الله عليّ بالوحي والإلهام، وكلّمني كما كلّم برسله الكرام، وشهد على صدقي بآيات تشاهدونها، وأرى وجهي بأنوارٍ تعرفونها.

ولا أقول لكم أن تقبَلوني من غير برهانٍ، وآمِنوا بي من غير سلطانٍ، بل أنادي بينكم أن تقوموا لله مقسطين، ثم انظروا إلى ما أنـزل الله لي من الآيات والبراهين والشهادات. فإن لم تجدوا آياتي كمثل ما جرتْ عادة الله في الصادقين، وخلتْ سُنّته في النبيّين الأوّلين، فرُدّوني ولا تقبلوني يا معشر المُنكرين. وإن رأيتم آياتي كآيات خلتْ في السابقين، فمن مقتضى الإيمان أن تقبلوني ولا تمرّوا عليها معرضين.

أتعجبون من رحمة الله وقد جاءتْ أيّامها؟ وترون الملّة ذاب لحمها وظهرتْ عظامها، وكُبّر أعداؤها وحُقّر خُدامها. ما لكم ترون آيَ الله ثم تُنكرون؟ وترون شمس الحق أمام أعينكم ثم لا تستيقنون؟

أيّها الناس.. تمّتْ عليكم حجة الله فإلامَ تفرّون؟ وإن آياته من كلّ جهةٍ ظهرت، والإسلام نـزل في غار الغربة وأوامره تعطّلت، وكلّ آفةٍ عليه نزلت، وكلّّ مصيبةٍ كشرت له أنيابها، وكلّ نحوسةٍ فُتح عليه بابها، والألْفُ السادس الذي وُعد فيه ظهور المسيح قد انقضى، فما زعمكم.. أأخلفَ الله وعده أو وفّى؟ ألا ترون كيف اتّفقت الأمم على خلاف هذه الملّة، وصالوا عليه متّفقين كسباع تخرج من الأَجَمة الواحدة، وبقي الإسلام كوحيدٍ طريد، وصار غَرَضَ كلِّ مَريدٍ، وللأغيار عيدٌ، وقمرُنا ذو القعدة، قَعَدْنا كالمنهزمين من الكَفَرة بكمال الخوف والرِّعْدة، وهم يطعنون في ديننا ولا كطَعْن الصَّعْدة؟ فعند ذلك بعثني ربّي على رأس المائة. أتزعمون أنه أرسلني من غير الضرورة؟ ووالله إنّي أرى أن الضرورة قد زادتْ من زمانٍ سَبَقَ، وولّى الإقبال كغلامٍ أَبَقَ. وكان الإسلام كرجل لطيف البُنْية، مليح الحلْية، والآن ترى على وجهه سواد البدعات، وقروح المحدَثات، ونُقل إلى الغثّ سمينُه، وإلى الكدر مَعينُه، وإلى الظلمات نوره، وإلى الأخْرِبة قصوره، وصار كدارٍ ليس فيها أهلها، أو كوَقْبَةِ مَشارٍ ما بقي فيها إلا نحلُها. فكيف تظنّون أن الله ما أرسل مجـدّدًا في هذا الزمان، وكان وقت نـزولِ المائدة لا وقت رفعِ الخِوان. وكيف تزعمون أن الله الكريم عند ازدحام هذه البدعات وسيل السيئاتِ، ما أراد إصلاح الخلق، بل سلّط على المسلمين دجّالا منهم ليهلكهم بسمّ الضلالات؟ أكان دجلُ النصارى قليلاً غير تامٍّ في الإضلال، فكمّله الله بهذا الدجّال؟ فوالله ليس هذا الرأي من عين العقول والأبصار، بل هو صوت أنكَرُ مِن صوت الحمارِ، وأضعف مِن رَجْعِ الحُوار.

ثم مع ذلك كيف نـزلت الآيات تَتْرَى لتأييد رجل يعلمه الله أنه من المفترين؟ أليس فيكم شيء من تقوى القلوب يا معشر المنكرين؟ ما كان لعبد أن يفتري على الله ثم ينصره الله كالمقبولين، فإن مِنْ هذا يُرفَع الأمان ويشتبه الأمر ويتزلزل الإيمان، وفيه بلاء للطالبين. أتزعمون أن رجلا يفتري على الله كلّ ليلٍ ونهارٍ، وآصال وأبكارٍ، ويقول يوحى إليّ وما أوحي إليه شيء، ثم ينصره ربّه كما ينصر الصادقين؟ أهذا أمر يقبله العقل السليم؟ ما لكم لا تفكّرون كالمتقين؟ أبقِيتْ لكم دجّالون.. وأين المجدّدون والمصلحون، وقد أكل الدينَ دودُ الكفر.. ألا تنظرون؟ (الإستفتاء)

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك