الوقت وقت الدعاء.. لا وقت الملاحم وقتل الأعداء

مقتبس من كلام سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني، الإمام المهدي والمسيح الموعود

وأما الآفات التي قُدّر ظهورها في وقت المسيح.. فمِن أعظمها خروجُ يأجوج ومأجوج، وخروج الدجّال الوقيح، وهم فتنة للمسلمين عند عصيانهم وفرارهم من الله الودود، وبلاء عظيم سُلّط عليهم كما سُلّط على اليهود.

واعلم أن يأجوج ومأجوج قومان يستعملون النار وأجيجَه في المحاربات وغيرها من المصنوعات، ولذلك سُمّوا بهذين الاسمين، فإن الأجيج صفة النار. وكذلك يكون حربهم بالمواد الناريات، ويفوقون كلَّ من في الأرض بهذا الطريق من القتال، ومِن كل حدَبٍ ينسِلون ولا يمنعهم بحر ولا جبل من الجبال، ويخرّ الملوك أمامهم خائفين ولا تبقى لأحد يدُ المقاومة، ويُداسون تحتهم إلى الساعة الموعودة. ومَن دخل في هاتين الحجارتين ولو كان له مملكة عظمى، فطُحن كما يُطحَن الحَبُّ في الرَحى، وتُزلزَلُ بهما الأرض زلزالها، وتُحرَّك جبالها، ويُشاع ضلالها، ولا يُسمَع دعاءٌ، ولا يصل إلى العرش بكاءٌ، ويصيب المسلمين مصيبة تأكل أموالهم وإقبالهم وأعراضهم، وتهتك أسرار ملوك الإسلام، ويظهَر على الناس أنهم كانوا مَورِدَ غضبِ الله من العصيان والإجرام، ويُنْزَع منهم رعبُهم وإقبالهم وشوكتهم وجلالهم بما كانوا لا يتّقون، ويبارون الأعداءَ مِن طريق وينهزمون من سبعة طُرق بما كانوا لا يحسنون. يراؤون الناس ولا يتّبعون رسول الله وسُنّته ولا يتديّنون، وإنْ هم إلا كالصور ليس الروح فيهم، فلا ينظر إليهم الله بالرحمة ولا هم يُنصَرون. وكان الله يريد أن يتوب عليهم إن كانوا يتضرّعون، فما تابوا وما تضرّعوا، فنـزَل على المجرمين وبالهم إلا الذين يخشعون. ويرون أيام المصائب ولياليها كما رأى الملعونون. فعند ذلك يقوم المسيح أمام ربه الجليل، ويدعوه في الليل الطويل، بالصراخ والعويل، ويذوب ذوبانَ الثلج على النار، ويبتهل لمصيبة نزلتْ على الديار، ويذكُر اللهَ بدموع جارية وعبرات متحدّرة، فيُسمَعُ دعاؤه لمقامٍ له عند ربه، وتنْزل ملائكة الإيواء، فيفعل الله ما يفعل، وينجي الناس من الوباء. فهناك يُعرَف المسيح في الأرض كما عُرِفَ في السماء، ويوضع له القبول في قلوب العامة والأمراء، حتى يتبرّك الملوك بثيابه، وهذا كله من الله ومن جنابه، وفي أعين الناس عجيب. (الخطبة الالهامية، الخزائن الروحانية ج16 ص 317-318).

اعلموا أرشدكم الله أن الأمر قد خرج من أن يتهيأ القوم للجهاد، ويُهلّوا له أهل الاستعداد، ويستحضروا الغزوّ، من الحضر والبدو، ويفوزوا في استنجاد الجنود، واستحشاد الحشود، وإصحار الأسود. فإنا نرى المسلمين أضعف الأقوام، في مُلكنا هذا العرب والروم والشام، ما بقيت فيهم قوة الحرب، ولا عِلمُ الطعن والضرب، وأمّا الكفّار فقد استبصروا في فنون القتال، وأعدّوا للمسلمين كل عّدة للاستئصال ، ونرى أن العِدا من كل حدب ينسلون، وما يلتقي جمعان إلا وهم يغلبون. فظهر مما ظهر أن الوقت وقت الدعاء، والتضرع في حضرة الكبرياء، لا وقت الملاحم وقتل الأعداء. ومن لا يعرف الوقت فيلقي نفسه إلى التهلكة، ولا يرى إلا أنواع النكبة والذلة. وقد نُكّست أعلام حروب المسلمين .. ألا ترى؟ وأين رجال الطعن والسيف والمـُدى؟؟ السيوف أُغْمِدت، والرماح كُسّرت، وأُلْقِيَ الرعب في قلوب المسلمين، فتراهم في كل موطنٍ فارّين مدبرين. وإنّ الحرب نهبت أعمارهم، وأضاعت عسجدهم وعقارهم، وما صلح بها أمرُ الدين إلى هذا الحين، بل الفتن تموّجت وزادت، وصراصر الفساد أهلكت الملة وأبادت، وترون قصر الإسلام قد خرّت شَعفاته، وغُفّرت شُرَفاته، فأي فائدة ترتّبت من تقلّد السيف والسنان، وأي مُنْية حصلت إلى هذا الأوان، من غير أن الدماء سُفكت، والأموال أُنفِدَت، والأوقات ضُيّعت، والحسرات أُضعفت. ما نفعكم الخميس، ووُطِئتم إذ حَمِيَ الوطيس.

فاعلموا أن الدعاء حَرْبَةٌ أُعطيت من السماء لفتح هذا الزمان، ولن تغلبوا إلا بهذه الحربة يا معشر الخلّان. وقد أخبر النبيون من أولهم إلى آخرهم بهذه الحربة، وقالوا إن المسيح الموعود ينال الفتح بالدعاء والتضرع في الحضرة، لا بالملاحم وسفك دماء الأمّة.» (تذكرة الشهادتين، لسیدنا مرزا غلام احمد الخزائن الروحانية ج ۲۰ ص ۸۱، ۸۲)

شرح الكلمات الصعبة:

  1. الملاحم: مفردها مَلحمة، وهي المعركة الكبيرة.
  2. يُهلّوا له: يُهل إهلالا، إذ لبّى ورفع صوته. والمراد هنا أن يجعلوا أنفسهم على أهبة الاستعداد ويرفعوا أصواتهم ملبين نداء الخروج للجهاد.
  3. ويستحضروا الغزو: أي يستدعوا الغزاة والمقاتلين.
  4. الحضر والبدو: الحضر هم سكان القرى والمنازل والمدن، والبدو هم سكان الصحارى المتنقلون.
  5. يفوزوا في استنجاد الجنود: أي ينجحوا في الاستعانة بالجنود وإعدادهم للحرب.
  6. استحشاد الحشود: حشد الشیء جمعه، والمراد هنا تجميع الجنود.
  7. إصحار الأسود: أصحر الرجل أي نزل الصحراء، وأصحر القوم أي برزوا في الصحراء. والمراد هنا خروج الجنود البواسل الشجعان كالأسود إلى الصحراء تأهبا لملاقاة العدو.
  8. استبصروا: استبصر الأمر أي استبانه وجعله واضحا وظاهرا.
  9. الاستئصال: استأصل الشيء أي قلعه من أصله وأباده.
  10. العِدا من كل حدبٍ ينسلون: العدا، هم الأعداء. والحدب من الأرض هو كل ما غلظ وارتفع منها، والحدب من الماء هو ما ارتفع وتلاطم من الأمواج. نسل الماشي أي أسرع في مشيته وفي حركته. والمراد أن الأعداء أسرعوا في تحركاتهم وجاءوا عن طريق البر والبحر مسرعين.
  11. حضرة الكبرياء: أي الله سبحانه وتعالى.
  12. التهلكة: الهلاك.
  13. نُكّست أعلام حروب المسلمين: أي أُخفِضت رايات حروبهم.
  14. المدی: مفردها المدية، وهي الشفرة أو السكين الحاد.
  15. أُغمِدَت: أغمد السيف أو غمد السيف ستره و أدخله في جرابه.
  16. مدبرين: أدبر أي أدار ظهره.
  17. عسجدهم وعقارهم: العسجد هو الذهب أو الجوهر کالدر والياقوت. والعقار هو متاع البيت وكل ما له أصل و قرار کالأرض والدار.
  18. صراصر: أي رياح الفساد.
  19. خرت شعفاته: الشعفات مفردها الشعفة وهي رأس الجبل، وشغفة كل شيء: أعلاه. والمراد أن بناء الإسلام قد انهار وسقطت القيم العليا.
  20. وغفرت شرفاته: غفرت أي تمرغت في التراب. شرفاته: مفردها شرقة، وهي أبنية تبني في أعلى السور.
  21. السنان: جمع سن وهو نصل الرمح
  22. الأموال أنفدت: أي أن الأموال صرفت ونفذت وفنيت.
  23. الخميس: الخميس هو الجيش.
  24. وطئتم إذا حمي الوطيس: وطئتم من وطأ أي داس بقدمه.
  25. حمي: أي التهب. الوطيس الحديد، ويقال: حمي الوطيس أي اشتدت الحرب والتهب القتال.
  26. حَرْبة: جمعها حراب، وهي آلة للحرب من الحديد لها حد قاطع وهي أقصر من الرمح.
Share via
تابعونا على الفايس بوك