استعارات مسنونات يعرفها الذين أوتوا العلم

وقالوا كيف نؤمن بهذا المسيح وقد بشر لنا أنه ينـزل عند منارة دمشق، وأنه يقتل الدجال، ويحارب الأعداء فهم يهزمون. وكذلك ينتضون حججا مغشوشة، ولقد ضل فهمهم فهم مخطئون. ألا يعلمون أن المسيح الموعود يضع الحرب؟ ألا يقرؤون الصحيح للبخاري أو ينسون؟ ومن أين نُبُّوا أن المسيح ينـزل بدمشق التي هي قاعدة الشام، وبأي دليل يوقنون؟ أَسارَ معهم رسول الله إلى دمشق، وأراهم منارة وموضع نزول، أو أراهم صورتها في شِقّة من قرطاس، فهم يعرفونها ولا ينكرون؟ أو هي مصرٌ أفضلُ من الحرمين ولها فضيلة على قرى أخرى ويسكن فيها الطيبون؟

وما يغُرّنّهم ما جاء في أحاديث نبينا لفظُ دمشق، فإن له مفهوما عاما، وهو مشتمل على معان كما يعرفها العارفون. فمنها اسم البلدة، ومنها اسم سيد قوم من نسل كنعان، ومنها ناقة وجمل، ومنها رجل سريع العمل باليدين، ومنها معان أخرى. فما الحق الخاص للمعنى الذي يصرون عليه وعن غيره يعرضون؟

وكذلك لفظ المنارة التي[1] جاء في الحديث.. فإنه يعنى به موضع نور، وقد يطلق على علَمٍ يُهتدى به. فهذه إشارة إلى أن المسيح الآتي يُعرَف بأنوار تسبق دعواه، فهي تكون له كعلم به يهتدون. ونظيره في القرآن قوله تعالى: وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا .[2] فكما أن السراج يعرف بإنارته كذلك المسيحُ يعرف بمنارته.

وما ثبت وجود منارةٍ في شرقي دمشق على عهد رسـول الله ، وما أومأ إليه إذا لارتاب المبطلون، بل هي استعارات مسنونات يعرفها الذين أوتوا العلم، وما يجادل فيها إلا الظالمون. أفلا يدّبرون سنن الله أم جاءهم ما لم يأت من قبل فهم له منكرون؟ وأي سر كان في تخصيص بلدة دمشق ومنارتها؟ فبيّنوا لنا إن كنتم تتبعون أسرار الله ولا تلحدون. أتعجبون من هذه الاستعارة ولا تعلمون أن الاستعارات حُلل كلام الأنبياء، فهم في حلل ينطقون؟ اذكروا قول إبراهيم .. أعني قوله: “غَيِّرْ عَتَبةَ بابك”، ثم انظروا إلى إسماعيل كيف فهم إشارة أبيه. أفهم من العتبة عتبةً أو زوجة؟ فتفكروا أيها المسلمون. وانظروا إلى الفاروق كيف فهم من كسر الباب موته، لا كسر الباب حقيقةً؟ وإن شئتم فاقرؤوا حديث حذيفة في الصحيح للبخاري لعلكم تهتدون.

(مرآت كمالات الإسلام)

[1] سهو، والصحيح: الذي.

[2] سورة الأحزاب: 47

Share via
تابعونا على الفايس بوك