هل توجد حياة خارج الكرة الأرضية؟

هل توجد حياة خارج الكرة الأرضية؟

القرآن والحياة في الكون

لقد قامت وكالات الفضاء الأوروبية والأمريكية قبل بضع أسابيع بإرسال مركبات فضائية إلى كوكب المريخ وهي تحمل على متنها مسابير فضائية مزودة بأحدث التقنيات العلمية بهدف استكشاف هذا الكوكب والقيام بدراسة معالمه والتحقق من إمكانية وجود حياة على وجه هذا الكوكب، مما قد يسهل على علماء الفضاء عملية إثبات وجود حياة خارج الكرة الأرضية.

وبعد التقاط بعض الصور من على كوكب المريخ يعكف العلماء على دراستها وتحليلها تحليلا علميا دقيقا بهدف الوصول إلى النتائج المرجوة، ورأينا أن نقدم في هذا العدد للقراء الأفاصل رأي القرآن الكريم فيما يخص هذه المعضلة العلمية – التي لا زالت تؤرق علماء الفضاء منذ زمن طويل- وذلك وفق ما كتبه حضرة مرزا طاهر أحمد – رحمه الله تعالى – في كتابه “الوحي، المنطق، المعرفة والحقيقة” في الفصل السابع تحت عنوان القرآن والحياة في الكون والذي كان شرف نقله إلى العربية للكاتب المصري الأستاذ ثابت “التقوى”.

إن التصور الذي يُقدمه لنا القرآن المجيد عن الكون، يختلف اختلافا تاماعن ذلك التصور الذي كان في ذهن الفلاسفة والحكماء في العصور السابقة. وفي زمن الوحي القرآني كانت الأفكار اليونانية عن الفَلك هي السائدة بين الناس في كل مكان من العالم المعروف، ويبدو أن جميع الحضارات كانت قد تأثرت بتلك الأفكار. واستمر هذا التأثير بدون انقطاع حتى زمن كربرنيكوس (Copernicus). فكان الناس في كل مكان يظنون أن السماوات تتكون من طبقة فوق طبقة من مادة شفافة مثل البلاستيك الموجود اليوم، وهذه السماوات مرصعة بأجزام سماوية لامعة منيرة نطلق عليها اسم النجوم. وعلى وجه التحديد إن ملخص العلم الكلي لدى الناس في ذلك الزمن كان كما يلي:

1) إن الأرض تتكون من كتلة من التراب والصخور والماء والهواء والمعادن. وهي كتلة ثابتة لا تتحرك، يكاد سطحها أن يكون مسطحا، لا تدور حول نفسها ولا حول أي من الأجرام السماوية.

2) إن الأرض كانت تشغل موقعا فريدا في هذا الكون، الأمر الذي لم يكن له مثيل في أي مكان آخر في السماء. إذ أنها ظلت ثابتة ساكنة في مرساها، بينما تدور السماوات حولها في حركة مستمرة دائبة.

ومن الواضح أن هذه الفكرة عن الكون قد استبعدت تماما أية إمكانية لوجود حياة في أي مكان آخر غير الأرض. فالناس في ذلك الزمن لم يكونوا يعرفون مكانا للحياة غير هذه الأرض المعلقة في الفضاء كما كان الأمر في مخيلتهم. وفي المقابل نجد أن القرآن المجيد لم يعترف بفكرة تفرّد الأرض في وضعها في الكون ولا في ثبوتها ويكونها، بل قال عن موضوع عدد الأرضين في الكون:

“اللهُ الذي خَلَقَ سبعَ سماواتٍ وَمِنَ الأرضِ مِثْلَهُنَّ” (الطلاق:13)

ولا بد من التبيان هنا أن الرقم “سبعة” له استعمال ومعنى خاص في القرآن المجيد، سواء كان في هذه الآية الكريمة أو في الكثير من الآيات المماثلة الأخرى، إذ إنه يدل على الكثرة غير المحددة بعدد معين. وعلى هذا يكون معنى الآية هو أن الكون يحتوي على عدد غير محدود من السماوات وكل منها ينقسم إلى مجموعات من “سبعة” (العدد الكامل) لكل منها أرض واحدة على الأقل، بدعمها النظام السماوي (المجرة) الذي تنتمي إليه. وفي إشارة إلى هذا التركيب العام تومئ إحدى الآيات الكريمة إلى وجود الحياة في الكون، وهي:

“وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِن دَابَّةٍ” (الشورى: 30). إن كلمة “دآبة” تشمل كل حيوان يزحف أو يمشي على سطح الأرض، ولا تنطبق على الحيوانات التي تطير في الهواء أو التي تسبح في الماء، وهي يقينا لا تنطبق على الحياة الروحية. ففي اللغة العربية لا يُطلق لفظ “دابة” أبدا على الأشباح ولا على الملائكة.

والجزء الثاني من الآية الكريمة لا يتحدث عن إمكانية وجود الحياة في الكون فحسب، بل يؤكد علىوجودها، وهو تأكيد لا يستطيع  معظم الباحثين العلميين في عصرنا الحديث أن يتحدث عنه بأية درجة من اليقين. غير أن هذا ليس كل ما تكشف عنه هذه الآية الكريمة والفريدة. بل إننا نرى إعجازا فوق إعجاز حين نقرأ في نهاية الآية أن الله تعالى سوف يجمع بين الحياة على الأرض والحياة التي في جنبات الكون حينما يشاء ذلك سبحانه وتعالى، إذ يقول: “..وهو على جمعِهِمْ إذا يشاءُ قَديرٌ” (الشورى: 30)

وكلمة “جمعهم” لفظ عربي يتحدث تحديدا عن اجتماع الحياة على  الأرض مع نظيرتها الموجودة في الكون. أما متى يحدث هذا الإجتماع فهو أمر لم يُحدد، وليس مذكورا ما هذا الإجتماع سوف يحدث هنا على الأرض أو في مكان آخر. غير أن أمرا واحدا قد ذُكر بكل تأكيد، وهو أن هذا الإجتماع سوف يحدث يقينا حين يشاء الله تعالى ذلك. ويجب أن يوضع في الإعتبار أن لفظ “جمع” يمكن أن يعني إما الإجتماع المادي أو الإجتماع عن طريق الإتصال. والزمن المستقبل وحده سوف يبين كيف ومتى يحدث هذا الإجتماع، ولكن يظل الإعجاز قائما في هذه الحقيقة بذاتها.. وهي أن نبوءة في هذا الشأن قد ذُكرت منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان.

جاء هذا النبأ الغيبي في القرآن في زمن لم يكن فيه الفَلَك وعلوم الكون قد وُلدت بعد. إذ كانت تسود في تلك الفترة تصورات افتراضية، كان مقدرا لها أن تدوم وتستمر لأزمان طويلة، قبل أن يوجد أي تصور عن وجود حياة في أمكنة أخرى من الكون الرحيب. وحتى اليوم.. لا توجد هذه الأفكار عن وجود الحياة في الكون سوى في أقاصيص الخيال العلمي. أما العلماء فلم يستطيعوا حتى الآن التخلص تماما من الشكوك التي راودتهم عن وجود الحياة في أمكنة أخرى من الكون غير الآرض. ولم يتم اكتشاف أي دليل مادي يزيل تلك الشكوك، ولا يزال العلماء يتحدثون فقط عن مجرد “احتمالات”.

غير أن البروفسور أرشيبولد روي (Archibold Roy) من جامعة جلاسجو، وهو واحد من العديد من العلماء المنشغلين بحماس في البحث عن إمكانيات وجود نوع من الحياة تتسم بالذكاء في الأجرام السماوية، كتب يقول:

“في العديد من المؤتمرات الدولية التي عقدت حول مسألة وجود الحياة في الكون، تم بحث الموضوع، وصار من الواضح أنه ليس هناك احتمال في التعرف على إشارة نابعة من مصدر ذي ذكاء فحسب، بل إنه سوف يكون من الممكن إجراء اتصال مع أنواع من الحياة المذكورة وتبادل المعلومات معها”.1

ولكن الجميع لا يشارك البروفسور روي هذا الحماس الشديد. فالدكتور فرانك تيبلر من جامعة تولين بنيو أورلينز (Dr. Frank Tipler, Tulane University, New Orleans) يمكن أن يُعد من أكثر المتشككين، وهو يبني شكوكه على الإحصاءات الحسابية. فبالنسبة له يُعتبر ظهور حياة تتصف بالذكاء في مكان آخر من الكون خلال عملية النشوء المادي العمياء تتعارض مع قانون الأعداد الكبيرة. ونشوء الحياة هنا على الأرض يُشكل معضلة للعلماء لا يجدون لها حلا. وأن تتكرر الظاهرة نفسها من خلال تصادم هذا العدد الصخم من الإحتمالات الذي يفوق الحسابات البشرية لهو أمر يُعد استحالة رياضية. يقول الادكتور تيبلر:

“…وجود ذكاء في الكون أمر غير وارد، وما علينا إلا أن نفسر هذه الحقيقة. ويتمسك معظم الفلكيين بمعتقد عن وجود حياة ذات ذكاء في الكون بغير دليل وإنما بسبب مبدأ فلسفي: الفكرة الكوبرنيكية (نسبة إلى كوبرنيكوس) بأن مركزنا في الكون لا بد أن يكون تموذجيا تماما. ولكننا نعلم أن هذه الفكرة خاطئة. فالكون يتطور، والأشعة الكونية تدلنا على أنه كان هناك وقت من الأوقات لم توجد فيه حياة، لأن الجو كان ساخنا جدا. وعلى هذا فإن مكاننا في الكون كان فريدا من حيث التوقيت. وأيضا لا بد أن تكون هناك الحضارة الأولى، وقد تصادف أن تكون هي حضارتنا الإنسانية”.2

الدكتور توني مارتن (Tony Martin) نائب الرئيس السابق للجمعية البريطانية لما بين الكواكب، له أفكار مماثلة في الشك. وبالرغم من كل هذه المعارضة.. فإن الحلم العلمي للدكتور روي يبدو أنه قد اقترب من التحقيق، جزئيا على الأقل. ففي الولايات المتحدة استطاعت ناسا (NASA) الحصول على موافقة حكومية على مشروع بإجراء بحث كبير عن وجود حياة ذات ذكاء في الكون. ويؤيد هذا الهدف بعض العلماء من ذوي الشهرة العالمية من أمثال البروفسور ساجان (Proferror Sagan)3.

أليس من الغريب – جد غريب – أن ما أكده القرآن المجيد باعتباره حقيقة منذ حوالي أربعة عشر قرنا بدأ الآن يبدو حقيقة ممكنة لعلماء اليوم!! بل إن الأغرب والأعجب هو أن القرآن يذهب إلى الأمام خطوة أبعد حين يتنبأ بأن الإنسان سوف يتمكن يوما ما من الإتصال بهذه الحياة الموجودة في الكون.

ولعل الوقت لم يحن بعد للتحقيق الكامل لهذه النبوءة، ولكن أمارات تحقيقها بدأت تلوح في الأفق، الأمر الذي يدل على أن نبوءات القرآن المجيد تسبق التقدم العلمي للإنسان. فكل عصر جديد يشهد تحقيق الكثير من النبوءات التي أتى بها والحي الإلهي في القرآن المجيد، رغم أن العصور السابقة لم يكن لديها أية وسيلة للتحقق من صحتها. وعلى هذا يجب أن يُفهم بوضوح هنا أن نبوءات القرآن في جوهرها تختلف طبيعتها عن تلك التي تأتي في قصص الخيال العلمي.

لم يكن من الغريب أبدا أن يحلق الخيال البشري فينطلق من واقع الحقائق المعروفة في الطبيعة إلى آفاق الخيال لما سوف تأتي به أيام المستقبل، غير أنه من النادر أن يشهد المستقبل تحقيق هذه النبوءات التي تحلف في آفاق الخيال. وبالإضافة، فإن كل الأعمال المتعلقة بالخيال تظل دائما محصورة في الإمكانيات التي تخلق المعرفة والمعلومات المتاحة في ذلك العصر. وكُتّاب الخيال العلمي يستلهمون أفكارهم دائما من المعلومات الموجودة اليوم ليستشفّوا منها ما يمكن أن يأتي به الغد. وفي كثير من الأحيان تكون خيالاتهم جامحة أشد ما يكون الجموح. وحينما يكشف المستقبل عن خباياه وأسراره، نجد أنه لا يتّبع ما أملته وفرضته خيالاتهم. وهذا يقودنا حتما إلى الإقرار بأن تحقق خيالات الإنسان فيما يتعلق بالمجهول له حدوده ونطاقه المحصور. ولتوضيح الحدود التي تفرضها مرحلة معينة فيما يتعلق بمدى ما يمكن أن يصل إليه الخيال، يمكن أن نذكر العبقري ليوناردو دافنتشي كمثال مناسب. فقد حاول أن يتصور إمكانية طيران الإنسان، ولكنه لم يستطع سوى أن يتخيل تلك الإمكانية في حدود المعلومات المتاحة في زمنه. ولم يكن العلم ولا التقنية قد تقدَّما، حتى ذلك الزمن، للدرجة التي يستطيع فيها العقل البشري أن يتصور إمكانية الطيران بمساعدة الآلات التي تدفعها قوة النيران. وعلى هذا فقد كان مما يفوق التصور والخيال عند ليوناردو دافنتشي أن يتخيل ولو فكرة بدائية عن الطائرة.

ويختلف الأمر تماما فيما يتعلق بالصحف المقدسة، فإن المعرفة التي تحتويها ليست منحصرة في المعلومات السائدة في عصرها ولا في أية فترة أو مجال معين. وبالإضافة.. فإن عامل الصدفة ليس له دخل في تحقيقها. ولم تستطع أبدا الإكتشافات العلمية التي يُكشف النقاب عنها في العصور المتعاقبة أن تثبت خطأ أية نبوءة جاءت في القرآن المجيد.

ولذلك يجب أن ننظر دائما بنظرة أمل.. يقوم على أساس قوي.. أن تتحقق هذه النبوءات القرآنية حسبما يقرره المستقبل. والنبوءة عن الإجتماع بين الحياة هنا على الأرض والحياة الموجودة في مكان آخر هي من تلك النبوءات التي لم تتحقق بعد. ولعل العمر يمتد بنا حتى نشهد ذلك اليوم الجليل المجيد الذي تستطيع فيه الحياة على الأرض أن تحقق نوعا من الإتصال بالحياة الموجودة في هذا الكون الواسع الرحيب.

المراجع

  1. ROY, A.E., CLARKE, D. (1989) Astronomy: Structure of the Universe. Adam Hilger Ltd., Bristol, p.270
  2. TIPLER, F. (November, 1991) Alien Life. Nature: 354:334-335

3. McKie, R. (September, 1985) Calling Outer Space: Is Anybody There? Readers Digest: 31-35

Share via
تابعونا على الفايس بوك