فإنه رأى زماني كزمانه، وقومي كقومه، ورأى النعل طابق بالنعل

وكذلك أُرسِلتُ مُجَدِّدًا مُحَدَّثًا لآخر الزمان، ووجدت أعداء دين الإسلام لا يُقاتلون المسلمين للدين، وما سلُّوا سيوفا وما قوَّموا رماحا لإشاعة دينهم، بل يُشيعون دينهم بالمكائد والحِيَل العقلية، وتأليف الكتب المضلّة الْمُغلّطة، ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين. فما كان الله أن يسلّ عليهم السيف، وكيف يقتل الله قوما لا يبارزون بالسيوف، بل يطلبون الدلائل كالفيلسوف، ومع ذلك إنهم قوم غافلون، جاءوا من أقصى البلاد لا يعرفون شيئا من حقائق القرآن وأنواره ولطائفه ودقائقه، وقد نشأوا في الديار البعيدة من الإسلام، فلما لاقوا المسلمين ووردوا في ديارنا وجدوا المسلمين في أنواع الظلام من الآثام، فقست قلوبهم برؤية المبتدعين، وكانوا من كلام الله غافلين، وما آذونا وما قتلونا وما سعوا في الأرض سفاكين. فلا يرضى عقل سليم، وفهم مستقيم، أن ندفع الحسنة بالسيئة، ونؤذي قوما أحسنوا إلينا، ونرفع السيف على أعناقهم قبل أن نتم الحجة على قلوبهم، وقبل أن نسكتهم بالبراهين العقلية والآيات السماوية، وقبل أن يظهر أنهم عصوا عمدا بعد ما رأوا الآيات وبعد ما تبين الرشد من الغي، فلو نترك الرحم والرفق والمداراة ونقوم عليهم سفاكين جبارين، فلا يكون ذنب أكبر منه وإذًا كنّا أخبث الظالمين.

فهذا هو السبب الذي أرسلني الله تعالى (لأجله) على قدم المسيح، فإنه رأى زماني كزمانه، وقوما كقومه، ورأى النعل طابق بالنعل، فأرسلني قبل عذاب من السماء لأنذر قوما ما أُنذر آباؤهم ولتستبين سبيل المجرمين. وأنت ترى أن أكثر المسلمين اتبعوا شهواتهم، وأضاعوا الصوم والصلاة، وقست قلوبهم، وفسدت طبائعهم، وما بقى فيهم إلا اسم الإسلام، ورسم الدخول في المساجد، ولا يعلمون ما الإخلاص وما الذوق وما الشوق، وكثير منهم يزنون ويشربون الخمر ويكذبون، ويحبون المال حبا جما، ويعملون السيئات، ويؤثرون البدعات على هدي رسول الله ، فكيف الكافرون الغافلون الذين لا يعلمون شيئا ولا يعقلون، ولا يتكلمون إلا كغطيط النائم وما يدرون ما سبل الإسلام وما البراهين! فظهر من ههنا أن العقيدة التي استحكمت في قلوب العوام أن المهدي والمسيح يظهران في آخر الزمان ويقتلان كل من لم يسلم، ليس بشيء بل إنه لخطأ مبين.  (حمامة البشرى، الخزائن الروحانية ج 7 –  ص 234 – 235)

Share via
تابعونا على الفايس بوك