أتى رمضان فأي رمضان رمضانك؟

أتى رمضان فأي رمضان رمضانك؟

التحرير

ها نحن أمة الإسلام يطالعنا شهرٌ عظيم وضيف كريم إنه شهر حصاد الخير والبركات.. إنه شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن. فحري بنا أن يسأل كل واحد منا نفسه كيف سيكونُ رمضانُنا هذه السنة؟! رمضانُ المسرفين الكسالى؟! أم رمضان المسارعين الولهانين؟! رمضان التوبة  أم رمضان الشِقِوة؟ شهر الصيام والقيام  أم شهر الموائد والأفلام؟!!

ها رمضان قد حل ووجهه المليح قد طل.. هلَّ هلاله، وخيمت ظلاله، وهيمن جلاله، وسطع جماله، لقد أظلنا موسم كريم أيامه عظيمة ولياليه ملاح زكية، فما ألذها من أيام معطرةٍ بالذكر والطاعة، وما أجملها من ليالٍ منورةٍ بابتهالات الراغبين وحنين التائبين.

رمضان منحةٌ ربانية، وهبة إلهية، شهرٌ يفوق الشهور بليلةٍ هي خير من ألف شهر.. فُضّلت تفضيلا من لدن حكيم عليم.

رمضان أشرفُ الشهور، وأيامُه أحلى الأيام، يعاتبُ الصالحونَ رمضانَ على قلة الزيارة، وطول الغياب، حيث إنه يأتي بعد شوقٍ طويل ويغادر بعد مكوث قصير. رمضان فرصةٌ من فرصِ الآخرةِ التي تحمل في طياتها غفرانَ الذنوب والتقرب إلى مفرج الكروب. ما أعظمه من فرصة تحملُ سعادةَ الإنسان الأبدية، فأين المبادرون، وأين المسارعون. إن الصيام هو المدرسة التي يتعلمُ فيها  المسلمون، ويتهذب فيها المؤمنون. إنه دون أدنى شك شهر البـرّ والإحسان، والرحمة والغفران.

لقد زارنا رمضان مرات عديدة، وكل مرة يجدنا أسوأ مما تركنا عليه.. شعوب متناثرةٌ، وقلوبٌ متشتتة، ودولٌ متقاطعةٌ، وأحزابٌ متصارعة، وفتنٌ محدقةٌ، وشهواتٌ مفرقةٌ، فباتت الأمة اسمًا بدون مضمون يتخبط أبناؤها في غياهب الجوع والفرقة، يعانون الذلة والهوان ويقاسون الأمرَّين.

أتى رمضان فأيُ رمضان رمضانك؟ وما هو استعدادك وما هي مراسم استقبالك. فالناس في استقباله أقسام، فمنهم من يفرح بقدومه لأنه يزداد به قربًا لرب العزة. ومنهم لا يعرف ربه إلا في رمضان فلا يصلي ولا يقرأ القرآن إلا في رمضان، يتوب توبة مؤقتة لا تُسمن ولا تغني من جوع.. فبئس القوم الذين لا يُقدرون رمضان حق قدره.. ويا حسرة على أقوام تعساء يستقبلونه بالضجر والتضايق والحرج على أنه شهر الجوع والعطش.

إن بعض الضعفاء يرونه مانعًا لشهواتهم ومآربهم الباطلة، ويا للعجب كيف يتأفف من شهر الرضوان والرحمة!! لا والله بل هو شهر الخير والنعمة والبركة، إن الواحد من هؤلاء – هداهم الله – يُحس بالحرمان من الشهوات ولذلك تراهم إذا قدم رمضان غيرَ فرحين بقدومه لأنهم لا يستطيعون التخلص من حمأة اللذة.

رمضان شهر الشعور بآلام إخوانك في الإنسانية. فأي رمضان رمضانك؟ هل شعرت بآلام المضطجعين في أقاصي الأرض ومغاربها، فإذا جاع تذكر أن آلاف البطون جوعى تنتظر لقمةً، فهل من مُطعم، وإذا عطش تذكَّر أن آلاف الأكباد عطشى تنتظر قطرةً من الماء، فهل من ساقٍ، وهو إذا لبس تذكَّر أن آلاف الأجساد قد لحقها العري فهل من كاس. يشعر بنعمة الله جلا وعلا عليه أن أعطاه السحور والإفطار وغيره محروم، وألبسه وغيره عارٍ، فالحمد لله على نعمائه التي لا تُعد ولا تُحصى.

رمضان شهر العبادة فأيُ رمضان رمضانك؟ هل اتخذت منه فرصة لتربية نفسك على العبادة.. فالصيام يربينا على العبادة. فلئن كان المسلم يعبد ربه جلا وعلا في سائر شهوره وأيامه إلا أنه يأخذ في رمضان دورةً عباديةً يزيد فيها من جرعات الطاعة ونكهاتِ الإيمان والإخلاص حتى يقوى على ما تبقى من الشهور ويجعل هذه الفرصة منطلقًا إلى فعل الخيرات. وليالي رمضان تاج ليالي العام، فيها تصفو الأوقات وتحلو المناجاة، رمضان شهر النفحات والبركات فلماذا لا نقوم رمضان ونجرب لذة القرآن ولذة المناجاة والدعاء. لماذا لا نتقرب من الله زلفى وقت الأسحار وخلال هجيع الليل والناس نيام لندخل الجنة بسلام.

رمضان شهر التقوى فأي رمضان يكون رمضانك؟ هل دربنا نفوسنا وعودناها على هجر المعاصي. فرمضان فرصة لترك الذنوب.

فيا أهل اللهو والعبث ويا أهل البرامج والفوازير والمسابقات إنما الصيام للذين هم عن اللغو والرفث من المعرضين فإذا اتبعتموه كان لكم جُنةً من المعاصي ووقايةً من النار. لقد كان سلفَ الأمة يستعدون لرمضان بهممٍ عالية وعزائمَ قويةٍ وإراداتٍ حديدية ليستغلوا رمضان في طاعة الله ليجعلوه منطلقًا للخيرات ودافعًا إلى التوبة وإصلاح النفس والحال. وللأسف الشديد فإننا نجد بعض الناس يستعدون لرمضان، ولكن بما يُفسد على الناس صومهم ويهدم أخلاقهم ويبعدهم عن تحسس واستشعار معاني الصيام والقيام، فيستعدون باللهو والعبث بما يفسد حرمة هذا الشهر الكريم.. يستعدون لنا بالمسرحيات والمسلسلات والأفلام التي وإن لم تكن هابطة فهي تافهة المضمون تُهمِّش القضايا الأساسية للأمة.

إنها صرخة نابعة من قلب غيور على مستقبل أبناء أمة خير الأنام الذين لا يبالون في تضييع أوقاتهم فيما لا يفيد ولا ينفع. لماذا لا يفكرون في تبديل السيئة بالحسنة، لماذا لا يغتسلون بماء التوبة النصوح من حمأة الخطايا. لماذا لا نجعل هذا الشهر الكريم بداية هجر القاذورات سيما ونفوسنا مهيئةٌ للخيرات. لعلها أيها الأحبة في الله أن تكون بداية النهاية لكل شيء يبعد عن الهداية، ولعلها تكون بداية الانطلاقة الحقيقية في المسارعة إلى الخيرات وإرضاء رب الأرض والسماوات. ها هو موسم التوبة والإنابة، فباب التوبة مفتوح، وعطاء ربك ممنوح، فمتى يتوب من أسرف في الخطايا؟! ومتى يعود إن لم يعد في شهر الرحمة والغفران؟! فبادِرْ بالعودة إلى الله، واطرقْ بابَه، وأكثِرْ من استغفاره، واغتنِمْ زمنَ الأرباح، فأيام المواسم معدودة، وأوقات الفضائل مشهودة، وفي رمضان كنوز غالية، فلا تضيِّعها باللهو واللعب وما لا فائدة فيه، فإنكم لا تدرون متى ترجعون إلى الله، وهل تدركون رمضان الآخر أو لا تدركونه؟ وإن اللبيب العاقل من نظر في حاله، وفكَّر في عيوبه، وأصلح نفسه قبل أن يفاجأه الموت، فينقطع عمله، وينتقل إلى دار الحساب.

جعل الله صيامنا صياما حقيقيا مقبولاً وجعله إيمانا واحتسابا. كما نسأله تعالى أن يجعلنا وإياكم وسائر المسلمين ممن يستكملون أجره، وأن يتقبل الله منا صيامنا وقيامنا. وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على من أرسله رحمة للعالمين سيدنا ومولانا محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وصحبه أجمعين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك