ربيع الروح، منحة من إله الفرص المتجددة!

ربيع الروح، منحة من إله الفرص المتجددة!

التحرير

  • كيف يمكننا استثمار فرصة الشهر الفضيل لتحقيق أهدافنا السامية؟
  • أي ضرورة إلى التجديد من أجل استمرار عجلة الحياة الروحية والمادية في الدوران؟

 ___

مما درجنا عليه في قانون الطبيعة أن الكيان المادي الذي لا يقبل التجديد يُحكَم عليه بالاندثار، وقانون الطبيعة هذا لا يختلف عن قانون الطبائع، وبالتالي كل طبع لا يقبل الترقي فإن صاحبه محكوم عليه بالاندثار. التجدد أو التجديد إذن عامل ضروري من عوامل البقاء التي سنها الله تعالى وجبل عليها خليقته، وعلى رأسها بنو آدم، من كرَّمهم، وحملهم في البر والبحر، وفضلهم على كثير ممن خلق تفضيلا.

والمتأمل بعين المقارنة بين الدين الحق وسائر الأديان الأخرى يلاحظ أن التجديد سمة فارقة بين الحق والباطل، فالباطل على مر العصور يمثله طائفة من رجال الدين الذين يخرجون ليحاربوا مبعوث الله حيثما نزل، حتى يتم الله أمره وينصر عبده ويُظهر دينه على الدين كله ولو كره الكافرون.

وهذا المبعوث قد يكون نبي الله أو مجددا من أمته أو الذي أقامة الله لإصلاح حسب حاجة كل عصر.

وإمعانا في التفكر في صفات الله، رأينا أن من بين دوافعنا إلى الإقرار بألوهيته عز وجل بعثه المجددين، بحيث إن بعثة كل نبي أو مجدد هي بمثابة ربيع تزدهر فيه الأرض بعد أن أمحلت طوال شتاء قارس، فطوبى للمسلمين بهذا الربيع وهذه الفرصة للسعادة.. وسبحانه عز وجل إله الفرص المتجددة! ومن هذه الفرص أنه يعيد علينا خيرَ الشهور، شهرَ رمضان المعظم، الذي أُنزِل فيه القرآن ومن فضل هذا الشهر أن القوى الروحانية تُشحذ فيه، ويُصقَل سلاح الدعاء، فيكون أهلا للإجابة.

وكما أن فصل الربيع فرصة مُناخية متاحة لتجدد الحياة المادية، فكذلك رمضان فرصة روحانية سنوية سانحة لاستعادة ضبط فطرتنا وتقوانا وترتيب كافة أوراق حياتنا المبعثرة، سواء على الصعيد الفردي أو الصعيد العالمي. فعلى الصعيد العالمي إذا ما نظرنا بعين الرصد والاعتبار إلى حال السلم والحرب العالميين منذ منتصف القرن التاسع عشر إلى الآن، لا نجد بدا من الإقرار بأن العالم من المفترض، بناء على الأخطاء المتراكمة، والحروب التي أنهكته مرورا بحربين عالميتين، من المفترض أن يندثر وينمحي أثره نهائيا، لولا أن رحمة الله عز وجل تتداركه كل حين للحيلولة دون وقوع هذا القضاء المأساوي، وتلك الرحمة تبدو متجسدة في رجال الله وأوليائه، والذين تُذَكِّرنا بمجيئهم النفحات الربانية المستمرة على الدوام، فما حلول فصل الربيع كل عام إلا تذكير بحلول ربيع روحاني علينا التماسه، فكيف نحن في هذه الأيام وقد حل علينا ربيعان، ربيع المناخ وربيع الروح! فأي فرصة مهيأة للتهجد وللدعاء أفضل من هذه؟!

ولا شك أن الظروف الراهنة من شأنها أن تلجئ الناس إلى سلاح الدعاء، لا سيما في خضم القلاقل التي تقض مضاجع الساسة والشعوب في شتى أنحاء العالم على حد سواء، بحيث يمكننا القول بأن اتخاذ سلاح الدعاء فرصة لأن يستعيد العالم صوابه ورشده من جديد؟!

إننا، كمسلمين، نعلم أن الشرط الأبرز لقبول الدعاء واستجابته من الله عز وجل أن يدعو المرء وهو مضطر، أوليست حال عالم اليوم تجعل الانسان أكثر اضطرارا؟! فالله عز وجل يكون حتما أكثر استجابة، فيا لسعد العالم وسط كل هذه النحوسات! ولله در أمير الشعراء حين قال:

وَإِذَا الخَيْرُ لِعَبْدٍ قُسِمَا

سَنَحَ السَّعْدُ لَهُ فِي النَّحَسِ

عزيزي قارئ التقوى، لئن كانت شعيرة الصيام المقدسة في هذا الشهر المعظم يفسدها الطعام المادي، فإنها تقوى وتُصقل بالطعام العقلي والروحي، والذي تسعى التقوى إلى تزويدك به بصورة منتظمة لا في رمضان وحسب، بل على مدار العام.. وعلى رأس قائمة مواد هذا العدد نُطلعك على كلمة خليفة الوقت سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) التي تُمثل السلك الذهبي الناظم لكافة المواد والمواضيع، وقد تراءى لفريق التحرير أن القراء بحاجة إلى استذكار خطبة حضرته الشريفة عن جهاد الصيام في رمضان، حقيقته، ومتطلباته، ونتائجه، فخلال سرد حضرته الشائق، ستطلع عزيزي القارئ على حقيقة تصفيد الشياطين في هذا الشهر المبارك حسبما جاء في الحديث النبوي، وكذلك تتعرف إلى متطلبات العبودية لله تعالى وشروط استجابته للدعاء، ثم ذرائع الوصول إلى الله عز وجل. بعد كلمة حضرة أمير المؤمنين تُقدم أسرة التحرير مواضيع ذات صلة بمحور العدد، منها ما يخلص القارئ من قراءته إلى أن التقوى هي في إتيانِ رُخَص الله تعالى كما تؤتى عزائمه، ثم لدينا خَاطِرَةٌ قُرْآنِيَّة حَوْلَ العِلَاقَةِ بَيْنَ الصِّيَامِ وَالوَصِيَّة، هذا بالإضافة إلى مواضيع متنوعة أخرى تمد بصلة إلى محور العدد. لقد سعى فريق التحرير إلى أن يَصدُر عدد شهر إبريل، الذي هو إيذان بحلول الربيع المناخي، متضوعا بعبير رمضان الذي هو ربيع روحاني للنفس المطمئنة، نسأل الله تعالى أن يمتعنا فيه بتنزُّل أفضاله علينا ظاهرة وباطنة، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك