الهواية ثلث النجاح أثر ممارسة الهوايات في أنفسنا وأجسادنا

الهواية ثلث النجاح أثر ممارسة الهوايات في أنفسنا وأجسادنا

د. ريهام سنون

___

إن التمتع بصحة نفسية جيدة أمر حيوي ومهم لكل الأشخاص في جميع مراحل حياتهم، لأنها توفر استقرارًا عاطفيًا واجتماعيًا، وتساعد على مواجهة مختلف المواقف والظروف التي يمر بها الإنسان في حياته. ويمكن تعزيز الصحة النفسية من خلال العديد من السلوكيات والممارسات اليومية، ومن أهمها الهوايات والأنشطة التي تدعم الصحة النفسية، التمارين الرياضية بأنواعها والقراءة والزراعة والموسيقى والنشاطات الاجتماعية المختلفة. وفي عدد من المجتمعات الناجحة، يتحدد معيار الشخص الناجح بثلاثة أشياء: المؤهل الدراسي، والوظيفة العملية، والهواية الشخصية، لذا لا نجد غضاضة في القول بأن ممارسة الهواية الشخصية يعدل تحقيق المرء ثلثَ نجاحاته في حياته كلها.

إذا حاولنا تقديم تعريف للهواية الشخصية، فهي النشاط الإيجابي الذي يحبه المرء، ويمارسه خلال أوقات فراغه، وهي بهذا تختلف عن حرفته المهنية، والتي يمارسها المرء خلال أوقات عمله الرسمية والثابتة في أغلب الأحيان، وهذا التمييز بين الهواية والحرفة أمر ينبغي ألا نغفل عنه، فالقراءة على سبيل المثال لا يمكن اعتبارها هواية إذا كانت خلال أوقات الدراسة النظامية، بينما هي هواية إذا مورست خلال أوقات الفراغ.

ماذا يفعل التوتر في نفسياتنا؟!

يؤدي الإجهاد والتوتر المستمر لظهور وتطور بعض الاضطرابات النفسية الشائعة مثل القلق والاكتئاب، إضافةً إلى دورهما السلبي أيضًا على الصحة الجسدية، مثل التأثير على مناعة الجسم، وزيادة احتمال الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع الضغط والأمراض القلبية والوعائية. قد لا نستطيع تجنب التوتر نهائيًا، ولكن يمكننا اتباع طرق صحية تساعدنا على التعامل معه وتخفيفه، ومن أبسط هذه الطرق وأكثرها فعالية تمارين الاسترخاء التي تعتمد على التنفس العميق والتأمل. تساعد هذه التمارين على تنظيم معدل ضربات القلب وتخفض ضغط الدم وتزيد إمداد الدماغ بالأكسجين، وكل ذلك يساعدك على الاسترخاء وتخفيف القلق والتوتر إلى حده الأدنى وزيادة التركيز والتخلص من ضغوط الحياة اليومية.

أثبتت ممارسة الهوايات بشتى صورها وعلى رأسها التمارين الرياضية أيضًا فعاليتها في تخفيف الاكتئاب والقلق، لأنها تخفف بشكل ملحوظ من تأثر الجسم بالإجهاد والتوتر المزمن، وحتى في حال صعوبة إجرائها بانتظام والتأقلم معها بالنسبة للبعض، إلا أن لها فوائد جسدية ونفسية وصحية كبيرة.

ويعد الأشخاص الذين يمارسون الهوايات أقل عرضة للإصابة بالمشاكل النفسية، مثل التوتر والاكتئاب، حيث تساعد الهوايات على الاسترخاء والابتعاد عن التفكير بالأمور اليومية المقلقة، كالعمل ومشاغل الحياة. كذلك فإن الهوايات تنمي من المهارات الشخصية والاجتماعية، وتحفز الإبداع والخيال لدى الكبار والأطفال على حد سواء.

ومن الثابت علميا ونفسيا أن ممارسة الهوايات تحارب أعراض الشيخوخة، بحسب دراسة أجريت على كبار السن في أستراليا، فإن ممارسة البستنة (الاعتناء بحديقة المنزل) بشكل يومي قد تقلل فرصة الإصابة بالتدهور العقلي أو الخرف.

الهوايات تخفف من القلق والضغط النفسي

القلق يعد مشكلة شائعة وسط نمط الحياة العصري المتسارع، لذا فمن المفيد أخذ وقت مستقطع لممارسة هواية أو نشاط ترويحي. وتساعد الهوايات المختلفة على الاسترخاء والتحكم بمستويات القلق والتوتر، فعلى سبيل المثال تساهم نوع معين من الموسيقى في تحسين المزاج، وتخفيف التوتر، والتعامل مع القلق والاكتئاب، لأنها تقلل من التوتر وتخفض من مستويات هرمون القلق النفسي المعروف بـ الكورتيزول  (Cortisol) أكثر من الأدوية الموصوفة بصورة ملحوظة. كذلك، فقد بينت دراسة أجريت على مرضى السرطان أن ممارسة الكتابة حول تجاربهم مع المرض أدت إلى زيادة التأقلم وتحمل الضغط، مما يعطي أثرا إيجابيا على مجريات العلاج.

كما تساعد هواية أخرى كالكتابة كذلك على الاسترخاء وتنشيط الذاكرة، وتحسن من جودة النوم، ناهيك عن دورها الفعال في التخفيف من حدة كل من القلق والضغط النفسي، لما لها من طبيعة تنفيسية عن العواطف السلبية بشتى أنواعها.

تنمية المهارات والتواصل

إذا نظرنا إلى الهوايات الجماعية، أي تلك التي تمارس مع أشخاص آخرين، مثل المباريات الرياضية ضمن فريق، والكتابة التدوينية لجمهور، سنلاحظ أنها تحسن من مهارات التواصل والتعامل مع الآخرين. كذلك فإن هذه الهوايات تبني الثقة بالنفس وتعزز من الروابط الاجتماعية للفرد، كما تساهم ممارسة هواية ضمن مجموعة أو فريق في التعافي من الاضطرابات النفسية.

تحسين المزاج العام

يساهم قضاء وقت ممتع في ممارسة الهوايات، في تحسين المزاج العام والصحة النفسية، ويساعد على التمتع بحياة أكثر إيجابية. كذلك فإن بعض الهوايات تساهم في رفع مستويات هرمونات السعادة، مثل الدوبامين.

عند ممارسة هواية ضمن أهداف محددة، فإن تحقيق هذه الأهداف يرفع من مستويات السعادة ويعزز الثقة بالنفس، وتساعد بعض الهوايات مثل الصيد على تعليم الصبر ورفع مستويات التركيز.

تعزيز الصحة الجسدية

إلى جانب الأثر الكبير للهوايات على تحسين المزاج والصحة النفسية، تعزز بعض الهوايات كذلك من الصحة الجسدية، فعلى سبيل المثال، وجد أن ممارسة كبار السن للهوايات الحركية، كالألعاب الرياضية، يحسن من قدرتهم على حفظ توازن الجسم، مما يقلل من حوادث السقوط والكسور والمضاعفات الناتجة عنها، وهي حوادث يشيع وقوعها بين هذه الشريحة العمرية. كذلك لا يخفى ما لممارسة التمارين الرياضية من أثر إيجابي على صحة القلب والرئتين والعضلات، ويضاف إليها في ذلك هواية البستنة والاعتناء بالحدائق، والتي وجد أنها قد تقلل خطر الإصابة بالسكتة القلبية والدماغية. والبستنة على سبيل المثال تساعد على تقوية العضلات وتحسين مرونة الجسم لما تتضمنه من تعشيب، وقص للنباتات، وتقليب التربة باستخدام المغرفة والفأس. ومن المثير للاهتمام أيضا أن البستنة والهوايات التي تمارس خارج المنزل قد تقلل من احتمالية إصابة كبار السن بنقص فيتامين د، حيث إن تعريض الجسم لأشعة الشمس المعتدلة من شأنه زيادة منسوب فيتامين د الذي يعمل على تحسين قدرة الجسم على امتصاص الكالسيوم، وبالتالي التخلص من أعراض هشاشة العام وما يترتب عليها.

كما تساعد هوايات حركية أخرى، مثل تسلق الجبال، والتخييم، وممارسة اليوغا على خسارة الوزن، وتقوية العظام والعضلات، ومد الجسم بالطاقة. ويعد الصيد من الهوايات التي تجمع بين الفوائد النفسية والجسدية، حيث يتضمن التنزه أو التجديف لمكان الصيد، ويساعد على الاسترخاء والتخفيف من التوتر أثناء مراقبة البحر. للهوايات أيضا أثر لا يمكن إنكاره على جهاز المناعة، حيث تعزز كافة الرياضات البدنية والروحية من مناعة جسم الإنسان.

 

كيف تعمل الهوايات على تنمية الطفل؟!

تساهم ممارسة الهوايات المشتركة بين الطفل ووالديه، كالألعاب الرياضية أو لعب الشطرنج وغيره، تساهم في تعزيز ثقة الطفل بنفسه، حيث من شأنها أن توصل إلى الطفل رسالة مفادها أن صحبته مسلية وممتعة وأنه شخص مرغوب فيه من قِبل الآخرين. كذلك فإن ممارسة هواية مع الطفل تعمق من ارتباطه وثقته بأبويه، وتشجعه على مشاركة أفكاره ومشاكله معهما. ويتعلم الطفل خلال ممارسة هواية جديدة مثل العزف أن الأخطاء واردة ومقبولة وأن المحاولة والإصرار تساعد على بلوغ الأهداف.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك