العمل والأمل، عجلة الحياة ومحركها

العمل والأمل، عجلة الحياة ومحركها

نفيس أحمد قمر

داعية إسلامي أحمدي
  • تنمية بشرية
  • التفكير الإيجابي

 ____

الإنسان ابن بيئته

الإنسان ابن هذه الأرض، وككل جنين أو طفل رضيع، يتأثر بما تتأثر به أمه من صحة ومرض وتغير في المزاج، فلا يبقى على حال واحدة، كذلك الإنسان في العموم، مرتبطٌ تمامًا بالأرض وعلى صلة متينة بها؛ فمنها خُلِق ولها يعود فيواريه ثراها، والأرض بذاتها متقلبة المزاج فتحل عليها أربعة فصول في العام الواحد، تكتسي خلالها بألوان عدة في كل فصل (الأصفر والأبيض والأخضر ومن ثم الألوان الأخرى البديعة. فهل يكون لهذه التقلبات تأثيرٌ على أفكار ومزاج وروح الإنسان؟! نعم، لها تأثيرٌ بالغ، فما تكتسي به الأرض من لباس ينعكس أيضا على ما يتصف به مزاج المرء، أفلسنا نرى أن أهل البلاد التي لا يسطع فيها ضوء الشمس أغلب أيام السنة يعانون من اكتئاب عام؟!

نظائر الفصول الأربعة في حياة الإنسان

وفي كتاب «السياحة الروحانية» يتناول مؤلفه سيدنا المصلح الموعود ببيان تفاصيل ونماذج كثيرة عن فكرة التناظر بين العالمين المادي والروحاني، فهذا الكتاب مسلسل متصل الحلقات يوثق فيه حضرته أدق تفاصيل رحلته في العالم الروحاني المناظر لهذا العالم المادي، باعتبار أن مسألة التناظر بين العالمين باب كبير من أبواب العلوم. كما يلفت حضرته عبر صفحات كتابه أنظارنا إلى دقائق الحقائق الكامنة وراء سائر الظواهر والمشاهد المادية(1)..

وفي مقام الحديث عن تقلبات مزاج المرء، فإننا نرى أن الطبيعة يتقلب مزاجها كذلك، حين تتوالى الفصول الأربعة على الأرض، فتكتسي في كل فصل بلون يعكس طبيعة ذلك المزاج، فالحياة إذن ذات متقلبات كثيرة، الشقاء والعناء والجهد والتعب والفقدان، كل هذا وأكثر يجعل من الفؤاد هشيمًا تذروه الرياح،كما يحدثُ تمامًا بفصل الخريف والشتاء.

لنزرع داخلنا بذرةً خضراء تدعى الأمل ولكن على علم أن «هذه البذرة حساسة» فلا ندعها تتأثر بأحوال الطقس ولا مرارة الظروف، نعتني بها ونعطيها جل الاهتمام لتنمو بشكلٍ سليم ومستقيم، نضع لها سماد الأمل الضائع، الحلم المؤجل، هدف قيد الانتظار. نسقيها بماء التفاؤل والأمل المؤكد وبيقين تحقق الإنبات والإثمار. زراعة الأمل داخل قلوبنا تفاؤلٌ أوصانا به رسولنا الكريم «تفاءلوا بالخير تجدوه» نلجأ له فيحتوينا فيقوينا فيكبر ويكبر فيعطينا الأمل بأصغر قشة تُنجينا. فلا تكسرنا ظروف ولا أحوال ومهما كان الشر مظلمًا شريرًا فالخير يكمن فيه. واليوم ثمة أمل لن يخيب، ينزع من داخلنا كل يأس، ينتشلنا من خيباتنا ويزرع مكانه اليقين، بأن ما سيأتي سيُصلح ما أتلفه الزمن.

تعريف جديد للإنسان

الإنسان ذلك الكائن المثير للجدل، فقد عرَّف كل ما طاله فكره ويداه، ولكنه عجز حتى الآن عن وضع تعريف لنفسه، فمن تعريفات الإنسان، أنه  كائن مفكر، أما وقد تعددت التعاريف واختلفت، لا نرى بأسا في إضافة تعريف جديد، ليكون الإنسان كائنا ذا أمل، نعم، فالأمل عنصر فارق بين الإنسان وسائر مظاهر الوجود الحي، إذ حتى هذه اللحظة لم يرصد الباحثون هذه الظاهرة أو ما يوازيها لدى الكائنات الحية من غير الإنسان.. أولسنا نرى أن الذي يُغري التاجرَ بالأسفار والمُخاطرة الأمل في الأرباح؟! والذي يدفع التلميذ على المذاكرة أمله في النجاح؟! بل حتى الذي يدعو المؤمن إلى مخالفة هَواه وظاعة مولاه، أمله في الفوز بجنَّته ورضاه! فهو يُلاقي شَدائدها بقلب مُطمئنٍّ، ووجه مُستبشِر، فإذا اقترف ذنبًا لم ييئس من رحمة الله ومَغفرته؛ تعلُّقًا وأملاً بقول الله تعالى:

قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (2)..

وحال انعدام الأمل لدى الإنسان هي حال انحراف عن الفطرة، لذا لم ترد في القرآن إلا في مواضع الذم، يقول تعالى:

لَا يَسْأَمُ الْإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ (3)..

فنعوذ بالله من أن نكون ممن تتشوه فطرتهم بخبو نور الأمل في قلوبهم! ولننظر إلى أمنيات الأنبياء والمرسلين والتي صوَّرها القرآن الكريم؛ فهذا إبراهيم ( ) قد صار شيخًا كبيرًا ولم يُرزَق بعدُ بولد، فيدفعه حسْن ظنِّه بربه أن يدعوَه: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِين (4)، فاستجاب له ربُّه ووهب له إسماعيلَ وإسحاق (عليهما السلام)..

الأمل والعمل

إن أكثر منجزات الإنسان العلمية ومكاسبه الحضارية، كانت في بدايتها خيالات وأحلام، وآمال وتطلعات، حتى أصبح عندنا لون من ألوان الأدب الإبداعي، يطلق عليه قصص الخيال العلمي، حيث ينطلق الفكر لدى بعض الأدباء محلقا في سماء الخيال والتمني، لينسج أحداثا وأوضاعا تتخطى الواقع المعاش، وليرسم صورا ولوحات تتجاوز الإمكانات المتاحة، ولكنها قد تتحقق فيما بعد وتصبح ظواهر حية مألوفة.

ولكن ترى كيف تكون حياة الإنسان إذا أفرط في الأمل دون أن يكون ثمة مقدمات وبوادر للعمل؟ لقد شرح القرآن الكريم تلك الحال، وبين أن سبب هلاك الأمم الخالية أنها كانت ذات آمال عريضة في المستقبل، ولكنها لم تقدم العمل المناسب لتلك الآمال، فطمعوا في الجمة دون عمل ورجوا الثواب دون مكابدة، فقال تعالى عنهم: ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (5). فمجرد تمني الشيء دون السعي لتحقيقه لا يغني عن المرء شيئا، يقول تعالى: أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (6)، وذلك لأنّ السعي وحده هو طريق الإنجاز، يقول تعالى:

وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (7)..

إذن، فالعمل عجلة الحياة، ولا يُحرِّك هذه العجلة سوى الأمل.

الهوامش:

  1. مرشدك الإيماني في العالم الروحاني، مجلة التقوى، فبراير 2020.
  2. (الزمر: 54) 3. (فصلت: 50)       4. (الصافات: 101)
  3. (الحجر: 4) 6. (النجم: 25) 7. (النجم: 40-42)
Share via
تابعونا على الفايس بوك