الذبح العظيم
  • لقد كان سيدن إأبراهيم مثالا عظيمًا للتضحية هو وابنه اسماعيل عليهما السلام.
  • يجب على المؤمن أن يضحي بنفسه وأولاده وماله وأقاربه في سبيل الله ولنافي رسول الله محمد أسوة حسنة على ذلك فقد ضحى بكل غال ونفيس في سبيل الله عز وجل.
  • الإسلام يعني تسليم العنق للذبح ويجب علينا ذبح انفسنا أي شهواتنا في سبيل الله ومرضاته هذا هو المعنى  الحقيقي للتضحية والأضحية، وأن نتقي الله وكأننا نموت في سبيله عز وجل.

__

وردت تضحية سيدنا إبراهيم في الكتاب المقدس مقصورة على ظاهر اللفظ وسطحية المعنى، وتمحورت القصة على ما همَّ به إبراهيم بأمر الله بذبح ابنه ففداه الرب بكبش. وللأسف الشديد نجد أن هذا الفهم الظاهري قد تسرب إلى كثير من كتب التراث والتفسير الإسلامية حيث نُسب إلى الأضحى ومقاصده بعيدا عن حقيقة ما تحمله هذه السنة الإبراهيمية من بذرة خفية وراء الذبح الظاهري الذي لم تكن حقيقته ورسالته سوى التضحية الباطنية الروحانية التي كان مقدرا لها  أن تتجلى في شخص نبينا المصطفى ، حفيد الدوحة الإبراهيمية الذي هو امتداد لذرية إسماعيل الذبيح .

لقد نسي كثير من المسلمين هذه الحقيقة واقتصر فهمهم على ذبح كبش مادي فحسب كما هو في المأثور العقدي التوراتي ونزول كبش من السماء وانصراف أنظار سيدنا إبراهيم إليه، مع العلم أن أمانيه لم تكن سوى أن يكون أمره كله لله تعالى ويضحي بكل غال ونفيس بما في ذلك نسله في سبل مرضاته عز وجل. وقد حقق إبراهيم أمر ربه:

  وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (الصافات: 105و106)

وفهّمه الله مقاصد تلك الرؤى المتكررة والتي كانت في حلل المجاز والاستعارة بالتضحية بنسله المتمثل في ابنه البكر. فكان ذلك اليوم الموعود الذي أقدم فيه على ترك زوجه هاجر وابنه إسماعيل بواد غير ذي زرع في صحراء قاحلة جدباء حيث لا زاد ولا ماء ولا أنيس سوى الهوام والوحوش، هو الذبح المقصود وتعبيرا لتلك الرؤى التي راودته كثيرا وبذرته التي شاء الله أن تنمو  في يوم من الأيام،

  فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات: 103)

وقد أشار سيدنا أحمد  المسيح  الموعود إلى هذا السر الكامن  الذي تقاصرت عنه الأفهام وبيَّن أن الله الذي تتجلّى رحمته بشتى الطرق قد منّ على أمة محمد منّة عظيمة حيث إن الأمور التي كانت كالقشر في الأمم الأخرى، أظهرت هذه الأمة حقيقتها. كما بيَّن أن التضحية التي بذرها سيدنا إبراهيم والتي كانت مخفية قد جعلها نبينا محمدا حقولا وارفة خضراء وأن في عدم تردد إبراهيم في ذبح ابنه تنفيذا لأمر الله  إشارة خفية إلى وجوب أن يكون الإنسان كلُّه لله تعالى وألا يكترث بالتضحية بنفسه وأولاده وأقاربه أمام أمر الله وأن تلك التضحيات التي قُدّمت في زمن الرسول الذي كان أسوة كاملة في كل نوع من الهداية الطيبة، فقد ملئت الصحارى القاحلة بدماء الصحابة الكرام عليهم رضوان الله.

لقد كان نبينا المصطفى حفيد الدوحة الإبراهيمية، تجسدا للطاعة والفداء والاستسلام لرب العزة والكبرياء،  والمتحمّل في سبيله كل عناء، فهو ذلك الذبح العظيم المشار إليه في القرآن الكريم:

  وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات: 108).

إنه تحقق لدعوة إبراهيم الذي بلغت تضرعاته في حضرة الله تبارك وتعالى عنان السماوات بالزَّفَرَات والعَبَرات تقول بلسان حالها: إن أمنياتي يا ربّ لا تنتهي على تضحية واحدة وإنما أمانـيَّ  هي أن تبعث فيهم  يا ربّ، ذلك النبي ّ الذي سوف يحوّل هذه البذرة الخفية في الأرض الجدباء إلى حدائق روحانية غنّاء. وشاء قدر الله تعالى مجيب الدعوات أن يكون مبعثه ونسبه من تلك البقعة المباركة التي بذر فيها إبراهيم ذريته وسالت فيه عبرات عينيه في التلبية،كما شاء سبحانه أن يمتد تعليم هذا النبي الكريم وتتسع دائرة ذريته الروحانية لتشمل كل الأمم والشعوب في أخوة إيمانية تحقيقا لدعوة إبراهيم الخليل.

ففي واقع الأمر إن التضحية هي جوهر الإسلام ولبه وإن كان الأضحى يذكرنا بالتضحية الإبراهيمية كل عام إلا أنه اليوم يقتصر فيه كثير من الناس على تلك الحرفية القشرية المسرفة التي لا تختلف عن نظرة التوراة التي جردت حقيقة هذه المنسك من مقصوده الحقيقي. لقد حُوّلت في زماننا هذا إلى ضرب من ضروب اللهو واللعب والعادات والتقاليد والتباهي بهوى النفس وإرضاء أنانيتها بالاقتصار على لبس الجديد والهضم والقضم والتنعم بالأطعمة وتجاذب أطراف الحديث في وصف ما احتوته الأضاحي من شحوم ولحوم؟ تُرى هل كانت تضحية إبراهيم من أجل كبش أو من أجل تنعم في المتع المادية حتى تختزل بهذه البدع التي انحرفت عن جوهرها؟ وهل كانت ثمرة بذرة تلك التضحية الإبراهيمية المتمثلة في سيدنا محمد وتضحياته العظمى في سبيل الله ومن آمن به عبث والعياذ بالله حتى يتم فصل سُنّة الأضحى عن جوهرها الرسالي الروحي في صبغ أنفسنا بصبغة إبراهيم وحفيده؟ ثم ألا يجدر بنا أن ندرك الحكمة من التنبيه القرآني

  لَن يَنَالَ الله لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (الحج: 38).

لقد نبه حضرة المسيح الموعود والإمام المهدي إلى خطورة هذا الانسلاخ عن جوهر فلسفة التضحية الإبراهيمية قائـلا: “أما اليوم فانظروا جيدا، هل بقي من الروحانية شيء إلا الفرح والمرح واللهو واللعب؟ إن عيد الأضحية هذا أفضل من العيد الأول ويسميه العامة أيضا بالعيد الكبير، ولكن أخبروني بعد التأمل، كم هم الذين ينتبهون بسبب العيد إلى تزكية نفوسهم وتصفية قلوبهم، ويحصلون على حظّ  من الروحانية ويسعون للاقتباس من ذلك النور الذي وُضع في هذا الضُحى؟”

ولا يغيبن عن بال أحد  أننا بحاجة إلى تضحية واحدة وهي التضحية بالنفس التي تشعر بضرورتها فطرتُنا والتي تُسمى بكلمات أخرى “الإســـلام” . والإسلام يعني تسليم العنق للذبح وأن الله قد جعل في شرع الإسلام رموزا ونماذج لكثير من الأحكام الهامة. حيث أُمر الإنسان أن يفدي نفسه في سبيل الله تعالى بكل قواه وبسائر وجوده. وأن القرابين الظاهرية جُعلت نموذجا لهذه الحالة، ولكن المقصود الحقيقي هو هذه التضحية.. أي اتقوا الله لدرجة وكأنكم تموتون في سبيله. وكما أنكم تذبحون القرابين بأيديكم كذلك ضحّوا بنفوسكم أيضا في سبيل الله. فإذا كانت هناك تقوى أدنى من هذه الدرجة فإنها لا زالت ناقصة.

اللهم صل على من وصفته بالذبح العظيم في كتابك الكريم سيدنا محمد وعلى آله المؤمنين من الأولين والآخرين كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك