إشارة خفية لأعظم عطية

إشارة خفية لأعظم عطية

التحرير

  • التضحية العظمى من أجل الله
  • بداية عهد جديد عنوانه الرحمة
  • فلسفة الأضحية في الإسلام

__

بعون الله وفضله سيطل علينا قريبا عيد الأضحى ويجدد في قلوبنا وقع تلك العزيمة الإيمانية العظيمة والمنقطعة النظير التي أبداها سيدنا إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام استسلاما لأوامر الله تعالى، الأمر الذي يشد العزائم ويمتّـن علاقة المرء بخالقه.

لا شك أن كثيرًا من الناس يضحّون في سبيل أهداف نبيلة شتى ولكن لا تنال كل تضحية رضى الله تعالى. ومن يمعن النظر يجد أن الناس جميعا يقدّرون معاني التضحية وما تحمله من بهجة واطمئنان.. ولدى مقارنتها بالتضحية الإبراهيمية المباركة نجد بونا شاسعا بينهما..

إن من الآباء من يضحي بنفسه في سبيل إسعاد أبنائه، وهنالك من يضحي في سبيل مبادئ شتى. وهكذا نجد أن البعض يضحي بناء على دافع غريزي عاطفي. والبعض الآخر يضحي في سبيل مبادئ عليا.. لكن تضحية إبراهيم تبقى متميزة عن كل هذه التضحيات التي اعتاد الناس عليها.. حيث أمر الله عز وجل عبده إبراهيم بالتضحية بأعظم وأعز ما لديه.. حيث أمره بأن يضحي بما يضحي الناس جميعا من أجله.. ولم يتردد لثانية ولم يعترض على ما أمره الله به بل بادر بالامتثال لأمره .. نعم لقد تناسى تلك العاطفة الأبوية الجياشة، وتناسى تلك العاطفة الزوجية التي تربطه بالسيدة هاجر، وتناسى عواطف النسل والذرية التي كانت متجسدة في ابنه الوحيد.. مع أنه كان قد بلغ من الكبر عتيا، ولم يكن لينتظر منه أن ينجب نسلا آخر بعد ذلك الغلام الذي كان قرة عينه. ولكن هذه العواطف لم تزحزح سيدنا إبراهيم ولم تغير شيئا من عزمه وإيمانه، مع أنه كان رقيق القلب، بل نهض بعزيمة إيمانية صادقة ممتثلا لأمر الذي ناداه في الرؤيا.

وبهذه العطية أنهى الله تعالى التقليد السائد منذ القدم بذبح البشر كضحية دينية. ولـمَّح لكل عاشق ولهان أن في هذا الأمر إشارة خفية لأعظم عطية من الدوحة الإسماعيلية، سيدنا محمد المصطفى الذي كان ذبحا عظيما على عتبة ربه في سبل مرضاته والمستسلم الكامل له .

ثم فلننظر إلى ذلك الابن البار الذي لم يتردد قط في تسليم رقبته تلبية وفداء وطاعة لأبيه إبراهيم وإله إبراهيم:

فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصَّابِرِينَ (الصافات: 103)

ومن هنا تتجلى لنا تلك الروح الفدائية الطاهرة المباركة التي تمتَّع بها هذا الابن كأبيه حيث أظهر الله بهذا الابتلاء جوهرة فطرتهما التي كانت مشتركة في الطاعة والاستسلام لأوامره

..يا إبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِين *… وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (الصافات: 104 إلى 108)

وبهذه العطية أنهى الله تعالى التقليد السائد منذ القدم بذبح البشر كضحية دينية. ولـمَّح لكل عاشق ولهان أن في هذا الأمر إشارة خفية لأعظم عطية من الدوحة الإسماعيلية، سيدنا محمد المصطفى الذي كان ذبحا عظيما على عتبة ربه في سبل مرضاته والمستسلم الكامل له .

إن حجاج بيت الله الحرام الذين يؤدون مناسك الحج يتذكرون جانبا آخر من تضحيات إبراهيم حينما استجاب لأمر الله تعالى تاركا ابنه البكر وزوجته في تلك البقعة التي لا زرع فيها ولا ماء ولا أنيس، مضحيا بزوجته وفلذة كبده

رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (إبراهيم: 38)

إن نداءات التلبية التي تهتف بها جموع الحجاج تستعيد في نفوس المؤمنين تلك الذكرى المجيدة لأبيهم إبراهيم عندما قدم أعظم ضحية لله العلي الأجلّ وكأن لسان حالهم يقول: يا رب، إننا مستعدون لأن نضحي بأنفسنا وما نملكه من غال ورخيص في سبيلك، كما قدم إبراهيم تضحياته..

ويظهر من فلسفة الأضحية في الإسلام معاني الاستسلام لله كلية وذبح النفس الأمارة. ومن هذا المنطلق فإن في تكبيراتنا (الله أكبر) يوم العيد إيحاء.. وكأننا نذبح نفسنا الأمارة ونضحي بها في سبيل الحصول على مرضاة الله. وفي هذا الأمر إقرار ضمني بأننا رأينا في تضحية إبراهيم عظمة رب العزة وجلاله وكبرياءه..

وإنه لمن دواعي شكر الله تعالى وحمده أن أوضح لنا سيدنا أحمد فلسفة الأضحية وحقيقة النسك والضحايا في الإسلام في خطبة مباركة جليلة من فيض الإلهام الإلهي تجلت فيها حكمة الأضحى ومقاصده في ذبح النفس الأمارة والانقياد التام لله . جعلنا الله وإياكم من الذين انسلخت عنهم هواجس النفس الأمارة بالاستسلام لله والانقياد لأوامره سبحانه وكل عام وأنتم بألف خير وصلِّ اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك