الخلافة، المشروع الإللهي.. تقام بيد الخالق، لا المخلوق
التاريخ: 2017-05-26

الخلافة، المشروع الإللهي.. تقام بيد الخالق، لا المخلوق

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الخلافة مشروع إلهي، يقام بيد الخالق، لا المخلوق
  • وعد الاستخلاف في الزمن الأخير مرهون بـ”آخرين منهم”
  • تجلي إيمان الصحابة وتضحياتهم في أحمديي الجزائر الأسرى
  • وللنساء نصيب مما ضحَّوا
  • المسيح الموعود يضع أساس نظام الخلافة في وصيته
__
وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (النور: 56)

هذه الآية كما هو ظاهر من مفهومها قد ورد فيها وعْد الله المسلمين بوجود الخلافة في الإسلام دوما. وصحيح أن النبي قد قال إن هذا الإنعام سيُنزع من المسلمين لمدة جراء أعمالهم وضعف إيمانهم، لكنه في الوقت نفسه وضّح أن هذا النظام سيقام من جديد- بحسب الوعد الإلهي- في أهل الإيمان القوي والأعماِل الصالحة والسالكين على درب هذا الدين الأخير الكامل المكتمل، وأن الخلافة ستقام من جديد على منهاج النبوة وستدوم. إن غالبية المسلمين- بسبب النظريات الباطلة لعلماء الإسلام وعدمِ إدراكهم لأعماق تعليم القرآن الكريم وكلامِ النبي وتمسُّكهم بالتفاسير السطحية- لا تدرك كيف تقام الخلافة من جديد. كما تقول شريحة كبيرة جدا في المسلمين بأنه لا حاجة إلى أية خلافة، فعلى كل مسلم أن يظل متمسكا بفرقة ينتمي إليها وهذا يكفيه. لأن وضع المسلمين في العالم المعاصر وتشوُّه سمعة الإسلام يقتضي أن يبقى كل مسلم كما هو. فقد قال لي شخصيا إمامُ مسجدٍ مقيمٌ في هذه الدول الغربية ويدير جمعية أيضا وهو في الظاهر ذو ثقافة دينية، وله علاقات طيبة مع الأحمديين ويكنّ لهم احتراما: إن مدرسة الفكر التي أنتمي إليها قال أسلافها: لا تعترضوا على دين الآخرين وتمسكوا بدينكم. فالعلماء الذين يعتنقون هذه النظريات يعلِّمون أتباعهم حصرا أن لا حاجة إلى الاتحاد تحت خلافة واحدة. هذه الأقوال تفصح أن للشؤون الشخصية والفِرق أهميةً أكبر من المصلحة الواسعة للأمة الإسلامية والاتحاد على يد واحدة في نظر هؤلاء. فهذه النتيجة حصرا تظهر لعدم فهْم تعليم القرآن الكريم وعدم التدبر في أقوال النبي . يقول سيدنا المسيح الموعود في بيان قلة علم المسلمين، بل الأحرى أن يقال قلة علم علمائهم وجهلهم:

“بعض الناس ينكرون عموم الآية: وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ويقولون بأن المراد من «منكم» هم الصحابة فقط، وأن الخلافة الراشدة الحقة قد انتهت على زمن الصحابة، ولن يكون بعدهم للخلافة في الإسلام أيّ أثر إلى يوم القيامة، وكأن فترة الخلافة كانت ثلاثين عاما فقط كطيف أو كحُلم. ثم أصابت الإسلام نحوسةٌ مستديمة والعياذ بالله. لكنني أتساءل: هل يسع شخصا ذا قلب نقي أن يتبنّى الاعتقاد بأن بركة شريعة موسى وزمن خلافته الراشدة امتد إلى 1400 عام دون أدنى شك، أما النبي الذي هو أفضل الرسل وخير الأنبياء وفترة شريعته ممتدة إلى يوم القيامة قد اقتصرت بركاته على زمنه فقط، ولم يُرد الله أن تتراءى للعيان نماذجُ بركاته الروحانية إلى فترة ملحوظة بواسطة الخلفاء الروحانيين؟! الحق أن أوصالنا لترتجف لسماع مثل هذا الكلام. ولكن من المؤسف حقا أن الذين يتفوّهون بمثل هذه الكَلِمِ المُحْفِظات بتجاسر ووقاحة متناهية أن بركات الإسلام تمتد إلى المستقبل بل انقطعت منذ مدة طويلة؛ يسمون أنفسهم مسلمين!”

لقد قال حضرته  أيضا في موضع آخر:

“إذا كان عُمرُ الخلافة محدودا بثلاثين سنة فقط ولم يكن شيء بعدها، وهذا هو عمر الإسلام كلُّه، فكان الله قادرا على أن يزيد في عمر النبي نفسه ثلاثين عاما أخرى، و93 عاما من العمر لا تعد غير عادية، فأية حاجة كانت لهذه الخلافة؟!”

فهناك أناس يعتنقون هذه النظريات أيضا، فقد رسم المسيح الموعود صورة هؤلاء الناس بشيء من التفصيل. لكن هناك آخرون يريدون إقامة خلافتهم بقوة حكوماتهم المادية. وبحسب زعمهم يمكن إقامة الخلافة بالقوة. فهم لا يفهمون رسالة الله الواضحة أن هذا الوعْد مشروط بالإيمان والعمل الصالح. فهذا الوعد يخصّ أولئك الذين يصبحون عبادا حقيقيين لله . وبسبب هذه النظرية الباطلة لعامة المسلمين قد لعبت القوى المعادية للإسلام دورا في تكوين التنظيمات ودعمها وخلعت عليها اسم «الخلافة» وذلك لإضعاف العالم الإسلامي. إلا أنها تكاد تتلاشى بعد نيل الأهداف المادية لفترة معينة وعدم حصولها على دعم أربابها الماديين أو بعد تحقق مآربهم.

إن غالبية المسلمين- بسبب النظريات الباطلة لعلماء الإسلام وعدمِ إدراكهم لأعماق تعليم القرآن الكريم وكلامِ النبي وتمسُّكهم بالتفاسير السطحية- لا تدرك كيف تقام الخلافة من جديد. كما تقول شريحة كبيرة جدا في المسلمين بأنه لا حاجة إلى أية خلافة، فعلى كل مسلم أن يظل متمسكا بفرقة ينتمي إليها وهذا يكفيه.

قبل ثلاث سنوات سألني صحفي في إيرلندا: ما حقيقة الخلافة التي ظهرت الآن في العالم الإسلامي، وهل سيتسع نفوذها؟ وهل على خلافتكم أي خطر منها؟!
فقلت له إنها ليست خلافة بل هي جماعة المتطرفين مثل الجماعات المتطرفة الناشطة الأخرى، وستلقى أيضا نفس العاقبة التي تلقاها تلك الجماعات. فسينشط هؤلاء ما دام أربابهم الماديون راضين عنهم وعندما سيسحبون أيديهم فسوف يَضعفون تدريجيا. أنى لهم أن يمكِّنوا الدين؟! وأي سلام كانوا سيقيمون؟! إلا أن العالم شاهدَ أنهم دمروا سلام العالم الإسلامي فقط، فكانت للقوى المعادية للإسلام خطةٌ لإضعاف العالم الإسلامي، وهؤلاء قد نفذوها. ويدعمهم الحكام المسلمون الذين سفكوا دماء شعوبهم حفاظا على عروشهم. وإلى الآن يخاف المسلمُ المسلمَ بدلا من أن يسعى لإرساء السلام. وهم يدمرون سلام العالم غيرِ الإسلامي أيضا. ومهما تكن له من دوافع ودواعٍ فحين يلاحظ المسلم المخلص مسلما آخر يتورط في قتل الأبرياء ونشْر الدمار يتضايق ويتألم. في الآونة الأخيرة حدث هنا في مانشستر في بريطانيا حادثٌ إرهابي قُتل فيه 22 أو 23 شخصا دونما سبب بما فيهم أولاد أبرياء أيضا. هذا العمل الغاشم لأقصى حد لا يمكن أن يعزى إلى تعاليم الإسلام بأي شكل كان. نحن نتألم ونضطرب إثر ملاحظة هذه الأحداث الظالمة. رحم الله هؤلاء الضحايا وألهم ذويهم الصبر والسلوان، وكفَّ أيدي الظالمين الذين يقومون بهذه التصرفات باسم الإسلام والخلافة. وكذلك إن ما يحدث في الدول الإسلامية من قتل وسفك الدماء وظلم وهمجية إنما هي نتيجة الابتعاد عن الدين وعدم الاستجابة لأوامر الله . إن هذه الأعمال التي تصدر باسم الإسلام ضد تعليم الإسلام وكذلك المظالم التي تمارسها الحكومات الإسلامية على المسلمين بمساعدة الحكومات غير الإسلامية من القصف والقتل دون أي تمييز، فنحن الأحمديون الذين عرفوا تعليم الإسلام وأدركوا تعليمه عن الحب والمودة والسلام ورأوا مشاهد استبدال الخوف بالأمن بتمسكهم بالخلافة، نشعر بالألم أكثر من الجميع. فنحن فقط من نستطيع أن نشعر بوطأته أكثر. نحن الأحمديون فقط نستوعب موضوعَ الأمن والسلام في هذا العصر إدراكا لتعليم الإسلام وكلام النبي ببركة التمسك بذيل خاتم الخلفاء. إن الخلافة لا تُنال بالقوة المادية ولا بالدهاء المادي ولا باتخاذ العلماء المزعومين قراراتٍ إثر اجتماع، كما قد بُذلت الجهود قبل عدة سنين حيث اجتمع المسلمون لانتخاب الخليفة لهم. فلن تقام الخلافة بهذه الطرق. إن نظام الخلافة الذي يبدِّل الخوف أمنا، والذي نتيجة نيله رضوان الله يصبح وسيلةً لتمكين الدين، له علاقة بالخلافة التي ستقام بحسبما أنبأ الله ورسوله حصرا والتي قال الله عنها في سورة الجمعة:

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ .

كان النبي جالسا مع الصحابة حين نزلت عليه هذه الآية، فسأله أحد الصحابة: من هم يا رسول الله الذين لم يلحقوا بهم ومع ذلك هم حائزون على مرتبة الصحابة؟ فلم يراجعه النبي حتى سأل ثلاثا، فوضع النبي يده على سلمان الفارسي وقال:

“لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا لَنَالَهُ رِجَالٌ أَوْ رَجُلٌ مِنْ هَؤُلاءِ.”
هل يسع شخصا ذا قلب نقي أن يتبنّى الاعتقاد بأن بركة شريعة موسى وزمن خلافته الراشدة امتد إلى 1400 عام دون أدنى شك، أما النبي الذي هو أفضل الرسل وخير الأنبياء وفترة شريعته ممتدة إلى يوم القيامة قد اقتصرت بركاته على زمنه فقط، ولم يُرد الله أن تتراءى للعيان نماذجُ بركاته الروحانية إلى فترة ملحوظة بواسطة الخلفاء الروحانيين؟!

وعد الاستخلاف في الزمن الأخير مرهون بـ «آخرين منهم»
وقال بمناسبة أخرى عن مكانة الآخرين ما مفاده أن أمته خير أمة، لا يُدرى أأولها خير أم آخرها. إذًا، لقد بشّر النبي بنفسه بالخير في الزمن الأخير. أفيمكن كسب بركات الآخرين في هذا الزمن الأخير بمجرد الاقتداء بالعلماء والملوك الماديين؟! كلا، لأنهم أناس ماديون بكل معنى الكلمة، بل ستُنال هذه البركات باتباع ذلك الرجل الذي سيعيد الإيمان إلى العالم. فمن ذا الذي يسعى اليوم جاهدا لرفع دعائم الإيمان في العالم سوى النظام القائم بواسطة المحب الصادق للنبي ؟! الحق أن هذا النظام وحده ينشر دعوة الإسلام في العالم كله بالأمن والحب والوئام ويسعى جاهدا في عصر الكفر والإلحاد هذا لإقامة الإيمان في العالم. هذه هي مهمة جماعة المسيح الموعود التي يجب أن نتابعها كما نفعل فعلا.
هناك أحداث كثيرة وقعت معي ومع أناس آخرين أيضا. فنحن نعقد مؤتمرات للسلام وجلسات للجماعة يحضرها غير المسلمين أيضا، وحين نبلّغهم دعوة الإسلام الحقيقي يقول الجميع بمن فيهم المسيحيون والملحدون أن هذه هي الدعوة الحقيقية وهذا هو الإسلام الحقيقي الذي يحتاج إليه العالم كله اليوم، وإذا نشرتم هذا النوع من الإسلام فلن يمانع أحد في قبوله.
فهذه هي المهمة التي يجب أن نسعى لإنجازها. ولتجديد الدين وإقامة الإيمان في هذا العصر لا بد من اللحوق بالمسيح والمهدي الموعود الذي هو خاتَم الخلفاء أيضا. يقول عن لحوق الآخرين بالأوّلين:

“ملخص هذه الآية: هو الله الذي أرسل رسولا في زمن كان الناس فقدوا فيه العلم والحكمة نهائيا، وكانت العلوم الحكيمة والدينية التي بها تكتمل النفوس البشرية وتبلغ كمالها العلمي والعملي مفقودة. (أي كان الناس قد نسوا الدين تماما، وتلاشى من الدين تعليم الحكمة. كان الزمن يقتضي أن توصل تلك الحكمة الدينية والعلوم الدينية ذروتها ويتم إصلاح النفوس البشرية من الناحية العلمية والعملية، فبُعث النبي لهذا الغرض، لأن الأمور المذكورة كلها كانت قد تلاشت في ذلك العصر)”

يتابع المسيح الموعود ويقول:

“كان الناس في ضلال أي كانوا قد ابتعدوا عن الله وعن صراطه المستقيم. ففي هذه الحالة أرسل الله تعالى رسوله الأمي فطهّر ذلك الرسول نفوسهم وملأهم بعلم الكتاب والحكمة، وأوصلهم إلى مرتبة اليقين الكامل بالآيات والمعجزات (أي أراهم الآيات والمعجزات ومشاهد قدرة الله تعالى فازدادوا إيمانا بحيث بلغوا مرتبة اليقين الكامل، ونوّرت قلوبهم بنور معرفة الله)”

يتابع :

“هناك جماعة أخرى ستظهر في الزمن الأخير وسيكون أهلها في الظلام والضلال في البداية وبعيدون عن العلم والحكمة واليقين ثم يصبِّغهم الله تعالى بصبغة الصحابة، أي سيريهم ما رآه الصحابة حتى أن صدقهم ويقينهم يبلغ مبلغ صدق الصحابة ويقينهم.”

فالمسيح الموعود خلق في أصحابه يقينا وإيمانا فقدّموا التضحيات لِيَبلغوا الكمال في الإيمان واليقين، ويخرجوا من الظلام الذي كان سائدا في كل جهة، فكان الضلال مسيطرا على الدنيا، وكان الناس قد نسوا الإسلام فجاء المسيح الموعود وأحيا الإسلام حياة ثانية، وأحرز الصحابة لارتباطهم بالمسيح الموعود نورَ الدين، وشهدوا شتى الآيات التي سُجِّلت في كتب الجماعة، وتُعدُّ بالآلاف، واليوم أيضا كثير من الناس يخرجون من الظلام ويرون النور وينضمون إلى الجماعة بعد الاطلاع على الآيات. قال المسيح الموعود عن المؤمنين به أنهم يحرزون نورا ويقينا بواسطة آيات الله تعالى وتأييداته المتجددة كما أحرزهما الصحابة. إنهم يتحملون استهزاءَ الناس ولعناتهم وطعْنَهم وألوان الإساءات وبذاءةَ اللسان وقطعَ الرحم وغيرها من المصائب، ويتخلّى عنهم أقاربهم، فإنهم يتحملون هذه الصدمات كما تحملها الصحابة، لم تحدث هذه الأحداثُ في زمن المسيح الموعود فقط أو في القوم الذين بُعث فيهم أيْ في الباكستان والهند فقط، بل لما كان حضرته جاء في أثر الرسول ليجعل العالم كله أمة واحدة وعبادا لله، لذا فالمؤمنون بالمسيح الموعود في بلاد أخرى أيضا يمرون بهذه المصائب والمعاناة ولكنهم يواجهونها بمنتهى الصبر والثبات.

فقلت له إنها ليست خلافة بل هي جماعة المتطرفين مثل الجماعات المتطرفة الناشطة الأخرى، وستلقى أيضا نفس العاقبة التي تلقاها تلك الجماعات. فسينشط هؤلاء ما دام أربابهم الماديون راضين عنهم وعندما سيسحبون أيديهم فسوف يَضعفون تدريجيا. أنى لهم أن يمكِّنوا الدين؟!

تجلي إيمان الصحابة وتضحياتهم في أحمديي الجزائر الأسرى
إن مَثَل الجزائر في هذه الأيام أمامَنا، إنها جماعة حديثة العهد، ولكن بعد أن آمنوا بالمسيح الموعود ودخلوا جماعة «الآخرين» وتبعوا الخلافةَ الأحمدية وبلغ إيمانهم الذُّرى، يمكن أن نتبين مستوى إيمانهم من خلال الرسائل التي تصلني وفي إحداها التي تسلمتها البارحة كتب صاحبها يقول:

«لقد منَّ الله علينا بنعمة الإسلام الصحيح الذي أحيا القلوب وجمع بين النفوس وجعلنا بنيانا مرصوصا متحابين في الله تحت أمر الخليفة.(ثم يقول مخاطبا إياي:) سيدي، لقد زارني الإخوة الأحمديون من كل أنحاء الوطن بعد خروجي من السجن تغمرهم الفرحة ويملأ قلوبهم السرور بنصر الله تعالى».

إنهم يتكبدون عناء الأسر من جهة، ومن جهة أخرى يتمتعون بالفرحة والسعادة لما ينزل عليهم من أفضال الله تعالى. يتابع:

«وكلّفوني أن أُقرأ حضرتَكم سلامهم وطلبِ الدعاء لهم، وكلُّهم إصرار على مواصلة العمل والدعاء لإعلاء كلمة الحق، ومهما حلّت بنا المصائب سنستمر في نشر الحق مستعينين بالله عاكفين على الدعاء. ثم يقول: لقد زادت هذه الأيام الصعبة من تلاحمنا وحبنا وتكاتفنا وحبنا لخليفتنا المفدى. ثم يقول: وقد شاهدنا بأم أعيننا استجابة الله لدعائكم فينا ورأينا في مصابنا الكثيرَ من الآيات التي زادتنا إيمانا وإيقانا بصدق المسيح الموعود العاشقِ الصادق لسيدنا محمد . يقول: تنزل أفضال الله تعالى ورحمته على الأحمديين الضعاف في الجزائر.»

قد أُطلق مؤخرا سراحُ بعض الأحمديين في الجزائر، وندعو الله تعالى أن يهيئ أسباب إطلاق سراح الأسرى الباقين أيضا، (آمين). ثم كتب أسير آخر:

«أيقنتُ في السجن أن الله تعالى قدّر لنا أن نعيش فترة من حياتنا لنكتشف فيها بعضا من عجائبه. أيْ السجن والعقوبات والقضايا ضدنا كانت بحكمة خاصة من الله تعالى ليرينا بعض عجائبه.»

يقول:

«كنا نحسب في زمن الحريّة والهناء والسعة أن هذه النجاحات أحرزناها نحن وكنا نظن أننا رأينا وجه الله الكريم وعرفنا طريقه، لكن تبيّن لنا في هذه الفترة أننا لم نعرف إلا القليل من كل ذلك والآن رأينا نماذج حقيقية لقدرته .

يقول:

«لم أكن أخاف من السجن وإنما كنتُ قلقا لإحساسي بأنني لم أؤدِّ حق الله تعالى وحق عبادته. ثم قال: وفي السجن منَّ الله علي ببعض الرؤى التي اطمأننت بها كثيرا. ثم قال مخاطبا إياي: منها كذلك ما رأيت فيها حضرتكم.»

ثم قال:

«كانت دعواتكم تزيدنا إيمانا ويقينا وراحة في السجن. قد أنعم الله علينا بهذا الفرج الذي هو بمنـزلة استجابة أدعية عظيمة لحضرتكم ولكل الأحمديين المخلصين.»

وللنساء نصيب مما ضحَّوا
لقد سأل ذلك الأحمدي المخلص الدعاء لزوجته، إذ كانت كثيرة الصبر والمجاهدة. كانت زوجته أحمدية وحيدة في أسرتها وأقاربها كلهم كانوا غير أحمديين، وعندما كان زوجها في السجن تُوفي والدها، ثم تخلى عنها إخوتها لأنها أحمدية بعد أن ثارت الضجة ضد الجماعة، فلا زوج معها ولا أخ.

ثم يقول:

«عند دخولي السجن كانت تبعد عن أهلي كثيرا، لعل جميع أقارب الزوج أيضا ما كانوا أحمديين، لكن الأحمديات المخلصات ملأْن هذا الفراغ بحبّهن.»

وأصبحوا جميعا مثل الأسرة، فحين تركها الأقارب أصبحت الجماعة الأحمدية أسرتها.
باختصار، ضحّى الرجال والنساء كلٌّ في دائرته ولا يزالون يضحّون في بعض الأماكن. كما قال المسيح الموعود في مختلف الأماكن أنهم أي الصحابةُ أيضا لاقوا الإساءات وأُلقوا في الشدائد، يقول ذلك عن أصحابه بفضل الله تعالى، ولكن ها هي جماعة الجزائر التي هي جماعة صغيرة وحديثة، تـمرّ بزمن الابتلاء وهي ثابتةٌ على إيمانها بقوة، وتَظهر مشاعرُها من خلال هاتين الرسالتين.
وكتب أيضا أنه بسبب نظام الخلافة التي تأسس بواسطة المسيح الموعود ، تهيأت لهم أسباب السكينة والطمأنينة. والإجراءات التي كان الأعداء يتخذونها ضدهم كانت تستحيل بفضل الله تعالى طمأنينة بسبب ارتباطهم بالخلافة. وهناك أمثلة كثيرة تُبيّن أن الله تعالى يهيئ من عنده أسباب الراحة والطمأنينة. إن المصائب والمشاكل تأتي على مستوى الفرد والجماعة، ولكن الله تعالى يظل يهيئ أسباب الأمن والسكينة بحسب وعده، إنه ليس مقتصرا على عهد أو وقت معين، كما ضربتُ بعض الأمثلة أن وعده ليس مقصورا على زمن معين، بل وعَدَ الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات حيثما وُجِدوا أنه سيُزيل خوفهم، ولكن الله تعالى مع ذلك يوجّه المؤمنين مرارا وتكرارا إلى أن يؤدّوا حق عبادته أيضا. وحين يؤدون حق عبادته فمهما طرأ عليهم من حالات الخوف فسيتبدل الخوف أمنا وسكينة بسبب ارتباطهم بالخلافة وعلاقتهم بالله تعالى. فمثلا هؤلاء الأحمديون الجزائريون الذين لم يلقوا الخليفة قط إلّا بضعةٌ منهم، ولكن بسبب إيمانهم الكامل يهيئ الله تعالى لهم أسباب السكينة والطمأنينة كما كان يهيئ في زمن المسيح الموعود أسبابَ طمأنينةِ قلوبِ أصحابه. ثم انظروا إلى تاريخ الجماعة فقد طمأن الله تعالى قلوب المؤمنين في زمن الخليفة الأول أيضا بسبب نظام الخلافة التي أجراها المسيح الموعود ، ثم طرأت مواقف صعبة للغاية في زمن الخليفة الثاني أيضا ولكن الله نزل السكينة، ثم في عهد الخليفة الثالث أيضا حلت مصائب شديدة جدا، وقال رئيس وزراء الباكستان آنذاك أنه سيدفع بالأحمديين إلى التسوُّل اضطرارا، ولكن الله تعالى هيأ أسباب السعة لهم، وهذا ما فعله الله تعالى في زمن الخليفة الرابع أيضا، وفي هذه الأيام أيضا يهيئ تلك الأسباب. فهذا الوعد ليس في مكان واحد، بل هو شامل المؤمنين المرتبطين بالخلافة الحقة التي أقامها الله تعالى.

إن مَثَل الجزائر في هذه الأيام أمامَنا، إنها جماعة حديثة العهد، ولكن بعد أن آمنوا بالمسيح الموعود ودخلوا جماعة «الآخرين» وتبعوا الخلافةَ الأحمدية وبلغ إيمانهم الذُّرى، يمكن أن نتبين مستوى إيمانهم من خلال الرسائل التي تصلني…

المسيح الموعود يضع أساس نظام الخلافة في وصيته
إن ما مضى ذكره يحدث كله لأن الله تعالى كان قد وعد المسيح الموعودَ سلفا بأنه سيُكمل مهمّته بواسطة القدرة الثانية التي هي الخلافة، وسيجعل الإسلام غالبا مجددا كما سيطمئن قلوب المؤمنين أيضا. فيقول المسيح الموعود في كتابه الوصية وهو يتحدث عن رحيله عن هذه الدنيا وعن استمرار رقي الجماعة بواسطة الخلافة:

«فيا أحبائي، مادامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين كاذبتين للأعداء؛ فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تكتئبوا (يطلع حضرته بهذا الكلام صحابته على رحيله ويُطَمئنهم)، إذ لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم إلى الأبد بحسب وعد الله الذي سجلتُه في كتابي «البراهين الأحمدية»، وإن ذلك الوعد لا يتعلق بي بل يتعلق بكم أنتم، كما يقول الله – -: سأجعل هذه الجماعة الذين اتبعوك فوق غيرهم إلى يوم القيامة.
فمن الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي لِيليه ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلهنا إلهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. ومع أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته – سبحانه وتعالى -، فأنا قدرة الله المتجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك كونوا منتظرين لقدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين. ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدعوا حتى تنزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر كل القدرة. أيقِنوا أن موتكم قريب، إذ لا تعلمون متى ستحل تلك الساعة!» (الوصية)

فلا بد أن تتعرضوا للمشاكل والابتلاءات إلا أن الفتح الأخير هو للجماعة الأحمدية بإذن الله. وإن نظام الخلافة الذي أقيم بواسطة المسيح الموعود لهو النظام الحقيقي الذي أنيط به كل هذا الرقي والازدهار كما أنيط به أمن العالم وسلامته أيضا. وهذا هو النظام الذي من خلاله سيثبت علو كعب الإسلام وغلبته على العالم كله. يقول المسيح الموعود مخبرًا عن هذه الغلبة:

«هذه هي سنة الله الجارية، ومنذ أن خلق الإنسان في الأرض ما زال يبدي هذه السنة دون انقطاع أنه ينصر أنبياءه ومرسليه. ويكتب لهم الغلبة، كما يقول: كتب الله لأغلبن أنا ورسلي والمراد من الغلبة هو أنه كما أن الرسل والأنبياء يريدون أن تتم حجة الله على الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، فإن الله تعالى يظهر صدقهم بالبينات، ويزرع بأيديهم بذرة الحق الذي يريدون نشره في الدنيا، غير أنه لا يكمِّله على أيديهم. بل يتوفاهم في وقت يصحبه الخوفُ من الفشل باديَ الرأي، فيُفسح بذلك المجالَ للمعارضين ليَسخَروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا. وحينما يكونون قد أخرجوا كل ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يدَ القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي كانت إلى ذلك الحين غير مكتملة لحدٍّ ما.
فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: أولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته بعد وفاة النبي حين تواجه المحن ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن هذه الجماعة سوف تنمحي، حتى إن أعضاءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتنقصم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء، عندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً ويُساند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق – رضي الله عنه -، حيث ظُنَّ أن وفاة الرسول – – قد سبقت أوانَها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة من شدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق – رضي الله عنه -، وأظهر نموذجًا لقدرته مرة أخرى، وحمى الإسلام من الانقراض الوشيك. وهكذا أتم – – وعده الذي قال فيه: ولَيُمكِّننَّ لهم دينَهم الذي ارتضى لهم وليُبدِّلنّهم من بعد خوفهم أمنًا .. أي أنه تعالى سوف يثبّت أقدامهم بعد الخوف.» (الوصية)

لا شك أن الجماعة تعرضت لصدمة عند وفاة المسيح الموعود ولكن مِن منة الله العظيمة أنه تدارك الجماعة من خلال الخليفة الأول وقد كُشف سريعًا عن بعض الذين كانت نيتهم شريرة. ثم تعرضت الجماعة لصدمة كبيرة عند وفاة الخليفة الأول حيث انفصل بعض الكبار عن جماعة المبايعين وأنكروا الخلافة، وكانت الظروف عصيبة وتفصيلها طويل، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد كانت الخلافة هي المنتصرة في نهاية المطاف، واستمرت سالكة في سبل النجاحات قاطعةً أشواط التقدم والازدهار. ثم تعرضت الجماعة لفترة من الشدائد في عهد الخليفة الثالث، ومع أن خطط الحكومة كانت خطيرة جدًّا إلا أنها لم تستطع أن تحول دون تقدم الجماعة. وفي عهد الخليفة الرابع أبدت الحكومة الباكستانية شدة وقسوة أكثر إلا أن الله تعالى قد خلق في هذا الابتلاء أيضا أسباب السكينة والراحة، فأصبحت الجماعة تقطع أشواطًا جديدةً من رقيّها وأخذت سبل التبليغ الجديدة تنفتح أمامها وأخذت دعوة الجماعة تبلغ العالم من خلال الأقمار الصناعية. ثم في عهد الخليفة الخامس تم التوسيع في هذه السبل الجديدة فأخذت دعوة الجماعة تصل ليس إلى ألوف بل إلى مئات الألوف بل إلى الملايين من الناس، وأخذت المعارضة تشتد في بلدان عديدة بدلا من بلد أو بلدين. وهذه المعارضة دليل على صدق الأحمدية وهي علامة رقي الجماعة. فهناك محاولات لصد أفراد الجماعة عن الأحمدية ولكن الله تعالى بحسب وعوده يفتح سبل الرقي، وبالتالي تحقق الجماعة رقيًّا ملحوظًا، وكل ذلك يدل على أنه رغم هذه العراقيل المؤقتة ستتحق غلبة الإسلام عن طريق المسيح الموعود ثم عن طريق نظام الخلافة الذي بدأ بعده. فمهما استنفد المعارضون جهودهم ضد الجماعة إلا أنه لن يكون نصيبهم إلا الخيبة والخسران. وفق الله الجميع أن يكونوا أقوياء إيمانًا وعملا صالحًا، وأن ترتفع مستويات عبادات كل أحمدي، وذلك لكي نظل دائمًا جزءًا من هذا الرقي والازدهار.

Share via
تابعونا على الفايس بوك