أين نحن من هذا وذاك؟

أين نحن من هذا وذاك؟

التحرير

 

وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا (الإسراء 81)

ما أجمل هذا الدعاء الذي علمنا إياه القرآن الكريم ، وما أروع ما يحويه من تعاليم! إن الله تبارك وتعالى إنما يريد أن يعلمنا في هذا الدعاء ما يجب أن نستشعره عند كل مرحلة هامة من حياتنا ، كذلك ما يجب علينا أن نقوم به، وقبل كل ذلك كيف ينبغي علينا أن نشعر بالعجز أمام الله تعالى، حيث أنه لا حول ولا قوة لنا والحول والقوة إلا بالله، فنسأل الله تعالى أن يؤيدنا في خطواتنا. إن هذا الدعاء الذي تلهج به الفطرة الإنسانية إنما هو من نعم الله الكثيرة التي يفيض بها القرآن الكريم، فالحمد لله الذي أنزل هذا الكتاب الكريم. ونحن إذ ندخل الآن الألفية الميلادية الثالثة فما أحوجنا إلى هذا الدعاء وتلك التعاليم التي يحتويها، فهل ندخل بخطى ثابتة واثقة أم نترك الزمن يدخلنا ويخرجنا؟ وهل فكرنا فيما ينبغي علينا أن نفعله؟، وهل نمتلك القدرات على التأثير في حياتنا ومستقبلنا؟، وهل استعنا بالله في الإعداد والتجهيز ومن ثم في المضي قدما؟، أين نحن من هذا وذاك؟ لقد مر على الأمة الإسلامية ما يقارب القرنين من الضعف والانكسار والذل والهوان، وتسارعت الأحداث واستبدت الخطوب بالأمة، وكانت السنون الماضيات كسيوف تشطر جسد الأمة وتمعن في تمزيقه، وخربت بيوت الأمة بأيديها وبأيدي أعدائها، ودكت صروح مجدها، وآلت حال المسلمين إلى ما يدمي القلب، فهل إلى خروج من سبيل؟، وهل سنترك الزمن يحركنا أم سنحرمهم ونترك بصماتنا عليه؟، هذا ما يجب أن يدور في خلدنا.

ولقد قدمت الأمة الإسلامية للبشرية خدمات جليلة، وأثرت في العصور السابقة في حياة الانسانية برمتها، فكانت خير أمة أخرجت للناس، وانتشرت تلك الريح الطيبة في الأرجاء، وسقطت أمامها الرياح الخبيثة تباعًا، أما في هذا  الزمان فقد تنازع المسلمون ففشلوا وذهبت ريحهم، وتركت بيوتهم موئلا للرياح الخبيثة، فظهر الفساد في البر والبحر، وغدت بيوت المسلمين قبورًا، وأنجبوا بكثرة الخبيث، وركموه في بيوتهم ونفوسهم، فغدا كل شيء خرابًا يبابًا، ومالت النفوس إلى زخرف الدنيا وغثائها، فقد المسلمون كل شيء حتى نفوسهم وأموالهم وأوطانهم وأولادهم، وكذلك فقد معظمهم الحس فلم يشعروا بما هم عليه وفرحوا بما لديهم واطمأنوا به.

إن ذلك الدعاء الذي علمنا إياه الله تعالى في كتابة العزيز الكريم إنما يحيي بادىء ذي بدء الإحساس في النفوس، فيحض المؤمنين أولاً أن يدركوا أنهم على وشك الدخول في مرحلة جديدة والخروج من مرحلة سابقة، وهذا الإحساس ضروري جدًا لكي يقوم المؤمنون بتقييم المرحلة السابقة التي كانوا عليها وكذلك التفكر والتدبر وأخذ الأسباب والحيطة والحذر عندما يكونون على وشك الدخول في مرحلة جديدة، وبعد هذا الاستشعار يطلبون من الله تعالى العون في الخروج بسلام وبخطى ثابتة من المرحلة السابقة، ومن ثم يقومون بإعداد العدة وبما استطاعوا، ولا شك أنه لو لم يكن بمقدورهم أن يقدموا شيئًا وإنما فقط توجهوا إلى الله لكي يعينهم فإن الله تعالى سيمد يد العون ويهيء أسباب النصرة، هذا ما يجب أن لا ينسى، كذلك فإنهم لو امتلكوا كل الطاقات والقدرات فإن ذلك ليس كافيًا بالضرورة كي يؤهلهم لدخول أي مرحلة بنجاح، فعلى المؤمنين دومًا أن يسألوا الله أن يؤيدهم بسلطان من عنده فيما هم مقبلين عليه وإلا باءوا بالخيبة والخسران وذهبت جهودهم أدراج الرياح.

فهلا استعنا بالله كي يجعل الأيام القادمة والقرن الجديد هذا أيام خير لنا وصفحات مجد ونصر مبين؟ وهلا أجبنا داعي الحق واتبعنا السبيل المستبين المستقيم. ألا إن المسيرة ماضية فطوبى لمن كان من السابقين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

ولقد أراد الله في هذا الزمان أن ينصر الأمة الإسلامية بعد أن فقدت كل شيء ولم يعد عندها ما يمكن أن تركن اليه، وأراد الله تعالى أن يظهر في هذا الزمان نصرته للمؤمنين في صورة تجل عظيم بعد أن أظهرها سابقًا في عهد الإسلام الأول على نطاق أضيق بعد الشيء، فكما أن الله تعالى قد نصر المسلمين أولاً ببدر وهم أذلة وكفة أعدائهم المادية كانت راجحة، كذلك فهو الآن سينصرهم إن شاء الله ببدر الكبرى والكفة أكثر رجحانًا بدرجة كبيرة لمصلحة أعدائهم، إن كل مما يتوجب على المسلمين فعله هو أن يكونوا حقًا عبادًا لله وعند ذلك سيكون هو جل وعلا نعم المولى ونعم النصير، إن عليهم وهم في هذا الموت الذريع أن يستجيبوا لله وللرسول إذا دعاهم لما يحييهم وعند ذلك تدب الحياة في أوصال الأمة وتقوم من سباتها العميق.

وللأسف كل الأسف فلقد أخطأ غالبية المسلمين هذا الطريق، وظنوا أن الله قد نصر أسلافهم سابقًا بالوسائل المادية وحدها، وظنوا أن  هذه الوسائل إنما هي السبيل للنصر والظهور، ولكن الله قد أغلق هذا الطريق في وجوههم نتيجة لظنهم المغلوط هذا، فأخرج قومًا لا يدان لأحد بقتالهما ولا طاقة لأحد بهما، وجعل موازين القوى في مصلحة أعداء المسلمين بشكل كبير جدًا، كل ذلك لكي يتفكر المسلمون ويتدبروا في حالهم، فَلَو أن الله تعالى قد جعل الغلبة للمسلمين وهم في هذه الحال السيئة لظنوا أنهم على حق ولما التفتوا إلى الانحراف الكبير في عقائدهم وقيمهم وأخلاقهم، ولأعجبتهم حالهم السيئة هذه فلا سبيل عندئذ لإصلاحهم.

ويخطئ كل الخطأ من ظن أن للمسلمين عزة بغير الإسلام، فنحن قوم أعزنا الله بالإسلام وأكرمنا به، وكل ما تلاقيه الأمة الآن من ويلات ومصائب إنما هو بسبب انحرافها عن لبه، وبسبب أن كثير من المسلمين لم يقدروا الله حق قدره والله هو العلي الكبير، فاتخذوا آلهة من دونه لا يستطيعون نصرهم ولا هم أنفسهم ينصرون، وطلبوا العون من غير الله فلم يجدوا لهم من معين ولا شفيع يطاع، فخسروا خسرانًا مبينًا. فهلا استعنا بالله كي يجعل الأيام القادمة والقرن الجديد هذا أيام خير لنا وصفحات مجد ونصر مبين؟ وهلا أجبنا داعي الحق واتبعنا السبيل المستبين المستقيم. ألا إن المسيرة ماضية فطوبى لمن كان من السابقين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .

Share via
تابعونا على الفايس بوك