"فأنا تلميذه بلا واسطة بيني وبينه"

وقد حُبِّبَ إلي منذ دنوت العشرين أن أنصر الدين، وأجادل البراهمة والقسيسين. وقد ألفت في هذه المناظرات مصنفات عديدة، ومؤلفات مفيدة، منها كتابي: “البراهين”. كتاب نادر ما نُسج على منواله في أيام خالية، فليقرأه من كان من المرتابين. قد سللت فيه صوارم الحجج القطعية على أقوال الملحدين، ورميت بشهبها الشياطين المبطلين. قد خفض هام كل معاند بذلك السيف المسلول، وتبيّنت فضيحتهم بين أرباب المنقول والمعقول، وبين المنصفين. فيه دقائق العلوم وشواردها، والإلهامات الطيبة الصحيحة والكشوف الجليلة ومواردها، ومن كل ما يجلّي درر معارف الدين المتين. ولي كتب أخرى تشابهه في الكمال، منها: الكحل، والتوضيح، والإزالة، وفتح الإسلام، وكتاب آخر سبق كلها ألفته في هذه الأيام، اسمه: “دافع الوساوس”، هو نافع جدًا للذين يريدون أن يروا حسن الإسلام، ويكفّون أفواه المخالفين.

تلك كتب ينظر إليها كل مسلم بعين المحبة والمودة وينتفع من معارفها، ويقبَلني ويصدّق دعوتي، إلا ذريةَ البغايا الذين ختم الله على قلوبهم فهم لا يقبلون.

ولما بلغت أشد عمري وبلغت أربعين سنة، جاءتني نسيم الوحي بِرَيَّا عناياتِ ربي، ليزيد معرفتي ويقيني، ويرتفع حجبي وأكون من المستيقنين. فأول ما فتح عليّ بابه هو الرؤيا الصالحة، فكنت لا أرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. وإني رأيت في تلك الأيام رؤيا صالحة صادقة قريبًا من ألفين أو أكثر من ذلك.. منها محفوظة في حافظتي وكثير منها نسيتها، ولعل الله يكررها في وقت آخر ونحن من الآملين.

ورأيت في غُلَواء شبابي وعند دواعي التصابي، كأني دخلتُ في مكان وفيه حفدتي وخدمي، فقلتُ: طهّروا فراشي، فإن وقتي قد جاء. ثم استيقظتُ وخشيت على نفسي وذهب وَهْلي إلى أنني من المائتين.

ورأيت ذات ليلة وأنا غلام حديث السن كأني في بيت لطيف نظيف، يُذكَر فيها رسول الله . فقلتُ: أيها الناس، أين رسول الله ؟ فأشاروا إلى حجرة، فدخلت مع الداخلين. فبشّ بي حين وافيته، وحيّاني بأحسن ما حييتُه، وما أنسى حسنه وجماله وملاحته وتحننه إلى يومي هذا. شغفني حبًا وجذبني بوجه حسين. قال: ما هذا بيمينك يا أحمد؟ فنظرت فإذا كتاب بيدي اليمنى، وخطر بقلبي أنه من مصنفاتي، قلتُ: يا رسول الله.. كتاب من مصنفاتي. قال: ما اسم كتابك؟ فنظرت إلى الكتاب مرة أخرى وأنا كالمتحيرين، فوجدته  يشابه كتابًا كان في دار كتبي واسمه: “قطبي”. قلت: يا رسول الله، اسمه قطبي. قال: أرِني كتابك القطبي. فلما أخذه ومسّته يده إذا هي ثمرة لطيفة تسرّ الناظرين. فشققها كما يشقق الثمر، فخرج منها عسل مصفى كماء مَعينٍ. ورأيت بَلّةَ العسل على يده اليمنى من البنان إلى المرفق، كان العسل يتقاطر منها.. وكأنه يريني إياه ليجعلني من المتعجبين. ثم أُلقي في قلبي أن عند أُسْكُفّة البيت ميّت قدر الله إحياءه بهذه الثمرة، وقدّر أن يكون النبي من المحيين. فبينما أنا في ذلك الخيال فإذا الميّتُ جاءني حيا وهو يسعى وقام وراء ظهري، وفيه ضعف كأنه من الجائعين. فنظر النبي إلي متبسما، وجعل الثمرة قطعات وأكل قطعة منها، وآتاني كل ما بقي، والعسل يجري من القطعات كلها، وقال: يا أحمد.. أعطه قطعةً من هذه ليأكل ويتقوى. فأعطيته، فأخذ يأكل على مقامه كالحريصين. ثم رأيتُ أن كُرسي النبي قد رُفع حتى قرب من السقف، ورأيته فإذا وجهه يتلألأُ كأن الشمس والقمر ذُرّتا عليه، وكنت أنظر إليه وعبراتي جارية ذوقًا ووجدًا، ثم استيقظت وأنا من الباكين.

فألقى الله في قلبي أن الميّت هو الإسلام، وسيُحييه الله على يدي بفيوض روحانية من رسول الله ، وما يدريكم لعل الوقت قريب، فكونوا من المنتظرين. وفي هذه الرؤيا رباني رسول الله بيده وكلامه وأنواره وهدية أثماره. فأنا تلميذه بلا واسطة بيني وبينه، وكذلك شأن المحدَّثين.

 

Share via
تابعونا على الفايس بوك