أعجب العجائب وأغرب الغرائب

أعجب العجائب وأغرب الغرائب

التحرير

 

ما كان لكلمات الله التامات أن يعتريها العوج أو النقص أو الفطور. وكذلك هو هذا الكون المادي المعمور. فالكون هو جزء من مُلك الله الفسيح. والقرآن الكريم هو كتاب الله التام الكامل الفصيح. فهل رأيتم في هذا الكون أي تفاوت أو نقصان، أو اختلال أو اعتلال أو طغيان في الميزان. إنكم في كل يوم كلما ازددتم علمًا، تزدادون ثقة بأن هذا الكون هو خلق بديع متين، وتعلمون أنه كون سيّار لا يفتر ولا يهدأ. كل النجوم والكواكب والأجرام في أفلاك تسبح. وفاطر السماوات والأرض الحي القيوم ينظم حركة الكون ويحي فيه ويميت ويجدد وينشئ من جديد. وهذا الكون ممتد متسع لا يحده حد. وهذا الكون كله بيد الله. لا يستطيع الإنسان أن يمنع عن نفسه كارثة بسيطة قد تصيب الأرض كإعصار أو فيضان أو ريح عقيم. فماذا تقولون فيمن يخشى أن يختل هذا النظام فتقع السماوات على الأرض، أو يحدث شيء فينطفئ نور الشمس، أو يغادر أحد الأجرام مداره فيرتطم في الأرض فيمزقها تمزيقًا؟!. لا شك أن من فكر بذلك هو مختل العقل أو مجنون. وهو ممن يشك في قدرة الله وفي خلقه وفي كونه القادر الحي القيوم. فلا يمكن أن يختل هذا الكون ولا يمكن أن يفنى إلا إذا شاء الله وفي وقت معلوم. فلا يملك الإنسان إلا التسليم حيال هذا الأمور. فلا طاقة له لردع أي كارثة كونية فكلنا تحت رحمة العلي القدير. إن يشأ يرحمنا وإن يشأ يعذبنا، وكفى به بنا سميعًا بصيرًا. فالدقة والتوازن في الكون ترعاهما يد الله التي تسيّر كل شيء، ولا يمكن أن يخرج عن ملكوت الله ولا عن قدرته أي شيء في الأرض ولا في السماء.

كذلك فإن الذين يسعون في آيات الله معاجزين هم في موقف غريب مريب. فكلمات الله لا يمكن أن يعتريها النقص أو الفطور. فهو القرآن العربي غير ذي العوج. هو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. فعليهم عند تناول القرآن الكريم أن يعوا تلك الحقيقة وأن يتأدبوا في حضرة الله وبين أيديهم كلماته. وعليهم ألا يفهموا هذا الآيات فهمًا عقيما يضرب القرآن بعضه ببعض. فالقرآن الكريم كون روحي فسيح تدور فيه الآيات وتتناسق بشكل رائع. وترسم هذه الآيات لوحة بديعة من التناسق والكمال والجمال. فبغير الوعي لتلك الحقيقة لا سبيل للحصول على المعارف واللآلئ القرآنية. فلا سبيل إلا تزكية النفس وتطهيرها ثم الاتكال على الله وقَدْرِهِ حقَّ قَدْرِهِ قبل تناول كلامه. فيجب علينا البحث عن هذا التناسق والكمال ومحاولة الوصول إلى معانٍ تكمل الصورة وتتوافق معها. أما الإصرار على بعض المعاني والتأويلات التي لا تتفق مع كمال القرآن وجماله فهو ضرب من الجنون. وأي مسلك غير هذا المسلك إنما هو مسلك معوج لا يوصل صاحبه إلا إلى مهاوي الجهل والجهالة.

وكما هو معلوم فقد شهد العصر الحديث ثورة في علم الفلك حيث بدأت حقائق هذا الكون تتكشف للناس. وأصبحت بعض الأمور التي كانت موضع شك وسخرية واعتراض جزءًا من المسلمات التي لا يختلف عليها اثنان. فقد كانت كروية الأرض مثلاً أمرًا مشكوكًا فيه حتى وقت قريب. وتبين أن الأرض تدور والقمر يدور والشمس تدور. وانكشف عن أمور كثيرة الحجاب المستور. فانقلب الميزان وأصبح من يشكك في تلك الحقائق يُرمَى بالجنون والهذيان، بعدما كانت هذه حال من انكشفت عليه تلك الحقائق أو استشعرها في سابق العصور والأزمان. وكذلك هي حقائق القرآن، فقد تبين منها بعض الأمور التي كانت في السابق تحت الحجاب، وما كان للوصول إلى كنهها ومعارفها سابقًا من سبيل ولا باب. فأصبحت الآن من المسلمات بعد أن كانت مما يجلب الشبهات. ورُمي من يصرون على بعض المعاني بالجهل وقلة العقل. وكلمة الله بقيت هي العليا، فسقطت جهالاتهم التي حاولوا تعليقها على كتاب الله وبقي كتاب الله نقيًّا لا سبيل إلى المساس به. كما هو الكون الفسيح العظيم الذي لو حاول الإنسان كل ما في وسعه كي يخل بنظامه ما استطاع إلى ذلك سبيلاً.

وسيأتي اليوم الذي سيقر فيه المتعصبون، الذين جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم، أن عين الشمس لا يحجبها غربال. كذلك هو ما جاء به الإمام المهدي من علوم ومعارف. مهما فعلوا فلن يستطيعوا أن يحجبوها عن الناس. وكيدهم الذي أجمعوه ومكرهم الذي مكروه لن يصمد أبدًا في وجه هذه الشمس المشرقة وتلك الريح الطيبة التي تسوق سحابًا إلى بلد ميت فيحيها اللهُ الذي يحي الموتى وهو على كل شيء قدير.

ومن أعجب العجائب وأغرب الغرائب، أن من الذين تصدوا لمعارف القرآن المجيد التي تجلت على يد الإمام المهدي من قاوم أيضًا العلوم الأرضية التي سلم بها الناس على اختلاف طبقاتهم. فقد قام بعض المشايخ بإنكار بعض الحقائق الكونية ككروية الأرض، وقاموا بإصدار الفتاوى حول ذلك وبتكفير من قال بهذا الأمر، وظنوا بذلك أنهم يدافعون عن القرآن الكريم. وهم بذلك قد سلكوا مسلكًا من الجهل مما لا يمكن تصوره أو احتماله. أفلا يؤمنون أن الذي خلق هذا الكون وكوّر الأرض هو الذي أنزل القرآن، أم أن القرآن -والعياذ بالله- إفك مفترىً لن يصمد أمام هذه الحقائق الكونية التي تتكشف؟!.

إن هذا التفكير هو مما يمس مقام الله تعالى ومقام المصطفى . فإن كنتم تؤمنون بأن الله هو منزل القرآن وأن المصطفى هو عبد الله ورسوله فعليكم عندها أن تبحثوا عن التوافق بين ما تبين من العلوم وبين ما هو في الآيات البينات. فإن بذلتم جهدكم واستعنتم بالله فإن الله سيهديكم سبلكم وسيكشف عليكم أبوابًا من العلوم عظيمة. وإن لم تستطيعوا التوفيق فاعلموا أنه لا بد أن يتم اكتشافه ولو بعد حين على يد أحد من المسلمين، وهكذا تفسح الطريق أمام الباحثين في علوم الدنيا وعلوم الدين. فالتوافق بين قول الله وخلق الله موجود حتمًا إن كنا نؤمن بأن الله هو خالق الأكوان ومنزل القرآن. وعلى الذين يتبحرون في العلوم الدنيوية أن يدركوا بأنهم سيكتشفون أمورًا عديدة تفيد الناس وتؤكد إحكام خلق الله الذي لا يحتاج إلى دليل لأن الكون مازال قائمًا دون خلل فيه أو انعدام توازن ولا يخفى تناسقه عن أحد من الناس أيًّا كان. والذين يريدون أن يبحروا في القرآن عليهم أن يضعوا نصب أعينهم أن القرآن قول حكيم محكم لا يمكن أن تتواجد فيه آية تتناقض مع أية أخرى. وإذا رأوا أن هنالك تناقضًا فهذا يعني أنهم لم يفهموا إحدى هذه الآيات على حقيقتها، فعليهم آنئذٍ أن يستغفروا الله ويتطهروا ويحاولوا مرة بعد أخرى فعسى الله تعالى أن يكشف عليهم هذه الحقائق. أما المسلك الذي سلكه الكثير من المسلمين لحل معضلة عدم توافق بعض الآيات، من وجهة نظرهم، فهو مسلك فيه مساس بذات الله وسوء أدب في تناول كلماته. فقد قاموا بإنشاء جهل أسموه علمًا وأطلقوا عليه علم “الناسخ والمنسوخ” فجعلوا بعض الآيات تنسخ بعضها الآخر. وأخرى رفعت فبقي حكمها وإن شطبت من موضعها في القرآن الكريم وغير ذلك من الخوض العقيم والكلام السخيف السقيم؟!. بل إن البعض قد تجاوزوا الحدود فجعلوا حديثًا نبويًا يزيل حكمًا في القرآن ويبدله، فأساءوا بذلك إلى مقام المصطفى أيضًا الذي لا يمكن أن يكون قوله متناقضًا مع القرآن الكريم، فهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، أم أنتم في شك من هذا أم ماذا  تظنون؟!. كل ذلك لأنهم لم يقدروا الله حق قدره ولم يعرفوا مقام المصطفى ولا مقام الكتاب المبين. فأي مصيبة نزلت على هذه الأمة من بعض من ادعى العلم فيها؟ وأي حال وصل إليها الإسلام على أيدي هؤلاء؟. هم حسبوا أن فهمهم السقيم قد أوصلهم إلى تناقض أو تعارض، فبدلاً من أن يزيلوا التعارض أزالوا الآيات والأحكام فيها، وظنوا أنهم قد فطنوا إلى ما غاب عن الله والعياذ بالله. فما هؤلاء بالمؤمنين حقًّا، لأنهم لو آمنوا بالله حقًّا لما ساورهم شك في أن الله يعلم، وأن القرآن محكم، وأن المصطفى من الله تعالى قد علم وتعلّم. فيا معشر المسلمين توبوا إلى الله جميعًا وأقبلوا إلى إمام زمانكم الذي عرفَ الله وقدره حق قدره، وهو الذي استولى عليه جلال المصطفى وجماله، فنال من بركاته وعلمه وحسن صفاته. وهو الذي شرب من معين القرآن الكريم وطهر حوضه وسهل الطريق لمن أراد أن يصل إلى ينبوعه الدفّاق المتدفق المتجدد. تعالوا إليه واتركوا أصنامكم الذين ظللتم عليهم عاكفين، فلم يوردوكم إلا سبل البؤس والشقاء، ومسالك المهالك والعناء. تعالوا إلى الله واتركوا من كان ضره أقرب من نفعه. لبئس المولى ولبئس العشير. وأقبلوا إلى الله العزيز القدير، واستغفروه وتوبوا إليه هو رب السماوات ورب الأرض رب العالمين. لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب مبين. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك