أين أنت يا قاسم أمين من الصادق الأمين

أين أنت يا قاسم أمين من الصادق الأمين

مها دبوس

  • قاسم أمين والقيود على المرأة
  • نتيجة الانفلات عن الضوابط باسم الحرية
  • المحرر الحقيقي للمرأة والمفهود المفيد للحرية
  • التعاليم الدينية ضوابط للحرية
  • الحرية الحقيقية للمرأة في الإسلام
  • الحجاب دليل حرية وليس قيد

__

تطالعنا بعض وسائل الإعلام من مصر مشيدة بقاسم أمين كونه رائد حركة تحرير المرأة!!

ولقد حظي بهذا اللقب لأنه نادى بتحرير المرأة المسلمة من “القيود” التي فُرضت عليها! فرأى أن حجاب المرأة السائد في ذلك الوقت لم يكن من تعاليم الإسلام، وأن منع الاختلاط بين الجنسين لم يكن أصلا من أسس الشريعة، ونادى بوضع القيود على الرجل إذا أراد أن يتزوج بأكثر من واحدة أو أراد أن يطلق زوجته. فنادى بتحرير المرأة من هذه القيود ودعاها لأن تخرج من بيتها وتختلط بالمجتمع.

بدون شك، إن عدم تطبيق التعاليم الإسلامية الصحيحة – والتي حاول قاسم أمين أن يحرر المرأة منها – هو الذي سيسلب حرية المرأة حقيقةً، وليس العكس.

فلنأخذ مثلا تعاليم الإسلام المرتبطة بالحجاب ونتساءل:

هل فعلا تتحرر المرأة إن تخلصت من حجابها، وخرجت للمجتمع واختلطت بحرية مع الرجال؟

طبعا عندنا أمثلة فعلية لمجتمعات كثيرة اليوم، لا يُراعى فيها الحجاب الإسلامي، ويختلط فيها الرجال والنساء بحرية كاملة دون أية ضوابط.

عندما ننظر في حالة هذه المجتمعات “الإباحية” والتي تُسمى بالمجتمعات الحرة، نرى أن الحرية فيها قد فقدت اتزانها ولم يعد بالإمكان السيطرة عليها. وبالطبع لا نجد فيها أي أثر للأخلاقيات السامية، ناهيك عن الروحانيات!

لقد ساد الانحلال الخلقي والفساد في هذه المجتمعات، وتفشت فيها كل العلل والأمراض الاجتماعية والأخلاقية التي يمكن للمرء أن يتصورها. وقد غالت بعض النساء في إبراز مفاتنهن وافتخرن بذلك، واستمتعن بمدحهن والحديث عن جمالهن، حتى وصل بهن الحال إلى التنافس مع بعضهن البعض في مسابقات الجمال المنتشرة في العالم اليوم، وبيع أجسادهن في سوق الإعلانات التجارية والحملات الدعائية.

وبسبب سهولة الحصول على الملذات غير الشرعية في هذه المجتمعات الموبوءة وتوافر المرأة من أجل متعة الرجل، أصبحت هذه المتع غير كافية ولا تشبع الغرائز، فأدت لأمراض أخلاقية أخرى مثل الإدمان والشذوذ الجنسي.

وأهملت النساء واجباتهن الطبيعية، وبدأن ينافسن الرجال في جميع ميادين العمل والحياة، وشاركن الرجال في كل أنواع المهن، حتى أنهن تقلدن وظائف لا تتناسب مع طبيعتهن الأنثوية.

هذا كله بسبب الاعتقاد الخاطئ أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي توفر للمرأة حياةً حرة ومستقلة، وبذلك تتساوى مع الحرية التي يتمتع بها الرجل.

فهل فعلا حقق ذلك حرية المرأة؟

العكس تماما هو الذي حدث!

لقد تدهورت مكانة المرأة وانتُهكت كرامتها؛ حتى تدنت مرتبتها إلى درجة العبودية. فقد أصبحت أسيرة الأهواء والشهوات والرغبات الجسدية، وبكامل إرادتها جعلت من نفسها سلعة من أجل متعة الرجل وإشباع غرائزه.

والمرأة هي المسؤولة الأولى عن كل هذا لأنها لم تلتزم بالتعاليم الإلهية التي وضعها خالقها من أجل حمايتها من تلك الأسقام، ولذلك فهي التي تعاني أكثر من هذه المفاسد.

إذن يثبت من ذلك أن التحرر من الحجاب الإسلامي لن يحرر المرأة ولن يأتي بأي نفع لها. وهذا المثال يوضح أن قاسم أمين وأمثاله الذين نادوا بإلغاء التعاليم الإسلامية من أجل تحرير المرأة، قد أخطأوا جدًا في وجهات نظرهم حيث أنها لم تحقق أي منفعة أو تقدّم للمرأة. فلا يصح إذن أن نلقب قاسم أمين – أو أي شخص آخر ممن اتبعوا أسلوبه – بلقب “رائد تحرير المرأة”.

ولكن هناك بالفعل رائد حقيقي لتحرير المرأة، بُعث للعالم قبل قاسم أمين بأكثر من 1300 عام، وهو الذي يستحق بجدارة أن يسمى رائد تحرير المرأة الأول والأخير.

إنه الصادق الأمين وخاتم النبيين، رسول الإسلام محمد المصطفى صلى الله عليه وسلم الوحيد وبدون منافس الذي منح المرأة الحرية المطلقة وليس في تعاليمه مثيلا في دساتير وقوانين الدول والمنظمات. ولم تحظ المرأة بحرية اجتماعية وثقافية وحضارية فحسب، بل بحرية في جميع المجالات.

وقد يستغرب البعض مما ذكرته حيث إنهم يعتقدون أن المرأة المسلمة مظلومة ومضطهدة ومغلوبة على أمرها ومحرومة من حقوقها لأنها سجينة التعاليم الإسلامية التي تسلبها كل الحريات الإنسانية! ولكن الصورة تختلف تماما عندما يدرس المرء تعاليم الإسلام الحقيقية ويطَّلع على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

لكن يجدر أولا تعريف وفهم ماهية الحرية المفيدة للإنسان؟

معروف أن الحرية المطلقة دون ضوابط، لا تفيد أحدا بل تضرّ. يجب أن تكون هناك بعض القواعد والضوابط لحماية هذه الحرية وإلا ستتحول إلى نقمة على الإنسانية.

فلنتخيل على سبيل المثال سائقًا يقود سيارته بحرية مطلقة في شارع مزدحم بالسيارات والمشاة، ويحرك سيارته في جميع الاتجاهات حسب ما يخطر على باله دون التقيد بأية قوانين أو قواعد سير أو أولويات.

بكل تأكيد سيتسبب في خلل في نظام الشارع كله ولن يتسبب  في تأخير نفسه والآخرين فقط، بل سيُعرِّض نفسه  والجميع  أيضا لخطرٍ شديد.

وطبعا ستتضاعف المشكلة في حال إذا حرك كل السُواق سياراتهم بنفس هذه الحرية المطلقة حسب زعمهم. ولا ريب أنه في هذه الحالة لن  يصل أحد إلى غايته.

وعلى النقيض لو التزم كل السائقين  بقوانين وقواعد المرور، فسيصلون إلى غايتهم بسلام وأمان وبأقل وقت ممكن. فهل يمكن لأحد – والحال هكذا – أن يقول: إن قوانين المرور تحرم السائقين من حرِّياتهم؟!!

كلا، العكس تماما هو الصحيح، إن هذه القوانين تحررهم من العوائق التي يمكن أن تؤخرهم أو تمنعهم من الوصول بسلام إلى غايتهم التي اختاروها بإرادتهم الحرة. فعندهم الحرية الكاملة في اختيار وجهتهم، ولكن حتى يصلوا إليها يجب أن يلتزموا بقواعد المرور التي وضعتها الدولة من أجل ضمان سلامة الجميع ووصول كل منهم إلى غايته.

وهذا هو الحال بالنسبة للتعاليم الدينية. فقد وضعها خالق الكون من أجل تحرير البشر من العوائق التي تؤخر تقدمهم الروحاني والمادي ومن أجل ضمان وصولهم بسلام إلى غايتهم المنشودة وفي أقل وقت.

ولقد بعث الله الأنبياء على مر التاريخ كي يوصلوا هدايته للناس، ويُمكِّنوهم من الوصول إلى هذه الغاية السامية بسلام وأمان بدون إضاعة وقت.

إذن فكل الأنبياء كانوا في الحقيقة محرري أقوامهم روحانيًا؛ لأنهم حرروهم من عوائق التقدم الروحاني.

وبما أن هذه التعاليم الإلهية قد بلغت ذروة كمالها في القرآن الكريم، فإن الرسول الذي بلَّغ هذه التعاليم الكاملة للناس لابد وأن يكون محرر البشرية الأكثر امتيازا عن كل من سبقه. وبكل تأكيد أنه كان بالفعل كذلك، فهو صلى الله عليه وسلم الذي استحق بجدارة اللقب القرآني: “رَحْمَةً لِلْعَالَمِين”؛ لأنه أتى بكل الخير والبركات للبشرية جمعاء، بل للمخلوقات كلها.

وقد جاء برسالة احتوت على ما يفي بكل احتياجات الناس. وبتطبيق التعاليم التي أتى بها، حرر أتباعه من السلاسل والقيود التي منعت تقدمهم الروحاني ومكنّهم من اتباع سبل الهدى التي توصل إلى الله بأقصر الطرق.

كانت أول حرية وهبها لأتباعه هي حرية اختيار العقيدة واتباع التعاليم الربانية؛ كما جاء في القرآن الكريم:

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ (البقرة 257)

إن هذا التصريح القرآني يكفي وحده لأثبات رقي وجمال تعاليم الإسلام التي تجتذب القلوب وتحثها على التمسك بها تلقائيا عن طيب خاطر وبكل إخلاص دون أي إكراه أو جبر.

وبما أن هذه التعاليم السمحة قد اجتذبت إليها الكثير من النساء على مر القرون، واستولت على قلوبهن عن طيب خاطر وحثتهن على اتباعها، فكيف يمكن لأحد بعد ذلك أن يتصور بأن الإسلام يظلم المرأة أو يقيِّد حريتها؟

إذا كانت التعاليم الإسلامية تقهر المرأة، فكيف يمكن لأي امرأة عاقلة أن تختار الإسلام دينا لها؟ أو أن تظل مسلمة بعد أن تتبين لها هذه المظالم؟ فلو شعرت المرأة المسلمة أن هذه التعاليم تظلمها فما الذي يمنعها من ترك الإسلام وتحرير نفسها من هذه المظالم؛ حيث أن القرآن قد أعلن أنه لا إكراه في الدين؟

هذا يؤكد أن الإسلام لا يظلم المرأة؛ فالظلم والحرية لا يمكن أن يتواجدا معا. والملايين من النساء المسلمات في العالم اللاتي اتبعن هذه التعاليم على مر السنين وما زلن يتبعنها اليوم، يشهدن بأن تعاليم الإسلام لا تظلم المرأة بأي شكل من الأشكال.

بل العكس هو الصحيح. لقد جاءت تعاليم الإسلام كي تكرّم المرأة وتحررها من قيود كثيرة كانت تشكل عوائق في طريق تقدمها الروحاني.

ففي الوقت الذي نزل فيه القرآن على رسول الرحمة ، كانت المرأة تعاني من الظلم الشديد بسبب العادات والتقاليد والقوانين التي سنتها المجتمعات آنذاك والتي حرمتها من كل الحقوق والمميزات التي كان يتمتع بها الرجل. وطبعا هذا الوضع لم يترك لها أي فرصة حتى أن تفكر في التقدم الروحاني.

ثم جاء الإسلام دين العدل، ليصحح هذا الوضع برمّته.

فبتطبيق تعاليمه تحررت المرأة من كل هذه المظالم وحدث تحول شامل في حياة النساء بحيث أُزيلت كل العقبات التي منعت تقدمهن الروحاني.

وبدلا من أن تبقى النساء ملكًا للرجال وأحط قدرًا منهم، منحهن الله قانونا شاملا يكفل لهن كافة الحقوق الإنسانية المساوية للرجال في كل المجالات. ونظمت التعاليم الإسلامية العلاقات بين الرجال والنساء بحيث منعت إساءة الرجل للمرأة بأي شكل من الأشكال.

ولم تُعلن هذه التعاليم فحسب بل دخلت حيّز التنفيذ بشكل فوري، بعد أن تعلّم المسلمون كيفية القيام بذلك مباشرة من أسوة رسول الرحمة ، المحرر الحقيقي للمرأة منذ ذلك الحين وحتى وقتنا الحالي. فبتطبيقه التعاليم التي جاء بها، قدَّم كل أوجه الحريات للمرأة. لقد حررها من تملك الرجل لها، ومنحها الحق الكامل في إدارة ممتلكاتها الخاصة حسب اختيارها ورغبتها. وضمن لها أن تكون مُعيلة ماليا تحت كل الظروف؛ حيث أصبح الرجل مسؤولا مباشرا عن توفير كل احتياجاتها ونفقاتها. وبذلك حررها من القلق على وسائل معيشتها، وأمَّن لها حياة خالية من الكثير من الضغوط النفسية. وعندما تزول أسباب القلق وتتحرر المرأة من عبء هذه الضغوط، تستطيع أن تركز جهودها في اتجاه تقدمها الروحاني بسهولة وثقة، بالإضافة إلى تأدية واجباتها تجاه أسرتها ومجتمعها.

وحتى الحجاب الإسلامي الذي يشيع البعض أنه يقيد حرية المرأة ويؤدي إلى انعزالها عن المجتمع، فقد كان سببا في تحريرها من قيود اجتماعية كثيرة كانت تؤخر تقدمها، وثبت أنه نعمة عظيمة للمرأة من رب العباد.

الحجاب نفسه دليل على أن الإسلام لا يعزل المرأة عن المجتمع ولا يحبسها في بيتها؛ وهذا لأن المرأة مطلوب منها مراعاة الحجاب فقط أثناء وجود من هم خارج دائرة أفراد أسرتها المباشرين. وهذا الوضع يكون عادة خارج المنـزل. فلو كان الإسلام يحبس المرأة المسلمة في بيتها ويعزلها عن المجتمع الخارجي، فما الداعي للتعاليم القرآنية المتعلقة بالحجاب؟ لن تكون لها أي ضرورة. ولكن بما أن هذه التعاليم موجودة في القرآن الكريم فإن هذا يثبت أن الإسلام بكل تأكيد لا يحرم المرأة من التعامل مع المجتمع خارج بيتها ولا يمنعها من التعليم أو العمل كما يدَّعي البعض. إن الحجاب الإسلامي يُمكِّنها من الخروج من بيتها دون التعرض لأي ضرر أو أذى، ويهيئها أيضا على عدم الاعتماد على مظهرها الخارجي من أجل تحقيق أهداف حياتها. وبذلك تُفتح لها سبل التطور والرقي المادي والروحاني.

لقد حرر الإسلام المرأة المسلمة من أعباء ومشاكل كثيرة تواجهها وتعاني منها بقية النساء في المجتمعات الحديثة اليوم. فأين أنت يا قاسم أمين من الصادق الأمين؟

ويجب أن نتذكر هنا أن رسول الرحمة لم يكن محرر المرأة فقط، ولم يكن  محرر العبيد فقط، ولم يعلِّم الناس كيفية تأدية حقوق اليتامى والفقراء والمساكين والمحتاجين والضعفاء والمظلومين فقط، فخلَّصهم من ظلم المجتمعات لهم، إنما كان فوق ذلك كله، لقد كان في الحقيقة محرر الإنسانية جمعاء. فقد خلَّص الناس من كافة الحواجز والسلاسل التي قيدتهم ومنعتهم من التقدم الروحاني، وبالتالي فقد حررهم من عبودية الحياة المادية وأطلق سراحهم كي يحلقوا عاليًا في السماوات الروحانية، ومنحهم حياة السكينة والاطمئنان.

وإلى يومنا هذا، كل من يتبع خطاه يستفيد من قوته القدسية وتأثيره الروحاني ويحيا حياةً فردوسية دائمة، وينعم بالسكينة والقرار في “مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر” ويتمتع للأبد بقرب ورضى رب العباد.

Share via
تابعونا على الفايس بوك